الحكومة الكولومبية وحركة «فارك» تتعهدان بإحلال السلام

بعد نزاع استمر أكثر من نصف قرن.. وخلف نحو 220 ألف قتيل

الحكومة الكولومبية وحركة «فارك» تتعهدان بإحلال السلام
TT

الحكومة الكولومبية وحركة «فارك» تتعهدان بإحلال السلام

الحكومة الكولومبية وحركة «فارك» تتعهدان بإحلال السلام

قامت الحكومة الكولومبية وحركة «فارك» المتمردة أمس بخطوة حاسمة نحو السلام، بعد أن تعهدتا بتوقيع اتفاق خلال ستة أشهر، وأعلنتا عن توافق على مصير المقاتلين القضائي، الذي كان من النقاط الجوهرية في المفاوضات.
وقال الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس، بعد مصافحته التاريخية مع زعيم الحركة الماركسية المتمردة تيموليون خيمينيث، الملقب بـ«تيموشينكو»: «إنها خطوة كبرى»، مضيفا في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «نحن نحتاج إلى العبور إلى النقاط الختامية في المباحثات، لكن هناك نتيجة واحدة ممكنة: السلام بات ممكنا وأصبح قريبا من أي وقت مضى».
وكان الرجلان قد عقدا قبيل ذلك لقاء كان الأول لهما وجها لوجه، استمر نصف ساعة في حضور الرئيس الكوبي راوول كاسترو، وذلك لإعطاء دفعة أخيرة لتسوية أكبر نزاع في أميركا اللاتينية، الذي أوقع ما لا يقل عن 220 ألف قتيل خلال نصف قرن.
وبعد الاجتماع تلا مندوبا كوبا والنرويج، بوصفهما الدولتين الوسيطتين في المحادثات، بيانا يعلن إبرام اتفاق حول تشكيل «محكمة خاصة للسلام»، مكلفة مقاضاة مرتكبي الجرائم خلال النزاع. كما اتفق الطرفان على وجوب إنجاز مفاوضات السلام الحالية في كوبا «خلال ستة أشهر حدا أقصى». لكن الرئيس حذر من أن «المهمة لن تكون سهلة، لأنه ما زالت هناك نقاط كثيرة يصعب الاتفاق عليها».
وكانت مسألة المقاضاة تبدو الأصعب منذ بدء مفاوضات السلام التي انطلقت قبل نحو ثلاث سنوات؛ إذ كانت حركة «فارك» ترفض أي اتفاق يقود إلى اعتقال مقاتليها الذين يدانون بارتكاب جرائم أو بتهريب مخدرات، في حين كانت الحكومة ترفض إفلات المذنبين من العقاب. لكن بموجب الاتفاق، فإن المحكمة الخاصة ستسمح لكولومبيا بـ«وضع حد للإفلات من العقاب وجلاء الحقيقة، والمساهمة في التعويض عن الضحايا ومقاضاة مرتكبي جرائم خطيرة».
وبموجب آلية مقاضاة معقدة، فإن مرتكبي الجرائم، الذين يتعاونون مع السلطات، سيواجهون عقوبات بالسجن من 5 إلى 8 سنوات وفق أنظمة خاصة، في حين أن الذين يقرون بذنبهم بشكل متأخر سيواجهون العقوبات ذاتها، وفق نظام السجن الاعتيادي. وفي المقابل، ينص الاتفاق على العفو عن الجرائم «السياسية أو المرتبطة بها»، على أن يحدد قانون عفو يصدر لاحقا أبعاد هذا العفو.
من جهته، قال زعيم «فارك» رودريغو لوندونيو إيتشيفيري، مبديا ارتياحه، إن هذه المحكمة الخاصة ستقام «لجميع أطراف النزاع، وليس لطرف واحد فحسب»، عادّا أن الاتفاق يتيح «إمكانية كشف الحقيقة كاملة» حول النزاع في كولومبيا.
ومن النقاط الأخرى المهمة في الاتفاق إلزام المتمردين بالشروع في نزع أسلحتهم خلال 60 يوما، بعد توقيع اتفاق السلام النهائي.
ولم يسبق للرئيس الكولومبي أن حضر إلى طاولة المفاوضات في هافانا من قبل. كما أنها أول مرة منذ 14 عاما يلتقي فيها رئيس كولومبي بزعيم حركة «فارك»، الذي تمكن من التوجه إلى هافانا بموجب التعليق المؤقت لنحو مائة مذكرة توقيف صدرت بحقه، بتهم القتل المشدد والإرهاب، والخطف، والتمرد، خلال قيادته حركة «فارك» منذ 2011.
وبعد إعلان الاتفاق رحب وزير الخارجية الأميركي جون كيري بـ«إنجازات تاريخية نحو إبرام اتفاق سلام نهائي يضع حدا لـ50 عاما من النزاع المسلح». كما وصف المتحدث باسم الفاتيكان الأب فيديريكو لومباردي إعلان الاتفاق بأنه «نبأ سار». أما في بوغوتا، فقد أعلن المدعي العام تجميد الملاحقات القضائية المقررة بحق زعيم «فارك» بتهم «انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان»، على أثر الاتفاق الذي يفرض «سبل (تحقيق) خاصة بالقضاء الانتقالي».



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.