التطورات العسكرية في سوريا تدفع «الائتلاف» و«الجيش الحر» لبحث خيارات المواجهة

البنتاغون يبحث كيفية التعامل مع الضربات الروسية.. والمعارضة السورية تتوعد برد مؤلم على «العدوان الروسي»

سوري يقف أمام حفرة نتجت بسبب قذيفة إثر غارة جوية روسية شنت على بلدة اللطامنة في ريف حماه بشمال غربي سوريا (رويترز)
سوري يقف أمام حفرة نتجت بسبب قذيفة إثر غارة جوية روسية شنت على بلدة اللطامنة في ريف حماه بشمال غربي سوريا (رويترز)
TT

التطورات العسكرية في سوريا تدفع «الائتلاف» و«الجيش الحر» لبحث خيارات المواجهة

سوري يقف أمام حفرة نتجت بسبب قذيفة إثر غارة جوية روسية شنت على بلدة اللطامنة في ريف حماه بشمال غربي سوريا (رويترز)
سوري يقف أمام حفرة نتجت بسبب قذيفة إثر غارة جوية روسية شنت على بلدة اللطامنة في ريف حماه بشمال غربي سوريا (رويترز)

يناقش قادة البنتاغون الخيارات المطروحة للتعامل مع التحركات الروسية وقدرات واشنطن على استخدام القوة العسكرية لحماية قوات المعارضة السورية المدعومة من واشنطن من الضربات الروسية العشوائية.
وقال مسؤولون أميركيون إن كبار القادة العسكريين وهيئة الأركان المشتركة للجيش يتدارسون كيفية حماية السوريين الذين تدربهم الولايات المتحدة وتداعيات اتخاذ أي خطوات بما يؤدي إلى مواجهة مع روسيا. واعتبر المسؤولون أي خطأ يؤدي إلى المواجهة مع روسيا «كارثة محتملة يجب تجنبها».
وتواجه الإدارة الأميركية مأزقا في كيفية التصدي للضربات الجوية الروسية داخل الأراضي السورية وكيفية حماية قوات المعارضة السورية التي تدربها واشنطن وفي الوقت نفسه تتجنب أي تصادم مع روسيا وقواتها الجوية. وأشار مسؤولون أميركيون إلى اعتقادهم أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرتكب خطأ سوف يندم عليه وأنه يدفع الجيش الروسي إلى معركة خاسرة يمكن أن تشعل التطرف داخل روسيا.
وتوقع المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست أن تدخل بوتين في سوريا سيجعل روسيا هدفا أكبر للمتشددين، وقال إرنست: «في نهاية المطاف فإن الروس هم الذين سيدفعون الثمن الأكبر وستكون هناك عواقب وخيمة على روسيا أكثر خطورة من أي تحرك دبلوماسي يمكن فرضه من خلال المجتمع الدولي».
وفرضت العمليات العسكرية الروسية في سوريا، بعد قصفها المدنيين ومواقع «الجيش الحرّ» واقعًا جديدًا على المعارضة، ودفعتها إلى البحث عن خيارات مناسبة للردّ، في ظلّ ما اعتبرته «تواطؤًا أميركيًا ودوليًا مع الروس». واستدعت هذه التطورات عقد لقاءات متتالية بين المعارضة السياسية ممثلة بالائتلاف الوطني، والعسكرية ممثلة بالجيش السوري الحرّ وباقي الفصائل المسلحة التي تقاتل النظام وحلفاءه للبحث في سبل المواجهة، ومن المتوقع أن يصدر عنها بيان خلال ساعات تؤكد خلاله أن الشعب السوري وحده من سيحارب «داعش» والإرهاب، لكنه لن يقوم بهذه المهمة قبل رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وفق ما كشف عضو المجلس العسكري أبو أحمد العاصمي.
وفي وقت وصف فيه رئيس الائتلاف السوري المعارض خالد خوجة، الوجود العسكري الروسي في بلاده بـ«الاحتلال» لكون المناطق التي قصفها الطيران الروسي خالية من تنظيم داعش، وطالب المجتمع الدولي بـ«حماية المدنيين عبر إقامة مناطق آمنة»، اعتبر نائب رئيس الائتلاف هشام مروة، أن «العدوان الذي تشنه روسيا على الشعب السوري لم يعد مقبولاً، لأنها تجاوزت كل الاتفاقات الموقعة بين الدولتين». وتوقع «ردًا مؤلمًا من قبل الجيش السوري الحرّ والثوار على العربدة الروسية». بينما لوّح عضو المجلس العسكري في الجيش الحرّ «أبو أحمد العاصمي» بـ«بالوصول إلى القواعد الروسية وضربها بالعمق».
وذكّر مروة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بأن «ما تتذرع به روسيا من أن هناك اتفاقات بين الدولتين غير صحيح، لأن هذه الاتفاقات تجيز التحرك ضد تهديد خارجي، أما قتل الشعب السوري خصوصًا المدنيين، فهذه ليست إلا جرائم حرب». مؤكدًا أن «ما يقوم به الروس هو احتلال دولة لدولة أخرى، ودعم لنظام مارق ولجرائم إيران والميليشيات اللبنانية (حزب الله) والعراقية والأفغانية التابعة لها».
