شريف إسماعيل على {الكرسي الساخن}

المصريون يتساءلون: هل ينجح حامل «الحقيبة القابلة للاشتعال» في إنقاذ الحكومة؟

شريف إسماعيل على {الكرسي الساخن}
TT

شريف إسماعيل على {الكرسي الساخن}

شريف إسماعيل على {الكرسي الساخن}

فوجئ البعض بإسناد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئاسة الحكومة إلى المهندس شريف إسماعيل، وزير البترول في حكومة إبراهيم محلب المستقيلة. غير أن راصدي الأوضاع في مصر، والعارفين بالمنجزات التي حقّقها إسماعيل إبان توليه منصبه الوزاري يرون أنه الرجل الإداري والتكنوقراطي المؤهل للاضطلاع بمسؤوليات هذا المنصب الحساس، كونه رجل أفعال أكثر منه رجل أقوال. ولقد اكتشف الرئيس السيسي فيه هذه المزايا منذ كانا معًا وزيرين في حكومة الدكتور حازم الببلاوي بين 9 يوليو (تموز) 2013 و24 فبراير (شباط) 2014.
«كثيرون لا يعلمون من هو شريف إسماعيل.. لكنه رجل دؤوب وقليل الكلام، يركز جدًا في عمله، وحلوله سريعة ولا ينتظر إلى أن تتفاقم المشكلات داخل الدولة».. هكذا لخص الدكتور عبد الله المغازي، معاون رئيس الوزراء المصري السابق إبراهيم محلب، في جملة واحدة معضلة مصر كلها في اختيار رئيس الحكومة الجديد؛ سواءً من حيث الدهشة التي قابل بها الشارع طرح اسم إسماعيل، أو ما بدا من إصرار إدارة الدولة على اختياره للمنصب التنفيذي الأول في مصر.
جملة المغازي جاءت في إطار تعليقه على اختيار المهندس شريف إسماعيل ليخلف محلب رئيسا جديدا للحكومة الأسبوع الماضي. ورغم أن إسماعيل أحد أقدم أعضاء الحكومات الثلاث التي جاءت بعد ثورة 30 يونيو (حزيران)، محافظًا على منصبه الوزاري في ظل وزارة الدكتور حازم الببلاوي، ثم وزارتي المهندس محلب، فإنه يظل في رأي عامة الشعب «الرجل الغامض»، نظرا لندرة ظهوره الإعلامي أو إدلائه بتصريحات، أو حتى وجود سيرة ذاتية موسعة عنه.

* الحقيبة الوزارية «القابلة للاشتعال»
في الوقت ذاته، يسجل لإسماعيل أنه حافظ على حقيبته البترولية «القابلة للاشتعال»، بحسب خبراء اقتصاد ومراقبين سياسيين، ببراعة فائقة ومن دون خسائر.. وذلك في ظل ما عانته مصر منذ ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 من أزمات خانقة في الوقود، ونجاحه في عقد اتفاقيات عدة لضخ مزيد من الوقود إلى السوق، إضافة إلى خطة محكمة لتوزيع ما أسهمت به حكومات الخليج العربي من مساعدات بترولية، جعلت من الأزمة السابقة شيئا من الماضي. كذلك ظهر أيضا نجاح إسماعيل في الإسهام بقوة في حل أزمة «انقطاع الكهرباء» التي شهدتها الدولة في العام قبل الماضي، عن طريق توفير المواد البترولية اللازمة لتشغيل محطات توليد الطاقة بصورة منتظمة، مما أدى إلى انتهاء الأزمة تمامًا على مدار العام الماضي.
كل ذلك فعله إسماعيل في الظل من دون «ضجيج»، وربما لم يظهر إعلاميا سوى من خلال إطلالة أو اثنتين خلال العامين الماضيين، حتى إنه نادرًا ما يرد على هاتفه الشخصي؛ لأنه «رجل لا يحب الأضواء، ولا يسعى لها»، بحسب مقربين منه. لكن نجم إسماعيل سطع بقوة خلال الشهر الماضي مع إعلان شركة «إيني» الإيطالية عن الكشف الأكبر من نوعه للغاز الطبيعي، ليس في مصر وحدها ولكن في إقليم البحر المتوسط قاطبة، الذي توقع خبراء الاقتصاد أن من شأنه أن يغير وجه مصر خلال الأعوام المقبلة.

