هل يثير المتطرفون البوذيون رد فعل «إسلامويًا» في جنوب آسيا وشرقها؟

محنة الروهينجيا وأزمة فطاني تسلطان الضوء على المخاطر في هذه المنطقة

هل يثير المتطرفون البوذيون رد فعل «إسلامويًا» في جنوب آسيا وشرقها؟
TT

هل يثير المتطرفون البوذيون رد فعل «إسلامويًا» في جنوب آسيا وشرقها؟

هل يثير المتطرفون البوذيون رد فعل «إسلامويًا» في جنوب آسيا وشرقها؟

بينما كانت الشرطة التايلاندية لا تزال تحاول فك طلاسم الهجمة الإرهابية الأخيرة التي وقعت خارج أحد المعابد البوذية الأسبوع قبل الماضي، في وسط المنطقة التي تهيمن عليها الأغلبية البوذية في جنوب البلاد، حاولت جريدة «الشرق الأوسط» تحليل أسباب اتساع فجوة التعايش بين المسلمين والبوذيين في منطقة حوض خليج البنغال بجنوب آسيا. هذه المنطقة تعد من أهم التجمّعات البشرية البوذية في العالم، ذلك أنه يعيش في دولها أكثر من 120 مليون نسمة، ويتوزّع هؤلاء على دول يشكل البوذيون غالبية سكانها، مثل تايلاند وميانمار (بورما) وسري لانكا.
ميانمار، كما هو معروف، شهدت في الآونة الأخيرة أحداث عنف خطيرة للغاية بين البوذيين والمسلمين في جنوب آسيا، وحقًا ركّزت وسائل الإعلام العالمية على نطاق كبير على جرائم الإبادة التي تعرّض لها المسلمون الروهينجيا في ولاية راخين بالبلاد. ويمكن، من واقع القصص المرعبة المتواترة والموثقة عن اعتداءات البوذيين على المسلمين الروهينجيا، اعتبار ما حدث ويحدث من أسوأ «المحارق» البشرية في العصر الحديث.
غالبًا ما ترتبط البوذية بالتأمل والهدوء النفسي. ومن بين المبادئ الأخلاقية التي يتلقنها الرهبان البوذيون وتزرع في أفئدتهم يأتي رفض القتل على رأسها جميعًا، كذلك يعتبر مبدأ اللاعنف من المبادئ المحورية في العقيدة البوذية أكثر منه في أي ديانة أخرى. ولكن، خلال السنوات الأخيرة، تنامت الأصولية البوذية وعاشت حالة تصاعد في التطرّف غير مسبوقة.
لماذا صار الرهبان البوذيون اليوم ميالين لاستخدام خطاب الكراهية والعنف ضد المسلمين؟