نائب رئيس الائتلاف، الموجود في نيويورك للمشاركة في لقاءات تعقد على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، دعا إلى «موقف حازم من المجتمع الدولي، لأن أفعال روسيا في سوريا هي تكرار لما فعلته في أوكرانيا، ما يشكل خرقًا لميثاق الأمم المتحدة». وقال: «إن لقاء ممثلين من الائتلاف والجيش الحرّ ليس جديدًا إنما هو استكمال لما بدأناه في مطلع السنة الحالية سواء لجهة تطوير الموقف السياسي مع المجموعات المعارضة مثل هيئة التنسيق وغيرها، أو لجهة بلورة مواقف مشتركة مع الجيش الحر وقيادات الفصائل الثورية العسكرية، التي تقبل برؤية الائتلاف لمستقبل سوريا».
وطالما أن الوضع اليوم يختلف عمّا قبله بعد الدخول العسكري الروسي، أعلن مروة أن «هناك نشاطًا محمومًا لأعضاء الائتلاف، سواء الموجودين الآن في نيويورك، أو في القاهرة وتركيا وعواصم الدول المؤثرة في الأزمة السورية»، كاشفًا أن «الجيش الحرّ يستعدّ لعمليات نوعية تشكّل ردًا مؤلمًا على العدوان الروسي، سواء ضدّ القوات الروسية أو ضدّ النظام السوري وباقي القوى والدول المتحالفة معهما». وأضاف: «لا نستبعد ردًا قريبًا جدًا، وأرجو أن تكون هذه رسالة للعالم بأن الشعب السوري لن يسكت وسيردّ بقوة، وهو قادر على توجيه ضربات مؤثرة».
وبينما يرى نائب رئيس الائتلاف، أن هناك «صمتًا قاتلاً من قبل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية»، أردف قائلا: «سنعمل من هنا في نيويورك على صدور مواقف حازمة من ضمن مجموعة أصدقاء سوريا، لاتخاذ موقف صارم، ولنقول للمحتلين إن جرائمكم لن تكون مبررة، وعلى كل من يدعي صداقة الشعب السوري أن يثبت ذلك، إما بالتدخل العسكري المباشر لحماية الشعب السوري، وإما بتزويد الجيش الحر بسلاح قادر على مواجهة هذا العدوان». وكشف مروة عن اجتماع سيعقد خلال ساعات قليلة مع الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) وسبق ذلك لقاءات مع الأميركيين والأتراك وأعضاء في جامعة الدول العربية لبلورة موقف وردّ واضح على جرائم الروس وحلفائهم ضدّ الشعب السوري.
من جهته، أعلن عضو المجلس العسكري «أبو أحمد العاصمي» لـ«الشرق الأوسط»، أن «اللقاءات متواصلة الآن بين الجيش الحر وفصائل المعارضة المسلحة من جهة والائتلاف من جهة أخرى، وتم التوصل إلى بيان مشترك خصوص العدوان الروسي». وأكد أن «هناك 73 فصيلاً مسلحًا في كل الجبهات، توحدت آراؤها مع القيادة السياسية ممثلة بالائتلاف، وسيصدر بيان عنهم خلال ساعات يشدد على أن الشعب السوري وحده من سيحارب (داعش) والإرهاب، لكنه لن يقوم بهذه المهمة قبل رحيل بشار الأسد وزمرته».
وعن أبعاد دخول قوات برية إيرانية إلى سوريا، توقع «العاصمي» في تصريحه «بدء معركة جديدة في شمال سوريا وفي محيط دمشق، سيخوضها الروس والإيرانيون، لكن رد الفعل سيكون أكبر مما يتوقع هؤلاء»، مضيفا: «برأيي أن المعارضة ستلجأ إلى خياراتها المتاحة، أقلها دخول كل نقطة يوجد فيها حلفاء النظام السوري، وفرض نقاط تماس قوية تجعل من الصعب قصفها من قبل الاحتلال الروسي والإيراني». ولا يستبعد «العاصمي» أن «يصل الثوار إلى عمق القواعد الروسية الموجودة في سوريا وتنفيذ عمليات ضدها».



الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
TT

الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)

كثفت الولايات المتحدة ضرباتها الجوية في الأسابيع الأخيرة على مواقع الجماعة الحوثية بمحافظة عمران، لا سيما مديرية حرف سفيان، في مسعى لتدمير أسلحة الجماعة المخزنة في مواقع محصنة تحت الأرض، ما جعل الجماعة تنقل كميات منها إلى معقلها الرئيسي في صعدة (شمال).

وكشفت مصادر يمنية مطلعة أن الجماعة الحوثية نقلت خلال الأيام الأخيرة مركز الصواريخ والطائرات المسيرة من مناطق عدة بمحافظة عمران إلى محافظة صعدة، وذلك تخوفاً من استهداف ما تبقى منها، خصوصاً بعد تعرض عدد من المستودعات للتدمير نتيجة الضربات الغربية في الأسابيع الماضية.

