حظر اللحم البقري في الهند يتحول إلى جدل سياسي

المسلمون في الهند يعتبرون قرار المحكمة العليا هجمة على هويتهم الدينية

حظر اللحم البقري في الهند يتحول إلى جدل سياسي
TT

حظر اللحم البقري في الهند يتحول إلى جدل سياسي

حظر اللحم البقري في الهند يتحول إلى جدل سياسي

يبيع صفي الدين الحلوى والتبغ ورقائق البطاطس وغيرها في كشك صغير على جانب الطريق، ومؤخرا بدأ في بيع اللحم البقري. بيد أنه أُجبر مؤخرا على غلق تجارته بعد أن سنت الحكومة قانونا يمنع ذبح الأبقار والثيران.
وحُذفت أطباق اللحم البقري من مطاعم 13 ولاية هندية طبقت فيها الحكومة عقوبات تصل للسجن لعشر سنوات لمن يثبت بيعه للحم البقري. وفرضت كذلك محكمة في ولاية جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة حظرا مماثلا بالأمس. والعاصمة دلهي تطبق قوانين صارمة تمنع ذبح الأبقار، ولم تستقر الأمور هنا، حيث قامت حكومة «بى جي بي» في ولاية مهراشاترا غرب البلاد، التي تضم ولاية مومباي، بفرض حظر مؤقت على بيع لحم الضأن، والدجاج، وغيرها يمتد لسبعة أيام، وذلك لمشاركة احتفالات ولاية برسشانا التي تقيمها طائفة الـ«جين». تؤمن تلك الطائفة أن الحيوانات والنباتات، وكذلك البشر، تسكنها أرواح حية، مما أثار ردود أفعال سياسية عنيفة ومواجهات بين اثنين من التحالفات السياسة التي تتشكل منها حكومة ولاية ماهراشترا.
وانتقدت جماعة شيف سينا الهندوسية الأصولية الموالية لحكومة «بى جي بي» إجراءات الحكومة في هذا الصدد، واحتدم الخلاف إلى الحد الذي جعل جماعة «سينا» تلوح بالخروج من التحالف في حال لم يرفع الحظر فورا. وتسبب حظر اللحم البقري ومن بعده حظر اللحم بأنواعه في نشوب خلاف سياسي حاد في أكبر ديمقراطيات العالم. ويرى الخصوم السياسيون أن الإجراء مدفوع من قبل الطائفة الهندوسية في الحزب الهندي الحاكم «بهراتيا جاناتا»، إذ اشتكى كثيرون من أن ذلك الإجراء يخدم الهندوس الذين يتبعون نظاما غذائيا نباتيا، ولا يصب في مصلحة الأقليات، بما في ذلك الأعداد الكبيرة من المسلمين الذين يأكلون اللحوم. وصرح أتول، معلق سياسي، بأن «حظر اللحوم الذي طبق مؤخرا بولايه مهراسترا يعتبر وسيلة تحايل عظيمة»، إذ إن حزب «بي جي بي» الحاكم يضع نصب عينيه الانتخابات البلدية القادمة الذي يتطلع إلى الفوز فيها بالنظر إلى طبيعة أهل مومباي حيث أغلبية السكان من النباتيين.
وتابع السياسي: «ذلك الإجراء ليس سوى تحرك سياسي من قبل حزب «بي جي بي» بغية الحصول على الدعم، حيث يشعر الحزب أن استرضاء طائفة الجين سيعزز من أصواتهم في الانتخابات»، حسب برتاب سرنايك، أحد قادة جماعة سيف سينا. وقفز الكونغرس على خط المعركة بأن أدعى أن الحظر قد طبق والهدف هو الانتخابات البلدية العام القادم. وقال الناطق باسم الحزب «ساشين سافان» إن الإجراء «مجرد محاولة من حزب (بى جي بي) لتمزيق النسيج الاجتماعي». وتقدس طائفة الهندوس، التي تشكل أكثر من 80 في المائة من سكان الهند البالغ تعدادها 1.25 مليار نسمة، الأبقار إذ يعتبر بيع وتناول اللحم البقري أمرا «مستهجنا». وتعتبر الأبقار موضوعا سياسيا حيويا في الهند، خصوصا خلال فترة الانتخابات حيث ينقسم الناس ثقافيا، ودينيا، وسياسيا، ما بين مسلمين وهندوس، يمين ويسار، أكلي اللحم البقري وغيرهم من غير آكلي اللحم البقري.
وعندما ترشح رئيس الوزراء الهندي الحالي نرندانا مودي للانتخابات عام 2014، كان من بين ما اشتمل عليه برنامجه الانتخابي هو انتقاد ما أطلق عليه حزب المؤتمر الحاكم «الثورة القرنفلية»، وهو الاسم الدارج لصادرات الهند المتزايدة من اللحم البقري. ووجه حزب بهراتيا جاناتا الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء اللوم لحزب المؤتمر لتشجيعه لصادرات الحوم لمجرد بهدف أرضاء 180 مليون مسلم هندي، ووعد مودي بوضع حد لتلك الصناعة.
