تدفقت أعداد قياسية من المهاجرين إلى المجر عبر البلقان أمس، مما اضطر النمسا إلى تعليق خدمات القطارات عبر الحدود، فيما بقيت أوروبا منقسمة حول كيفية التعامل مع أزمة اللاجئين.
وعدت ألمانيا، التي تتعرض لانتقادات من جيرانها الشرقيين على خلفية استعدادها لاستقبال لاجئين، أن خطة الاتحاد الأوروبي لتوزيع 160 ألف وافد جديد على الدول الأعضاء بمثابة «نقطة في بحر». وأعلنت الشرطة المجرية أن 3321 شخصا دخلوا إلى البلاد خلال 24 ساعة فقط؛ إذ إنهم يستعجلون في العبور قبل دخول قانون جديد يمنع عبور الحدود، حيز التنفيذ، والانتهاء من وضع السياج الشائك الجديد، وسوء الطقس.
ووصل خمسة آلاف مهاجر خلال الساعات الـ24 الماضية إلى الحدود بين صربيا والمجر، وهو رقم قياسي كما أفاد التلفزيون الصربي أمس. وجنوبا على الحدود مع مقدونيا واليونان، شوهد نحو 50 حافلة تقل نحو 2500 مهاجر، وثلاثة قطارات على متنها ثلاثة آلاف شخص يغادرون من بلدة غيفغيليجا. وحذرت مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة أنه من المتوقع أن يدخل 42 ألف مهاجر على الأقل إلى المجر بحلول الأسبوع المقبل.
وبمجرد دخولهم إلى المجر، تكافح الشرطة لمراقبة وتسجيل الوافدين الجدد الذين يستقلون القطارات والحافلات إلى الحدود مع النمسا. واخترق المئات صفوف الشرطة المجرية في الأيام الأخيرة قرب بلدة روسكي الحدودية، بعد انتظار استمر ساعات للصعود إلى الحافلات. وما زالت التدابير الطارئة التي تسمح للمهاجرين بدخول النمسا بعد وصول 15 ألف شخص الأسبوع المقبل، قائمة. وأعلنت الشرطة النمساوية أمس أن نحو 3700 شخص عبروا الحدود مع المجر في نيكلسدورف خلال ليل الأربعاء - الخميس. لكن مشغل قطار النمسا علق الخدمات مع المجر بسبب «الاكتظاظ الهائل»، داعيا شركات الحافلات والمتطوعين إلى التوقف عن جلب المهاجرين إلى المحطات. وأعلنت شركة السكك الحديدية الدنماركية، التي علقت عملها أول من أمس، أن حركة القطارات ستستأنف تدريجيا في وقت لاحق، فيما أكدت الشرطة أنها ستجيز عبور اللاجئين الموجودين على أراضيها الذين يفضلون مواصلة الرحلة إلى السويد.
من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية التشيكية أن وزراء خارجية مجموعة «فيزغراد (بولندا وتشيكيا وسلوفاكيا والمجر)» سيلتقون وزيري خارجية ألمانيا ولوكسمبورغ اليوم في براغ للبحث في أزمة الهجرة. وأفاد بيان للوزارة أن «اجتماع الوزراء سيساهم في تفاهم متبادل أفضل بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن المواقف المختلفة حول طريقة تسوية أزمة الهجرة الحالية». وتعارض دول مجموعة «فيزغراد» نظام الحصص لتوزيع المهاجرين كما تقترح بروكسل المدعوم من ألمانيا، بهدف توزيع 160 ألف لاجئ عليها بالتضامن.
وتصر حكومات دول هذه المجموعة على أن يقوم الاتحاد الأوروبي، الذي تتولى لوكسمبورغ حاليا رئاسته، بمعالجة مشكلة أزمة الهجرة من جذورها وحماية فضاء «شينغن» ومكافحة تهريب المهاجرين.
