مباحثات السيسي والسبسي في القاهرة تناقش ملفات الحرب في ليبيا والإرهاب

وزير الدولة التونسي المكلف بالشؤون العربية والأفريقية لـ«الشرق الأوسط»

عبد الفتاح السيسي  ....الباجي قائد السبسي
عبد الفتاح السيسي ....الباجي قائد السبسي
TT

مباحثات السيسي والسبسي في القاهرة تناقش ملفات الحرب في ليبيا والإرهاب

عبد الفتاح السيسي  ....الباجي قائد السبسي
عبد الفتاح السيسي ....الباجي قائد السبسي

كشف وزير الدولة التونسي المكلف بالشؤون العربية والأفريقية التهامي العبدولي لـ«الشرق الأوسط»، أن زيارة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي التي تبدأ اليوم، إلى مصر وتتواصل غدًا (الاثنين)، ستمثل نقلة نوعية في علاقات البلدين وتساهم في تحقيق الكثير من الأهداف السياسية والاقتصادية. وأشار إلى أن توجيه الدعوة للرئيس التونسي لزيارة مصر والمشاركة في إحدى أهم المناسبات الوطنية والعربية، يؤكد على عراقة أواصر الأخوة التي تربط بين الشعبين والبلدين الشقيقين.
وبشأن المواضيع والملفات التي من المنتظر أن يتطرق لها الطرفان، قال العبدولي أن تحدي الإرهاب الذي يستهدف استقرار البلدين سيكون على رأس الاهتمامات، من دون إغفال الملف الليبي الذي تسعى كل من القاهرة وتونس إلى إيجاد حل سياسي للأزمة، وتجاوز حالة الانقسام السياسي الذي مهد إلى مزيد من تمدد التنظيمات الإرهابية في الاتجاهين.
ويتوقع أن تسعى مصر وتونس نحو تفعيل العمل الاستخباراتي وتبادل المعلومات حول المجموعات الإرهابية والتنسيق الأمني والسياسي بين أجهزة وسلطات البلدين من أجل ضمان الأمن والاستقرار بعد قيادتهما لثورات الربيع العربي.
ويبدأ الباجي قائد السبسي زيارة إلى القاهرة تستغرق يومين هي الأولى من نوعها منذ انتخابه رئيسًا لتونس ومباشرته منذ نحو تسعة أشهر لمهامه الرئاسية. ويرافقه في هذه الزيارة الهامة مجموعة من القيادات السياسية رفيعة المستوى من بينها وزير الداخلية ناجم الغرسلي، ووزير الخارجية الطيب البكوش، وكاتب الدولة للخارجية المكلف بالشؤون العربية والأفريقية التهامي العبدولي، كما يضم الوفد المرافق للرئيس التونسي قيادات أمنية وعسكرية، فضلاً عن رجال أعمال وشخصيات إعلامية، وهو ما يؤكد على أهمية هذه الزيارة.
ومن المنتظر أن يحضر الرئيس التونسي احتفالات مصر بذكرى العبور والاستعراض السنوي الذي تحتضنه العاصمة المصرية كضيف شرف للاستعراضات العسكرية التي تنظم سنويًا بمناسبة حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973.
ويتضمن برنامج الزيارة جلستي عمل على الأقل مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إضافة إلى اجتماعات مع كبار المسؤولين المصريين من بينهم رئيس الوزراء الجديد شريف إسماعيل.
ووفق خبراء في المجال السياسي والجيو - استراتيجي، فان القمة المصرية - التونسية ستسعى إلى تصحيح مسار العلاقات بين الطرفين، وتوضيح نقاط عدة، خصوصًا بعد ظهور خلافات بشأن عملية الانتقال السياسي في مصر ومساندة ائتلاف «الترويكا» بزعامة حركة «النهضة» للرئيس المصري المعزول محمد مرسي.
وفي كل الأحوال ستعيد هذه الزيارة ترتيب الكثير من الملفات والعلاقات على المستوى الإقليمي، خصوصًا منها تحدي إعادة الاستقرار إلى ليبيا. وتراهن العاصمتان على حسم مواقف الطرفين الليبيين قبل حلول يوم 20 أكتوبر الحالي، الذي يتوافق مع تاريخ نهاية الاعتراف الدولي ببرلمان طبرق، والتلويح بإمكانية التدخل العسكري من قبل تحالف عربي لإعادة الاستقرار إلى ليبيا.
من جهته، ذكر الوزير خميس الجهيناوي المستشار الدبلوماسي للرئيس التونسي لـ«الشرق الأوسط» أن: «محادثات القاهرة ستشمل رفع قيمة المبادلات الاقتصادية ومشاريع الشراكة ومستجدات الوضع في فلسطين المحتلة والصراع العربي - الإسرائيلي. إن القمة موعد لتفعيل العلاقات الثنائية بعد نجاح اجتماع اللجنة العليا المشتركة الذي عقد بتونس الشهر الماضي تحت رئاسة رئيسي حكومتي البلدين، الذي أسفر عن إبرام اتفاقيات جديدة للتعاون الاقتصادي والشراكة في قطاعات تنموية كثيرة، ومن بين أهدافه إعادة رفع قيمة المبادلات التجارية بين البلدين إلى ما لا يقل عن مليار دولار بعد أن انخفضت إلى أقل من مائة مليون دولار خلال الأعوام الماضية لأسباب كثيرة، من بينها اضطراب الأوضاع الأمنية والاجتماعية في تونس ومصر وليبيا، التي تفصل بينهما، والتي كانت تمثل طريقًا رئيسيًا للمبادلات التجارية البرية والبحرية في الاتجاهين».
وكشف أن تبادل المبعوثين والرسائل بين مصر وتونس أسفر عن «توافق كامل بين قيادتي البلدين حول سيناريوهات تسوية الأزمة في ليبيا، واستحالة حسمها عبر الاقتتال والحسم العسكري، على الرغم من استفحال الإرهاب وتوسع رقعته وارتفاع عدد ضحاياه»، معتبرًا أن «الحل سياسي، ويبدأ من خلال تعاون الأطراف المتنازعة مع بعثة الأمم المتحدة وتشكيل حكومة وحدة وطنية بالتوافق تشرف على كامل التراب الليبي».
يذكر أن بعض الأطراف الإعلامية والثقافية والسياسية والحقوقية التونسية سبق أن أعربت عن معارضتها تطوير علاقات تونس الجديدة مع عدد من العواصم العربية وبينها القاهرة، في مقابل تعليقات وسائل إعلام تونسية ناصرت إعطاء الأولوية لـ«البراغماتية خيار لتقاطع المصالح والأمن والاستقرار عربيًا، في مرحلة أصبحت فيه أغلب دول المنطقة من اليمن والخليج إلى سوريا ومصر وشمال أفريقيا مهددة بمزيد من العمليات الإرهابية وهجمات العصابات المسلحة والجريمة المنظمة».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.