وفي حملته الانتخابية للترشح لمنصب رئيس الوزراء، استدر نردارا مودي عطف الناس عن طريق إبداء التعاطف مع الأبقار في أحدي تعليقاته على موقع التواصل الاجتماعي، قائلا: «يحزنني أن تشجع الحكومة الحالية بزعامة حزب المؤتمر ذبح الأبقار وتصدير اللحم البقري كي تجلب لنا الثورة القرنفلية». واللوم يوجه لحزب المؤتمر لمتاجرته بأصوات المسلمين، إذ إن المسلمين يسيطرون على صناعة اللحم البقري، إذ إن مبيعاتها تضاعفت ما بين عامي 2007 و2014 خلال فترة وجود حزب المؤتمر في الحكم. وزعم مانيكا غاندي، الوزير في حكومة مودي، أن الأرباح التي تدرها صناعة لحوم الأبقار توجه مباشرة لدعم الإرهاب.
وقال منيش ياوري، المتحدث باسم حزب المؤتمر: «كل مواطن في الدولة حر في ممارسة ديانته، لكن ليس مسموحا لأحد بفرض آرائه الدينية على الآخرين، وإلا سيعتبر ذلك خرقا للحقوق الأصيلة للمواطنين».
ورأى المحللون حظر اللحم البقري كإحدى سياسات ما يعرف ببنك الأصوات، حيث يسيطر المسلمون على تلك الصناعة في مناطق كثيرة في البلاد. ويصف محمد عقيل قرشي، رئيس اتحاد تجارة الأبقار، الإجراء بـ«القرار بالسياسي»، مضيفا: «إنهم يسعون لإرضاء الهندوس ومضايقة المسلمين». وقال حكيم دريبادي، سكرتير عام مجلس علماء الهند: «بهذا المنطق، يحق للمسلمين طلب فرض حظر على الخمر، فهل تنفذ الحكومة ذلك؟ نعرف أن ذلك لن يحدث أبدا. ما يحدث يهدف إلى التأثير على المسلمين لأنهم ضعفاء سياسيا».
فقط المسلمون في كشمير الهندية استطاعوا أن ينتقدوا وبقوة حكم المحكمة الهندية بفرض حظر على بيع لحوم الأبقار في المنطقة ذات الأغلبية المسلمة. وتتفاقم مشكلة لحوم الأبقار مع اعتبار الانفصاليين الكشميريين الأزمة «تدخلا في الدين»، وأعلن الكشميريون عزمهم تنظيم احتجاجات بالشارع، ودعوا إلى إغلاق المحال. وبالفعل قامت زعيمة انفصالية تدعى اندرابي بذبح بقرة نكاية في حكم المحكمة. وعلى الرغم من أن مسلمي كشمير عادة ما يفضلون تناول لحم الضأن على اللحم البقري، خصوصا في المناطق الحضرية، يرى المسلمون قرار المحكمة العليا بمثابة هجمة على هويتهم الدينية، خصوصا في كشمير.
ومع وجود مهرشترا في العقل الباطن ووجود حزب «بي جي بي» كشريك في التحالف الحاكم في حكومة جامو وكشمير، يرى الناس ما يحدث كجزء من «خطة هندوسية» تهدف إلى مزيد من القلاقل في المناطق المسلمة بالوادي. وقال الزعيم الانفصالي وزعيم حزب الحرية سيد علي شاه جيلاني: «ما يحدث هو تدخل في شؤون المسلمين، إذ إن القرار يبدو سياسيا وتم اتخاذه عن طريق حزب (بي جي بي) الهندوسي»، مضيفا أن «القرار يهدف إلى إشعال فتنة طائفية في الولاية».
ليس فقط المسلمون والمسيحيون، بل إن هناك قبائل وقوميات أخرى يمثل تعدادها 25 في المائة من سكان الهند، تأكل لحم الأبقار. وفى ولاية كيرالا بوسط البنغال وأغلب المناطق الشمالية الغربية يعتبر ذبح الأبقار أمرا مباحا قانونا وينتشر فيها استهلاك اللحم البقري، بيد أن هناك ولايات أخرى تحظر ذلك الأمر مثل ولاية أندرا، وبارديش، وتلينغانا، وبيهار، وجوا، وأديشا، إلا أنها تسمح بذبح أنواع أخرى مثل الثيران. وأصبحت الهند من بين الدول المصدرة للحوم الأبقار، إذ احتلت المرتبة الثانية عالميا بعد البرازيل، وبلغت قيمة صادراتها من تلك اللحوم 32 مليون دولار عام 2014. ويعتبر رئيس اتحاد الطلاب موحان درفاث أن «اللحم البقري أحد أهم مصادر البروتين بالنسبة للعشائر القبلية». ومن المؤسف القول إن اعتبارات سياسية تقف وراء مثل هذا الحظر.