وأول من أمس دعا رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد، إلى توزيع بشكل عاجل لـ160 ألف لاجئ ينتظرون في إيطاليا واليونان والمجر، مشددا على أن تظهر القارة الأوروبية مزيدا من «الوحدة».
ووفقا لهذه الخطة، سيتعين على الدول الأربع في هذه المجموعة استقبال آلاف اللاجئين، لكن بنسبة أقل من ألمانيا التي ستستقبل 26 في المائة، وفرنسا 20 في المائة، وإسبانيا 12 في المائة. وطلبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل «توزيعا ملزما» على كل الدول. كما اقترحت عقد اجتماع لمجموعة السبع وعدة دول عربية لصرف أموال لصالح اللاجئين السوريين المقيمين في مخيمات في الدول المجاورة لسوريا. وانضمت الدول الأربع في مجموعة «فيزغراد» وجميعها من الدول الشيوعية السابقة، إلى الاتحاد الأوروبي في 2004.
من جهة أخرى، قال تقرير جديد لـ«قاعدة بيانات اللجوء» التابعة للمجلس الأوروبي، أمس، إن تحركات اللاجئين باتجاه الاتحاد الأوروبي «أكبر من أن يتم احتواؤها» داخل التكتل، وذلك على الرغم من وصول أكثر من 300 ألف من طالبي اللجوء إلى ألمانيا والمجر وفرنسا وإيطاليا في النصف الأول من هذا العام. وأضاف التقرير السنوي أن «استمرار التقارير الصحافية المثيرة عن الوافدين في اليونان وإيطاليا وعلى الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي، يخلق صورة خاطئة عن تعرض أوروبا للإغراق وأن الوضع أصبح خارج نطاق السيطرة».
وتستقبل ألمانيا سيلا من اللاجئين، ويقوم متطوعون، بينهم عرب، بتقديم الطعام لهم ويمدون لهم يد المساعدة للوصول إلى مراكز استقبال مخصصة لهم في مختلف المدن الألمانية.
وفي اتصال أجرته «الشرق الأوسط» مع التونسية إقبال بن سعيد المقيمة في ميونيخ منذ نحو عشر سنوات وهي متطوعة تهتم باللاجئين، عبرت عن المأساة الحقيقية التي يعاني منها اللاجئون العرب وغيرهم، وقالت إنها بدأت بالعمل متطوعة منذ سنوات، وفي بادئ الأمر أرادت الاستفادة من خبرتها بأنها معلمة مدرسة وتتقن اللغة الألمانية، وأرادت أن تقدم المساعدة لهؤلاء اللاجئين الذين لا يملكون شيئا ولا يتكلمون اللغة الألمانية مما يجعل التواصل مع أهل البلد أصعب.
وتقول بن سعيد إنها بدأت العمل التطوعي بنفسها، ومن ثم انضم أربعة أعضاء آخرين من بلدان عربية مختلفة، وقاموا بإنشاء مدرسة تعلم اللاجئين مهنا يستفيدون منها في مستقبلهم في ألمانيا.
ومع ازدياد عدد اللاجئين إلى ألمانيا، تقول بن سعيد إن الحالة تزداد تعقيدا، «ففي منتصف أغسطس (آب) الماضي منحت مدينة بفافنهوفن القريبة من ميونيخ حق اللجوء لنحو 960 لاجئا، في حين بلغ عدد الوافدين إلى ميونيخ في الفترة نفسها نحو 12 ألف لاجئ لم يمنحوا حق اللجوء بعد. واستقبل القسم الأعلى من مقاطعة بايرن نحو 32 ألف لاجئ، وكل هذه الأرقام مجرد إشارة إلى أعداد اللاجئين إلى ألمانيا وليس اللاجئين الذين حصلوا على حق اللجوء الرسمي بعد. ازدياد عدد اللاجئين لافت جدا، خاصة أن ألمانيا لم تشهد مثله من ذي قبل، ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 استوعبت مدينة بفافنهوفن 282 لاجئا، أما اليوم، أي في أقل من عام واحد، فتضم المدينة نحو 980 لاجئا، ومن المتوقع بأن يصل العدد في نهاية عام 2015 إلى نحو 1500 لاجئ». وأشارت بن سعيد إلى أن عدد سكان المدينة الصغيرة هو 25 ألف نسمة.
