الإحباط من {سوء إدارة الحرب} يدفع بمبعوث أوباما لمكافحة «داعش» إلى الاستقالة

الجنرال جون ألان قام بجهود كبيرة لإقناع البيت الأبيض بمنطقة آمنة لحماية المدنيين في سوريا

دبابة تابعة لجبهة النصرة في اشتباك مع قوات الأسد أمس على أطراف حلب في حي الزهراء.. الصورة نشرت على حساب النصرة تويتر (أ.ب)
دبابة تابعة لجبهة النصرة في اشتباك مع قوات الأسد أمس على أطراف حلب في حي الزهراء.. الصورة نشرت على حساب النصرة تويتر (أ.ب)
TT

الإحباط من {سوء إدارة الحرب} يدفع بمبعوث أوباما لمكافحة «داعش» إلى الاستقالة

دبابة تابعة لجبهة النصرة في اشتباك مع قوات الأسد أمس على أطراف حلب في حي الزهراء.. الصورة نشرت على حساب النصرة تويتر (أ.ب)
دبابة تابعة لجبهة النصرة في اشتباك مع قوات الأسد أمس على أطراف حلب في حي الزهراء.. الصورة نشرت على حساب النصرة تويتر (أ.ب)

تقدم الجنرال المتقاعد جون ألان باستقالته من منصبه كمبعوث خاص للرئيس أوباما إلى التحالف العالمي لمكافحة «داعش»، حيث يترك منصبه فعليا في نوفمبر (تشرين الثاني) القادم. وقال مسؤول بالإدارة الأميركية إن البيت الأبيض لم يعلن رسميا استقالة الجنرال ألان.
ويقول مسؤولون أميركيون إن الجنرال ألان أصابه الإحباط من سوء إدارة الحرب ضد «داعش»، والفشل في توفير الموارد الكافية للقتال، خاصة بعد أن حاول الجنرال ألان دون جدوى إقناع الإدارة الأميركية بالسماح لفرق المراقبة الجوية التكتيكية بالانتشار في سوريا والعراق، والقيام بتحديد الأهداف للضربات الجوية.
ويؤكد المسؤولون أن الجنرال ألان قام بجهود كبيرة لإقناع البيت الأبيض بالموافقة على المطالب التركية لإنشاء منطقة آمنة لحماية المدنيين في سوريا، لكن موقف البيت الأبيض كان رافضا لتلك الخطوة على مدى الشهور الماضية.
وتشير التكهنات إلى أن الجنرال ألان كان على علاقة متوترة مع الجنرال لويد أوستن قائد القيادة المركزية الأميركية المسؤول عن جميع العمليات العسكرية الأميركية في المنطقة. ويقول مسؤولو الإدارة إنه لا توجد خلافات بين الإدارة الأميركية والجنرال ألان أدت إلى استقالته، وأرجع المسؤولون الاستقالة إلى «رغبة الجنرال ألان في ترك منصبه للاعتناء بأسرته وزوجته المريضة».
وأشار مسؤول أميركي بارز إلى أن الرئيس أوباما عندما اختار الجنرال ألان لمنصب المبعوث الخاص لتنسيق جهود التحالف ضد «داعش» في سبتمبر (أيلول) 2014، كان مقررا في البداية أن يبقي الجنرال ألان في المنصب لمدة ستة أشهر، وقد وافق الجنرال ألان على تمديد بقائه في المنصب بناء على طلب من وزير الخارجية جون كيري في وقت سابق من العام الحالي.
لكن جيريك هارفي مسؤول الاستخبارات العسكرية السابق الذي عمل مع الجنرال ألان، أوضح لشبكة «إيه بي نيوز» أن «الجنرال ألان وضع كل وقته وجهده لتحقيق تقدم في هذه المهمة الصعبة، وتنفيذ استراتيجية أوباما في إلحاق الهزيمة ضد (داعش). وقام بجهود كبيرة في التنسيق مع السعودية وتركيا وبقية دول الجوار في سوريا، لكني لا أعتقد أن فريق الرئيس أوباما كان بنفس القدر من الاستعداد لتنفيذ المهمة، ولم يمكنوه من تحقيق القيادة اللازمة لهذه المهمة».
الجنرال ألان نفسه أشار في عدة أحاديث صحافية إلى إحباطه من الهزائم والانتكاسات المتكررة في كل من سوريا والعراق.
