ميليشيات ليبيا.. «دويلات» داخل الدولة

وزير العدل لـ «الشرق الاوسط»: جعلنا الوضع أكثر سوءا

أحد المقاتلين في مدينة ورشفنة غرب العاصمة الليبية يستخدم مدفعا محمولا على شاحنة خلال صراعات شبه يومية تشهدها ليبيا (أ.ف.ب)
أحد المقاتلين في مدينة ورشفنة غرب العاصمة الليبية يستخدم مدفعا محمولا على شاحنة خلال صراعات شبه يومية تشهدها ليبيا (أ.ف.ب)
TT

ميليشيات ليبيا.. «دويلات» داخل الدولة

أحد المقاتلين في مدينة ورشفنة غرب العاصمة الليبية يستخدم مدفعا محمولا على شاحنة خلال صراعات شبه يومية تشهدها ليبيا (أ.ف.ب)
أحد المقاتلين في مدينة ورشفنة غرب العاصمة الليبية يستخدم مدفعا محمولا على شاحنة خلال صراعات شبه يومية تشهدها ليبيا (أ.ف.ب)

كان أنور، الذي شارك في القتال أثناء الثورة الليبية ضد نظام القذافي وأحد وجهاء مصراتة، أفضل مَن يلخص الوضع الراهن في ليبيا، حيث قال: «إذا كنت أنت الدولة ولديك بندقية واحدة، وكان مواطنوك يحملون عشر بنادق، إذا فأنت في مأزق». تطرق أنور إلى جوهر القضية الأكثر إلحاحا في ليبيا، وهي أنه على الرغم من مرور عامين ونصف العام على سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي؛ فإن الميليشيات المسلحة لا تزال أقوى من الدولة.
والحكومة الديمقراطية الوليدة لا تخضع فقط لسيطرة الميليشيات التي حاربت وانتصرت في ثورة عام 2011؛ بل إنها تعتمد عليها أيضا. ففي اليوم التالي غادرت طائرة تقل مجموعة من مقاتلي الثورة السابقين مطار مصراتة متوجهة إلى سبها، في الجنوب. لم يكن الرجال على متن الطائرة قادة في الجيش الوطني الذي أعيد تأسيسه بعد الثورة، لكن الحكومة طلبت منهم الذهاب إلى سبها لوقف أعمال العنف القبلية هناك. واعترف وزير العدل صلاح الميرغني بأن الحكومة الحالية «لا تملك جيشا قويا يستطيع السيطرة على البلاد»، ولذا أوكل الأمر إلى الميليشيات المحلية - ميليشيات مصراتة والزنتان وطرابلس، والعديد من الفصائل التابعة لها - لتشكل الذراع القوية للدولة.
هذا النظام الهش يجدي في بعض الأحيان، ففي العاصمة طرابلس تخضع حكومة التحالف الوطني العام الانتقالية لحماية ميليشيات مصراتة. فعندما أعطت ميليشيات الزنتان حكومة التحالف مهلة 72 ساعة للاستقالة في 18 فبراير (شباط) جاء الرد سريعا من ميليشيات مصراتة «إذا حاول الزنتانيون مهاجمة حكومة التحالف الوطني العام فسوف ندافع عنها».. وفي النهاية فشل الانقلاب.
وقال أنور: «انتخبنا التحالف الوطني العام في عملية ديمقراطية. وإذا أردنا أن نقيلهم فسوف يكون بهذه الأصابع»، رافعا أصبعه الذي لا تزال عليه آثار الحبر، في دلالة على إدلائه بصوته في الجولة الأخيرة من الانتخابات التي جرت في العشرين من فبراير.