كما فرض على سكان المنطقة العام الماضي توفير السكن لإيواء اللاجئين بنسبة اثنين في المائة من عدد سكانها، أما اليوم وبعد التدفق السريع للاجئين، فقم ضوعفت النسبة لكل المدن والمحافظات من دون استثناء.
يذكر أن بن سعيد حصلت على هذه الأرقام من الرئيس المكلف بالشؤون الداخلية والخارجية في مكتب المحافظ في بفافنهوفن. وعن النشاط اليومي الذي يقوم به اللاجئون، تقول بن سعيد إنه يوجد برنامج يومي لهم، يتعلمون خلاله الكثير، كما يوجد برنامج ترفيهي ورياضي أيضا، حيث يتولى زوجها وهو متطوع أيضا مهمة تدريبهم على رياضة كرة القدم، وهنا تتكلم بن سعيد عن اللاجئين القدامى، أما بالنسبة للاجئين الجدد، فهي تقوم حاليا باستقبالهم والترجمة لهم وتسهيل أمورهم لكي يتأقلموا مع وضعهم الجديد بأسرع وقت ممكن وتأمين ما يحتاجونه والتنسيق بينهم وبين الجهات الرسمية المعنية.
وقال كريستوف هيلينبراند، المسؤول الإداري الكبير في منطقة بافاريا العليا حول ميونيخ: «القادمون إلى ميونيخ لا يسجلون هنا على الإطلاق، بل يتم توزيعهم على مختلف أنحاء ألمانيا». ويطلب المسؤولون من الوافدين تسجيل أنفسهم في غضون خمسة أيام للحصول على امتيازات اللاجئين في البلدان التي يسعون للاستقرار فيها، لكن ما من وسيلة للتحقق مما إذا كانوا يسجلون أنفسهم. وقال هيلينبراند إن من بين 25 ألف وافد وصلوا في العطلة الأسبوعية الأخيرة، لم يبق في ميونيخ سوى نحو ألفين. ويقدر المسؤولون أن نحو 40 في المائة من الواصلين هذا العام يأتون من منطقة البلقان وأغلبهم سيحرمون من حق اللجوء، على النقيض من السوريين الذين يعدّون أحق بالحماية من الحرب الأهلية الدائرة في بلادهم. ويقول المترجمون الذين يتحدثون مع اللاجئين إن أغلبهم يتحدثون العربية أو الفارسية أو الباشتو.
ولا يخلو المشهد من النصابين الباحثين عن فرص أفضل للعيش في أوروبا، فيدعون أنهم سوريون، لأن يصعب على السلطات المختصة فحص الهويات يوميا نسبة للأعداد الهائلة القادمة. وفي الأوقات العادية يتم تصوير طالبي اللجوء وأخذ بصمات أصابعهم وأي أوراق رسمية أخرى تثبت هوياتهم. وإذا ارتاب المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في شيء، فيمكنه إجراء تحليل فني للوثائق. ويمكن أيضا إجراء تسجيل صوتي لطالبي اللجوء وهم يتحدثون بلغاتهم الأصلية. ولدى المكتب الاتحادي 45 خبيرا يمكنهم تحليل أنماط الحديث واللهجات بثمانين لغة لمعرفة ما إذا كان المتقدم بالطلب يكذب عند سؤاله عن البلد الذي جاء منه.
تدفق المهاجرين إلى أوروبا يتواصل بأعداد قياسية.. والنمسا تغلق خدمات القطارات
اجتماع لوزراء خارجية أوروبيين في براغ.. ومخاوف من صعوبة احتواء الأزمة * متطوعون عرب يمدون يد العون في ميونيخ
تدفق المهاجرين إلى أوروبا يتواصل بأعداد قياسية.. والنمسا تغلق خدمات القطارات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة