ساعة «أوكتو أول بلاكس» من «بولغري» ترقص على إيقاعات الـ«هاكا» ورموز قبيلة الماوري

الوشم يغطي ميناءها والأسود علبتها لأول مرة

الوشم جزء من ثقافة قبيلة الماوري يلخص حياتهم
الوشم جزء من ثقافة قبيلة الماوري يلخص حياتهم
TT

ساعة «أوكتو أول بلاكس» من «بولغري» ترقص على إيقاعات الـ«هاكا» ورموز قبيلة الماوري

الوشم جزء من ثقافة قبيلة الماوري يلخص حياتهم
الوشم جزء من ثقافة قبيلة الماوري يلخص حياتهم

تستحق بريطانيا التحية والإجلال، فهي لا تتوقف عن تحريك اقتصادها بكل الطرق، باحتضان فعاليات تعود عليه بالنفع، وتجعلها مركز جذب ماليا وفنيا وثقافيا ورياضيا على حد سواء. ففي الصيف، مثلا، استقبلت السائح العربي، ولأنها تعرف جيدا أن السياحة بالنسبة له ترادف التسوق، فقد استعدت له أحسن استعداد وكست محلاتها بآخر صيحات الموضة وأغلاها ثمنا. وما إن عاد هذا السائح إلى بلاده، حتى فتحت الأبواب للأوروبيين والأميركيين وغيرهم بافتتاح معارض فنية في النهار وتشجيعها لهم لحضور مسرحيات أو حفلات موسيقية في المساء. كذلك لا ننسى أسبوعها للموضة الذي يدر على الاقتصاد حسب دراسة موثوق منها أكثر من 26 مليار جنيه إسترليني وتدعمه بكل قواها.
أما هذه الأيام، وحتى نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، فتحتضن بطولة كأس العالم للرغبي، وهي رياضة تضخ على اقتصادها نحو 2.2 مليار جنيه إسترليني، حيث وصلت مبيعات بطاقاتها فقط أكثر من مليونين، فضلا عن استقبالها لعشاق هذه الرياضة من كل أنحاء العالم،، الأمر الذي يُنعش المطاعم والفنادق وغيرها، علما أن العملية تشمل 11 مدينة بريطانية، غير لندن، ستشهد مباريات مهمة إلى 31 أكتوبر، بين 20 منتخبًا، فيما يعتبر أسلوبا ذكيا للتعريف بهذه المدن.
لكن الموضوع هنا ليس عن رياضة الرغبي ولا عن الاقتصاد أو السياحة البريطانية، بل عن منتخب «أول بلاكس» النيوزيلندي (All Blacks)، بطل العالم الحاليّ، ودار «بولغري» الإيطالية المعروفة بجواهرها الراقية وأحجارها الكريمة التي قد لا يصل حجمها إلى حجم كرة الرغبي، لكنها تطمح إلى ذلك. قد يتساءل البعض: «ما الذي جمع الشامي بالمغربي؟، والجواب بكل بساطة يرد عليه غويدو تيريني، مدير قسم الساعات بـ«بولغري» قائلا: «إنه لقاء التحدي، والشغف والالتزام والنجاح والانتصارات واحترام التقاليد». ويتابع: «صحيح أن التعاون مع فريق رغبي ليس أول ما يتبادر إلى الذهن عندما نتكلم عن دار جواهر راقية، لكن هناك قواسم كثيرة مشتركة بيننا وبين منتخب أول بلاكس. فهم يتميزون بالقوة ويطمحون إلى غزو العالم وتحقيق السبق. كما أننا وبين الحين والآخر، نعمل على مفاجأة العالم بمبادرة جديدة وغير متوقعة».
بدأ التعاون بينهما صدفة إثر لقاء جمعهما في لندن، اكتشفت فيه الدار الكثير عن ثقافة الماوري التي ينتمي إليها الفريق، ولا يعرف عنها العالم سوى الشيء القليل نظرا لابتعادها عن الأضواء، مما جعلها تحافظ على رموزها التي لم تمسها تغيرات العصر. فهي لا تزال تمارس طقوسا تقوم غالبا على روح الفريق وتقديس العمل الجاد والابتعاد عن الماديات قدر الإمكان. منتخب «أول بلاكس»، واللقب يعود إلى القمصان السوداء التي يرتديها أعضاؤه، حقق لحد الآن أكثر من 80 في المائة من الانتصارات في العالم، الأمر إلى يجعل رياضة الرغبي أهم رياضة في نيوزيلندا ومفخرة لها. ويعود الفضل إلى قبيلة الماوري التي ينتمي إليها فريقها الوطني، الذي أشهرها وسلط عليها الأضواء، بلياقة أفراده البدنية ولعبهم الجماعي. فعندما يلعبون ويمررون الكرة، يكونون في حالة من التناغم تجعلهم كمن يقوم برقصة محسوبة. والقصد هنا ليست رقصة الـ«هاكا» التي يقومون بها قبل أي مباراة، وأصبح عشاق الرغبي يعرفونها جيدا وينتظرونها بفارغ الصبر كجزء لا يتجزأ من المباراة نفسها.
يشير غويدو تيرين أنهم في «بولغري» لم يحتاجوا سوى لمحادثة قصيرة تبينوا بعدها روعة هذه الرياضة. فعلى الرغم من خشونتها الظاهرة، يملك مشجعوها ولاعبوها على حد سواء، روحا رياضية عالية، ويحترمون المنافسة على العكس من لاعبي أو مشجعي كرة القدم على سبيل المثال. بعبارة أخرى، فإنهم يتميزون بأسلوب «جنتلمان» وراق. ويضيف: «ثم أننا نتكلم هنا عن أقوى فريق في العالم، يعيش في مجتمع صغير لم نكن نعرف عنه الكثير لكنه يتقيد بأسلوب حياة منظم ومقنن موسوم بحس جماعي، يشعر فيه كل فرد منهم بأنه أمين على إرث ثمين يجب أن يحافظ عليه لكي يورثه لأجيال أخرى قادمة، وهذا ما نؤمن به نحن أيضا».
طبعا لم يغب عنهم أيضا أسلوبهم في اللعب وما يتميز به من أناقة ورشاقة، الأمر الذي يجعل تعاونهم زواجا نجاحا على المدى البعيد.
فـ«بولغري» بدورها تتمتع بأكثر من 2700 عام من التاريخ الروماني، وترى نفسها حارسة وأمينة على تقاليده. أول خطوة قامت بها، الغوص في ثقافة الفريق للتعرف عليهم أكثر خصوصا وأنهم ينتمون إلى قبيلة بعيدة جغرافيا وتتجنب الأضواء. بعد ذلك شعرت الدار أن هناك قواسم مشتركة بينهم وبين ساعتها الأيقونية «أوكتو». فهي الأخرى تتميز بقوة وتتضمن حركات رشيقة منفذة بدقة عالية، الأمر الذي يجعلها أفضل سفير للدار. ويلمح غويدو أن حركاتها لم تتغير ولم تطرأ عليها تغييرات جذرية، باستثناء إضافة اللون الأسود على علبتها لأول مرة، لأنه «لون داكن يمنحها قوةً وأناقةً مع الحفاظ على رموز البروتوكولات الرياضيّة، التي تجسد قوة أفضل فريق رغبي في العالم من خلال السوار مثلا».
باستثناء مواصفاتها المتعددة واحترامها للدقة السويسرية والتصميم الإيطالي، يبقى أجمل ما فيها ميناؤها الذي طُبع بوشم صممه نقاش ماوري معروف ومعترف به هو تانا سالزمان.
فكرة الوشم لم تكن واردة أو تدخل ضمن هذا التعاون في البداية، لكنها جاءت بطريقة عفوية بعد الحديث معهم والتعرف عليهم عن قرب، إذ شعر فريق العمل في «بولغري» أنه ضروريا للتأكيد على العلاقة مع «أول بلاكس» من جهة، ووسيلة للتعبير عن احترامها لثقافتهم، خصوصا وأن الوشم جزء من ثقافتهم بدليل أن كل اللاعبين موشومون، من جهة ثانية.
وهذا ما يؤكده غويدوا بقوله إنهم تبينوا سريعا أن الوشم على الميناء يمكن أن يكون إضافة جيدة، لأنه يترجم قصتهم وثقافته الماوري ككل، كما يمكن أن يترجم شخصية بولغري كرمز للقوة والتميز والابتكار. لكن لم تكن المهمة سهلة، فالماوريون عاشوا في عزلة لفترة طويلة، ولا يثقون في الغريب، وبالتالي لا يقبلون أن يستغل أي أحد رموزهم، لهذا كان علينا أن نشرح لهم فكرتنا وهدفنا، أي أننا نريد إنجاز عمل يعكس ثقافتهم ويعززها بشكل فني وليست لدينا أي نية لاستغلالها من أجل تحقيق الربح التجاري، حسب قول غويدو تيرينو. لحسن الحظ أنهم فهموا سريعا الفكرة، واستقبلوها بحرارة واضعين شروطا مهمة، منها التعامل مع مصمم وشم معروف، وعرض الصورة النهائية عليهم للمواقفة عليها قبل تنفيذها. وهذا ما كان، فالدار الإيطالية كانت ذكية، لأنها عادت إلى أول انتصار حققه فريق «أول بلاكس» في عام 1905 ودرست الصورة من كل الجوانب، لتكتشف أن الوشم المستعمل آنذاك كان على شكل سرخس، وهذا ما اقترحته وضمنت قبوله.
يقول غويدو، وهو في حالة انبهار وكأنه لا يزال تحت سحر هذه الثقافة، أن الطريقة التي يتم بها الوشم في هذه القبائل مختلف تماما عنه في أوروبا. فهو بالنسبة لهم ليس مجرد تجميل، بل جزء من شخصيتهم وحياتهم «ما أدهشني أنهم لا يذهبون إلى مصمم الوشم بصورة يطلبون مثلها على أجسامهم، مثل ما نرى في الغرب، بل العكس تماما، يجلسون مع الرسام لساعات يحكون له قصة حياتهم، ويبوحون له بمكنونات قلوبهم. بعدها يبدأ برسم الوشم من دون أن يأخذ رأيهم فيه، فعليهم تقبل ترجمته لما باحوا به أيا كان شكله وصورته». فهذا التقبل، من الطقوس والرموز المهمة التي لا يمكن التلاعب بها بأي شكل من الأشكال. لكن كل المتاعب للحصول على الترخيص والقبول، وكل الوقت الذي استغرقه صنع الساعة من الألف إلى الياء، نحو عامين، تهون بعد رؤية النتيجة. فساعة «Octo All Blacks 100 Club» مزيج متوازن من القوة الميكانيكيّة والتصميم الأنيق الذي يستحضر هندسية إيطاليا القديمة ورؤية الفنان ليوناردو دا فينشي السابقة لعصرها، وثقافة الماوري الفريدة من نوعها.
لهذا ليس غريبا أن تأتي بإصدار محدود في علبة على شكل كرة رجبي تضمّ كل الخصائص التي تجعل منها ساعة مميزة. فالعلبة بحجم 41.5 ملم وسماكة 10.60 ملم بتغليف من الكربون «دي إل سي» يتلاءم بشكلٍ رائغ مع القمصان السود لفريق «أول بلاكس» (All Blacks) ‏.
ولا شك أن اللون الأسود كان إضافة مثالية أبرزت جمالية الوشم الذي يغطي كل مينائها واكتسب «شاعرية» لا يوازيها سوى جمال رقصة الهاكا، التي بدأها فريق «أول بلاكس»في عام 1905 وأصبحت جزءا من تاريخه.