برلمان كوريا الجنوبية يعزل الرئيس... ويون: سأتنحى ولن أستسلم

TT

برلمان كوريا الجنوبية يعزل الرئيس... ويون: سأتنحى ولن أستسلم

رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول ينحني بعد خطاب اعتذار بثه التلفزيون الرسمي في 7 ديسمبر (أ.ف.ب)
رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول ينحني بعد خطاب اعتذار بثه التلفزيون الرسمي في 7 ديسمبر (أ.ف.ب)

صوّت البرلمان في كوريا الجنوبية، السبت، على عزل الرئيس يون سوك يول، بعد محاولته الفاشلة لفرض الأحكام العرفية وعرقلة عمل المؤسسة التشريعية عبر اللجوء إلى الجيش في الثالث من ديسمبر (كانون الأول) الحالي. وقال يون سوك يول، عقب قرار عزله، إنه «لن يستسلم أبداً»، داعياً في الوقت ذاته إلى الاستقرار.

واحتشد عشرات آلاف المتظاهرين أمام الجمعية الوطنية في أثناء إجراء عملية التصويت، معبرين عن فرحتهم لدى إعلان رئيس البرلمان وو وون شيك نتيجة التصويت. وصوّت 204 نواب لصالح مذكرة العزل، في حين عارضها 85 نائباً، وامتنع ثلاثة نواب عن التصويت، وأُبطلت ثماني بطاقات تصويت. وكان ينبغي أن يوافق البرلمان على مذكرة العزل بأغلبية 200 صوت من أصل 300. ونجحت المعارضة، التي تضم 192 نائباً، في إقناع 12 من أصل 108 من أعضاء حزب السلطة للشعب الذي ينتمي إليه يون، بالانضمام إليها. وبذلك، عُلق عمل يون في انتظار قرار المحكمة الدستورية المصادقة على فصله في غضون 180 يوماً. ومن المقرر أن يتولّى رئيس الوزراء هان دوك سو مهام منصبه مؤقتاً.

«انتصار عظيم»

قال زعيم الحزب الديمقراطي الذي يمثّل قوى المعارضة الرئيسة في البرلمان، بارك تشان داي، بعد التصويت، إن «إجراءات العزل اليوم تمثّل انتصاراً عظيماً للشعب والديمقراطية»، كما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية». وقبل التصويت، أكد بارك في كلمة أمام البرلمان، أن فرض الأحكام العرفية يشكّل «انتهاكاً واضحاً للدستور وخرقاً خطيراً للقانون»، مضيفاً أن «يون سوك يول هو العقل المدبر لهذا التمرد».

رئيس الجمعية الوطنية وو وون شيك يوقّع على قرار عزل رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول في 14 ديسمبر (أ.ف.ب)

وأضاف: «أحضكم على التصويت لصالح العزل من أجل ترك درس تاريخي مفاده بأن أولئك الذين يدمّرون النظام الدستوري سوف يُحاسبون»، لافتاً إلى أن «يون سوك يول هو الخطر الأكبر على جمهورية كوريا». وفي السابع من ديسمبر الحالي، فشلت محاولة أولى لعزل يون عندما غادر معظم نواب حزب السلطة للشعب الجلسة البرلمانية لمنع اكتمال النصاب القانوني.

