من يملك الوسائل الإعلامية في الهند؟

حزب المؤتمر الحاكم يسعى لامتلاك قناة إخبارية

مناظرة تلفزيونية حول تملك وسائل الإعلام في الهند
مناظرة تلفزيونية حول تملك وسائل الإعلام في الهند
TT

من يملك الوسائل الإعلامية في الهند؟

مناظرة تلفزيونية حول تملك وسائل الإعلام في الهند
مناظرة تلفزيونية حول تملك وسائل الإعلام في الهند

تثير مسألة إذا ما كان ينبغي السماح للأحزاب السياسية والمؤسسات التجارية بامتلاك وإدارة وسائل إعلامية، جدلا في الهند منذ فترة طويلة. وتزداد القضية سخونة مع توارد تقارير عامة في الآونة الأخيرة تفيد بأن حزب المؤتمر - أكبر حزب سياسي يحكم الهند لأطول فترة منذ استقلالها قد يمتلك قناة إخبارية قريبا.
وبالتزامن مع هذه التقارير، نصت هيئة تنظيم الاتصالات في الهند، في تقرير لها الشهر الماضي، على منع الكيانات - بما فيها الأحزاب السياسية والمؤسسات الدينية ووزارات الحكومة المركزية وحكومات الولايات والهيئات الممولة حكوميا - بشكل قاطع من إقحام نفسها في قطاعات البث وتوزيع القنوات التلفزيونية، كما أوصت بفرض عدة قيود على الشركات المعنية في هذا الصدد، مشيرة إلى الممارسات المتبعة في بعض الدول، مثل المملكة المتحدة وألمانيا والنمسا وكندا، التي لا تسمح للأحزاب السياسية بامتلاك قنوات فضائية.
من الذي يملك وسائل الإعلام في الهند؟ تعتبر إجابة هذا السؤال صعبة؛ فهناك كثير من المؤسسات الإعلامية التي تمتلكها وتسيطر عليها مجموعة واسعة من الكيانات - وتشمل الهيئات الاعتبارية، والمجتمعات، والاتحادات الاحتكارية، والأفراد. كما أن المعلومات عن مثل هذه المؤسسات والأشخاص مشتتة، وغير مكتملة، وقديمة؛ مما يجعل من الصعب جمعها وتحليلها.
ولا يعد امتلاك الأحزاب وسائل إعلامية ظاهرة جديدة في الهند، حيث يمتلك كثير من الأحزاب (والأفراد الحزبيين) صحفًا وقنوات فضائية ومواقع رقمية يستخدمونها في المقام الأول لأغراض دعائية. وتسود هذه الظاهرة بشكل خاص في جنوب الهند، التي يستثمر كل حزب سياسي فيها تقريبا الإعلانات في الوسائل الإعلامية من أجل الوصول إلى قاعدته الانتخابية وخارجها أيضا. وتعود ملكية بعض القنوات الفضائية مثل «صن تي في»، و«كالايجنار تي في»، و«ماكال تي في»، إلى بعض السياسيين وعائلاتهم، الذين استغلوا النشرات الإخبارية لتقديم تغطية إيجابية عن حزب أو آخر. كما امتنعت بعض هذه القنوات عن تغطية القضايا التي قد تلقي بظلالها على الحزب الذي تنتمي إليه.
تحولت المؤسسات الإعلامية الهندية، على مدى سنوات، إلى أعمال تجارية كبيرة؛ عن طريق شراء المجموعات التجارية حصصا كبيرة في الوسائل الإعلامية. وأبرز نموذج على ذلك: امتلاك شركة «ريلاينس للصناعات المحدودة» (ريلاينس إندستريز) - المملوكة لقطب الأعمال الهندي «موكيش أمباني» - مصالح تجارية في قطاع الاتصالات من خلال شركة «إندبندنت ميديا ترست» التابعة لها. وسيطرت شركة أمباني على أكبر تكتل للشركات الإعلامية في الهند «نتورك» - وفرعه «تي في 18» - الذي يسيطر على قنوات فضائية مثل «سي إن بي سي - تي في 18»، و«سي إن بي سي أواز»، و«سي إن بي سي - آي بي إن»، و«آي بي إن 7»، و«آي بي إن - لوكمات». ولا يعد استحواذ «موكيش أمباني» على حصة كبيرة من سوق القنوات الفضائية المظهر الوحيد القوي على هذا الاتجاه؛ ففي عام 2012، استحوذ تكتل آخر كبير لديه نفوذ عميق في قطاع الاتصالات - «أديتيا بيرلا»، الذي يدير مجموعة «هندوستان تايمز» منذ زمن بعيد - على حصة كبيرة في شركة «ليفنج ميديا إنديا ليمتد» التي تدير مجموعة «إنديا توداي» التي تدير الكثير من الإصدارات المطبوعة والقنوات الفضائية مثل «آج تاك»، و«تيج»، و«إنديان توداي تي في». وبالمثل، استولت مؤسسة «أوسوال جرين تك» التجارية على حصة كبيرة من تلفزيون نيودلهي «إن دي تي في» عبر صفقتين منفصلتين أبرمتهما ذراعاها الاستثماريتان «ميريل لينش» و«نومورا كابيتال».
