لماذا ذهب أوباما إلى القطب الشمالي لمقابلة «رولينغ ستون»؟

في إطار استراتيجية البيت الأبيض لمنح وسائل الإعلام المتعاطفة مع الرئيس فرصة لقاء حصري

الرئيس الأميركي في زيارة إلى ولاية ألاسكا بالقرب من القطب الشمالي (واشنطن بوست)
الرئيس الأميركي في زيارة إلى ولاية ألاسكا بالقرب من القطب الشمالي (واشنطن بوست)
TT

لماذا ذهب أوباما إلى القطب الشمالي لمقابلة «رولينغ ستون»؟

الرئيس الأميركي في زيارة إلى ولاية ألاسكا بالقرب من القطب الشمالي (واشنطن بوست)
الرئيس الأميركي في زيارة إلى ولاية ألاسكا بالقرب من القطب الشمالي (واشنطن بوست)

سافر باراك أوباما الأسبوع الماضي إلى ولاية ألاسكا، في زيارة لقيت ترحيبًا لكونها الأولى من نوعها لرئيس أميركي في الحكم لكن مجلة «رولينغ ستون» حظيت بما هو أكثر من هدية تذكارية لرحلة القطب الشمالي. أوباما توجه خلال الرحلة، التي استمرت 3 أيام، إلى قرية «كوتزبيو» الصغيرة في توقف قصير قضى ربع مدته في إجراء مقابلة إعلامية حصرية وجلسة خاصة لالتقاط الصور مع طاقم مجلة «رولينغ ستون». هذا اللقاء لم يكن مدرجًا على جدول الأعمال الرسمي للرئيس الأميركي، كما أن البيت الأبيض لم يأتِ على ذكره رسميًا للصحافيين الذين غطوا الرحلة. ويبدو أن المقابلة غير المعلنة تأتي في إطار الاستراتيجية الإعلامية التي يتبعها البيت الأبيض، والمتمثلة في منح وسائل الإعلام المتعاطفة مع رسالة الرئيس إزاء موضوع معين فرصة لقائه حصريًا في أجواء درامية مؤثرة تبرز وتعزز هذه الرسالة. وفي هذه الحالة، كان موضوع المقابلة التغير المناخي، والذي كان الفكرة الرئيسية لرحلة أوباما إلى ألاسكا. كان أوباما قد توجه إلى سجن في أوكلاهوما خلال شهر يوليو (تموز) الماضي - في أول زيارة إلى مؤسسة إصلاحية فيدرالية يقوم بها رئيس أميركي في السلطة - للدعاية لقضية إصلاح السجون. وخلال الزيارة، أجرى أوباما مقابلة حصرية مع «فيس نيوز» ومديرها التنفيذي شين سميث، في إطار فيلم وثائقي تنتجه القناة لصالح شركة «إتش بي أو» التلفزيونية حول نظام العدالة الجنائية.
هذا التكتيك يمكن الرئيس الأميركي من عرض رؤاه في منتدى يستمر طويلاً بعد انتقال وسائل الإعلام من تغطيتها للحدث أو الزيارة الرئاسية.
أوباما الذي قضى 4 ساعات في «كوتزبيو»، وهو تجمع سكني يضم 3200 نسمة ويبعد 30 ميلاً شمال الدائرة القطبية، تحدث نحو 20 دقيقة أمام حشد ملأ صالة ألعاب رياضية بإحدى المدارس، ثم التقى عددًا من المسؤولين المحليين والإقليميين وقادة من الشباب وشيوخًا.
كما تفقد سورًا بحريًا تم إنشاؤه على لسان بحري في القرية لحمايتها من حالات المد العاصفي التي ازدادت قوة وتدميرًا مع ذوبان الجليد. وأصبحت «كوتزبيو»، وهي بلدة بلا طرق لدخولها أو الخروج منها، نموذجًا للتهديد الذي يشكله التغير المناخي.
لكن هذه الفعاليات العامة استغرقت نفس الوقت تقريبًا الذي أمضاه الرئيس الأميركي في مقابلة جيف غوديل من الرولينغ ستون، علاوة على جلسة تصوير أقصر أمام مصوري المجلة في موقع اللسان البحري الخلاب.
ورفض المتحدث باسم البيت الأبيض فرانك بينينتي شرح الأسباب التي دفعت الرئيس لتكريس هذا القدر من الوقت خلال زيارة تاريخية للحديث مع كاتب من نيويورك، وأكد أن الوفد الصحافي المرافق للرئيس كان على علم بأن المقابلة ستجري خلال الزيارة، لكن مراسلة صحيفة «وول ستريت جورنال» كولين ماكين نيلسون، والمفوضة عن الصحافيين الورقيين في الزيارة، نفت صدور بيان رسمي عما كان يفعله الرئيس.
ويكتب غوديل، الذي رفض التعليق، بصورة مكثفة عن قضية التغير المناخي وإلحاحية مكافحته، وهي وجهة النظر التي يتبناها في العموم الرئيس باراك أوباما والذي قال في كلمة خلال زيارته إلى ألاسكا «هؤلاء الذين يريدون تجاهل علم (التغير المناخي)، تزداد وحدتهم. إنهم يقبعون على جزيرتهم الخاصة الآخذة في التقلص».
يذكر أن سمعة «رولينغ ستون» تضررت العام الماضي بعدما نشرت مقالاً عن جريمة اغتصاب جماعي مزعومة في جامعة فيرجينيا اتضح أنها غير حقيقية. واضطرت المجلة لاحقًا إلى التراجع عن القصة والاعتذار عنها، كما رفع عدد من الذين وردت أسماؤهم في القضية دعوى قانونية ضدها.
* خدمة «واشنطن بوست»



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.