مظاهرات واسعة

عند إعلان عزل يون، عبّر نحو 200 ألف متظاهر كانوا محتشدين أمام الجمعية الوطنية عن فرحهم، ورقصوا على أنغام موسيقى البوب الكورية الصاخبة، كما احتضنوا بعضهم فيما كانوا يبكون، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». وقالت تشوي جانغ ها (52 عاماً): «أليس من المدهش أننا، الشعب، حققنا هذا معاً؟».

كوريون جنوبيون يحتفلون بعد عزل البرلمان الرئيس يون سوك يول في 14 ديسمبر (رويترز)

في المقابل، تجمّع آلاف من مناصري يون في وسط سيول، حيث حُملت أعلام كوريا الجنوبية والولايات المتحدة. وقال يون للتلفزيون إنه «محبط للغاية»، مؤكداً أنه «سيتنحى جانباً لبعض الوقت». ودعا إلى إنهاء «سياسة الإفراط والمواجهة» لصالح «سياسة التروي والتفكير». وأمام المحكمة الدستورية ستة أشهر للمصادقة على قرار البرلمان أو نقضه. ومع تقاعد ثلاثة من قضاتها التسعة في أكتوبر (تشرين الأول) من دون أن يجري استبدالهم بسبب الجمود السياسي، سيتعيّن على الستة المتبقين اتخاذ قرارهم بالإجماع. وإذا تمّت الموافقة على العزل فستُجرى انتخابات رئاسية مبكرة خلال فترة ستين يوماً. وتعهّد رئيس المحكمة مون هيونغ باي باتخاذ «إجراء سريع وعادل»، في حين دعا بقية القضاة إلى أول اجتماع صباح الاثنين.

تحديات قانونية

ويون سوك يول (63 عاماً) هو ثالث رئيس في تاريخ كوريا الجنوبية يعزله البرلمان، بعد بارك جون هيي في عام 2017، وروه مو هيون في عام 2004، غير أن المحكمة العليا نقضت إجراءات عزل روه موه هيون، بعد شهرين على اتخاذ القرار بعزله من قبل البرلمان. وباتت الشبكة القضائية تضيق على يون سوك يول ومعاونيه المقربين، بعد إبعاده عن السلطة وخضوعه لتحقيق جنائي بتهمة «التمرد» ومنعه من مغادرة البلاد.

زعيم الحزب الديمقراطي لي جاي ميونغ يُدلي بصوته خلال جلسة عامة للتصويت على عزل الرئيس يون سوك يول في 14 ديسمبر (أ.ب)

وكانت النيابة العامة قد أعلنت، الجمعة، توقيف رئيس القيادة العسكرية في سيول، كما أصدرت محكمة مذكرات توقيف بحق قائدي الشرطة الوطنية وشرطة سيول، مشيرة إلى «خطر إتلاف أدلة». وكان وزير الدفاع السابق كيم هونغ هيون، الذي يُعدّ الشخص الذي دفع الرئيس إلى فرض الأحكام العرفية، أول من تم توقيفه واحتجازه في الثامن من ديسمبر الحالي.

وأحدث يون سوك يول صدمة في كوريا الجنوبية ليل الثالث إلى الرابع من ديسمبر، عندما أعلن الأحكام العرفية للمرة الأولى منذ أكثر من أربعة عقود في البلاد، وأرسل الجيش إلى البرلمان، في محاولة لمنع النواب من الاجتماع. مع ذلك، تمكّن النواب من عقد جلسة طارئة في قاعة محاطة بالقوات الخاصة، وصوّتوا على نص يطالب بإلغاء الأحكام العرفية، الأمر الذي كان الرئيس ملزماً دستورياً على الامتثال له. وكان يون سوك يول مدعياً عاماً في السابق، وقد دخل السياسة متأخراً وانتُخب رئيساً في عام 2022. وبرر انقلابه الأخير بأنه لـ«حماية كوريا الجنوبية الليبرالية من التهديدات التي تشكلها القوات الشيوعية الكورية الشمالية والقضاء على العناصر المعادية للدولة»، مُتهماً البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة بنسف كل مبادراته وتعطيل البلاد.