مشاعر السخط داخل «لوس أنجليس تايمز»

في مواجهة تحديات كبرى تضرب صناعة الصحافة بوجه عام

{تريبيون ببليشينغ كمباني} مارست ضغوطًا على {لوس أنجليس تايمز} منذ فترة بعيدة بهدف إضفاء طابع مركزي على جميع النشاطات وتوجيهها من المقر الرئاسي في شيكاغو (نيويورك تايمز)
{تريبيون ببليشينغ كمباني} مارست ضغوطًا على {لوس أنجليس تايمز} منذ فترة بعيدة بهدف إضفاء طابع مركزي على جميع النشاطات وتوجيهها من المقر الرئاسي في شيكاغو (نيويورك تايمز)
TT

مشاعر السخط داخل «لوس أنجليس تايمز»

{تريبيون ببليشينغ كمباني} مارست ضغوطًا على {لوس أنجليس تايمز} منذ فترة بعيدة بهدف إضفاء طابع مركزي على جميع النشاطات وتوجيهها من المقر الرئاسي في شيكاغو (نيويورك تايمز)
{تريبيون ببليشينغ كمباني} مارست ضغوطًا على {لوس أنجليس تايمز} منذ فترة بعيدة بهدف إضفاء طابع مركزي على جميع النشاطات وتوجيهها من المقر الرئاسي في شيكاغو (نيويورك تايمز)

