«أكيد رح فيق» حملة للوقاية من حالات الانتحار في لبنان

ازدادت بنسبة 31% بين عامي 2013 و2014

ملصق الحملة الوطنية
ملصق الحملة الوطنية
TT

«أكيد رح فيق» حملة للوقاية من حالات الانتحار في لبنان

ملصق الحملة الوطنية
ملصق الحملة الوطنية

يشهد لبنان حسب إحصاءات أخيرة ارتفاع نسبة حالات الانتحار فيه. فقد كشفت أحدث الأرقام المتعلّقة بهذا الموضوع ومصدرها مديرية قوى الأمن الداخلي، أن هذه الحالات زادت بنسبة 30 في المائة ما بين عامي 2013 و2014. وفي ظلّ هذا الواقع المرير فقد تمسكّ كلّ من المركز الطبّي في الجامعة الأميركية وصندوق «امبرايس» التابع له، في إطلاق الحملة الوطنية «أكيد رح فيق» للوقاية من الانتحار وذلك للسنة الثانية على التوالي.
فهذه الظاهرة المنتشرة في العالم أجمع والتي تهدد مختلف مراحل العمر، أخذ لبنان حصّته الكبيرة منها، بحيث يموت على أرضه شخص كل ثلاثة أيام انتحارا.
وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية (who)، إلى أن ما يزيد على 800 ألف نسمة يموتون عن طريق الانتحار كل سنة، أي بمعدّل شخص كل 40 ثانية تقريبا. كما وأن الانتحار يشكّل المرتبة الثانية بين أهم أسباب وفاة الشباب في الفئة العمرية التي تتراوح ما بين 15 و29 عاما. وتؤكّد هذه الإحصاءات أن مقابل كل شخص يموت انتحارا هناك 20 غيره قاموا بالمحاولة.
أما في لبنان ودائما حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية فإن الانتحار تسبب بموت 43 شخصا في عام 2012، إلا أن السجلات الرسمية التي حصل عليها صندوق «امبرايس» أشارت إلى أن الفترة الممتدة ما بين عام 2012 و2014 شهدت 364 حالة انتحار أي بمعدّل 121 حالة موت سنويا.
وهنا لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن الانتحار يبقى نوعًا من «التابو» عند الكثير من العائلات، مما يعني أن ثمة حالات انتحار لا يبلغ عنها، وبالتالي فمن الصعب التأكيد أن الأرقام الوطنية اللبنانية المنشورة، بأنها أرقام نهائية يمكن أن نركن إليها، ولعل العدد الفعلي أعلى مما هو مرصود وتم إحصاؤه.
ومن الجدير ذكره أنه من أصل حالات الانتحار المبلّغ عنها 364، هناك 245 أقدم عليها الرجال، بما يعني أن هناك امرأة واحدة تنتحر مقابل اثنين من الرجال.
وتنطلق حملة «أكيد رح فيق» في 13 الحالي من أمام مطعم «بيت الورد» في منطقة الروشة حتى الصخرة المعروفة باسم تلك المنطقة وذلك في الخامسة صباحا. ويأتي تحديد هذا الوقت لرمزيته التي تشير إلى الانتقال من الضوء إلى العتمة، وإلى أن الأمل يعود مع انبلاج فجر ووصول يوم جديد. وتقول فرح يحيى إحدى منظمات الحملة، أن هذه المسيرة والتي عنونت بـ«مع طلوع الفجر» مهداة لمن فقدوا حياتهم انتحارا، وهي تهدف إلى تحفيز الناس للصحو باكرا وتوفير بيئة داعمة للأهالي الذين فقدوا أحباءهم بهذه الطريقة.