وكانت المقاتلات الأميركية شنت في الآونة الأخيرة، غارات مُكثفة على مواقع عسكرية تابعة للحوثيين، كان آخرها، الجمعة، حيث تركزت أغلب الضربات على مديرية «حرف سفيان» الواقعة شمال محافظة عمران على حدود صعدة.

وبحسب المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، نقلت الجماعة الحوثية، تحت إشراف عناصر من «سلاح المهندسين والصيانة العسكرية»، مجموعة صواريخ متنوعة ومسيّرات ومنصات إطلاق متحركة وأسلحة أخرى متنوعة إلى مخازن محصنة في مناطق متفرقة من صعدة.

دخان يتصاعد في صنعاء عقب ضربات أميركية استهدفت موقعاً حوثياً (رويترز)

وتمت عملية نقل الأسلحة - وفق المصادر - بطريقة سرية ومموهة وعلى دفعات، كما استقدمت الجماعة الحوثية شاحنات نقل مختلفة من صنعاء بغية إتمام العملية.

وتزامن نقل الأسلحة مع حملات اختطاف واسعة نفذتها جماعة الحوثيين في أوساط السكان، وتركزت في الأيام الأخيرة بمدينة عمران عاصمة مركز المحافظة، ومديرية حرف سفيان التابعة لها بذريعة «التخابر لصالح دول غربية».

واختطف الانقلابيون خلال الأيام الأخيرة، نحو 42 شخصاً من أهالي قرية «الهجر» في حرف سفيان؛ بعضهم من المشرفين والمقاتلين الموالين لهم، بعد اتهامهم بالتخابر مع أميركا وإسرائيل، وفقاً للمصادر.

وجاءت حملة الاختطافات الحوثية عقب تنفيذ الجيش الأميركي في الأسبوعين الماضيين، عشرات الغارات التي استهدفت منشآت عسكرية وأماكن تجمعات للجماعة في حرف سفيان، أسفر عنها تدمير منشآت استُخدمت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية أميركية بجنوب البحر الأحمر وخليج عدن.

أهمية استراتيجية

نظراً للأهمية الاستراتيجية لمنطقة «حرف سفيان» في عمران، فقد تركزت الغارات على استهداف منشآت ومواقع متفرقة في المديرية ذاتها.

وتُعدّ مديرية «حرف سفيان» كبرى مديريات محافظة عمران من أهم معاقل الجماعة الحوثية بعد محافظة صعدة، وذلك نظراً لمساحتها الكبيرة البالغة نحو 2700 كيلومتر مربع، مضافاً إلى ذلك حدودها المتصلة بـ4 محافظات؛ هي حجة، والجوف، وصعدة، وصنعاء.

أنصار الحوثيين يحملون صاروخاً وهمياً ويهتفون بشعارات خلال مظاهرة مناهضة لإسرائيل (أ.ب)

وكان قد سبق لجماعة الحوثيين تخزين كميات كبيرة من الأسلحة المنهوبة من مستودعات الجيش اليمني في مقرات عسكرية بمحافظة عمران؛ منها معسكر «اللواء التاسع» بضواحي مدينة عمران، و«لواء العمالقة» في منطقة الجبل الأسود بمديرية حرف سفيان، وموقع «الزعلاء» العسكري الاستراتيجي الذي يشرف على الطريق العام الرابط بين صنعاء وصعدة، إضافة إلى مقار ومواقع عسكرية أخرى.

وإلى جانب ما تُشكله هذه المديرية من خط إمداد رئيسي للانقلابيين الحوثيين بالمقاتلين من مختلف الأعمار، أكدت المصادر في عمران لـ«الشرق الاوسط»، أن المديرية لا تزال تُعدّ مركزاً مهماً للتعبئة والتجنيد القسري لليمنيين من خارج المحافظة، لكونها تحتوي على العشرات من معسكرات التدريب التي أسستها الجماعة في أوقات سابقة، وترسل إليها المجندين تباعاً من مناطق عدة لإخضاعهم للتعبئة الفكرية وتلقي تدريبات قتالية.

صورة عامة لحاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» (رويترز)

وتقول المصادر إن الضربات الأميركية الأخيرة على محافظة عمران كانت أكثر إيلاماً للحوثيين من غيرها، كونها استهدفت مباشرةً مواقع عسكرية للجماعة؛ منها معمل للطيران المسير، وكهوف تحوي مخازن أسلحة وأماكن خاصة بالتجمعات، بعكس الغارات الإسرائيلية التي تركزت على استهداف البنى التحتية المدنية، خصوصاً في صنعاء والحديدة.

وترجح المصادر أن الأميركيين كثفوا ضرباتهم في مديرية حرف سفيان بعد أن تلقوا معلومات استخبارية حول قيام الحوثيين بحفر ملاجئ وأنفاق ومقرات سرية لهم تحت الأرض، حيث يستخدمونها لعقد الاجتماعات وإقامة بعض الدورات التعبوية، كما أنها تحميهم من التعرض لأي استهداف مباشر.