بوتين في باريس اليوم.. والملف السوري على جدول لقاءين منفصلين مع هولاند وميركل

باريس متمسكة بشروطها الثلاثة للتعاون مع موسكو.. وتوقعات بسعي روسي للمقايضة بين الملفين السوري والأوكراني

بوتين في باريس اليوم.. والملف السوري على جدول لقاءين منفصلين مع هولاند وميركل
TT

بوتين في باريس اليوم.. والملف السوري على جدول لقاءين منفصلين مع هولاند وميركل

بوتين في باريس اليوم.. والملف السوري على جدول لقاءين منفصلين مع هولاند وميركل

بعد نيويورك، تنتقل الأزمة السورية اليوم إلى باريس بمناسبة القمة الرباعية الخاصة بأوكرانيا التي دعت إليها فرنسا بحضور الرؤساء الروسي والأوكراني والفرنسي والمستشارة الألمانية. وعلى هامش القمة التي يستضيفها قصر الإليزيه ابتداء من ظهر اليوم، سيعقد اجتماعان رئيسيان الأول يضم الرئيس فرنسوا هولاند والرئيس فلاديمير بوتين والثاني أنجيلا ميركل والرئيس الروسي حيث من المنتظر أن يكون الملف السوري على رأس المواضيع المطروحة وفق ما أعلنته أمس مصادر رفيعة في الرئاسة الفرنسية. وتكمن أهمية لقاءات باريس في نقطتين رئيسيتين: الأولى، أنها تأتي بعد أن ظهر بوضوح اتساع الانخراط الروسي في الحرب السورية واتضاح أن ما تريده موسكو ليس تحديدا ضرب قواعد «داعش» على الأراضي السورية كما كانت تدعي بقدر ما هو ضرب معارضي النظام إلى أي جهة انتموا بما في ذلك المجموعات التي تحظى برعاية ودعم أميركي - أوروبي - إقليمي. والنقطة الثانية معرفة ما إذا كان بوتين سيستفيد من القمة لكشف «مطالبه الحقيقية» أو رغبته بإجراء مقايضة بين الملفين السوري والأوكراني وتحديدا في موضوع العقوبات الغربية المفروضة على بلاده.
تقول المصادر الرئاسية الفرنسية إنه «من الصعب الربط بين المسرحين السوري والأوكراني اللذين يتمتعان بديناميكيات مختلفة وبالتالي لن يكون من السهل إيجاد روابط بينهما» وبالتالي فإنها تستبعد حصول «مقايضة» بين الملفين. لكنها بالمقابل، تعتبر أن الفرصة سانحة لمعرفة ما يريده الرئيس الروسي ومضمون خططه في سوريا وخصوصا بالنسبة لمصير الرئيس السوري. وترى مصادر فرنسية أخرى أن الطرف الغربي - العربي الذي قبل تقديم تنازل أولي عن طريق التخلي عن المطالبة برحيل الأسد كشرط مسبق للتسوية وقوبل التفاوض معه على المرحلة الانتقالية لم يحصل حتى الآن على خطوة مقابلة من الجانب الروسي الذي ما زالت مواقفه بالغة التشدد لجهة التمسك بالأسد لا بل سعيه إلى إعادة تأهيله وجعله أحد محاور الحرب على «داعش» وعلى الإرهاب بشكل عام. وتضيف هذه المصادر أنه طالما بقيت المواقف الروسية «مغلقة»، فإنه سيكون من الصعب على الطرف الغربي أن يظهر مزيدا من الانفتاح وجل ما يقبل القيام به هو اتصالات «تقنية» بين الجانبين لتلافي تحول الأجواء السورية لمسرح عمليات «عدائية» بين المقاتلات الغربية والمقاتلات الروسية. إزاء التشدد الروسي، طرحت باريس بلسان وزير الخارجية لوران فابيوس ثلاثة شروط «للتعاون» مع موسكو: الأول، المطالبة بأن تستهدف الضربات الروسية مواقع «داعش» والنصرة وليس أهدافا أخرى «للمعارضة المعتدلة المدعومة غربيا» والثاني، توقف النظام عن استخدام الكلورين «المعتبر دوليا سلاحا كيماويا» والبراميل المتفجرة، وثالثا قبول الجانب الروسي أن تشهد نهاية المرحلة الانتقالية رحيل الأسد عن المشهد السياسي. لكن المصادر الرئاسية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أفادت أن باريس «لم تتشاور مسبقا» مع بقية أطراف التحالف «في إشارة تحديدا لواشنطن» قبل طرح الشروط الثلاثة وبالتالي فإنها تبقى فرنسية الطابع، مضيفة أنها «تستبعد» ألا تلقى قبولا لا بل تأييدا منها.
تعتبر باريس أن الخطة الروسية التي طرحها الرئيس بوتين في الأمم المتحدة «فضفاضة» بمعنى أنها «غير واضحة» حيث إن التعبير عنها يتفاوت من يوم إلى آخر. فهي تارة «إشارة إلى قيام تحالف» وهي طورا تفاهم أو تشاور أو حتى مجموعة اتصال.. وفي أي حال، ما زالت باريس ترى أن الأهداف الروسية في سوريا «غامضة» وأن موسكو «لم تصل بعد إلى مرحلة الخوض جديا فيما تريده إن على صعيد مصالحها وقواعدها أو على صعيد الضمانات التي يمكن أن تطالب بها للأقليات التي تدعي الدفاع عنها أو على صعيد الصيغ الدستورية لسوريا المستقبل وتوزع موازين القوى داخل السلطة الانتقالية المفترض أن تقوم في المرحلة اللاحقة».
وفي أي حال، فإن بوتين سيكون اليوم «نجم» القمة الرباعية الرابعة من نوعها منذ يونيو (حزيران) عام 2014 وتأتي لتؤكد أن العزلة الدبلوماسية التي كان يعاني منها الرئيس الروسي قد أصبحت وراءه بفضل المبادرات السياسية والعسكرية التي قام بها بشأن الملف السوري والتي «حشر» بسببها الغربيين والعرب على السواء. ورغم نفي المصادر الفرنسية لإمكانية حصول «مساومة» بين تليين للدور الروسي في سوريا مقابل «بادرة» غربية في موضوع تخفيف العقوبات المفروضة على موسكو بسبب دورها في أوكرانيا، فإن أصواتا أوروبية ترى العكس تماما. فقد أعلن سيغمار غابرييل، نائب المستشارة الألمانية أنه «ليس بالإمكان الاستمرار في فرض عقوبات طويلة الأمد على روسيا من جهة ومطالبتها من جهة أخرى بالتعاون معنا». ورغم أن موقف غابرييل لا يعكس الموقف الرسمي الألماني، فإنه يبين وجود «شرخ» داخل المعسكر الغربي حول كيفية التعاطي مع موسكو ومبادراتها.
ترى أوساط دبلوماسية في باريس أن التكتيك الدبلوماسي - العسكري الروسي يستفيد من عاملين: الأول، الإخفاق الغربي في جبه «داعش» ووقف تمدده من سوريا والعراق إلى مناطق أخرى «سينا، ليبيا، بلدان الساحل...» والثاني ضغوط تيار الهجرات واللجوء المتدفق بعشرات الآلاف على بلدان الاتحاد الأوروبي، فضلا عن ذلك، فقد أظهر الغرب عجزا عن تصور الردود الممكنة على تعزيز الحضور العسكري الروسي في سوريا جويا وبحريا وبريا. ولذا، فإنها تعتبر أن «ناصية التحرك» ميدانيا وسياسيا ما زالت في يد موسكو وسيستمر الوضع على حاله بانتظار أن يبلور الغربيون ومعهم العرب استراتيجية مضادة لا تكتفي بإظهار الليونة فيما خص مصير النظام السوري وأركانه بل تطرح خطة متكاملة سياسيا وعسكريا والتزاما بتنفيذ جماعي لها.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم