العبادي يقر بصعوبة الإصلاحات.. وخصومه داخل البيت الشيعي يستعدون للانقضاض عليه

مخاوف بعد ضبط أسلحة داخل المنطقة الخضراء تعود إلى إحدى ميليشيات الحشد الشعبي

حيدر العبادي
حيدر العبادي
TT

العبادي يقر بصعوبة الإصلاحات.. وخصومه داخل البيت الشيعي يستعدون للانقضاض عليه

حيدر العبادي
حيدر العبادي

بعد نحو شهرين من المظاهرات المطالبة بالإصلاح في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، تضاربت الآراء والمواقف بشأن حجم تلك المظاهرات وطبيعة التفويض الممنوح لرئيس الوزراء حيدر العبادي، فضلا عن مراهنة أطراف كثيرة، لا سيما داخل التحالف الوطني وعموم البيت الشيعي، لا سيما من خصوم العبادي داخل قيادة الدعوة مدعومة من قيادات بارزة في قيادة ميليشيات الحشد الشعبي والفصائل المسلحة الموالية لإيران (عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله ومنظمة بدر)، على تراجع التظاهرات، أقر العبادي ولأول مرة بصعوبة تنفيذ الإصلاحات بسبب اصطدامه بمافيات الفساد.
العبادي الذي كان تحدث بنفسه في لقاء جمعه مع عدد من القيادات العسكرية عما سماه عدم وضوح التفويض الممنوح له من قبل المتظاهرين، لم يشر إلى الدعم والمساندة التي يحظى بها من قبل مرجعية النجف التي بدأت تصطدم مثلما يقول سياسي شيعي مطلع لـ«الشرق الأوسط» عبر الجوال من لندن بـ«قيادات سياسية بارزة في الوسط الشيعي وهي على قسمين.. قسم متورط بالفساد وهو ما بات يسميهم العبادي مافيات الفساد، والغالبية من هؤلاء مرتبطون بشكل أو بآخر بسلفه نوري المالكي، والبعض من قيادات حزب الدعوة الذين لم يلتحقوا بالعبادي بعد تسلمه رئاسة الوزراء وما زالوا موالين للمالكي».
وبعد يومين من شكوى العبادي بعدم وجود تفويض واضح له وهو ما نفته المرجعية الدينية ضمنا خلال خطبة الجمعة الأخيرة، فإن مكتبه أقر بما هو أخطر، حيث أعلن المتحدث الإعلامي باسمه سعد الحديثي، وفي بيان صحافي أن رئيس الوزراء «يصطدم بشخصيات ومافيات فساد متضررة من الإصلاحات التي يجريها». الحديثي أضاف أن العبادي «عندما يتحدث عن صعوبة طريقة الإصلاحات لا يقصد أنه يتنصل أو يتراجع عن هذه الإصلاحات، وإنما يريد إرسال رسالتين: الأولى للرأي العام والمواطن أنه لن يتراجع عن طريق اختاره، والثانية للأطراف والجهات التي تسعى أو تحاول عرقلة منهج الإصلاح وتضع العقبات في طريق رئيس الوزراء في هذا الاتجاه، لكنه لن يتراجع وهو ماض قدما مهما كلفه هذا الأمر».
وكان العبادي نفسه ذهب إلى ما هو أكثر من ذلك حين قال مؤخرا إن «الإصلاحات قد تكلفنا حياتنا وإن البديل عنها الديكتاتورية والفوضى»، مؤكدا أن «الإصلاحات تبقى لإصلاح المسار السياسي، ونحن ماضون إليها».
