المدينة المنورة تفتح نوافذ جديدة على مخطوطاتها بعرض تاريخي

مؤلفات تعرض لأول مرة بخط ابن تيمية والذهبي والعسقلاني والسخاوي والهاشمي ومحمد بن عبد الوهاب

المدينة المنورة تفتح نوافذ جديدة على مخطوطاتها بعرض تاريخي
TT

المدينة المنورة تفتح نوافذ جديدة على مخطوطاتها بعرض تاريخي

المدينة المنورة تفتح نوافذ جديدة على مخطوطاتها بعرض تاريخي

يعيد معرض مخطوطات المدينة المنورة الذي تنظمه دارة الملك عبد العزيز بالتعاون مع هيئة تطوير المدينة المنورة وبدعم من شركة «أرامكو» السعودية اليوم السادس من شهر سبتمبر (أيلول)، ويفتتحه الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة، رئيس مجلس إدارة هيئة تطوير المدينة المنورة، الأجواء الثقافية والعلمية للمدينة المنورة، وواقع المكتبات التي احتضنتها، وما شهدته أروقتها من حلق العلم التي أنشأها الأهالي وزوارها من الحجاج والمعتمرين على مر القرون، والتعليم بشكل خاص بواقع المكتبات بمدينة الرسول، صلى الله عليه وسلم، خلال عهد الدولة السعودية الحديثة.
ويفتح المعرض نوافذ للتعريف بالمدارس والمكتبات التي أقيمت حول الحرم النبوي وجمعت أرففها الكثير من الكتب التي جلبها زوار المدينة المنورة على مر العقود والقرون، وضمت موضوعات فكرية متنوعة وخطوطا مختلفة في مجال الثقافة الإسلامية بشكلها الشمولي.
وتشارك جامعة ليدن الهولندية مع 12 مكتبة سعودية في المعرض بعرض لافت لمخطوطات نادرة، ونسخ ومنمنات، منها أقدم منمنة في العالم توثق المدينة المنورة في رسم تاريخي يعود إلى ما قبل 500 عام وتملكها دارة الملك عبد العزيز، كما يبرز المعرض ما كان يجري في أروقة المسجد النبوي عبر السنين والقرون، حيث ظلت أروقة المسجد النبوي وعبر السنين ثم القرون تغص بحلق العلم من أهل المدينة وزائريها ومجاوريها ومن الحجيج والمعتمرين، فكانت هذه الحلق منتدى للعلم والبحث والمدارسة ومن حول المسجد النبوي أقيمت الأربطة ومساكن الطلبة وأنشأت المدارس أسست المكتبات وارتحلت إليها واجتمع على أرففها كتب خطية آتية من بلاد شتى من الشام ومصر واليمن وتركيا والمغرب والهند وفارس في فنون وعلوم شتى وبخطوط وأقلام مختلفة ولكن تحت ظل الثقافة الإسلامية الوارف، وكانت المخطوطات من المصاحف وغيرها تحفظ في خزائن في الحرم النبوي.
وتمتلك دارة الملك عبد العزيز عددًا من المواد التاريخية المتنوعة عن المدينة المنورة وكذلك مشاريع خاصة بالمدينة المنورة، حيث لا يقتصر توثيق تاريخ المدينة المنورة وثقافتها على المخطوطات فقط أو ما طبع عن المدينة المنورة بل تحتفظ دارة الملك عبد العزيز بعدد كبير من الوثائق والصور والأفلام والتسجيلات الصوتية والخرائط والصحف القديمة والكتب النادرة التي تخص المدينة المنورة وتاريخها وثقافتها، كما أن للدارة مشاريع بحثية لها تعلق بالمدينة المنورة مثل: أطلس السيرة النبوية، وموسوعة الحج والحرمين الشريفين بالإضافة إلى إشرافها على مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة وكذلك طباعة كتب ونشر أبحاث تتعلق بتاريخ المدينة المنورة وثقافتها.
ومن اللافت في المعرض مخطوطات أمين بن حسن الحلواني المدني، وهو عالم وأديب وفلكي ورحالة ومن علماء المدينة المنورة ومدرس في الروضة الشريفة بالحرم النبوي، ومن مؤلفاته: رسالة ينكر فيها صحة المخلفات النبوية ألفه سنة (1292ه)، جني النحلة في كيفية غرس النخلة طبعت سنة 1301ه، السيول المغرقة على الصواعق المحرقة، مختصر مطالع السعود في أخبر الوالي داود لعثمان بن سند البصري نشر في مومباي بالهند سنة 1304ه - 1886م، «نشر الهذيان من تاريخ جورجي زيدان» نشر في الهند سنة 1307ه
وقد وصلت مخطوطات للحلواني إلى مكتبة ليدن بهولندا، ولها قصة تستحق أن تطرح تبدأ ببيع أمين الحلواني لمخطوطاته عندما التقى بكارلو لاندبرج سفير السويد والنرويج لدى مصر، في القاهرة في شهر فبراير (شباط) من عام 1883م ووجه له دعوة بحضور مؤتمر المستشرقين الثامن المنعقد في مدينة أمستردام بهولندا وطلب منه بيع المكتبة على دار بريل بعد أن تعرض إلى خسارة جميع رأسماله في مصر وتراكمت عليه الديون مما اضطره إلى بيعها، فقدم إلى أمستردام في هولندا والتقى (لاندبرغ)، وباع مخطوطاته على دار بريل وطلب صاحب الدار (اكساجولا بريل) من (لاندبرغ) من أن يفهرسها في شهر ورفض لأن الوقت لا يسعفه وبعد إلحاح الناشر شرع في فهرستها فكان يكتب في النهار ويقرأ طوال الليل حتى أنهى المهمة، وقد نشرها بعنوان: فهرس مخطوطات عربية مصدرها مكتبة خاصة بالمدينة.
وقد بلغ عدد ما تم بيعه 664 مخطوطًا وقسم مفهرسها (لاندبرج) المخطوطات إلى 13 قسمًا وملحقًا وضم القسم الأول أندرها وعددها 228 مخطوطا وقد وصفها بأنها مخطوطات أصول أو لافتة للنظر بسبب قدمها أو أنها بخطوط مؤلفيها، وتتميز مكتبة الحلواني المباعة على مكتبة بريل في ليدن أن بعض محتوياتها من المؤلفات والمخطوطات كتبت بخطوط مؤلفيه كخط ابن تيمية والذهبي وابن حجر العسقلاني والسخاوي وابن فهد الهاشمي ومحمد بن عبد الوهاب وحفيده عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد وغيرهم، وبعد اقتناء دار بريل باعتها الدار على مكتبة جامعة ليدن في هولندا.
وقد أعجب المستشرق الهولندي ك. سنوك هُرْخْرُونيه، الذي أقام في مكة وجدة سبعة أشهر متخفيًا بالحلواني حيث قام بعدما نشر أمين الحلواني انطباعاته عن مؤتمر المستشرقين الذي حضره في جريدة «البرهان» القاهرية في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) 1883، بترجمتها إلى الهولندية، وتوفي أمين الحلواني سنة 1898ه.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».