* نجاحات بلا ضجيج
مصدر حكومي قال لـ«الشرق الأوسط» أمس: «لم ينجح شريف إسماعيل فقط في الإسهام بشكل كبير في إنقاذ الدولة من أزمتي الوقود والكهرباء، والكشف العملاق، بل نجح على المستوى الاستراتيجي في ما هو أبعد من ذلك، أي بإسهامه في توفير الثقة في رسوخ الدولة لدى المستثمر الأجنبي.. فأي مستثمر يفكر في العمل في مصر سينظر إلى كل هذه الأشياء جيدا، وتشجعه بقوة على القدوم لأن غيابها يعني غياب أي مناخ جاذب».
وتابع المصدر الحكومي: «لكل هذه الأسباب وقع اختيار الرئيس على إسماعيل لتشكيل الحكومة.. فهو رجل منضبط ومحنك في عمله، يؤدي دوره بصمت، ولديه رؤية واضحة»، ثم أردف: «لا ننسى أن الرئيس السيسي كان عضوًا في حكومة الدكتور الببلاوي وزيرا للدفاع ونائبا أول لرئيس الوزراء.. أي إنه يعرف تمامًا مؤهلات المهندس شريف إسماعيل وزامله طويلاً، مما يتيح له أن يحكم عليه بوصفه شخصية ناجحة وذات كفاءة عالية بصورة كبيرة».

* الدراسة والمناصب
وعن مسيرته الوظيفية، فقد تخرج إسماعيل في كلية الهندسة بجامعة عين شمس عام 1978، ليعمل بعدها في مجال البحث والاستكشاف البترولي. وتدرّج في عدة مناصب أهمها مدير عام الشؤون الفنية بشركة «إنبي»، إحدى أهم الشركات في مجال الطاقة بمصر. ثم عمل وكيلاً لوزارة البترول لشؤون عمليات البترول والغاز بين عامي 2000 و2005، قبل أن يتولى رئاسة مجلس إدارة الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيغاس) لمدة قاربت العامين، ثم رئاسة مجلس إدارة شركة جنوب الوادي القابضة للبترول حتى عام 2013. وبعدها عين وزيرًا للبترول في منصف شهر يوليو 2013، واستمر في موقعه حتى اختياره رئيسا للوزراء في منتصف شهر سبتمبر (أيلول) الحالي.
يأتي قبول إسماعيل المهمة التي وصفها سياسيون مصريون بـ«الشاقة»، في وقت ربما كان كثيرون يفضلون التنصل منها والبعد عنها، لأنها حكومة حُكم عليها أن تكون «مؤقتة» بحكم الدستور الذي ينصّ على حق كتلة الأغلبية البرلمانية في تشكيل الحكومة فور عقد جلسات البرلمان المقبل، التي من المتوقع أن تبدأ مطلع العام المقبل.
إلا أن إسماعيل قبل المهمة، رغم ذلك، من دون النظر إلى «محدوديتها الزمنية». ويؤكد المقربون منه لـ«الشرق الأوسط» أنه «رجل وطني ولا يمكن أن يتخلّى عن تكليف، بل غالبا قد ينجح في حيازة ثقة البرلمان المقبل للاستمرار في موقعه حال نجاحه في مهمته».
أيضًا قبل إسماعيل ترؤس الوزارة في وقت حرج؛ إذ إن مصر مقبلة على الانتهاء من خارطة الطريق في خطوتها الأخيرة المتمثلة في الانتخابات البرلمانية، وهي الانتخابات التي كثيرًا ما شهدت مصر خلالها في العقود الماضية صراعات واشتباكات بين المرشحين وداعميهم، خاصة في المناطق القبلية؛ إلى جانب اتهامات الخاسرين للدولة بالتلاعب في النتائج. ويضاف إلى ذلك، بالطبع، مسؤولية الحكومة المصرية عن تحقيق خطط النمو الاقتصادي الذي تعثر طويلاً، وعملها في مجال مكافحة العنف والإرهاب الذي تتبناه جماعات عدة على رأسها الإخوان عقب الإطاحة بهم من حكم مصر.