لكن قوة هذه المجموعات المختلفة تقوض في كثير من الأحيان الديمقراطية أكثر من دفاعها عنها. وأكثر ما يثير القلق هو أن هذه الميليشيات، بما في ذلك ميليشيات مصراتة، ستحمي مدنها ومصالحها الخاصة قبل أن تحمي الحكومة المركزية. والتفسير المثير للمفارقة بشأن سرعة استجابة ميليشيات مصراتة للدفاع عن الحكومة هو أن قادة الحكومة مرتبطون آيديولوجيا، وأنهم ينتمون جميعا لجماعة الإخوان المسلمين. لكن أنور سارع إلى تفنيد هذا الزعم بالقول: «كثير من الناس يربطون مصراتة بالإخوان المسلمين، لكن تلك هي الذريعة التي استغلها القذافي عندما وصف المتظاهرين بالجرذان».
يتمتع أنور، رجل الأعمال الناجح والشخصية البارزة في مصراتة، باحترام واسع حتى أن جثة القذافي أحضرت إلى منزله لحفظها في أكتوبر (تشرين الأول) 2011، عندما كانت فرق الطب الشرعي تشق طريقها نحو المدينة. وعلى مدى ثلاثة أيام، استضاف أنور أعدادا كبيرة من الليبيين الذين قدموا من شتى أنحاء ليبيا لمشاهدة الجثة بأنفسهم. وقال: «لم يصدقوا أنه مات حتى شاهدوا جثته». لكن أحد أقارب أنور شخصية نافذة في جماعة الإخوان المسلمين، وقال إنه لا يستطيع التخلص من الاتهامات بصلاته بهم. وهذا أحد الأمثلة على العصبية الإقليمية التي اجتاحت ليبيا منذ سقوط نظام القذافي.
في الوقت ذاته، نالت ميليشيات الزنتان نصيبها من الجدل والانتقادات، فقد تمكنت هذه الميليشيات - بقدر كبير من الحظ - من اعتقال ابن القذافي الأبرز، سيف الإسلام، أثناء محاولته الهرب إلى النيجر. وجاء اعتقاله بعد شهر من وفاة أبيه وأخيه المعتصم في المعارك على يد كتائب الثوار، لكن سيف الإسلام سيواجه مصيرا مختلفا. فقد مضى عامان ونصف العام ولا يزال محتجزا لدى ميليشيات الزنتان التي ترفض تسليمه للحكومة المركزية أو محكمة العدل الدولية لمحاكمته. وتقول ميليشيات الزنتان إنهم لا يثقون في أنه سيحاكم محاكمة عادلة لدى أي منهما، لكن الكثير من الليبيين خارج المدينة يزعمون أن هؤلاء يستغلون سجينهم «رفيع المستوى» ليكون ورقة تفاوض سياسية. ويقول أنور: «كان ينبغي عليهم قتله عندما أمسكوا به. كان ذلك سيحل كثيرا من المشكلات».
المشكلة لم تتوقف عند حد السلطات التي تتمتع بها الميليشيات الكبيرة فحسب، بل في وجود عدد كبير من المجموعات الصغيرة المتمردة، والتي تستطيع الوصول بحرية إلى الأسلحة التي تركت بعد الثورة. وهذا ما يشكل في الأغلب أكبر تهديد للأمن والاستقرار في ليبيا.. فالمكاتب الفسيحة والجدران المكسوة بالخشب في مبنى وزارة العدل في طرابلس تماثل المباني الحكومية في كل مكان في العالم، لكن ما يميزها عن نظيراتها الثقوب الغائرة التي تركتها آثار الرصاصات فيها. ويقول وزير العدل صلاح الميرغني مبتسما: «لم تطلق عليّ شخصيا». لكن الميرغني، بمكانته الرفيعة وسلوكه المهذب، لا يبدو الشخص الأنسب لملاحقة العناصر الوحشية في السياسة الليبية. وقال: «إذا قلت أي شيء، مجرد شيء في مؤتمر صحافي، فقد أحظى بزيارة ثانية. كان هذا مبنى إداريا عاديا، لكننا اضطررنا أخيرا إلى تشديد الحراسة. لكن على الرغم من ذلك فإن حضور عدد كبير من الأفراد لا يجدي معه الأمن نفعا؛ حيث يقومون باحتلال المكان وتصبح كواشف الأسلحة والحراس الشخصيون عاجزين عن العمل».
