تفاقم الوضع الإنساني في تعز.. والميليشيات تمنع دخول المواد الإغاثية ومياه الشرب

الحوثيون يقودون عمليات إبادة للسكان بمنعهم من المياه وقتلهم بصواريخ الكاتيوشا

مقاتل مؤيد للرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي يطلق قاذفة آر بي جي في معركة ضد الميليشيات الحوثية في تعز (أ.ف.ب)
مقاتل مؤيد للرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي يطلق قاذفة آر بي جي في معركة ضد الميليشيات الحوثية في تعز (أ.ف.ب)
TT

تفاقم الوضع الإنساني في تعز.. والميليشيات تمنع دخول المواد الإغاثية ومياه الشرب

مقاتل مؤيد للرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي يطلق قاذفة آر بي جي في معركة ضد الميليشيات الحوثية في تعز (أ.ف.ب)
مقاتل مؤيد للرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي يطلق قاذفة آر بي جي في معركة ضد الميليشيات الحوثية في تعز (أ.ف.ب)

تواصل ميليشيا الحوثي وحليفهم صالح في مدينة تعز، ثالث كبرى المدن اليمنية الواقعة إلى الجنوب من العاصمة صنعاء، حرب الإبادة بحق السكان العُزّل، حيث كثفت من قصفها الهمجي على الأحياء السكنية بصواريخ الكاتيوشا والهاوزر وكل أنواع الأسلحة الثقيلة، بعدما حققت المقاومة الشعبية والجيش المساند لشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي تقدمًا في جبهات القتال الغربية والشرقية وسيطرتها على مواقع مهمة في الشرقية، مما كبدهم الخسائر الفادحة في الأرواح والعتاد على أيدي المقاومة والجيش وغارات التحالف العربي، بقيادة السعودية، المباشرة التي استهدفت تجمعاتهم ومواقعهم ومخازن الأسلحة الخاصة بميليشيات الحوثي وصالح.
ويأتي تكثيف ميليشيات الحوثي وصالح من قصفها للأحياء السكنية بتعز من أماكن تمركزها وقتلها العشرات من المدنيين في الوقت الذي لا تزال المدينة تعاني وضعًا إنسانيًا صعبًا، وأهالي المدينة لا يستطيعون الحصول على الغذاء ومياه الشرب والأدوية ومستلزمات العيش التي منعت الميليشيات وصولها إلى المدينة، كما يعيشون في ظلام دامس دون كهرباء، وأهاليها منقطعون عن المديريات المحيطة بهم والمحافظات بعدما قطعت ميليشيات الحوثي وصالح عليهم الاتصالات وشبكة الإنترنت، فهي بذلك تدفع ضريبة التخاذل المحلي والعربي والدولي.
ويقول نشوان نعمان شمسان الذبحاني، مدير مركز القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان بتعز، لـ«الشرق الأوسط»: «لقد نادينا مرارا وتكرارا بأن تعز تعاني كارثة إنسانية في ظل استمرار جرائم الميليشيات بحق المدنيين، فلقد قامت دبابات ومدافع وصواريخ الحوثي بالقصف بشكل عشوائي لمدينة تعز المكتظة بالسكان والمدنيين، وذلك من الدبابات والمدفعية الثقيلة الموجودة في سوفتيل وشارع الأربعين ومن معسكر القوات الخاصة ومن معسكر 22 مايو الحرس الجمهوري في الجند وشارع الستين ومن منطقة الحرير، وقد سبب هذا القصف يوم أمس مقتل 7 مدنيين وعشرات الجرحى و4 فتيات في حي النصيرية حيث أصابتهم قذيفة مدفع هاوزر».
ويضيف الذبحاني: «قامت الميليشيات بقطع الاتصالات والإنترنت عن المدينة بحجة انعدام وجود مادة الديزل، ولكنها موجودة فقط لآلة الحرب والدمار التي تقتل الأبرياء والعُزل، وهناك انقطاع تام للمياه الصالحة للشرب، وأخيرًا قامت ميليشيات الحوثي بمنع دخول صهاريج المياه للأهالي بمدينة تعز، وتم استهداف عدد من صهاريج الماء من قبل الحوثيين، بل وصل الأمر إلى أنهم قاموا بمنع دخول المواشي إلى المدينة، وقاموا في أول أيام العيد باستهداف سوق للمواشي في منطقة التحرير، وقتل وأصيب العشرات من المواطنين، كما تم احتجاز قواطر محملة بالمساعدات الإنسانية في مدينة القاعدة كانت في طريقها إلى مدينة تعز».
