تقدم الجيش اليمني في مأرب وتعز يمهد لاستعادة صنعاء بأقل الخسائر

محللون: الانقلابيون يلفظون أنفاسهم الأخيرة.. وتلاشي طموحات إيران في اليمن

مقاتلان من القبائل المناهضة للمتمردين يهرعان لأخذ مواقع في محافظة مأرب (رويترز)
مقاتلان من القبائل المناهضة للمتمردين يهرعان لأخذ مواقع في محافظة مأرب (رويترز)
TT

تقدم الجيش اليمني في مأرب وتعز يمهد لاستعادة صنعاء بأقل الخسائر

مقاتلان من القبائل المناهضة للمتمردين يهرعان لأخذ مواقع في محافظة مأرب (رويترز)
مقاتلان من القبائل المناهضة للمتمردين يهرعان لأخذ مواقع في محافظة مأرب (رويترز)

تتوالى انتصارات الجيش اليمني والمقاومة الشعبية المدعومة بقوات التحالف في المحافظات الشمالية بعد دحر الميليشيات من المحافظات الجنوبية، وهو ما يشير إلى اقتراب معركة الحسم وإنهاء الانقلاب الذي قاده المتمردون الحوثيون وحلفاؤهم من أنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
ورأى مراقبون ومحللون أن الانتصارات الأخيرة في مأرب وباب المندب تمهد الطريق نحو تحرير العاصمة صنعاء من الميليشيات. وقال الدكتور عبد الباقي شمسان أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء، إن استعادة مضيق باب المندب، وسيطرة الجيش والمقاومة الوطنية المدعومة من دول التحالف العربي له أكثر من أثر واقعي ودلالة رمزية. وأضاف شمسان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «السيطرة على الممر الحيوي رسالة للخارج قبل الداخل الذي وضع كثيرًا من التحفظات على الحسم العسكري والتوجه نحو التسوية بغض النظر عن تحقيق الأهداف التي تأسس عليها تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية»، مشيرًا إلى أن استعادة مضيق باب المندب يرفع من منسوب الثقة بالجيش والمقاومة الوطنية والتحالف العربي على حماية الملاحة الدولية، وهو ما يعطيها موقفا تفاوضيا قويا من خلال تقليل مخاطر الصراع.
ولفت شمسان إلى أن تحرير هذه المنطقة الاستراتيجية المهمة يمهِّد الطريق لتطهير ما تبقى من مناطق في محافظة تعز الواقعة وسط البلاد، التي تمثل موقعا استراتيجيًا في معادلة الصراع على مستوى الجغرافيا والسكان، ويمكن لذلك أن يوقف نزيف الدم والدمار والفوضى التي جلبها الانقلابيون إلى المدن التي احتلوها سواء في الشمال أو الجنوب. ويعتقد شمسان أن الهزائم الأخيرة للانقلابيين ستغير من مواقع القوى في فضاء الصراع العسكري والسياسي، علاوة على إضعاف معنويات الانقلابين وحليفتهم إيران التي راهنت على قدرتها على التحكم بالممر المائي الدولي وتهديد دول المنطقة من خلال ذلك.
ويقع باب المندب غرب البلاد، وهو البوابة الجنوبية للبحر الأحمر، وقد كان خلال العصور التاريخية سببًا للصراع الدولي بين القوى الاستعمارية الكبرى، خصوصا فرنسا وإيطاليا وإنجلترا، باعتباره مصدر تحكم بين الشرق والغرب، ويبلغ اتساع مضيق باب المندب 23.2 كيلومتر فيما بين رأس باب المندب شرقا ورأس سيعان غربا، وتطل ثلاث دول على المضيق، هي اليمن وإريتريا وجيبوتي، غير أن اليمن يتحكم في الممر الدولي، عبر جزيرة ميون التي لا تبعد عن اليابسة اليمنية سوى 4.8 كيلومتر، فيما تبعد عن الساحل الأفريقي 33 كيلومترًا.
ويعد المحلل السياسي عبد الله إسماعيل، انتقال إدارة معركة الشرعية من عدن إلى جبهتين جديدتين هما مأرب وتعز، بداية واضحة لمعركة تحرير صنعاء بمعناها الشامل، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذه التطورات على جبهة مأرب، وإن ظن البعض أنها بطيئة إلا أنها كما هو واضح تسير بخطط مدروسة تستهدف تحقيق انتصارات كاملة تؤسس للاتجاه للجوف وعمران والضغط على صعدة، وبما يعني عزل العاصمة من هذا الاتجاه». ويرى أن «التصور العام لمعركة تحرير محافظة تعز، يقوم على محور استنزاف كبير للمتمردين، ونجحت في تشتيت قواتهم»، مشيرا إلى أنه وعلى الرغم من شعور الكثيرين بخذلان تعز، فإن الشواهد تدل على غير ذلك، ويضيف أن «الدعم لجبهة تعز متواصل ولولا ذلك لسقطت منذ وقت مبكر، كما أن الانقلابيين لم يحققوا أي تقدم رغم امتلاكهم للقوة العسكرية بالمعسكرات التي خان قادتها وجنودها شرفهم العسكري وخضعوا لهذه الميليشيات، ويؤكد إسماعيل أن التطورات الأخيرة في تعز ومأرب، يمكن فهمها بأن المسارين متوازيان، فبمجرد تحقيق تقدم كبير في مأرب انعكس على جبهة تعز في تقدم مهم ومماثل».
وعن معركة صنعاء قال المحلل عبد الله إسماعيل إن «خطة معركة صنعاء تسير برؤية واضحة، وأن مسألة حسم المعركة في تعز أصبحت مسألة أيام، وستصنع مع جبهة مأرب طرفي الكماشة للضغط على صنعاء للوصول إلى تسليم وانسحاب قد يجنّب مدينة صنعاء المعركة المباشرة»، وتابع أن «الجهد الأصعب في معركة صنعاء هو جبهة مأرب - الجوف - عمران - البيضاء، أما جبهة تعز - الحديدة - إب فهي في متناول الحسم بجهد عسكري أقل».
أما الإعلامي مأرب الورد فيرى أن التقدم الكبير في محافظتي تعز ومأرب يمثل مؤشرًا قويًا على اقتراب الحسم وفصله الأخير سيكون استعادة العاصمة صنعاء. وقال الورد إن «استعادة الجيش الوطني والمقاومة بدعم التحالف مواقع استراتيجية في مأرب مثل تبة المصارية وجبل البلق وسد مأرب وقطع خطوط الإمداد للمتمردين يدل على أن تحرير مأرب مسألة وقت، وهذا سيتبعه تحرير الجوف، وبالتالي تأمين محافظات الحدود واستنزاف الانقلابيين حد الإنهاك لتسهيل معركة صنعاء بحكم القرب الجغرافي»، معتبرا أن تحرير باب المندب من قبضة الانقلابيين رسالة قوية من الحكومة الشرعية لإيران وحلفائها بأن نفوذهم يتلاشي ويقترب من نهايته.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.