وحقق الجنرال ألان نجاحا كبيرا لإدارة أوباما في تفاوضه مع تركيا، وبناء على جهوده نجحت الولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاق مع تركيا تسمح أنقرة بموجبه لواشنطن باستخدام قاعدة انجرليك الجوية، للقيام بالعمليات الجوية الخاصة بالتحالف في سوريا.
وتأتي استقالة الجنرال ألان في توقيت حساس تشهده الولايات المتحدة في مواجهة الأزمة السورية ومكافحة تنظيم داعش داخل العراق وسوريا، مع شكوك كثيرة تواجه إدارة أوباما في مدى نجاح الاستراتيجية التي تتبعها في التعامل مع الأزمة السورية ومصير الرئيس الأسد، والقدرة على ملاحقة وهزيمة تنظيم داعش.
ويقول محللون إن مشاورات الجنرال ألان وإدارة الرئيس أوباما وصلت إلى طريق مسدود حول الهدف النهائي المنشود في استراتيجية الإدارة الأميركية تجاه سوريا، فقد أوضح ألان موقفه الصارم من ضرورة رحيل بشار الأسد عن السلطة ثم البدء في مفاوضات لتشكيل هيئة انتقالية تتولي السلطة في سوريا وتقوم بالتحضير للانتخابات، لكن يبدو أن الإدارة الأميركية بدأت تتباعد عن طلب رحيل الأسد بشكل سريع في الآونة الأخيرة رغم إعلانها أنه فقد شرعيته في الحكم. وقد تركز الاهتمام خلال الأسابيع الماضية على التحركات العسكرية الروسية في سوريا.
ووصف الكثير من المشرعين استراتيجية أوباما في تدريب المعارضة السورية بأنها انتكاسة كبيرة، حيث قامت جبهة النصرة باختطاف وقتل عدد كبير من المقاتلين السوريين الذين تدربهم الولايات المتحدة. وأشارت أنباء، مساء الثلاثاء، أن بعض المقاتلين السوريين الذين عادوا إلى سوريا قاموا بتسليم أسلحتهم إلى جماعات إرهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة في سوريا. ويثير المشرعون انتقادات حادة لاستراتيجية أوباما حول تدريب المعارضة السورية التي تكلفت مئات الملايين وأنفقت فيها الإدارة سنوات من التخطيط والإعداد، دون نتائج واضحة بل انتكاسات متكررة. وتأتي استقالة الجنرال ألان أيضا بعد اعتراف الجنرال لويد أوستن قائد القيادة المركزية أمام لجنة الشؤون المسلحة بمجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، بفشل تجهيز وتدريب المعارضة السورية لتولي مهام القتال ضد «داعش»، مشيرا إلى أن عدد المقاتلين السوريين الذين دربتهم الولايات المتحدة ويحاربون على الأرض، لا يزيد على أربعة إلى خمسة أشخاص. وفي الوقت نفسه فإن تقديرات الاستخبارات الأميركية حول أعداد المقاتلين في «داعش» تشير إلى أن التنظيم لديه ما بين 20 إلى 30 ألف مقاتل، وهو نفس العدد الذي قدرته أجهزة الاستخبارات في سبتمبر الماضي، بما يشير إلى أن الحملة ضد «داعش» لم تؤثر على قدرة «داعش» وأعداد مقاتليه.
ويبقي السؤال حول من يحل محل الجنرال جون ألان، وتشير التكهنات إلى أن البيت الأبيض يخطط لتعيين السفير بريت ماكيرك الذي يشغل منصب نائب المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف لمكافحة «داعش». لكن السؤال الأهم هو: هل تحرك استقالة ألان الإدارة الأميركية وتدفعها إلى تغيير استراتيجيتها حول «داعش»؟
قد يكون اختيار شخص آخر مستعد لقبول المنصب ليس أمرا سهلا في ظل بقاء استراتيجية أوباما ضد «داعش» كما هي دون تغيير.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.