وتعرض مبنى وزارة العدل للاحتلال أكثر من مرة من قبل مجموعات مسلحة خلال العام الماضي، وفي العادة لا يحمل المعتدون أي ضغينة ضد وزير العدل تحديدا. في واحد من هذه الأحداث، أراد المهاجمون الضغط على التحالف للمسارعة في تمرير قانون يستثني أعضاء النظام السابق من تولي أي منصب في الحكومة الليبية الجديدة، وفي العديد من الحوادث الأخرى جلبت المجموعات والأفراد الأسلحة إلى وزارة العدل لتنفيذ مطالبهم الخاصة، والتي عادة ما تكون متعلقة بشكاوى اعتقال يعتقدون أنها غير شرعية.
بعد الثورة، جرى اعتقال آلاف الأفراد الذين واجهوا اتهامات بالقتال في صفوف قوات القذافي وأودعوا السجون التي تديرها الميليشيات، ولا يزال الكثير من هؤلاء المعتقلين يعانون في تلك السجون، وتثار شكوك حول موعد خضوعهم للمحاكمة أو حتى توجيه اتهامات إليهم.
ويقول الميرغني إن هذا الأمر هو «الإرث الناتج عن فترة حكم القذافي»، مما يبرهن على صعوبة التغيير. واعترف الميرغني قائلا: «لدينا إدارة ضعيفة جدا في هذا البلد، وهو ما ورثناه من النظام السابق، بل إننا جعلنا الأمر أكثر سوءا». ومع ذلك، ما زالت الجهود تبذل لإصلاح النظام القضائي.
وفي مصراتة، استثمرت الوزارة تسعة ملايين دينار لبناء أحد السجون الكبيرة الجديدة، واستبدال ستة معتقلات صغيرة منتشرة حول المدينة - حيث جرى إنشاء بعض منها من قبل المتمردين أثناء الثورة. ووافقت الميليشيات بالمدينة على تسليم السجناء، وجرى بالفعل نقل 840 سجينا منهم. وقال أحد السجناء الذي جرى نقله إلى السجن الجديد: «يبدو الوضع هنا أفضل بكثير، فهذا المكان مريح للغاية ونتلقى معاملة أفضل بكثير، فضلا عن السماح لعائلات السجناء بالمزيد من الزيارات». ومن المؤكد أن معاملة هؤلاء السجناء بدت أفضل من نظرائهم الذين ما زالوا محتجزين في أحد السجون القديمة.
ويقول أحد الشباب «عمل حراس هذه الوردية في النظام القضائي قبل اندلاع الثورة، ولذلك فهم يعرفون كيفية التعامل مع الأشخاص. وربما يكون ذلك الأمر هو السبب وراء السماح بزيارة السجناء في هذا الوقت. بيد أن الورديات الأخرى تكون فظيعة، حيث يقوم الحراس بحلق شعرنا كل يوم ومعاملتنا مثل الحيوانات». ويدان هذا السجين - مثل الكثير من أغلبية المعتقلين في مصراتة - بتهمة ولائه للقذافي. ولم يجر تحديد موعد لمحاكمة أي سجين من السجناء الذين تحدثنا معهم سواء في السجن القديم أو الجديد.