في يناير (كانون الثاني)، اصطحب جاك غريفين، الرئيس التنفيذي لـ«تريبيون ببليشينغ كمباني»، كبار معاونيه التنفيذيين لزيارة مقر صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، التي تعد بمثابة جوهرة مجموعة الصحف التي تملكها الشركة. خلال حفل استقبال أعقبه مأدبة عشاء أقامتها الصحيفة، لفت انتباه الجميع غياب شخصية بارزة - ناشر «لوس أنجليس تايمز» الجديد، أوستن بوتنر. وخلال الاجتماعات التي عقدت اليوم التالي، حضر بوتنر لمدة ساعة واحدة، وذلك لطرح عرض حول استراتيجيته المتعلقة بالصحيفة - وهي استراتيجية تتعارض مع استراتيجية الشركة الأم. يذكر أن «تريبيون» مارست ضغوطًا منذ فترة بعيدة بهدف إضفاء طابع مركزي على جميع النشاطات وتوجيهها من المقر الرئاسي في شيكاغو، بحيث تجري إدارة الصحف المختلفة كمجموعة واحدة. يذكر أن بوتنر، 55 عامًا، نجح في بناء ثروة بمجال المال سبق له العمل نائبًا لعمدة لوس أنجليس. وقد وضع تصورًا لرسم مسار مختلف لـ«لوس أنجليس تايمز» يتسم بطابع شديد المحلية ويركز على توفير تقنية أفضل وإقرار أقسام جديدة بالصحيفة.
وعمد بوتنر إلى توطيد صلاته بقيادات «لوس أنجليس تايمز» الذين رغبوا في جعل الصحيفة النشطة جزءا من نسيج المدينة. وقد تزعم بوتنر جهود الاستحواذ على «سان دييغو يونيون تريبيون»، وذلك كجزء من خطة للهيمنة على الصحافة داخل كاليفورنيا.
ومنذ أسبوعين، جرى استدعاؤه لاجتماع وأخطر بفصله من العمل. وجاء رحيله عن منصبه الذي تقلده لمدة عام واحد فقط، ليوسع الهوة بين «لوس أنجليس تايمز» والشركة الأم المالكية لها. في شيكاغو، نظر إليه مسؤولون تنفيذيون باعتباره مستبدًا وعنيدًا، ويعرض استراتيجية المركزية التي نجحت مؤخرًا في توفير 75 مليون دولار للشركة للخطر، تبعًا لما ذكرته «نيويورك تايمز».
في المقابل، مثل بوتنر وخطته لكثيرين داخل «لوس أنجليس تايمز» حالة من الطموح والتفاؤل بعد أكثر من عقد من المشكلات الإدارية وإجراءات تسريح العمالة وتقليل التكاليف التي أضرت بالروح المعنوية لدى كثير من الموظفين وخفضت عدد العاملين داخل صالة التحرير من 1.200 إلى مستواها الحالي الذي يقارب 500 شخص. وسرعان ما حققت استراتيجيته التي ركزت على النمو عائدات جديدة تجاوزت مليون دولار، وبدت مؤهلة لتحقيق مزيد، حسبما ذكر ثلاثة أشخاص على معرفة بالأوضاع المالية للشركة.
وأكد أكثر من عشرة أعضاء حاليين وسابقين «لوس أنجليس تايمز» و«تريبيون ببليشينغ كمباني» - من صالة التحرير والقطاع المالي - أن «لوس أنجليس تايمز» كانت تواجه كارثة أسوأ بكثير من أي كارثة أخرى تغلبت عليها الصحيفة. وأشاروا إلى أن الصحيفة تضررت كثيرًا بإجراءات تخفيض النفقات على مدار فترة طويلة، ما جعلها في تلهف شديد على جني ثمار الاستراتيجية الجديدة، التي أبدت بالفعل مؤشرات قليلة على النجاح. وأضافوا أنه من الضروري أن تنمو الصحيفة على امتداد الفترة المقبلة، بدلاً من التقلص.
وقد أعربت بعض أكثر الشخصيات نفوذًا داخل «لوس أنجليس تايمز» عن مخاوف وآراء مشابهة، والذي يرى كثيرون منهم بوتنر كصديق لهم. ويبدو في ثنايا حديث هؤلاء المسؤولين مشاعر إحباط مكتوم لسنوات. من جهته، قال أنتونيو فيلاريغوزا، العمدة السابق الذي عمل بوتنر نائبًا له: «لقد دمرت (تريبيون) الصحيفة على امتداد سنوات، فقد مصت دماءها، لكن خلال العام الماضي، منذ أن أصبح أوستن ناشرًا، بدأت الصحيفة تبدو كلسان ناطق عن المدينة بحق».
جدير بالذكر أن فيلاريغوزا واحد من 50 شخصية قيادية محلية وقعت خطابًا موجه إلى «تريبيون ببليشينغ كمباني»، اعتراضًا على فصل بوتنر. من ناحية أخرى، أعربت مجموعات من أصول لاتينية عن قلقها من أن الفريق الإداري لـ«تريبيون ببليشينغ كمباني» الذي يتخذ من شيكاغو مقرًا له لا يملك تفهمًا كاملاً لواحدة من أهم المجموعات داخل لوس أنجليس.
ولا تعد «لوس أنجليس تايمز» أول صحيفة في مدينة أميركية كبرى تتهددها التحديات التي تضرب صناعة الصحافة بوجه عام. المعروف أن الصحيفة كانت في العادة ملكًا لإحدى العائلات، وامتلكت أموالاً كثيرة لدرجة أنها اقتنت مجموعة أعمال للرسام العالمي بيكاسو. أما الآن فهي جزء من شركة ذات ملكية عامة تعاني تراجعًا حادًا في عائدات الإعلانات.
أما ما تميزت به الصحيفة حقًا فهو المعركة الضروس التي تخوضها ضد من يملكونها. وقد أجبر اثنان من كبار المسؤولين التحريريين بالصحيفة سابقا (بينهما دين باكيت، رئيس التحرير التنفيذي حاليًا لدى «نيويورك تايمز») على ترك العمل بالصحيفة بعد رفضهما تقليص الوظائف. ولم يقبل كثير من صحافيي «لوس أنجليس تايمز» قط هيكل ملكية الصحيفة لشعورهم بأنه يخضعها لضغوط العائدات ربع السنوية على حساب المستوى الصحافي لها.
تجدر الإشارة إلى أن شركة «تريبيون كمباني» السابقة، التي قضت سنوات قيد الإفلاس، عانت من مشكلات جمة لفترة طويلة واشتهرت بإجراءاتها المتكررة لتقليص الوظائف قبل انتقال غريفين إليها عام 2014 بفترة طويلة. وقد ظهرت «تريبيون ببليشينغ» في وقت لاحق من ذلك العام، وهي الشركة الأم، المعروفة حاليًا باسم «تريبيون ميديا»، والتي نجحت في شراء لأصول رقمية وتلفزيونية مدرة للأرباح، بجانب الممتلكات العقارية للصحف. وقد بلغت ديون وحدة النشر 350 مليون دولار.
من ناحية أخرى، فإن المعترضين على أسلوب التعامل مع «لوس أنجليس تايمز» يرون مخلصًا محتملاً في الي برود، الملياردير الشهير في لوس أنجليس والذي يرغب منذ فترة طويلة في شراء الصحيفة، لكن عروضه تعرضت للرفض مرارًا. وأشار أصدقاؤه إلى أنه يستعد لخوض محاولة جديدة في أعقاب الإطاحة ببوتنر.
وخلال مقابلة أجريناها داخل مكاتب «تريبيون ببليشينغ» في نيويورك، قال غريفين إنه رغم أن جميع العروض سيجري النظر بشأنها، فإنه لا يؤيد بيع «لوس أنجليس تايمز»، مشيرًا إلى أنها تشكل عنصرًا حيويًا في استراتيجيته للتشارك في المحتويات والخدمات عبر ثماني صحف كبرى وأخرى كثيرة أصغر.
وأشار ستة أشخاص على معرفة بالأوضاع المالية للصحيفة، والذين رفضوا الكشف عن هويتهم خوفًا من فقدان وظائفهم أو تعقيد العلاقة المتوترة أصلاً بين الصحيفة والشركة الأم المالكة لها إلى أنه سيجري اتخاذ إجراءات تسريح للعمالة قريبًا. وأوضحوا أن هذه الإجراءات ترمي لتوفير 10 ملايين دولار، ما يعادل قرابة 80 وظيفة، وستتركز غالبيتها داخل صالة التحرير.
وفي سؤال له حول ما إذا كانت استراتيجيته ستعزز العائدات بسرعة كافية للحيلولة دون تنفيذ مزيد من إجراءات التسريح، أجاب غريفين: «لم أقل ذلك». ورفض الإسهاب في التعليق. كما رفضت «تريبيون ببليشينغ» إتاحة تيموثي إي. ريان، الذي خلف بوتنر كناشر لـ«لوس أنجليس تايمز» و«يونيون تريبيون»، لعقد مقابلة معه. كما رفض بوتنر التعليق، مبررًا ذلك بقيود قانونية.
يذكر أنه في تعليق له عبر حسابه على موقع «فيسبوك» في اليوم الذي أجبر خلاله على ترك عمله، قال بوتنر إن «تقليص التكاليف وحده ليس سبيلاً للبقاء في مواجهة تراجع مستمر في عائدات النسخة الورقية ومنافسة شرسة على صعيد العالم الرقمي».
* «نيويورك تايمز»