ويؤكد مدير مركز القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان بتعز أن مدينة تعز تعيش وضعًا كارثيًا حقيقيًا، فهي تُدكّ وتقصف وتحرق من قبل الميليشيات، فلا كهرباء ولا ماء ولا دواء ولا نظافة ولا مشتقات نفطية، وتقصف بشكل يومي وتدمر يوميا عشرات المنازل ويقتل العشرات من الأبرياء في منازلهم وفي الشوارع، فمدينة تعز تتألم كل يوم في ظل هذا الصمت المطبق والتخاذل المخيف، فهي تدفع ضريبة التخاذل المحلي والعربي والدولي وكذلك يتحمله رئيس الجمهورية وحكومته.
وحول المساعدات الإنسانية التي يتلقاها أهالي تعز ومدى حقيقة وصولها إليهم خاصة مع أيام عيد الأضحى المبارك، يوضح نعمان الذبحاني أن «هناك بعض الإمدادات المحلية في محاولة لتقديم بعض المساعدات الغذائية لأهالي تعز الذين يعانون الحصار المطبق عليها لكنهم يعانون من صعوبة إدخال مواد الإغاثة إلى المدينة، ويتعرضون للاحتجاز من قبل الميليشيات».
وأضاف أنه دشن مع بعض المواطنين حملة لمساعدة الأهالي سميت «حملة الوفاء بتعز» التي قامت مشكورة بكثير من الأنشطة، مثل توفير الدواء وتوفير كسوة العيد والغذاء لنحو أكثر من 650 أسرة، وتوزيع اللحوم للمحتاجين، وكل هذه المبادة التي قام بها الكثير من أبناء تعز وشارك فيها أيضًا من خارج أبناء تعز».
وبين الذبحاني أن مديريات تعز تعاني الحال نفسها التي تعانيها المدينة، من النقص في الغذاء والدواء ومياه الشرب وكل احتياجات العيش، منها مديرية الشمايتين، المعافر، جبل حبشي، المواسط، المسراخ والمواسط، ويعانون فيها حالة كارثية ونفسية، خصوصا الأطفال الآن يحتاجون إلى إعادة تأهيل نفسي، فهذه هي الكارثة الحقيقية، لأنهم فقدوا طفولتهم وأهاليهم وفرحتهم في العيد وأماكن لعبهم وتوقف الدراسة، وطوال فترة الحرب يعيشون فترة صعبة، وزادت مع فترة الحصار المطبق على المدينة من قبل الميليشيات، مشيرا إلى أن هناك أطفالا يعيشون مبتوري الأيدي والأرجل.
واعتبر الكارثة الحقيقية أن المنظمات الدولية لم تحاول مساعدة هؤلاء الأطفال، ولو حتى إعادة بسمة الطفل التي فقدها، حتى الأهالي النازحون في أماكن نزوحهم لا يمتلكون أي وسيلة لمساعدة الطفل فلا يوجد أي مختص في الجانب النفسي لمساعدة الأطفال ولا حتى حصلوا على الهدايا البسيطة بمناسبة عيد الأضحى المبارك.
وبينما شهدت جبهات القتال الشرقية والغربية في مدينة تعز قتالا بين المقاومة الشعبية والجيش المؤيد للشرعية، من جهة، وميليشيات الحوثي وصالح، من جهة أخرى، وتقدم المقاومة والجيش وسيطرتها على عدد من المواقع وسط سقوط قتلى وجرحى من الميليشيات، شنت غارات التحالف العربي غاراتها على مواقع للميليشيات وتجمعات في قرية حذران وميلات، وخلف مصنع السمن والصابون، والمقهاية، ومدينة الصالح، وغارة أسفل تبة الشيباني عند نقطة الضباب، وتبة سوفتيل، معسكر الأمن المركزي وتبة السلال.
إلى ذلك، سقط، أمس، الكثير من القتلى والجرحى المدنيين جراء القصف الهمجي على الأحياء السكنية بتعز بصواريخ الكاتيوشا والهاوزر التي تركزت في شعب سلمان في وادي القاضي، وسط المدينة، المجاور لموقع جبل جرة الاستراتيجي، حيث تستمر الاشتباكات العنيفة بمحيط منزل المخلوع صالح والقصر الجمهوري وثعبات وشارع الستينزز.