وبالعودة إلى السياسي الشيعي المطلع فإن «القسم الآخر الذي باتت تصطدم به إرادة العبادي بالإصلاح لكن ليس على أساس الفساد وإنما النفوذ السياسي، وهم قيادات بارزة في ميليشيات الحشد الشعبي والفصائل المسلحة الموالية لإيران، ومن أبرز تلك القيادات التي بات يخشى العبادي نفوذها المتزايد: أبو مهدي المهندس وهادي العامري وقيس الخزعلي»، مشيرا إلى أن «هذه القيادات أصبح لها وجود مسلح على الأرض سواء من خلال التسليح الذي حظيت به باسم الحرب ضد (داعش) أو في سياق ما تحظى به من دعم إيراني وبالتالي فإنها وبصرف النظر عن الهدف الذي تريد الوصول إليه، فإن تنفيذ الإصلاحات بالكامل التي يطالب بها الناس سيقوي نفوذ الدولة والعبادي والقوى المدنية، وكذلك مرجعية النجف، بينما يضعف نفوذها وتتراجع أدوارها»، مبينا أن «الصراع الآن داخل البيت الشيعي بمختلف تياراته السياسية والدينية، وهو صراع نفوذ وسلطة ومال».
وبشأن ما يجري تداوله الآن بشأن قرب الانقضاض على العبادي وترشيح بديل له من داخل التحالف الوطني وتداول بعض الأسماء، قال السياسي الشيعي إن «هناك مداولات سرية لكنها غير رسمية، ولا يتوقع أن تصل إلى نتيجة في حال أقدم العبادي على إجراءات حقيقية، مستفيدا من دعم المتظاهرين والمرجعية لأن بقاء الأمور على ما هي عليه الآن يمكن أن يؤدي إلى توجيه ضربة له ممن باتوا اليوم خصوما واضحين له، بينما هو يجد صعوبة في التعامل معهم بسبب تداخل خنادقهم، بمعنى أن من بين هؤلاء ممن يصنفهم العبادي في خانة مافيات الفساد، بينما هناك أطراف ليست متهمة بالفساد ولكنها تعمل على توسيع نفوذها بطريقة أو بأخرى لكن العبادي يحتاجهم في الحرب ضد (داعش)، بينما خصومه في حزب الدعوة ممن لا يزالون موالين للمالكي يقوون تحالفهم معهم بالضد من العبادي».
السياسي الشيعي يرى أن «مشكلة العبادي تكمن في عدم قدرته على الارتفاع إلى مستوى التحديات رغم كل ما يحظى به من دعم، ورغم إدراكه أنه يخوض معركة حياة أو موت وهو ما دعا المرجعية وفي خطبة الجمعة الأخيرة إلى أن تتحول إلى خصم واضح للأطراف المعارضة للإصلاحات وإلى تجديد الدعم للعبادي بطريقة أخرى من باب التحذير من أن المراهنة على خفوت صوت التظاهرات أمر خاطئ فقد يرتد على أصحابه بطريقة لا ينفع فيها الندم كما قال الشيخ عبد المهدي الكربلائي». ويضيف أن «التطور الأخطر أنه عثر قبل فترة على كمية كبيرة من الأسلحة مخزونة داخل المنطقة الخضراء وتعود لإحدى الفصائل المسلحة والتحقيقات ما زالت جارية بشأنها».
وردا على سؤال حول مواقف كل من التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر والمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم، قال السياسي الشيعي إن «الصدر أكثر حرصا على دعم العبادي وحركة الإصلاحات، لا سيما أنه وافق على إقالة وإحالة نائب رئيس الوزراء والقيادي في التيار الصدري بهاء الأعرجي إلى القضاء، بينما مواقف الحكيم لا تزال رجراجة، لا سيما لجهة وزرائه الثلاثة في الحكومة وهم عادل عبد المهدي وياقر الزبيدي وعبد الحسين عبطان».
في سياق ذلك، فإنه وبالتزامن مع تحذير المرجعية من خفوت صوت التظاهرات وهو ما يصب في خدمة المعارضين للإصلاحات فقد دعا زعيم التيار الصدري المواطنين إلى التظاهر يوم الجمعة المقبل في بغداد دعما للتظاهرات الشعبية المطالبة بالإصلاح الشامل. وقال الصدر في بيان له: «نرجو من الجميع المشاركة مع الالتزام بالإرشادات والشروط المعلنة في التظاهرات السابقة».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.