مع اقتراب الانتخابات التشريعية.. النقاب يثير جدلاً سياسيًا في كندا

رئيس الوزراء طالب بخلعه أثناء أداء اليمين.. ومعارضوه اتهموه بأنه يتخفى وراءه

جانب من المناظرة التي جمعت لأول مرة القادة السياسيين الخمسة الكبار والتي تركزت حول النقاب في مونتريال مساء أول من أمس (رويترز)
جانب من المناظرة التي جمعت لأول مرة القادة السياسيين الخمسة الكبار والتي تركزت حول النقاب في مونتريال مساء أول من أمس (رويترز)
TT

مع اقتراب الانتخابات التشريعية.. النقاب يثير جدلاً سياسيًا في كندا

جانب من المناظرة التي جمعت لأول مرة القادة السياسيين الخمسة الكبار والتي تركزت حول النقاب في مونتريال مساء أول من أمس (رويترز)
جانب من المناظرة التي جمعت لأول مرة القادة السياسيين الخمسة الكبار والتي تركزت حول النقاب في مونتريال مساء أول من أمس (رويترز)

قبل أكثر من ثلاثة أسابيع من الانتخابات التشريعية، أصبح موضوع النقاب يهيمن على النقاش السياسي في كندا، ولذلك سعت أحزاب المعارضة أول من أمس إلى تفادي التطرق إلى هذه المسألة الحساسة، تاركة أنصار العلمانية يسجلون نقاطا لصالحهم.
وكان ستيفن هاربر، رئيس الوزراء المحافظ المنتهية ولايته، قد تعهد الأسبوع الماضي بسن قانون يرغم النساء على أداء اليمين، وهن حاسرات خلال مراسم التجنيس، وذلك ردا على خصومه المؤيدين بدرجات متباينة لمسألة ترك الحرية للنساء لاختيار ارتداء النقاب، أو خلعه إذا فضلن ذلك.
وفي مناظرة جمعت لأول مرة مساء أول من أمس القادة السياسيين الكبار الخمسة، وجد ستيفن هاربر أهم حليف له حول هذه القضية وهو جيل دوسيب، رئيس كتلة كيبيك (استقلالية)، الذي دافع تحت شعار «المساواة بين الرجل والمرأة» عن منع النقاب، ليس لأداء اليمين قبل نيل الجنسية الكندية فحسب، بل أيضا للتصويت أو الدخول إلى الإدارات العامة. وقد كان من اللافت أن المرأة الوحيدة المشاركة في المناظرة هي إليزابيث ماي، رئيسة حزب الخضر، لكنها لم تحاول الدفاع عن حقوق النساء، وهو الموضوع الذي ظلت ترفعه منذ انطلاق حملتها في مطلع أغسطس (آب) الماضي، بل إنها سارعت إلى إغلاق الموضوع برمته بقولها أمام الجميع إنه «جدل زائف»، ثم توجهت بعد ذلك إلى هاربر متسائلة «ما تأثير النقاب على الاقتصاد؟ ما تأثير النقاب على التغييرات المناخية؟ ما تأثير النقاب على العاطلين عن العمل؟ إنه تمويه لتفادي النقاش حول التحديات الحقيقية».
أما توما مولكير، رئيس الحزب الديمقراطي الجديد (يسار)، فقد عد من جهته، أن النقاب مجرد «سلاح تمويه شامل»، يستخدمه رئيس الوزراء المنتهية ولايته «لمحاولة إخفاء حصيلته خلف النقاب».
لكن هاربر هاجم بشكل مباشر رئيس الحزب الديمقراطي الجديد حول هذا الموضوع، الذي أصبح يربك حملته منذ عدة أيام، وقال موجها كلامه لمولكير: «لن أقول أبدا لابنتي إن على امرأة أن تغطي وجهها لمجرد أنها امرأة»، وعندها رد عليه مولكير مذكرا بموقفه القاضي بالحفاظ على «القاعدة المعتمدة التي تنص على وجوب أن تحسر المرأة قبل أن تؤدي اليمين» للتثبت من هويتها، على أن تعيد وضع النقاب عند أدائها اليمين.
وقال رئيس الوزراء المنتهية ولايته: «حين ننضم إلى العائلة الكندية، يجدر التوقف عن إخفاء هويتنا.. ولهذا السبب يتحتم على المواطنين الجدد أداء اليمين حاسرين».
لكن جوستان ترودو، رئيس الحزب الليبرالي (وسط)، غير الموضوع على وجه السرعة معدا أنه «إذا كان الرجل عاجزا على فرض إرادته على زوجته بالنسبة لملابسها، فعندها لا يعود للدولة أن تحدد أي ملابس ينبغي للمرأة أن ترتديها».
وكان استطلاع للرأي أجري مؤخرا قد أظهر أن 82 في المائة من الكنديين يعارضون وضع النقاب أثناء مراسم التجنيس، فيما ترتفع هذه النسبة إلى 90 في المائة في كيبيك المقاطعة الفرنكوفونية، حيث يتحتم على الحزب الديمقراطي الجديد الفوز بعدد أكبر من المقاعد إذا أراد أن يصبح الحزب الأول في مجلس النواب ويشكل الحكومة المقبلة.
وبعدما كان المحافظون متأخرين في نيات التصويت منذ بدء الحملة، عادوا ليحرزوا تقدما منذ منتصف سبتمبر (أيلول) الحالي، مستفيدين من أزمة الهجرة عبر البحر المتوسط، ومسألة النقاب أثناء أداء اليمين في مراسم التجنيس.
وتصدر الحزب المحافظ نيات التصويت في المتوسط الأسبوعي لاستطلاعات الرأي الصادر أول من أمس، وذلك بإحرازه لـ31 في المائة، متقدما على الليبراليين 30.2 في المائة، والحزب الديمقراطي الجديد 28.7 في المائة، أما حزب الخضر فحصل على 4.6 في المائة من نيات الأصوات، فيما حصلت كتلة كيبيك على 4.3 في المائة.



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.