ضياء البطل تتبع خطى الحرف العربي في فضاءات الأمكنة

تسعى إلى إشراك الجمهور في القضايا المعاصرة للهوية والانتماء

الفنانة ضياء البطل وخلفية جدارية حروفية  («الشرق الأوسط»)  -  «المشربية» نصب تذكاري لأطفال غزة من ضحايا القصف الإسرائيلي («الشرق الأوسط»)
الفنانة ضياء البطل وخلفية جدارية حروفية («الشرق الأوسط») - «المشربية» نصب تذكاري لأطفال غزة من ضحايا القصف الإسرائيلي («الشرق الأوسط»)
TT

ضياء البطل تتبع خطى الحرف العربي في فضاءات الأمكنة

الفنانة ضياء البطل وخلفية جدارية حروفية  («الشرق الأوسط»)  -  «المشربية» نصب تذكاري لأطفال غزة من ضحايا القصف الإسرائيلي («الشرق الأوسط»)
الفنانة ضياء البطل وخلفية جدارية حروفية («الشرق الأوسط») - «المشربية» نصب تذكاري لأطفال غزة من ضحايا القصف الإسرائيلي («الشرق الأوسط»)

تنحدر الفنانة الفلسطينية الشابة ضياء البطل، من عائلة مبدعة ومثقفة، فهي ابنة الصحافي حسن البطل، والنحاتة المعروفة منى السعودي، متخصّصة في التصميم المكاني وتوظف جمالية الخط العربي والفن التقليدي، في أعمالها وتصميماتها. وعُرضت أعمالها في معارض فنية في بيروت، والمنامة، وعمان، وباريس، وليفربول، ولندن، وغيرها. وكان آخرها معرضًا خاصًا في العاصمة البريطانية أقيم في صالة (موزاييك رومز) يعتمد على وسائط متعددة جديدة ضمن فعاليات مهرجان لندن للتصميم.
تستخدم البطل فن الخط العربي لتحويل النص إلى قطع فنية، وتسعى إلى إشراك الجمهور في القضايا المعاصرة للهوية والانتماء، من خلال رؤية فنية معمارية متناغمة مع المكان.
وكما في معرضها السابق في ليتون هاوس بلندن، الذي استلهمت فيه التجربة السورية ووثقت أسماء شهداء الثورة على بلاطات سوداء صغيرة بقي بعضها دون أسماء تعبيرًا عن آلاف «الشهداء» من مجهولي الهوية، تستلهم ضياء في معرضها الحالي أسماء «شهداء» من أطفال غزة ممن استهدفهم الطيران الإسرائيلي صيف 2014، وهم يلعبون على الشاطئ، وذلك في عمل تركيبي على قماش أبيض سمته «المشربية»، حيث أسماؤهم مطرزة بأحرف عربية، ومنحت كل اسم لونًا. وإن كان المعرض السابق إحياء ذكرى الأشخاص الذين قضوا نحبهم وحرمتهم السلطات السورية من الحصول على جنازات. فإن التصميم في المعرض الحالي بمثابة نصب تذكاري للأطفال الفلسطينيين بدا وكأن أرواحهم تهفهف بملابسها البيضاء في رحلة صعودها إلى السماء.
ضياء بطل فنانة فلسطينية ولدت وترعرعت في بيروت عام 1978، وأكملت تخصصها الفني في كلية غولدسميث في التصميم بلندن، حيث تقيم في السنوات الأخيرة.
وبين العالمين، الشرق والغرب، مزجت هذه الشابة عصارة معرفتها وإدراكها الفني، وقدمت تجربة فنية مميزة تستلهم الحرف العربي والقصائد العربية (محمود درويش)، وألقتها على كل ما يخطر بالبال من أشياء؛ قطع الأرائك، قطعة ديكور على الجدران، لمبات إضاءة. من ذلك «مقعد واو» الذي أهدته إلى قاعات الموزاييك في لندن، وقد صممته لاستخدام جماعي، ليستخدم في أحد فضاءاتها.
تقدم البطل تجربة متفردة بين أبناء جيلها من الفنانين العرب الذين يندر أن نرى بينهم من يهتم بالحروفية العربية أو يرتبط بالشعر ويستلهمه في إنتاجه الفني. وربما أن تأثيرات والدتها الفنانة منى السعودي تركت بصمتها القوية في عملها، من حيث ارتباطها بالشعر الذي استلهمته من محمود درويش وأدونيس.
المعرض افتتح يوم 9 سبتمبر (أيلول) الحالي، ويستمر حتى 27 منه. وتقود الفنانة، يوم السبت، رواد المعرض في جولة بين الأعمال المعروضة للتحدث عن تنفيذها لها، خاماتها، وما يصحب كل ذلك من مقاطع فيديو وموسيقى وكل ما ينطبق على مفهوم «وسائط متعددة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».