وكذلك تمثل مجموعة «آي تي في ميديا» - التي تدير عدة قنوات فضائية مثل «نيوز إكس» و«إنديا نيوز» - نموذجا على عودة ملكية القنوات الإخبارية إلى أطراف سياسية وإجرامية؛ إذ تعود ملكية «آي تي في» إلى «كارثيكيا شارما»، نجل زعيم بحزب المؤتمر تلقى شقيقه حكما بالسجن المؤبد في قضية قتل. ويسيطر «راجيف شوكلا»، وزير سابق من حزب المؤتمر»، هو وزوجته «أنورادا براساد» على قناة «نيوز 24».
وبشكل عام، تجذب الأخبار 7 في المائة فقط من الجمهور في الهند، ونسبة الخُمس من الإعلانات التلفزيونية. ومع ذلك، فإن نسبة النصف تقريبا - من إجمالي 800 قناة فضائية مرخصة على الأقل - عبارة عن قنوات إخبارية، ويستمر البث في ثُلثها طوال 24 ساعة. وهذه النسبة كبيرة للغاية بالمقارنة مع الدول الأخرى، لا سيما عندما يتفق الجميع على أن القنوات الفضائية تحولت إلى مجرد ثقوب مالية سوداء ذات حصة سوقية ضعيفة. ورغم ذلك، يستمر إطلاق المزيد والمزيد من القنوات الإخبارية، ويستمر تدفق الأموال إليها، لكن لماذا؟
قال الدكتور سوباش شاندرا، رئيس أكبر شبكة تلفزيونية في الهند «زي ميديا»: «انطلقت مؤسساتنا الإعلامية في البداية على أيدي المناضلين من أجل الحرية، مثل راجا رام موهان روي، لإعلام الناس وتمكينهم، لكن الآن، أطلقت بعض الكيانات شركات إعلامية لتعمل بمثابة غطاء على أنشطتها غير القانونية. والآن أصبحت ملكية الوسائل الإعلامية - وبالأخص القنوات الإخبارية - مبهمة. وتشكل التعقيدات الرقابية مصدر قلق للإعلام، وفي ظل وجود نماذج أعمال سيئة، حان الوقت لإدراك أننا بحاجة إلى إطار محدد من القواعد التي تخضع للرقابة الإعلامية من أجل استبعاد هذه الأطراف غير القانونية. إننا نحتاج الآن إلى مجلس إعلامي يتحلى بأخلاقيات إعلامية وقواعد سلوكية قوية ويتوخى الحرص الواجب».
وفي مجموعة من التوصيات التي قد تغير طريقة تنظيم وإدارة وسائل الإعلام الهندية، نصت هيئة تنظيم الاتصالات على أن أي كيان يمتلك 32 في المائة من الحصة السوقية للمنصتين الإعلاميتين المطبوعة والإلكترونية يجب عليه إما ترك إحداهما أو تقليص النسبة إلى 20 في المائة. ويتعلق حساب الحصة السوقية 32 في المائة بالمنطقة الجغرافية واللغات أيضا. كما أوصت الهيئة بأنه في حالة الإعلانات تحت مظلة كلمة المحرر، يجب كتابة عبارة واضحة لإخلاء المسؤولية - بالخط العريض - تنص على أن المحتوى التالي مدفوع الأجر.
وقال الصحافي الكبير «كودليب نأيار»، في مقال له حول تزايد ملكية وسائل الإعلام لأطراف غامضة، بصحيفة «ديكان هيرالد»، إنه لم يفاجأ من تجاهل القنوات الفضائية قضية استحواذ شركة «ريلاينس» على وسائل إعلامية، لكنه تعجب من عدم مناقشتها على نطاق أوسع. وأوضح: «ما أذهلني حقا أن الصحافة أوردت الصفقة في تقاريرها الإخبارية، لكنها فضلت التزام الهدوء. وعلى الرغم من أن الصحافة لم تعد مهنة، وأصبحت تجارة في الهند، إلا أنني كنت أتوقع بعض ردود الأفعال، على الأقل من نقابة المحامين. إذن، يتضح الآن سبب رفض النقابة اقتراحي بأن يعلن المحررون عن ممتلكاتهم للجمهور، مثلما يطالبون هم الساسة بفعل ذلك. ويثير ازدواج المعايير السخرية من المكانة الرفيعة التي تحظى بها وسائل الإعلام في الهند».



تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)
TT

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)

تحدثت شركة «غوغل» عن خطتها لتطوير عملية البحث خلال عام 2025، وأشارت إلى تغييرات مرتقبة وصفتها بـ«الجذرية»؛ بهدف «تحسين نتائج البحث وتسريع عملية الوصول للمعلومات»، غير أن الشركة لم توضح كيفية دعم الناشرين وكذا صُناع المحتوى، ما أثار مخاوف ناشرين من تأثير ذلك التطوير على حقوق مبتكري المحتوى الأصليين.

الرئيس التنفيذي لشركة «غوغل»، سوندار بيتشاي، قال خلال لقاء صحافي عقد على هامش قمة «ديل بوك» DealBook التي نظمتها صحيفة الـ«نيويورك تايمز» خلال ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نحن في المراحل الأولى من تحول عميق»، في إشارة إلى تغيير كبير في آليات البحث على «غوغل».

وحول حدود هذا التغيير، تكلّم بيتشاي عن «اعتزام الشركة اعتماد المزيد من الذكاء الاصطناعي»، وتابع أن «(غوغل) طوّعت الذكاء الاصطناعي منذ عام 2012 للتعرّف على الصور. وعام 2015 قدّمت تقنية (رانك براين) RankBrain لتحسين تصنيف نتائج البحث، غير أن القادم هو دعم محرك البحث بتقنيات توفر خدمات البحث متعدد الوسائط لتحسين جودة البحث، وفهم لغة المستخدمين بدقة».

فيما يخص تأثير التكنولوجيا على المبدعين والناشرين، لم يوضح بيتشاي آلية حماية حقوقهم بوصفهم صُناع المحتوى الأصليين، وأشار فقط إلى أهمية تطوير البحث للناشرين بالقول إن «البحث المتقدم يحقق مزيداً من الوصول إلى الناشرين».

كلام بيتشاي أثار مخاوف بشأن دور «غوغل» في دعم المحتوى الأصيل القائم على معايير مهنية. لذا، تواصلت «الشرق الأوسط» مع «غوغل» عبر البريد الإلكتروني بشأن كيفية تعامل الشركة مع هذه المخاوف. وجاء رد الناطق الرسمي لـ«غوغل» بـ«أننا نعمل دائماً على تحسين تجربة البحث لتكون أكثر ذكاءً وتخصيصاً، وفي الأشهر الماضية كنا قد أطلقنا ميزة جديدة في تجربة البحث تحت مسمى (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews، وتعمل هذه الميزة على فهم استفسارات المستخدمين بشكل أفضل، وتقديم نتائج بحث ملائمة وذات صلة، كما أنها توفر لمحة سريعة للمساعدة في الإجابة عن الاستفسارات، إلى جانب تقديم روابط للمواقع الإلكترونية ذات الصلة».

وحول كيفية تحقيق توازن بين استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين البحث وضمان دعم مبتكري المحتوى الأصليين وحمايتهم، قال الناطق إنه «في كل يوم يستمر بحث (غوغل) بإرسال مليارات الأشخاص إلى مختلف المواقع، ومن خلال ميزة (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews المولدة بالذكاء الاصطناعي، لاحظنا زيادة في عدد الزيارات إلى مواقع الناشرين، حيث إن المُستخدمين قد يجدون معلومة معينة من خلال البحث، لكنهم يريدون المزيد من التفاصيل من المصادر والمواقع».

محمود تعلب، المتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي بدولة الإمارات العربية المتحدة، رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن التغييرات المقبلة التي ستجريها «غوغل» ستكون «ذات أثر بالغ على الأخبار، وإذا ظلّت (غوغل) ملتزمة مكافحة المعلومات المضللة وإعطاء الأولوية لثقة المُستخدم، فمن المرجح أن تعطي أهمية أكبر لمصادر الأخبار الموثوقة وعالية الجودة، والذي من شأنه أن يفيد مصادر الأخبار الموثوقة».

أما فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي المصري والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، فقال لـ«الشرق الأوسط» خلال حوار معه: «التغيير من قبل (غوغل) خطوة منطقية». وفي حين ثمّن مخاوف الناشرين ذكر أن تبعات التطوير «ربما تقع في صالح الناشرين أيضاً»، موضحاً أن «(غوغل) تعمل على تعزيز عمليات الانتقاء للدفع بالمحتوى الجيد، حتى وإن لم تعلن بوضوح عن آليات هذا النهج، مع الأخذ في الاعتبار أن (غوغل) شركة هادفة للربح في الأساس».