«سينما عالدرج» تجمع أهالي «جبل محسن» و«باب التبانة» بعد 20 جولة اقتتال

تتابع عروضها على أدراج منطقة «القبة» مكان خطوط التماس

أهالي جبل محسن وباب التبانة أثناء عرض الأفلام في عيد الأضحى
أهالي جبل محسن وباب التبانة أثناء عرض الأفلام في عيد الأضحى
TT

«سينما عالدرج» تجمع أهالي «جبل محسن» و«باب التبانة» بعد 20 جولة اقتتال

أهالي جبل محسن وباب التبانة أثناء عرض الأفلام في عيد الأضحى
أهالي جبل محسن وباب التبانة أثناء عرض الأفلام في عيد الأضحى

خطوط التماس التي كانت طوال ست سنوات مواقع ضارية للاقتتال الأخوي الدموي، بين أبناء «جبل محسن» و«باب التبانة»، شاءت جمعية «تريبولي فونديشن» أن تحول أدراجها القديمة، التي تم تأهيل جزء منها، إلى مكان فني يحلو فيه اللقاء.
«سينما عالدرج» مشروع جمع مئات الأطفال من المنطقتين، خلال عروض للأفلام في الهواء الطلق. جاءوا صغارا وكبارا، بعضهم لم يتجاوز عمره الخمس سنوات، جلسوا كتفا إلى كتف.
قبل سنتين من اليوم كان هذا اللقاء مستحيلا، حتى ولو لمشاهدة فيلم سينمائي بريء. مئات القتلى والجرحى سقطوا نتيجة هذا الصراع المذهبي المسيّس الذي كلف المنطقة 20 جولة اقتتال. اليوم صارت هذه الأدراج التي كانت رعبا أحمر لأهلها مكانا تشرّع فيه شاشة كبيرة، ويتنادى الأهالي على مختلف انتماءاتهم، متناسين أحقاد الماضي وقتلاه، ليتابعوا أفلاما قصيرة وطويلة، لبنانية، وأردنية، ومصرية، وبحرينية.
قبل العيد على درج طلعة الشمال حضر ما يقارب 250 شخصا. التحضيرات للعيد لم تمنع الفرحة، أو تؤخر الحضور. تابعوا معا فيلم «غدي»، للفنان جورج خباز، الذي يحكي قصة الطفل المعوق الذي تحاول منطقته أن تنبذه فإذا به يتحول إلى أعجوبة بين جيرانه. الحكاية ليست بعيدة بآلامها عما كان يجري هنا.
يوم الأحد الماضي آخر أيام العيد انتقلت الشاشة إلى درج آخر كان خط تماس. على «درج الملولة» المنطقة التي كانت، ذات يوم، الأشد ضراوة، كان الموعد. تجمع الأطفال والشبان والأهالي من الأحياء المجاورة، والكثير منهم لازموا بيوتهم وحيهم وافترشوا الأرض أو وضعوا الكراسي على الشرفات وأمام باحات البيوت، للمشاركة في هذا الحدث الذي يدخل إلى منطقتهم للمرة الأولى، وحضور السينما التي لم يقصدوها منذ زمن. كما عمد البعض إلى توزيع القهوة ومعمول العيد على العاملين في الجمعية وعلى الحضور من وسائل الإعلام والضيوف تعبيرا عن فرحتهم وترحيبهم بالنشاط والقائمين عليه.
وتابع الحاضرون، ومنهم من بلغ الخمسين وأكثر إلى جانب الأطفال، ثلاثة أفلام هي: «السوق المركزي» (البحرين) لصالح ناس، «وهلأ لوين؟» (لبنان) لنادين لبكي، و«كابتن أبو رائد» (الأردن) لأمين مطالقة.
يذكر أن الحلقة الثالثة والأخيرة من النشاط ستكون في الهواء الطلق أيضًا على نقطة تماس أخرى، لم تكن تقل خطورة عن سابقاتها، أيام المعارك، وهي درج الراهبات - نهر أبو علي، وذلك يومي السبت 3 والأحد 4 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، حيث ستعرض الأفلام التالية: «ربيع شتوي» (مصر) لمحمد كامل، و«إنسان شريف» (لبنان) لجان كلود قدسي، و«كابتن أبو رائد» (الأردن) لأمين مطالقة.
وكان من الممتع آخر أيام العيد أن ترى أطفال المنطقة وقد أزيلت بينهم الحواجز، وأخذوا يتابعون الأفلام عينها، بكثير من الطمأنينة. وقالت إحدى الأمهات إنها لا تزال تخشى على أولادها من النزول إلى الحارة، لكنها لم ترد أن تحرمهم من التعرف على الأفلام السينمائية، حيث يتعذر عليهم الذهاب إلى دور العرض. بعض الأطفال لم يدخلوا دارا للسينما من قبل. هناك أيضًا من أتى بنرجيلته واستعد، ليتابع الأفلام بكل استجمام. من حارات مجاورة، وأكثر بعدا، وبفضل الحملة التي قامت بها جمعيات أهلية تعمل في المنطقتين المنكوبتين، يستعد الأطفال لحضور العروض التي ستتم نهاية الأسبوع الحالي. من بين الحضور من بدأ المشاهدة من العروض الأولى وها هو يلحق بالشاشة العملاقة حيث حطت رحالها. بعض هؤلاء كانوا حتى وقت قريب مضى يحملون سلاحا ويطلقون الرصاص على الحي المجاور، وبعض آخر فقدوا قريبا أو حبيبا، وبينهم من له مصاب، أو اضطر لترك منزله هربا من جحيم النيران.
السينما تجمع والسلاح يفرق، هذا ما تحاول أن تقنع به الأهالي «تريبولي فونديشن» في النشاط الذي تقوم به للمرة الثانية، منذ توقف الاقتتال، على أمل أن تنقله إلى مناطق حساسة أخرى.
يذكر أن منطقتي جبل محسن وباب التبانة هما من بين الأكثر فقرا، في كل لبنان، حيث تشير الإحصائيات إلى أن 87 في المائة من الأسر في باب التبانة تعاني الحرمان والفقر.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».