ويقر الميرغني - بكل وضوح قائلا: «نحتاج إلى المضي قدما بشكل سريع لإصلاح النظام القضائي الذي يواجه تعثرا في ليبيا»، وقال إنه كان يجري استعراض قضايا جميع السجناء في مصراتة قبل نقلهم، حيث أفرج بالفعل عن الكثير منهم. بيد أن مصراتة تعد حالة استثنائية، حيث إن الميليشيات هنا قوية وموالية للحكومة المركزية بشكل كبير، بالإضافة إلى قدرتها على الحفاظ على الأمن في المدينة. وقال أنور إن «هذا هو الدليل على أن الوضع في مصراتة ليس سيئا للغاية، فهناك خمسة بنوك في المدينة، يوجد بكل واحد منها مليونا دينار. وبينما يمتلك جميع الأشخاص السلاح، إلا أن هذه البنوك لم تتعرض لأي هجوم».
وفي الواقع، فإن الأسلحة موجودة في كل مكان في ليبيا. وفي مصراتة، زرنا أحد السجون حيث تقف أمامه على الأرض الترابية ست دبابات، مملوكة جميعا لشخص واحد. وتشير التقديرات إلى وجود 22 مليون قطعة سلاح من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة منتشرة في البلاد. بيد أن الشعب غير مستعد لتسليم تلك الأسلحة، حتى في المناطق الأكثر استقرارا بالبلاد، لأن الكثيرين منهم يخشون إمكانية قيام ثورة أخرى أو نزاع بين الأهالي. وفي أماكن مثل مصراتة وطرابلس، يبدو أن مسألة وجود السلاح تتسبب في حالة اضطراب بالبلاد، ولا يريد أي شخص أن يطلق النار على شخص آخر لديه نفس الأسلحة الثقيلة التي يمتلكها. ولكن في المدن الشرقية لبنغازي ودرنة، سقطت هذه الأسلحة في أيدي الجماعات المتشددة التي تعادي بشكل مباشر الدولة الجديدة، بالإضافة إلى المجرمين والإسلاميين. ولذلك، فبينما تكون الشوارع في طرابلس ومصراتة آمنة وهادئة نسبيا، يبدو أن الحكومة المركزية لديها سلطة محدودة للسيطرة على المناطق الشرقية التي تعاني الاضطرابات.
وكان الميرغني يستعد - في اليوم الذي التقيناه فيه - للسفر إلى بنغازي لتقديم العزاء إلى أسرة أحد المسؤولين القضائيين جرى اغتياله. ولم يكن هذا الحادث أمرا منفصلا عن المشهد، حيث تصاعدت وتيرة عمليات إطلاق النار وتفجير السيارات المفخخة خلال الشهور الأخيرة في بنغازي ودرنة. وكان اغتيال السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز في 11 سبتمبر (أيلول) 2012 مجرد حلقة من سلسلة العنف المثير للقلق بصورة متزايدة، حيث يبدو أن تلك العمليات تهدف إلى تقويض النظام القضائي الجديد لليبيا.
وتابع الميرغني حديثه قائلا: «من الواضح أن هذا الفعل جرى ارتكابه من قبل الإرهابيين، وأن السبب وراءه هو منع قيام دولة ذات سيادة بالشكل الملائم. إنهم يسعون لإرهاب النظام القضائي والقضاة ومهاجمة السجون. ومن المؤكد أنه في حال عدم وجود نظام قضائي يؤدي وظيفته بالشكل المناسب، فإن الكثير من الأمور الأخرى - بما في ذلك الأمن - لن تعمل بالصورة الملائمة. وبناء على ذلك، سيكون لدينا أشخاص معتقلون وسجناء تكتظ بهم معسكرات الاعتقال، فضلا عن التسبب في مشكلات أخرى».
وأوضح الميرغني أن هذا الأمر يعد مثل رواية «كاتش 22» الأميركية (التي لا توجد بها حلول ناجحة كاملة لأي الأطراف)، وعلى ما يبدو فإن هناك صعوبة للخروج من هذا المأزق. واختتم حديثه قائلا: «نحتاج إلى الاستقرار لتكوين حكومة، ولكي نخلق هذا الاستقرار فإننا نحتاج إلى وجود الحكومة».



مصر تؤكد رفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية

وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
TT

مصر تؤكد رفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية

وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)

أكدت مصر «موقفها الثابت والرافض للمساس بسيادة لبنان ووحدة وسلامه أراضيه، فضلاً عن دعم المؤسسات الوطنية للاضطلاع الكامل بمسؤولياتها في الحفاظ على أمن واستقرار لبنان». وشددت على «ضرورة منع التصعيد واحتوائه، ورفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية».

جاء ذلك خلال لقاء وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط، كلير لوجندر، على هامش «منتدى صير بنى ياس» في الإمارات، السبت.

وثمن عبد العاطي العلاقات الاستراتيجية بين مصر وفرنسا، معرباً عن التطلع لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري وزيادة الاستثمارات الفرنسية في مصر، فضلاً عن تعزيز التعاون في مختلف المجالات وفى مقدمتها قطاعات الصناعة والنقل والسياحة والثقافة والتعليم. كما رحب بقرب انعقاد الجولة الأولى من الحوار الاستراتيجي بين وزارتي الخارجية المصرية والفرنسية.

وفيما يتعلق بتطورات القضية الفلسطينية، رحب وزير الخارجية المصري بالموقف الفرنسي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، مبرزاً الجهود التي تقوم بها مصر لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وأكد «ضرورة تضافر الجهود الدولية لضمان تنفيذ قرار مجلس الأمن 2803 وسرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية في غزة للاضطلاع بمسؤوليتها ومهامها».

ونوه عبد العاطي بأهمية المضي في خطوات تشكيل لجنة التكنوقراط الفلسطينية لإدارة قطاع غزة. ولفت إلى أهمية ضمان نفاذ المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق إلى قطاع غزة في ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية، مشدداً على أهمية خلق الأفق السياسي للتوصل إلى تسوية عادلة ومستدامة للقضية الفلسطينية من خلال تنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

الشيخ عبد الله بن زايد خلال لقاء وزير الخارجية المصري في الإمارات (الخارجية المصرية)

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، السبت، تم التطرق خلال اللقاء إلى الأوضاع في السودان، حيث أطلع الوزير عبد العاطي المسؤولة الفرنسية على الجهود المصرية في إطار الرباعية بهدف تحقيق وقف إطلاق النار بما يسمح بإطلاق عملية سياسية سودانية شاملة، مؤكداً على ثوابت الموقف المصري بشأن حماية سيادة السودان، ووحدة وسلامة أراضيه، ورفض التقسيم، ودعم مؤسسات الدولة. وشدد على ضرورة توحيد الجهود الإقليمية والدولية لدفع مسار التهدئة والتوصل إلى وقف لإطلاق النار ونفاذ المساعدات الإنسانية. كما حرص وزير الخارجية على إطلاع المسئولة الفرنسية على نتائج زيارته الأخيرة للبنان.

وقال وزير الخارجية المصري خلال زيارته إلى العاصمة اللبنانية بيروت، الشهر الماضي، إن بلاده تنظر إلى لبنان بعدّه ركناً أساسياً في منظومة الأمن والاستقرار الإقليمي، مؤكداً على أن صون سيادته واستقلال قراره الوطني يظلان أولوية ثابتة في السياسة الخارجية المصرية.

في سياق آخر، التقى عبد العاطي، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، مساء السبت. وتناول اللقاء آفاق تعزيز العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين الشقيقين والبناء على ما تشهده من زخم إيجابي في مختلف المجالات، في ضوء ما يجمع القيادتين والشعبين من روابط راسخة وشراكة استراتيجية.

وبحسب «الخارجية المصرية»، السبت، تبادل الجانبان الرؤى حول عدد من القضايا والملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والأوضاع في الضفة الغربية وتنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس ترمب للسلام في قطاع غزة، فضلاً عن تطورات الأوضاع في السودان والتنسيق القائم في إطار الرباعية، والأوضاع في اليمن وسوريا وليبيا. واتفق الوزيران على «أهمية مواصلة التنسيق والتشاور لدعم جهود تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وتعزيز العمل العربي المشترك».


«قوة استقرار غزة»... اجتماع مرتقب بالدوحة لسد الفجوات

أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
TT

«قوة استقرار غزة»... اجتماع مرتقب بالدوحة لسد الفجوات

أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)

تستضيف العاصمة القطرية، الدوحة، اجتماعاً عسكرياً، الثلاثاء، لبحث «تشكيل قوة الاستقرار» في قطاع غزة التي تنص عليها خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام، التي دخلت حيز التنفيذ 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ولاقت دعماً من مجلس الأمن في نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت.

ذلك الاجتماع المرتقب يأتي وسط ضبابية بشأن مستقبل تلك القوات وتعثر الانتقال للمرحلة الثانية، ويراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» محاولة لسد فجوات، منها مهام تعترض عليها فصائل فلسطينية مرتبطة بالوجود داخل القطاع أو نزع السلاح، بخلاف وجود «فيتو إسرائيلي» على مشاركة دول بينها تركيا، وسط تباين بشأن قدرة الاجتماع على تقديم حلول ناجزة، في ظل عدم اتفاق سياسي على الانتقال للمرحلة الثانية، وترقب نتائج لقاء ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أواخر هذا الشهر.