كيف تؤثر زيادة الإنفاق على إعلانات الفيديو في اتجاهات الناشرين؟

شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
TT

كيف تؤثر زيادة الإنفاق على إعلانات الفيديو في اتجاهات الناشرين؟

شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)

أثارت بيانات عن ارتفاع الإنفاق الإعلاني على محتوى الفيديو عبر الإنترنت خلال الربع الأول من العام الحالي، تساؤلات حول اتجاهات الناشرين في المرحلة المقبلة، لا سيما فيما يتعلق بتوجيه الطاقات نحو المحتوى المرئي بغرض تحقيق الاستقرار المالي للمؤسسات، عقب تراجع العوائد المادية التي كانت تحققها منصات الأخبار من مواقع التواصل الاجتماعي.

مؤسسة «لاب» LAB، وهي هيئة بريطانية معنية بالإعلانات عبر الإنترنت، كانت قد نشرت بيانات تشير إلى ارتفاع الإنفاق الإعلاني على الفيديو في بريطانيا خلال الربع الأول من عام 2024، وقدّر هذا النمو بنحو 26 في المائة مقارنة بالتوقيت عينه خلال العام الماضي، حين حققت الإعلانات عبر الفيديو عوائد مالية وصلت إلى 4.12 مليار جنيه إسترليني داخل المملكة المتحدة وحدها. وتتوقّع بيانات الهيئة استمرار النمو في عوائد الإعلانات في الفيديو حتى نهاية 2024، وقد يمتد إلى النصف الأول من 2025.

مراقبون التقتهم «الشرق الأوسط» يرون أن هذا الاتجاه قد ينعكس على خطط الناشرين المستقبلية، من خلال الدفع نحو استثمارات أوسع في المحتوى المرئي سواءً للنشر على المواقع الإخبارية أو على «يوتيوب» وغيره من منصّات «التواصل».