* تحدي الأداء الخدماتي
ويرى المراقبون أن مشكلة حكومة رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب كان يكمن أغلبها في ضعف أداء الوزارات الخدمية، مثل الصحة والتعليم والتعليم العالي والنقل والاتصالات والثقافة، التي واجهت انتقادات حادة ومستمرة خلال أكثر من عام، ولذلك كانت هذه الحقائب ضمن أبرز التغييرات التي شهدتها الحكومة الجديدة. ويشير هؤلاء إلى أن نجاح إسماعيل في حلحلة ملفات هذه الوزارات وتحقيق نجاحات ملموسة للشارع المصري فيها، سيسفر حتما عن إنجاز جديد يضاف إلى رصيد رئيس الوزراء الجديد.
الاختيارات الوزارية لإسماعيل قد تكون شهدت بدورها بعض الجدل المبكر، وربما قبل أن يدخل الوزراء إلى مكاتبهم لمباشرة أعمالهم. ومن انتقادات جادة لأخطاء وزير التعليم اللغوية، وأخرى مثيرة للسخرية حول فستان قصير الأكمام لإحدى الوزيرات الجديدات، طال النقد اختيار وزيرين سابقين هما أحمد زكي بدر للتنمية المحلية (آخر وزراء التعليم في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك) وهشام زعزوع للسياحة (تولّى الحقيبة في حكومة هشام قنديل إبان حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان).. لكن بعض المراقبين رأوا في ذلك «دلالة سياسية إيجابية للغاية، حتى وإن كانت غير مقصودة بصورة مباشرة.. مفادها أن الدولة المصرية لا تنظر إلى الوزراء السابقين على أنهم متورّطون في نظم فتحكم عليهم بالإعدام السياسي مدى الحياة، بقدر ما تنظر إلى الكفاءة والأداء والسيرة الوظيفية ما لم يكونوا متورطين جنائيًا أو إداريا في فساد.
وجاءت التكليفات الأولى من الرئيس السيسي لإسماعيل متماشية مع رؤية الخبراء لمتطلبات وأولويات المرحلة المقبلة. فقد أكد الرئيس، بحسب بيان رسمي عقب الاجتماع الأول مع رئيس الحكومة، أن «الدولة تولي أهمية كبيرة لضبط الأسعار، والوفاء باحتياجات المواطن المصري، لا سيما الفئات الأولى بالرعاية»، مشددًا على أهمية «توافر الأدوية والوقود، والسلع الغذائية ومستلزمات عيد الأضحى بأسعار مناسبة للمواطنين». كذلك اهتم الرئيس السيسي بالإشارة إلى أهمية الخروج عن الأنماط التقليدية في العمل والإدارة والبحث عن الأفكار الخلاقة والمبتكرة، التي تسهم في زيادة حصيلة إيرادات الدولة، حتى تتمكن من الوفاء باحتياجات المواطنين على الوجه الأكمل، من دون المساس بمحدودي الدخل والفئات الأكثر احتياجًا، الذين يتعين توفير الرعاية الكاملة لهم والارتقاء بأوضاعهم.

* محوران لعمل الحكومة
أما إسماعيل فأوضح من جانبه، في أحد تصريحاته القليلة عقب اجتماعه الأول مع وزرائه، أن الحكومة سوف تعمل على محورين: الأول قصير الأجل لإيجاد حلول عاجلة للمشكلات القائمة، والثاني محور طويل الأجل لتنفيذ المشاريع القومية التي يجري تنفيذها، والعمل على استقرار أركان الدولة. وأشار إلى أن هناك برنامجًا للحكومة سيصار إلى تجهيزه لعرضه على مجلس النواب المقبل، كما شدد على أنه «لا مكان للفساد، حيث نقف بشدة أمام هذه الظاهرة، وسنعمل بحزم على حل المشكلات القائمة».
وعلى المستوى التنفيذي، طالب إسماعيل وزير الاستثمار بإعداد تقرير شامل عن جميع مذكرات التفاهم التي تواجه معوّقات في تحويلها إلى اتفاقيات وعقود نهائية، والإجراءات المطلوبة للتغلب على هذه المعوّقات، إلى جانب سرعة تنفيذ المشاريع المقترحة، وهو أيضا ما يؤكد ما ذهب إليه المراقبون من أن رئيس الوزراء الجديد «رجل عملي لأقصى درجة».
وبحسب تأكيد سياسي مصري محنّك لـ«الشرق الأوسط» - طلب عدم ذكر اسمه لأسباب خاصة - فإن «خطوات وتصريحات رئيس الوزراء الجديد الأولى، على الرغم من قلّتها، فإنها أدت إلى تحوّله من الرجل الغامض في عين الشارع المصري، إلى رجل يحمل بارقة أمل كبيرة في تحسين أوضاع المصريين بشكل عام.. قد تكون المهمة شاقة والنافذة الزمنية ضيقة؛ لكن شريف إسماعيل رجل بقدر التحدي».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.