متطرّفو ميانمار وسري لانكا

جغرافيًا، تفصل ميانمار عن سري لانكا مسافة تزيد على أكثر من ألف ميل بحري في المحيط الهندي، ومع هذا شهدت الدولتان في وقت واحد، تقريبًا، تصاعدًا ملموسًا في نشاط الجماعات البوذية المتطرفة. ومن اللافت، بل من المحيّر في الأمر أن الدولتين لا تعيشان، في المقابل، تصاعد وتيرة التشدد الإسلامي كما هو الحال في دول أخرى. فالمسلمون في الدولتين يشكلون أقلية صغيرة، ومسالمة بصفة عامة.
في الدولتين بدأت الجماعات المتطرّفة على شاكلة جماعة «969» وجماعة «ماباثا» (وهي منظمة حديثة التأسيس من الرهبان البوذيين الذين يشيرون إلى أنفسهم بصفة جماعية بأنهم «منظمة حماية العرق والدين») في ميانمار، وجماعة «بوذو بالا سينا» – أو «القوة البوذية» – في سري لانكا، بدأت في الظهور على الساحة منذ عام 2012، وهي ناشطة في ترويج إيديولوجيات ومفاهيم عنيفة أسفرت عن مئات القتلى في سري لانكا وعما يصفه البعض بـ«الإبادة الجماعية» في غرب ولاية راخين بميانمار.
من جهة أخرى، فإن التفسير التاريخي لاختيار المتطرفين البوذيين الميانماريين الرقم 969 يبدو مثيرًا للاهتمام، ذلك أنه وفق تأجيجهم العدائي يرمز إلى البوذية في مواجهة الرقم 786 المستخدم من جانب المسلمين في أعمالهم للإشارة إلى النبي محمد وفق «حساب الجمّل» لأحرف البسملة. والسبب في الرقم 969 وأهميته للبوذيين المتطرفين هو أن الرقم 9 الأول يرمز إلى الصفات التسع الخاصة والاستثنائية لبوذا، والرقم 6 الصفات الاستثنائية الخاصة لتعاليمه (الذارما)، والرقم 9 الثاني يرمز إلى الصفات الخاصة الاستثنائية للرهبان البوذيين (السانغا).
وفي لقاء لنا مع الدبلوماسي الهندي السابق إس. دي. موني، الذي عمل في سري لانكا، فإن جماعة «بوذو بالا سينا» تشكلت فقط عام 2012، لكنها مع ذلك لعبت دورًا محوريًا في إذكاء روح التطرف والعنف ضد المسلمين. وبالإضافة إلى دورها البارز والنشط في سياسات سري لانكا، ارتبطت هذه الجماعة المتطرفة بعلاقات بجماعات بوذية متطرفة مثلها في اليابسة الآسيوية، وعلى الأخص، في ميانمار. وفي العام الماضي سافر الراهب البوذي المتطرّف آشين ويراثو، أبرز قادة جماعة «969» في ميانمار، إلى سري لانكا العام الماضي على مرأى ومسمع من مختلف وسائل الإعلام للتوقيع على معاهدة مع جماعة «بوذو بالا سينا»، تهدف في ظاهرها إلى حماية العقيدة البوذية العالمية. وفي المقابل، قام غالاغودا غناناسارا، المؤسس المشارك لـ«بوذو بالا سينا» بدوره بزيارة إلى ميانمار. وتقول الجماعتان إنه حتى إذا سادت العقيدة البوذية في بلديهما، فهي لا تزال تحت التهديد بصورة عامة، وأنهما وقعتا على «مذكرة تفاهم» بشأن تشكيل تحالفات على مستوى قارة آسيا لحمايتها.
وبالفعل، عملت الزيارات المتبادلة على تعميق العلاقات بين أولئك الذين يعتبرون أنفسهم حراس العقيدة البوذية، ويسيطرون على «الحالة الإيمانية» البوذية ليس في كمبوديا وتايلاند وفيتنام ولاوس وميانمار وسري لانكا فحسب، بل في اليابان والصين أيضًا.
ولكن ثمة من يلفت إلى أن أحداث العنف التي يقودها بوذيون ليست جديدة تمامًا ولا هي فريدة من نوعها خلال السنوات القليلة الماضية، ويشير هؤلاء إلى الحركة البوذية المتشدّدة التي انخرطت في أحداث عنف مناهضة للحكومة في فيتنام الجنوبية (سابقًا) بين عامي 1963 - 1965. وفي بعض الحالات، يرى البعض أن أعمال العنف قد تكون مجرّد دليل على اليأس التام، ففي الصين، أقدم 130 راهبًا بوذيًا على الانتحار حرقًا في حالة احتجاج ضد الحكم الصيني لإقليم التبت.
