البرازيل ترفض تعيين رئيس سابق لمجلس المستوطنات سفيرًا لإسرائيل

نتنياهو اتخذ قرارًا استفزازيًا ويواجه ورطة دبلوماسية مع بوينس آيرس

البرازيل ترفض تعيين رئيس سابق لمجلس المستوطنات سفيرًا لإسرائيل
TT

البرازيل ترفض تعيين رئيس سابق لمجلس المستوطنات سفيرًا لإسرائيل

البرازيل ترفض تعيين رئيس سابق لمجلس المستوطنات سفيرًا لإسرائيل

حولت رئيسة البرازيل، ديلما روسيف، رسائل إلى إسرائيل، مفادها أنها لا تشعر بالارتياح إزاء تعيين رئيس مجلس المستوطنات سابقا، داني ديان، سفيرا لإسرائيل في بلادها، كونه ليس فقط يقيم في مستوطنة، بل جاء من قيادة المستوطنين، وطالبت بوضوح عدم الإحراج وتغيير السفير فورا.
وذكرت مصادر دبلوماسية في تل أبيب، أن تحويل الرسائل تم عبر قنوات دبلوماسية، وأنها تضع رئيس الحكومة ووزير الخارجية، بنيامين نتنياهو، في مأزق صعب، خاصة وأنه تم التصديق على تعيين ديان في الحكومة في السادس من سبتمبر (أيلول) الحالي.
وجاء الموقف البرازيلي بعد توقيع 40 منظمة معروفة في البرازيل أخيرا، عريضة تطالب الرئيسة بعدم المصادقة على تعيين ديان، وبعد أن قام عدد من أعضاء البرلمان البرازيلي بشجب علني لتعيين القائد الاستيطاني الإسرائيلي في منصب السفير، ووصفوا الخطوة بأنها تحد لسيادة البرازيل وموقفها السياسي الرسمي، الذي يعتبر المستوطنات غير شرعية.
وحسب العرف الدبلوماسي، فإن الحكومة تقوم عادة بتحويل اسم السفير المرشح إلى الدولة المضيفة وتطلب موافقتها عليه. وعادة، من النادر أن ترفض دولة استقبال سفير تم ترشيحه في بلاده. ولكي تتجنب وقوع حادث دبلوماسي، لا ترفض الحكومة الأجنبية التعيين، وإنما تقوم بتحويل رسائل هادئة تطلب فيها سحب التعيين كي تتجنب رفضه رسميا. لكن مأزق نتنياهو يكمن في أن سحب التعيين سيكون صفعة له ولإسرائيل، وسيدخله في أزمة مع حلفائه في اليمين. أما إذا أصر نتنياهو على التعيين ورفض رسميا من قبل البرازيل، فمن شأن ذلك أن يؤثر على العلاقات الإسرائيلية البرازيلية التي يعتبرها نتنياهو هدفا استراتيجيا مهما لإسرائيل، التي تعمل على تطوير علاقات تجارية مع أسواق أميركا الجنوبية والبرازيلية بشكل خاص.
يشار إلى أنه تم تسجيل تحسن في العلاقات السياسية بين البلدين أخيرا. وقد امتنعت البرازيل يوم الخميس الماضي، عن التصويت على مشروع قرار في لجنة الطاقة النووية، يطالب بفرض الرقابة على المنشآت النووية الإسرائيلية. واعتبر تصويت البرازيل بمثابة تغيير في طابعها، خاصة وأنها كانت تصوت دوما مع الفلسطينيين وضد إسرائيل، ويرجع تخوف البرازيل من تعيين ديان إلى اعتبار موافقتها عليه بمثابة دعم لمشروع الاستيطان.
المعروف أن ديان يعتبر من أبرز القيادات السابقة للمستوطنين. وهو مولود في الأرجنتين، ويعيش في مستوطنة معالية شومرون، على مسافة 10 كيلومترات من مدينة قلقيلية في الضفة الغربية. وشغل بين السنوات 2007 و2013 منصب رئيس مجلس المستوطنات، وحظي بلقب «وزير خارجية المستوطنات» بسبب مواهبه الإعلامية الجيدة. وقالت مصادر مقربة من نتنياهو إنه لم يستسلم وإنه يأمل بأن يتمكن من تنفيذ قرار التعيين.
وفي السياق نفسه، أعلن رئيس بلدية ريكيافيك، عاصمة آيسلندا، أنه سيتم إلغاء القرار الذي اتخذه المجلس البلدي، في وقت سابق من الأسبوع المنصرم، بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، واستبداله بقرار يقاطع منتجات المستوطنات فقط. وقال داغور إغراستون، إنه «على الرغم من أن مقاطعة المستوطنات هو ما فكرنا فيه، إلا أنه كان يجب علينا توضيح الأمور بشكل أفضل في نص القرار. وسأقترح على المجلس البلدي، قرارا بإلغاء النص الحالي ومناقشة كيفية عرض الأمور في قرار جديد». وحسب رئيس البلدية، فإنه لم يقدر بشكل صحيح، ردود الفعل الشديدة في آيسلندا وفي أنحاء العالم على القرار الذي تم اتخاذه، معتبرًا أنه لم يتم إعداد القرار، بشكل أساسي وأنه كان يجب توضيح بعض النقاط.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.