والمعروف أن صخرة الروشة كانت تشكّل في الماضي ورغم إدراجها ضمن لائحة المعالم السياحية في لبنان، وسيلة ترتبط ارتباطا مباشرا بحالات الانتحار. إذ كان اللبنانيون يقفزون عنها ليلاقوا حتفهم نظرا إلى ارتفاعها الذي يبلغ 25 مترا. أما اليوم فقد غابت صخرة الروشة تماما عن الوسائل المستخدمة لوضع حدّ نهائي لحياة الأشخاص المصابين بأمراض نفسية وعصبية تدفعهم للقيام بهذه الخطوة السلبية. وحلّت الوسائل العنيفة كالأسلحة النارية، في المرتبة الأولى من حيث استعمالها في عمليات الانتحار، وتلتها وسائل الشنق، لتأتي حالات القفز من أماكن مرتفعة كثالث أكثر وسيلة مستخدمة في هذا المجال.
وتقول فرح يحيى في حديث لـ«الشرق الأوسط» إنه «عادة ما يلجأ الرجال إلى اعتماد الوسائل العنيفة للانتحار، بينما تعتمد النساء أخذ جرعات كبيرة من الحبوب المنوّمة أو من السموم القاتلة، المتوفّرة في محلات السوبر ماركت والصيدليات لقتل الحشرات وما شابهها».
وأشارت أيضا في سياق حديثها إلى أن الأشخاص الذين يقدمون على الانتحار، لا يقومون بذلك بدافع الأنانية بل لأنهم يعانون من أمراض نفسية، فيستسلمون للموت كونه في نظرهم منقذهم الوحيد من الحياة الأليمة التي يعيشونها حسب رأيهم.
والمعروف أن نسبة علاج هؤلاء الأشخاص من قبل اختصاصيين من شأنه أن يخففّ من نسبة انتشار حالات الانتحار، وأن عددا لا يستهان به من هذه الحالات لا يبلّغ عنها أقارب المنتحر خوفا من الفضيحة والألسنة الرديئة التي قد تتناولهم بأحاديث مؤذية.
وعما إذا تأثرت نسبة ارتفاع حالات الانتحار في السنتين الأخيرتين، بسبب وجود السوريين وغيرهم من اللاجئين الموجودين في لبنان، ردّت فرح يحيى بالقول: «اطلعنا على كل أسماء الأشخاص المنتحرين في لبنان وهوياتهم، وتبيّن لنا أن جميعهم من اللبنانيين وليس من بينهم أي جنسيات أجنبية، الأمر الذي زادنا تصميما على إكمال حملاتنا والبرنامج الأساسي لها، ألا وهو استحداث خطّ ساخن لتلقي اتصالات الأشخاص الذين هم بحاجة للمساعدة في هذا المجال. ورأت أنه تمّ حتى الآن تجاوز مرحلتين في هذا الإطار وأنه ما زال هناك أربع مراحل لاستكمال هذا المشروع الذي يتطلّب إضافة إلى التمويل، التنسيق مع المستشفيات ووزارة الصحة لإنهائه والمتوقّع أن يصبح جاهزا مع مشارف عام 2019».
وحسب اختصاصية علم النفس ناتالي سيرياني المشاركة مع فريق تنظيم حملة «اكيد رح فيق»، فقد أكدت أن أهم ما يجب أن نأخذه بعين الاعتبار هو مساعدة الشخص الذي يهدد بالانتحار وقالت: «لا يجب الاستخفاف أبدا بهذا الموضوع، فقد يكون الشخص يهدد بذلك ولديه النيّة الحقيقية بالإقدام على الانتحار، وقد يكون هذا التهديد مجرد وسيلة للفت نظر الأشخاص الذين هم حوله لمساعدته ومد يد العون له، وفي كلتا الحالتين فهو شخص قد يؤذي نفسه والمفروض مساعدته دون تردد».
يذكر أن منظمي حملة «أكيد رح فيق» لجئوا إلى وسائل أخرى تعزّز خطوتهم هذه، من خلال اعتماد إعلان تلفزيوني يضم وزارة الصحة وائل أبو فاعور ولوحات إعلانية في الشوارع.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».