إذ أرجع الدكتور أنس النجداوي، مدير جامعة أبوظبي ومستشار التكنولوجيا لقناتي «العربية» و«الحدث»، أهمية الفيديو إلى أنه بات مرتكزاً أصيلاً لنجاح التسويق الرقمي. وحدّد من جانبه طرق الاستفادة من الفيديو لتحقيق عوائد مالية مثل «برامج شركاء (اليوتيوب) التي يمكن للناشرين من خلالها تحقيق أرباح من الإعلانات المعروضة في فيديوهاتهم».

وعدّد النجداوي مسالك الربح بقوله: «أيضاً التسويق بالعمولة عن طريق ترويج منتجات أو خدمات من خلال الفيديوهات والحصول على عمولة مقابل كل عملية بيع عبر الروابط التي تُدرج في هذه الفيديوهات... أما الطريقة الأخرى - وهي الأبرز بالنسبة للناشرين - فهي أن يكون المحتوى نفسه حصرياً، ويٌقدم من قبل مختصين، وكذلك قد تقدم المنصة اشتراكات شهرية أو رسوم مشاهدة، ما يوفر دخلاً مباشراً».

ومن ثم حدد النجداوي شروطاً يجب توافرها في الفيديو لتحقيق أرباح، شارحاً: «هناك معايير وضعتها منصات التواصل الاجتماعي لعملية (المونتايزيشن)؛ منها أن يكون المحتوى عالي الجودة من حيث التصوير والصوت، بحيث يكون جاذباً للمشاهدين، أيضاً مدى توفير خدمات تفاعلية على الفيديو تشجع على المشاركة والتفاعل المستمر. بالإضافة إلى ذلك، الالتزام بسياسات المنصة».

ورهن نجاح اتجاه الناشرين إلى الفيديو بعدة معايير يجب توفرها، وأردف: «أتوقع أن الجمهور يتوق إلى معلومات وقصص إخبارية وأفلام وثائقية وتحليلات مرئية تلتزم بالمصداقية والدقة والسرد العميق المفصل للأحداث، ومن هنا يمكن للناشرين تحقيق أرباح مستدامة سواء من خلال الإعلانات أو الاشتراكات».

في هذا السياق، أشارت شركة الاستشارات الإعلامية العالمية «ميديا سينس» إلى أن العام الماضي شهد ارتفاعاً في استثمارات الناشرين البارزين في إنتاج محتوى الفيديو، سواء عبر مواقعهم الخاصة أو منصّات التواصل الاجتماعي، بينما وجد تقرير الأخبار الرقمية من «معهد رويترز لدراسة الصحافة» - الذي نشر مطلع العام - أن الفيديو سيصبح منتجاً رئيسياً لغرف الأخبار عبر الإنترنت، وحدد التقرير الشباب بأنهم الفئة الأكثر استهلاكاً للمحتوى المرئي.

من جهة ثانية، عن استراتيجيات الاستقرار المالي للناشرين، أوضح أحمد سعيد العلوي، رئيس تحرير «العين الإخبارية» وشبكة «سي إن إن» الاقتصادية، أن العوائد المالية المستدامة لن تتحقق بمسلك واحد، بل إن ثمة استراتيجيات يجب أن تتضافر في هذا الشأن، وأوضح أن «قطاع الإعلام يواجه تغيّرات سريعة مع تزايد المنافسة بين المنصّات الرقمية وشركات التكنولوجيا الكبرى مثل (ميتا) و(غوغل) وغيرهما، كما تواجه هذه السوق تحدّيات كبيرة تتعلق بالاستقرار المالي واستقطاب المستخدمين، فلم يعد الاعتماد على نماذج الدخل التقليدية (سائداً)... وهو ما يفرض على وسائل الإعلام البحث عن طرق جديدة لتوفير الإيرادات وتقديم محتوى متميز يجذب الجمهور».

كذلك، أشار العلوي إلى أهمية الاعتماد على عدة استراتيجيات لضمان الاستقرار المالي لمنصات الأخبار. وعدّ المحتوى المرئي والمسموع إحدى استراتيجيات تحقيق الاستقرار المالي للناشرين، قائلاً: «لا بد من الاستثمار في المحتوى المرئي والمسموع، سواءً من خلال الإعلانات المُدمجة داخل المحتوى، أو الاشتراكات المخصصة للبودكاست والبرامج الحصرية، لكن التكيّف مع التغيرات السريعة في سوق الإعلام يدفع وسائل الإعلام لتطوير وتنويع مصادر دخلها، لتشمل عدة مسارات من بينها الفيديو».