فن الوشم عند الماوري.. ثقافة وفن
لندن: «الشرق الأوسط»

يعتبر الموكو، أو فن التاتو، جزءًا من عالم الماوري في نيوزيلندا؛ إذ إن المصطلح لا يتعلق بالجمال بقدر ما يتعلق بالانتماء، ولذا فهو ليس فنًا ضحلاً. فعند وصول المكتشفين الأوائل إلى شواطئ المحيط الهادي، دهشوا لرؤية الرسومات على وجوه وأجساد سكان الجزيرة، سواء جماعات الربانوي في شرق الجزيرة أو هاواي في الشمال، أو جزر ساموا في الغرب، أو تونغا في جنوب أتوريا، حيث عالم الموراي في نيوزيلندا.
تشابهت إلى حد كبير لغاتهم وأساطيرهم ومبادئهم، واستخدمت كلمة التاتو للدلالة على تزيين البشرة إما عن طريق الوخز أو شق البشرة ثم وضع اللون، ثم نقل الملاحون في القرن الثامن عشر مصطلح التاتو للنصف الشمالي من العالم.
في الماضي كان قناع الوجه المسمى موكو يستخدم للدلالة على البلوغ، وعادة ما كانت وجوه الرجال تزين من الجبهة حتى العنق بحيث تشكل ما يشبه القناع لإيمانهم بأن ذلك يقوي الهيكل العظمي ويعطي جمالاً وقوة للملامح ويؤكد على ذكورة المحارب، أو حكمة الخطيب.
كل خط من الخطوط المرسومة يشهد على شجاعة الرجل؛ إذ إن رسم الموكو يعد أمرًا مؤلمًا وقاسيًا، خصوصًا التكنيك الذي استخدمه الماوري. وعلى عكس غيرهم من سكان الباسيفيك الذين يستخدمون أدوات تشبه المشط لوضع الحبر تحت البشرة، استخدم الماروي أزاميل ومشارط حادة لقطع وشق وثقب الخدين والجبهة والجفون والذقن.
لا يتشابه رسمان من رسومات موكو أبدًا، فرسم وجه الأنثى يعتمد على رسم ما يشبه اللوح، يمتد من منتصف الجبهة (نادرًا ما نراها اليوم) مرورًا بثقب الأنف حتى الشفتين، إضافة إلى وشم آخر يمتد من الذقن حتى العنق. وتفرده يعود أيضًا إلى أنه قراءة في شخصية صاحبه، وبالتالي فهو خاص به مثل الجينات الوراثية.
أكثر أنواع الوشم انتشارًا هو وشم الذقن، أو كاوي، الذي استمر منذ عهد الاحتلال، والذي رأيته وأعجبت به منذ طفولتي مرورًا بمراحل بلوغي في الخمسينات من القرن الماضي.
اعتادت نساء الماروي رسم قناع الوجه، وعلى الرغم من الاستنكار الذي كان يبديه المبشرون والمستوطنون، فقد حافظوا على التقليد، لأنه جزء من ثقافتهم.
لماذا؟ السبب أن ذلك الوشم مثّل شكلاً جماليًا خاصًا بالنسبة لهم، فهو يميز ويحدد الوجه ويلفت الأنظار للعين والشفاه، ويستطيع الفنان الماهر أن يخفي عيوب الوجه ويضفي عليه مسحة جمال، وتبقى الخدعة كامنة تحت البشرة وفى الحبر إلى الأبد.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».