وتوقع مسؤولون أميركيون نشر هذه القوات مطلع العام المقبل، بعد بحث التفاصيل خلال اجتماع للقيادة المركزية الأميركية، بمشاركة عدد من الدول، في العاصمة القطرية، الدوحة، الثلاثاء، وفق ما أوردت وكالة «رويترز».

وقال مسؤولان أميركيان للوكالة، أخيراً، إنه من المتوقع أن ترسل أكثر من 25 دولة ممثلين عنها للمشاركة في الاجتماع الذي «سيتضمن جلسات لمناقشة هيكل القيادة، وقضايا أخرى متعلقة بقوة الاستقرار في غزة»، لافتين إلى أن «قوة الاستقرار الدولية لن تقاتل حركة (حماس)، وأن دولاً كثيرة أبدت رغبتها في المساهمة فيها».

ونقل موقع «أكسيوس»، الجمعة، أن مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، الذي زار إسرائيل أخيراً، أبلغ نتنياهو ومسؤولين آخرين بأن إدارة ترمب ستتولى قيادة ما تُعرف باسم «قوة الاستقرار الدولية» وستعين جنرالاً قائداً لها.

ويعطي قرار تبناه مجلس الأمن الدولي في 17 نوفمبر الماضي تفويضاً «لمجلس سلام» في غزة والدول التي تتعاون معه، من أجل تأسيس «قوة استقرار دولية» مؤقتة في القطاع.

وسبق أن تحدثت القناة الـ«14» الإسرائيلية أواخر نوفمبر الماضي، بأن الولايات المتحدة الأميركية حددت منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، موعداً لبدء انتشار «قوة الاستقرار الدولية» في غزة، ونهاية أبريل (نيسان) المقبل موعداً نهائياً لإتمام عملية نزع السلاح من القطاع، مشيرة إلى أن ذلك طموح منفصل عن الواقع، في إشارة لإمكانية تأجيله مجدداً.

صبيَّان يحتميان من المطر وهما جالسان على عربة يجرُّها حمار في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

رئيس «المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية»، العميد سمير راغب، يرى أن اجتماع الدوحة سيركز على «سد الفجوات» مثل عدم تعيين قائد للقوة، رغم أن التسريبات تشير إلى أنه أميركي، فلا مهام محددة بشأن القوة حتى الآن، كما أنه لم يتم تشكيل «مجلس السلام» الذي صدر له التفويض الأممي بتشكيل القوة، بجانب وجود «فيتو إسرائيلي» على مشاركة تركيا، وهذا يعرقل مسار تحديد الدول، بخلاف عدم حسم قضايا سياسية مرتبطة بنزع السلاح.

وأشار إلى أن حديث انتشار القوات بداية العام يكون صحيحاً إذا كنا قد عرفنا الآن مهام وتسليح القوات، وباتت تتجمع هذه الأيام، وبالتالي نحن بصدد ترتيبات ستأخذ ربما شهرين لتحقيق انتشار لو حُسمت الملفات السياسية.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن اجتماع الدوحة بشأن تلك القوات يناقش سد الفجوات «لكنه يشكل إطاراً عاماً للتعايش معها، وليس لحلها»، موضحاً أن الفجوات تتعلق بكيفية الانتشار ومهام القوات، وهل ستنزع سلاح «حماس» وتبدأ الانسحابات. ونبه إلى أن هذا الاجتماع قد يحسم التشكيل والتمويل، و«لا يعني مشاركة 25 دولة فيه أن هناك موافقة على الانخراط في القوة؛ لكن ستتم مناقشة الخطوط الأولية».

منظر عام لمخيَّم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية بغزة (أ.ف.ب)

وعلى هامش مشاركته في «منتدى صير بني ياس» بالإمارات، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، السبت: «ضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وأهمية تشكيل قوة الاستقرار الدولية»، وذلك خلال لقاء المدير العام لـ«أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية»، والمنسق الأممي الخاص السابق لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، وفق بيان لـ«الخارجية المصرية».

وهذا التأكيد ليس الأول من نوعه من جانب مصر؛ حيث أعلنته أكثر من مرة أخيراً.

وردت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، على الصحافيين أخيراً بشأن تطورات اتفاق غزة، قائلة إن «هناك كثيراً من التخطيط الهادئ الذي يجري خلف الكواليس في الوقت الحالي للمرحلة الثانية من اتفاق السلام... نريد ضمان سلام دائم ومستمر».