أيضًا شهدت تايلاند عدة دعوات رهبانية بوذية بارزة لأعمال العنف. فخلال عقد السبعينات من القرن الماضي، طرح رهبان بوذيون مثل فرا كيتيووثو مقولة «إن قتل الشيوعيين لا يعد انتهاكًا لأي من التعاليم البوذية». ولاح الجانب «العسكري» العنيف من البوذية التايلاندية مرة أخرى في عام 2004 عندما تجدّد تمرّد المسلمين (وجلهم من المالاي؛ أي الملايو) في جنوب تايلاند، ولا سيما، في إقليم فطاني. ومنذ يناير (كانون الثاني) 2004، حولت الحكومة التايلاندية الأديرة البوذية في المنطقة إلى مواقع عسكرية وكلفت الرهبان البوذيين العسكريين بالخدمة لديها وأوكلت إليهم مهام دعم الميليشيات (أو فرق الحراسة) البوذية المحلية. ونجم عن تصاعد تمرّد مسلمي جنوب تايلاند تأسيس منظمة بوذية أصولية لكنها لا عنفية تعرف باسم «مؤسسة معرفة بوذا»، تدعو إلى اعتماد قانون للتجديف و«نشر المفاهيم والأخلاق البوذية» في المجتمع التايلاندي.
أما في اليابان، فلقد كان كثيرون من فرسان «الساموراي» تابعين مخلصين للعقيدة «البوذية الزنّية» (وهي مزيج من مذهب الماهايانا البوذي المنتشر في الهند والديانة التاوية، ولقد انطلقت من الصين وانتشرت في اليابان وكوريا). وكانت «البوذية الزنّية» تبرر اللجوء إلى العنف إذا كانت الغاية سليمة، وترى مثلاً أن قتل رجل على وشك ارتكاب جريمة مروعة عمل طيب ورحيم. وفيما بعد أدى تجدد ظهور هذا النوع من التفكير المسوّغ للعنف عندما أخذت اليابان تعد العدة لخوض الحرب العالمية الثانية.
عودة إلى آشين ويراثو، الراهب الميانماري المتطرف، فعندما وضعت مجلة «تايم» الأميركية صورته على غلافها ووصفته بعبارة «وجه الإرهاب البوذي»، لم تخرج 4 آلاف نسخة من المجلة خارج حدود مطار باندارانايكه الدولي في كولومبو عاصمة سري لانكا. ولكن ويراثو قال في ذلك العدد من المجلة معبرًا عن عدائه للمسلمين: «إن المسلمين يتكاثرون بسرعة كبيرة، وهم يسرقون نساءنا ويغتصبونهن. إنهم يودّون احتلال بلادنا، لكنني لن أسمح لهم بذلك. لا بد من الحفاظ على بوذية ميانمار». هذا ولقد مُنع بصورة رسمية توزيع ذلك العدد من «تايم» في ميانمار أيضًا.
وصف ويراثو للمسلمين تتبناه واقعيًا جماعات «بوذو بالا سينا» و«ماباثا» و«969» والجماعات الثلاث تعتبر المسلمين الأعداء والأشرار الرئيسيين في البلاد، وهذا على الرغم من أن عداء هذه الجماعات للمسيحيين والهندوس يبدو واضحًا أيضًا في بعض المناطق. وتقول الصحافية الهندية نيروباما سوبرامانيان، التي عملت على تغطية أخبار سري لانكا على نطاق واسع وكانت لها بعض الجولات في ميانمار أيضًا، «تدعو خطب ويراثو، التي يسهل الحصول عليها عبر شبكة الإنترنت أو على الأقراص المرصوصة (المدمجة) في المتاجر، إلى مقاطعة المتاجر والشركات التي يديرها مسلمون»، وتنقل الصحافية الهندية عن الراهب البوذي المتطرف قوله في إحدى خطبه: «إذا ابتعت من متاجر المسلمين، فلن تتوقف أموالك هناك فحسب. بل سوف توجه في النهاية إلى تدمير دينك وعرقك».
ومع أن سري لانكا، بصورة غير متوقعة، أفلحت في انتخاب حكومة جديدة تتعهد بكبح جماح منظمة «بوذو بالا سينا»، وتتهم الحكومة السابقة في عهد الرئيس السابق ماهيندرا راجاباكسه بأنها هي التي كانت توفر الدعم القوي للمنظمة المتطرفة، تقول سوبرامانيان إن الحكومة الجديدة، التي هي على شاكلة سابقتها، تضم الحزب القومي البوذي القوي الذي يبدو متقاعسًا عن مواجهة الرهبان المتطرفين في البلاد.