وقال شهود محليين إن «ميليشيات الحوثي وصالح قاموا بقصف شعب سلمان في وادي القاضي قبل صلاة الظهر، أمس، خلال وجود العشرات من المدنيين والأطفال المتسوقين في البقالات والمحال التجارية، لتقتل بذلك ما لا يقل عن مدنيين اثنين وإصابة أكثر من 15 آخرين بينهم نساء وأطفال».
ويؤكد مصدر من المقاومة الشعبية أن «عناصر المقاومة والجيش طهروا مواقع كانت تحت سيطرة الميليشيات ومنها تطهير تبة المصارية، وبها يتم قطع خط إمداد ميليشيات الحوثي وصالح ما بين الجفينة وصرواح، كما أن الميليشيات تستمر بقصفها للأحياء السكنية من أماكن تمركزها في القصر الجمهورية ومفرق الذكرة ومن جبل أومان بالحوبان ومن جامعة بمنطقة الحبيل، مستهدفة بذلك أحياء الدمغة وقلعة القاهرة والكشار وثعبات».
ويضيف: «الجبهة الشرقية للمدينة شهدت اشتباكات عنيفة في ثعبات والجحملية، جوار منزل المخلوع صالح، الذي سيطرت عليه المقاومة والجيش في محاولة مستميتة لاستعادته، وكذا في منطقة الكمب وجوار كلية الطب وبريد كلابة وحي الصفا وشارع الأربعين، ومقتل العشرات من ميليشيات الحوثي وصالح عند محاولتهم اختراق مواقع المقاومة مستخدمين بذلك كل أنواع الأسلحة، كما شهدت جبهة الضباب اشتباكات عنيفة وأنباء عن استعادة الجيش والمقاومة مواقع مهمة».
وفي مدينة الحديدة الساحلية، غرب اليمن، جددت طائرات التحالف العربي غاراتها على مواقع عسكرية وتجمعات لميليشيات الحوثي وصالح، وطالت الغارات، أمس، الأمن المركزي بالحديدة واستهدف مبنى القيادة ومخازن الأسلحة وهنجر البوابة الرئيسية وعددًا من الأطقم العسكرية، وسط نزوح كبير للسكان المجاورين لمعسكر الأمني المركزي.
من جانبه، كشف مصدر في قسم الاستخبارات العسكرية في المقاومة الشعبية بإقليم تهامة بقيام ميليشيات الحوثي وصالح بنصب صواريخ سكود وتوشيكا في مزرعة نجل المخلوع صالح العميد أحمد علي عبد الله صالح، بمنطقة الجر، وقالت المقاومة على صفحتها في التواصل الاجتماعي (فيسبوك) إن «مصدرًا في قسم الاستخبارات العسكرية في المقاومة التهامية كشف عن قيام الميليشيات الإجرامية بنصب منصة صواريخ سكود طويلة المدى وتخزينها لصواريخ سكود وتوشيكا في محافظة الحديدة، وإن قسم الاستخبارات في المقاومة رصد إدخال الميليشيات الإجرامية لمنصة الصواريخ محملة بقاذف الصاروخ إلى معسكر التدريب، التابع لقوات الحرس الجمهوري، الواقع بمنطقة كيلو 16، البوابة الشرقية لمدينة الحديدة عاصمة إقليم تهامة، وكذا في مزرعة نجل المخلوع الواقعة أمام مصنع التغذية الواقع عند المدخل الجنوبي الغربي لمدينة باجل حيث قامت الميليشيات بإدخال مجموعة من صواريخ سكود وتوشيكا على أربع قواطر دخلت المزرعة وقامت الميليشيات بدفنها داخل تلك المزرعة».
وأضافت: «المنصة التي تم إدخالها معسكر التدريب في منطقة كيلو 16 لم تكن تحمل صواريخ، والصواريخ التي أدخلتها الميليشيات مزرعة نجل المخلوع في منطقة الجر بباجل كانت بشكل سري، وعملية نقلها تمت بصورة غير لافتة للأنظار، ودون أي حماية من أفراد الميليشيات».
بدورها، شنت المقاومة التهامية هجومًا مسلحًا بأسلحة الكلاشنيكوف على نقطة تتبع ميليشيات الحوثي وصالح في منطقة المرير القهراء بمديرية جبل رأس بالحديدة، المحاذية لمحافظة إب، وأنباء عن سقوط ما لا يقل عن 3 قتلى في صفوف الميليشيات.



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.