وأوضح راغب أن المرحلة الأولى لم تنتهِ بعد، وهناك أمور سياسية لم تُحَل، لافتاً إلى أن «قمة ترمب-نتنياهو» المقررة نهاية هذا الشهر ستكون فاصلة في المرحلة الثانية، وتشكيل القوات، ورفع «الفيتو»، وإنهاء الفجوات.

أما نزال فيرى أن المرحلة الثانية لم تنضج بعد، والهدوء الأميركي في المناقشات محاولة لتفادي الفشل من أي إعلان قد يُحدث ضجة عند أي طرف، في ظل ريبة فلسطينية مما يُعد في الكواليس، متوقعاً أن تزداد مساعي الوسطاء تجاه الانتقال للمرحلة الثانية بأقل تكلفة ومخاطرة، وهذا سيتضح عقب لقاء ترمب بنتنياهو.


حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
TT

حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

يترقَّب الشارع اليمني أن تُكلَّل الجهود التي تقودها السعودية، بشراكة مع الإمارات، بنزع فتيل التوتر وإنهاء التصعيد في حضرموت والمهرة على خلفية التحركات الأحادية الميدانية التي قام بها المجلس الانتقالي الجنوبي في الأيام الماضية، التي أدت إلى إرباك معسكر الشرعية اليمنية، وسط مخاوف من أن يقود ذلك إلى تبعات اقتصادية وإنسانية وأمنية في ظل تربص الجماعة الحوثية بالمناطق المُحرَّرة.

جاء ذلك غداة حراك سياسي وعسكري مكثَّف في إطار الجهود السعودية - الإماراتية الرامية إلى احتواء التوتر في المحافظات الشرقية، وذلك مع وصول فريق عسكري مشترك إلى عدن، وعقد لقاءات رسمية مع قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي، بالتوازي مع لقاءات في حضرموت مع قيادات محلية وقبلية، في مسعى لإعادة تطبيع الأوضاع ومنع انزلاقها إلى مزيد من التصعيد.

وجاءت هذه التحركات في وقت تشهد فيه محافظتا حضرموت والمهرة توتراً متزايداً على خلفية تحركات ميدانية للمجلس الانتقالي الجنوبي، وما أعقبها من مواجهات وأحداث أمنية، دفعت «تحالف دعم الشرعية» إلى تكثيف مساعيه السياسية والعسكرية لفرض التهدئة، والحفاظ على وحدة مؤسسات الدولة في المناطق المُحرَّرة.

الزبيدي استقبل في عدن وفداً عسكرياً سعودياً إماراتياً مشتركاً (سبأ)

في هذا السياق، استقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء عيدروس قاسم الزُبيدي، وهو رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في القصر الرئاسي بعدن، قيادة القوات المشتركة لـ«تحالف دعم الشرعية»، يتقدمهم اللواء الركن سلطان العنزي، واللواء الركن عوض الأحبابي، بحضور عضو مجلس القيادة عبد الرحمن المحرمي، ورئيس هيئة التشاور والمصالحة محمد الغيثي، ورئيس اللجنة العسكرية والأمنية المشتركة العليا اللواء هيثم قاسم طاهر.

ووفق مصادر رسمية، ناقش اللقاء سبل توحيد الجهود لمواجهة التحديات التي تهدِّد أمن اليمن والمنطقة، وفي مقدمتها الإرهاب، وتهريب الأسلحة، والتهديدات التي تمس المصالح الدولية وحرية الملاحة، إلى جانب آليات تعزيز التنسيق العسكري والأمني بين القوات اليمنية والتحالف.

وأشاد الزُبيدي بالدور الذي تضطلع به دول التحالف بقيادة السعودية والإمارات، مؤكداً أهمية الشراكة القائمة في دعم القوات اليمنية، بينما أكدت قيادة القوات المشتركة دعمها المستمر للقوات المسلحة اليمنية في مواجهة الميليشيات الحوثية، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز الاستقرار في المرحلتين الحالية والمستقبلية.