مناخات وبيئات متشابهة

في الحقيقة، هناك أوجه تشابه مذهلة بين سري لانكا وميانمار، فكلتا الدولتين تضم غالبية بوذية تدعمها الدولة تشكل ما بين 70 و80 في المائة من مجموع تعداد السكان. فسري لانكا خرجت لتوها من عقود طويلة من الحرب الأهلية المدمرة بين مؤسسة السلطة التي تقف على رأسها الغالبية السنهالية البوذية وحركيي الأقلية التاميلية الهندوسية، وخلال هذه الحرب الأهلية، ضغط البوذيون ورهبانهم على الحكومة لاتخاذ مواقف قوية ومتصلبة وعدائية. أما ميانمار فتعاني منذ عدة عقود من الحكم العسكري المقيت. وفي البلدين صبت الغالبية السكانية البوذية خلال الفترة الاستعمارية من حكم البلدين نقمتها على السكان المسلمين الذين عانوا العبء الأكبر من وطأة الحكومات المحلية أو التجاوزات التي كان خلفها المتمردون بعد الاستقلال.
وفي ميانمار وحدها، التي تضم 135 مجموعة عرقية معترف بها في البلاد، جرى تجريد المسلمين الروهينجيا من حق المواطنة. ووفقًا لتقرير حديث صادر عن منظمة «هيومان رايتس ووتش»، فإن نحو 125 ألفًا من الروهينجيا تعرضوا للتشريد والتهجير بالفعل في ولاية راخين؛ مما نجم عنه تدفق مستمر للاجئين، مع العلم، أن المئات منهم يقضون نحبهم في رحلات السفر عبر البحر بسبب الجوع ولأسباب أخرى.

أزمة فطاني في جنوب تايلاند

وفي هذا الشأن يقول باغوات دايال السفير الهندي السابق إلى تايلاند «في حين أن التوترات الطائفية البوذية - الإسلامية في سري لانكا تعود إلى أجندات سياسية قومية وإلى الحرب الأهلية كذلك، فإن التوترات الطائفية البوذية - الإسلامية في تايلاند، المتاخمة لميانمار، تتميز بتاريخ أطول وأعمق. إذ كانت المنطقة التي تضم المحافظات الجنوبية الثلاث جزءًا من المملكة البوذية المعروفة باسم لانغكاسوكا، وخلال فترة تاريخية معينة هيمن البوذيون الجنوبيون على مملكتهم القديمة. ومع ذلك، تحولت تلك المملكة في وقت لاحق إلى مملكة باتاني – أو فطاني – الإسلامية. وراهنًا يعكس الوضع الديموغرافي في جنوب تايلاند ذلك الماضي المتنوع، ذلك أنه في حين يشكل البوذيون 90 في المائة من سكان تايلاند، يشكل المسلمون (ومعظمهم من المالاي) نسبة 85 في المائة من سكان المحافظات الجنوبية الثلاث. وعبر القرون، كافح المسلمون لاستعادة الحكم الذاتي السياسي لمحافظاتهم من حكومة تايلاند المركزية في بانكوك. وكلما كانت الحكومة المركزية ضعيفة، كانت تندلع المقاومة التايلاندية الجنوبية على الفور. ومنذ يناير (كانون الثاني) 2004، وقعت البلاد تحت الأحكام العرفية، وتنتشر أعمال العنف في المنطقة كما يعيش الناس هناك في خوف دائم».
في ضوء هذا الواقع، أظهرت نسبة لا بأس بها من البوذيين في تايلاند دعمها لجماعتي «969» و«ماباثا». ولقد حضر رهبان بوذيون اجتماعات لـ«ماباثا» في ميانمار (بورما) المجاورة وتبرعوا بأموالهم لمساعدة الجماعة على نشر رسائلها وتعاليمها. ويرى كثيرون من التايلانديين بأنه لا ينبغي على بلادهم استقبال قوارب اللاجئين من الروهينجيا، بل يجب على الحكومة التايلاندية طردهم إلى البحر مجددًا. وحسب الكاتب سانجيب بارواه، فإن الساسة «دائمًا ما استخدموا التطرف البوذي لخدمة مصالحهم السياسية، فبعد أقل من عقدين منذ الاستقلال، كانت معظم ميانمار تحت الحكم العسكري الصارم، وانضمت البوذية تحت لواء الجنرال ني وين ومشروعه «الطريق البورمي نحو الاشتراكية» الذي أعقبته عقود من الانعزالية الدولية. أما سري لانكا فظلت لفترة طويلة دولة برلمانية ديمقراطية، ولكن في عام 1956 حقق رئيس الوزراء السنهالي الشعبوي سولومون باندارانايكه نصرًا ساحقًا في الانتخابات، راكبًا موجة الشعبوية البوذية المحلية في البلاد. إلا أن الكثير من زعماء البوذية في العالم مثل ثيتش نهات هانه وبيخو بودي وشودو هارادا، وحتى الدالاي لاما نفسه، أدانوا عمليات العنف ضد المسلمين ودعوا إلى السلام بين الطرفين، ودعم ممارسة المبادئ البوذية الأساسية الداعية إلى رفض إيذاء الآخر، والاحترام والتعاطف المتبادل».
من جهة أخرى، وفق الدكتورة سانتيشري دوليبودي بانديت، المتخصصة في شؤون السياسة والدين «إنهم (أي البوذيون المتطرفون) مثل نظرائهم من المسلمين المتطرفين، يستغلون الدين مبرّرًا لأعمال العنف. ويقول ويراثو إن البوذية عقيدة مسالمة بطبيعتها، إلا أنه من الضروري النزوع إلى العنف من أجل مقاومة التهديد الإسلامي، ولتجنب استئصال الدين المسالم تمامًا، مشيرًا إلى أن النفوذ البوذي التاريخي في وسط آسيا كان موجودًا قبل ظهور الإسلام. إن حجته هشة للغاية، خصوصًا لدى النظر إلى ندرة أعمال العنف من جانب المسلمين أو الجماعات الإسلامية في ميانمار. مع هذا، يدغدغ هذا الكلام مشاعر الجماهير من المتدينين المخلصين والقوميين المتعصبين والملتزمين دينيًا واجتماعيًا. كما أن هناك إحساسًا جليًّا بالانتهازية حيال كثير من لهجة الخطاب التي تستخدمه الجماعات البوذية المتطرفة، وهي مقتبسة مباشرة من الطريقة التي يناقش بها الغرب الدين الإسلامي».
في المقابل، هناك أيضًا دفاع غير مباشر عن التطرف البوذي. إذ يقول الدكتور كلاوديو شيكوزا، عضو هيئة التدريس ومستشار الأبحاث في كلية الآداب والعلوم لدى جامعة ويبستر (فرع تايلاند)، في محاضرة له أخيرًا في الهند: «ثمة نوع من الموضة الدارجة هذه الأيام لإظهار أن البوذية، كدين، على صلة وثيقة بالعنف». ويشير شيكوزا، الذي له عدة مؤلفات حول البوذية، بأصابع الاتهام نحو شريحة من العلماء الذين يميلون إلى إبراز الجانب العنيف من البوذية. وهو يرى أن هناك اليوم كثرة من العلماء، وعلى الأخص من العلماء الغربيين، من يفضلون إبراز اللون الديني للعنف في البوذية.
كيف يمكن معالجة هذا القدر أو ذاك من التطرف؟ يظل سؤالاً كبيرًا بلا إجابة.
إم. كيه. بهادراكومار، الخبير الهندي في الشؤون الدولية، يرى أنه «ليس بمقدور الحكومات المحلية مواصلة إنكار الواقع بل يتوجب عليها الاعتراف بأن المشكلة جد خطيرة. والنتيجة المحتملة لذلك هي وصول الأصولية الإسلامية من الخارج إلى مناطق في جنوب آسيا وشرقها والانخراط في مواجهة مع المتطرفين البوذيين. وحقًا بدأت الجماعات الإسلامية المتشددة تتنبه إلى محنة المسلمين في هذه المناطق، وعمدت بالفعل على تنفيذ هجمات تحمل شعار «الانتقام»؛ مما ينذر بتفاقم الأوضاع إلى مستويات خطيرة».



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».