بيان رئاسي

بالتوازي مع هذه التحركات، جدَّد مصدر مسؤول في مكتب الرئاسة اليمني الإشادة بجهود السعودية لخفض التصعيد وإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية، وذلك بعد وصول الفريق العسكري السعودي - الإماراتي إلى عدن.

وأوضح المصدر أن الزيارة تأتي ضمن جهود الرياض وأبوظبي لتعزيز وحدة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، ومعالجة تداعيات الإجراءات الأحادية الأخيرة، بما يضمن عودة الأوضاع إلى مسارها الطبيعي، وتمكين السلطات المحلية والحكومة من أداء مهامها وفقاً للدستور والقانون.

وأشار البيان إلى أن المشاورات الجارية تتناول معالجة مسألة القوات المُستقدَمة من خارج المحافظات الشرقية، وسبل مغادرتها، إضافة إلى تمكين مؤسسات الدولة من ممارسة صلاحياتها الحصرية، واحترام المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض.

مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي خلال حشد في عدن (أ.ف.ب)

وحذَّر المصدر من أن أي تصعيد إضافي من شأنه تبديد المكاسب المُحقَّقة، وصرف الانتباه بعيداً عن المعركة ضد جماعة الحوثي، وتقويض جهود الإصلاحات الاقتصادية، ومفاقمة الأزمة الإنسانية في البلاد، مؤكداً حرص قيادة الدولة على تغليب الحلول السياسية، ودعم الجهود السعودية - الإماراتية، والعمل الوثيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين.

آليات مرتقبة للحل

أفادت مصادر مطلعة بأن الفريق العسكري السعودي - الإماراتي يبحث وضع آليات تنفيذية لخروج القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي من محافظتَي حضرموت والمهرة، وإعادتها إلى مواقعها السابقة، إلى جانب ترتيبات لتسليم بعض المواقع لقوات «درع الوطن»، في إطار إجراءات منسقة تهدف إلى إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل التصعيد.

كما عقد الوفد السعودي، برئاسة اللواء الدكتور محمد القحطاني، لقاءً موسعاً في حضرموت مع قيادة السلطة المحلية برئاسة المحافظ سالم الخنبشي، وقيادات الكتلة البرلمانية ومجلس الشورى، ومرجعيات قبائل حضرموت، ومشايخ وأعيان الوادي والصحراء.

وأكد المحافظ الخنبشي أن زيارة الوفد السعودي تمثل دعامةً لأواصر الأخوة بين البلدين، مشيداً بمواقف المملكة الداعمة لحضرموت في هذه الظروف، بينما شدَّد رئيس الوفد السعودي على أن اللقاءات تأتي في إطار فرض التهدئة، ورفض أي تشكيلات عسكرية خارج نطاق الدولة، والحفاظ على أمن واستقرار المحافظة.

رئيس الوفد السعودي في حضرموت اللواء محمد القحطاني يلتقي قيادات قبلية ومحلية (سبأ)

وأشادت القيادات البرلمانية والقبلية بالموقف السعودي، عادّةً أن هذه التحركات تمثل تطميناً للمواطنين، وتؤكد الحرص على معالجة تداعيات دخول قوات من خارج المحافظة، والحفاظ على النسيج الاجتماعي.

في المقابل، نعت رئاسة هيئة الأركان العامة اليمنية عدداً من منتسبي المنطقة العسكرية الأولى، الذين سقطوا خلال مواجهات وصفتها بأنها اعتداءات نفَّذتها مجاميع تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، مشيرةً إلى سقوط 32 قتيلاً و45 جريحاً، إضافة إلى مفقودين، ومؤكدة التزام القوات المسلحة بواجباتها تحت قيادة الدولة ووفقاً للدستور والقانون.

وفي موقف سياسي لافت دعا أحمد علي عبد الله صالح، وهو النجل الأكبر للرئيس اليمني الأسبق، جميع الأطراف اليمنية، إلى وقف التصعيد وضبط النفس، والعودة إلى الحوار، محذِّراً من أن استمرار التوتر في المحافظات الشرقية لا يخدم استقرار البلاد، ولا جهود توحيد الصف في مواجهة الحوثيين والتنظيمات الإرهابية.