سلمان بن عبد العزيز.. جينات الحكم

تزامنًا مع زيارته التاريخية لأميركا

الملك الراحل  فهد بن عبد العزيز في حديث مع الشيخ الراحل عبد العزيز بن باز، والملك سلمان. ويظهر في الصورة الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز والأمير الراحل سطام بن عبد العزيز
الملك الراحل فهد بن عبد العزيز في حديث مع الشيخ الراحل عبد العزيز بن باز، والملك سلمان. ويظهر في الصورة الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز والأمير الراحل سطام بن عبد العزيز
TT

سلمان بن عبد العزيز.. جينات الحكم

الملك الراحل  فهد بن عبد العزيز في حديث مع الشيخ الراحل عبد العزيز بن باز، والملك سلمان. ويظهر في الصورة الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز والأمير الراحل سطام بن عبد العزيز
الملك الراحل فهد بن عبد العزيز في حديث مع الشيخ الراحل عبد العزيز بن باز، والملك سلمان. ويظهر في الصورة الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز والأمير الراحل سطام بن عبد العزيز

ما من شخصيّة معاصرة يستعيد السعوديون أسطورة دهائها ومناوراتها السياسية وما حالف خطواتها التوحيدية من حظّ وتوفيق، مثل شخصيّة مؤسس الدولة (الملك عبد العزيز 1883 - 1953) الذي كافح ثلاثة وخمسين عامًا من أجل توحيد بلاده، قضى نصفها في كرّ وفرّ، والنصف الثاني في بناء وتنظيم، واكتسب أبناؤه الستة والثلاثون معرفة وافية بتاريخه، وبالأحداث التي مرّت بالدولة منذ قيامها قبل ثلاثة قرون، والمراحل الثلاث التي اجتازتها، يضيفون إلى ذلك معرفة بجغرافيا الجزيرة العربية وبحاضرتها وباديتها وبموروثها من الشعر النبطي وبالتقاليد العربية، وحذقًا بمهارة القنص والفروسية ورقصة الحرب المتوارثة (العرضة) وهي مهارات تُـكتسب من خلال الهواية والممارسة منذ الصغر.
وقُدِر لابنه الخامس والعشرين سلمان - كغيره من إخوته - أن يُقارب في أسلوب حياته لمدرسة والده وعاداته، ويقترب من تاريخه، ويكتسب مهارة القيادة وهيبتها وإرث الاستحقاق للحكم من خلال فرص تراكميّة متنوّعة أُتيحت له عبر السنين، فكانوا جميعًا يشتركون بالاستعداد الفطري والشّبه في الملامح والعادات والتقاليد واللهجة والصوت، وهو أمر طبيعي بحكم الوراثة والبيئة التي نشأوا فيها والتربية المتجانسة التي تلقّوها قريبًا من والدهم، مما نتج عنه تقاربٌ في التكوين وتشابهٌ في نمط المعيشة وأسلوب الحياة. لقد تناول كثير من الباحثين - ومنهم فيلبي والزركلي والريحاني - بعضًا من ملامح شخصية الملك المؤسس، وظل الأبناء يستعيدونها في مجالسهم فخورين بأسلوبه الأبوي التربوي توجيهًا وممارسة، ويُقرّرون أن المدرسة الأولى التي تخرّجوا فيها كانت مدرسته، وروى بعضهم شيئا من ذكرياتهم معه، واقتصر أكثرهم على روايتها شفويًّا دون تسجيلها مصوّرة أو تدوينها مطبوعة.
كانت ولادة الملك سلمان في الرياض في مطلع عام 1936، وبدأت حياته السياسية والإدارية في منتصف الخمسينات نائبا عن أخيه الأمير الراحل نايف أمير منطقة الرياض آنذاك، وبعد عام تولّى إمارة الرياض بالأصالة مدة تربو على خمس سنوات انتهت باستقالته، ثم عاد بعد عامين في المنصب نفسه حاكمًا إداريًّا لمنطقة الرياض مدة تقارب خمسين عامًا، انتهت بتعيينه - بعد وفاة أخيه الأمير سلطان في أكتوبر (تشرين الأول) 2011 - وزيرا للدفاع ونائبا ثانيًا لرئيس مجلس الوزراء. وبعد رحيل ولي العهد الأمير نايف في يونيو (حزيران) 2012 اختير وليًّا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء، ثم ملكًا على البلاد في يناير (كانون الثاني) 2015 خلفًا للملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز.
من هنا، تتجلَى حصيلة خبراته الواسعة في شؤون الحكم المحلي، وكان - نتيجة مسؤوليّاته وموقعه الأُسَري وحنكته الذهنية، وبحكم موقعه أميرا للعاصمة والمنطقة المحيطة بها وسط البلاد - من أكثر أمراء المناطق التصاقًا بالملوك الستة السابقين الذين تعاقبوا على حكم المملكة العربية السعودية بدءًا بوالده الملك المؤسس عبد العزيز (المتوفّى سنة 1953) وقد جعلته المدة الطويلة التي أمضاها في هذا المنصب يرتبط في أذهان السعوديين بالخبرات الإدارية والتنموية والسياسية الواسعة التي اكتسبها في تلك الوظيفة، وبالنجاحات التي حققتها العاصمة على يديه، وبقربه من مركز صناعة القرار.
كانت الرياض العاصمة عندما تولّى مسؤولياتها بوصفه الحاكم الإداري لها، لا تتجاوز بضع مئات من الكيلومترات المربّعة، ولما أسلمها لخلفه من بعده - أخيه الأمير الراحل سطّام - كانت قد تجاوزت في اتساعها الأضعاف، وزاد عدد سكانها في خمسين عامًا من نحو مائة ألف إلى خمسة ملايين بنسبة نموّ سنوي مذهلة، لكن العبرة لم تكن في نموها الجغرافي والسكاني فحسب، بل في الجوانب العمرانية والتنموية النوعية التي تحققت فيها، وبعدد المؤسسات التعليمية والصحية والاقتصادية والترفيهية والثقافية التي تضمّها، فضلاً عن وجود هيئة تطوير تشرف على المشروعات الكبيرة فيها، منذ أن انتقلت الهيئات الدبلوماسية من جدة إلى الرياض قبل ثلاثة عقود.
ويطلّ مكتب أمير منطقة الرياض في قصر الحكم في وسط العاصمة، الذي مكث فيه الملك سلمان نحو خمسة عقود، على ساحة «الصفاة» التي يطلق عليها في التراث العربي «القصبة» أي مقر الحاكم، وكان والده وأجداده يسكنون في هذه المنطقة التاريخية المحاطة بسور يديرون منها شؤون البلاد، وقد خرجت مساكنها عن دائرة السور في أواخر عهد الملك عبد العزيز، أما مزارعها فقد أُنشئت داخل السور وخارجه منذ قديم الزمان، وكانت الرياض قد اتخذها جده الإمام تركي عاصمة للدولة السعودية الثانية في أواخر القرن الثامن عشر بدلاً من العاصمة التاريخية (الدرعية) التي دمّرها الأتراك سنة 1818، واستمر القصر حتى الآن يعرف بقصر الحكم تُقام فيه المناسبات الوطنية الكبرى من عزاء أو بيعة أو معايدة أو نحوها، وشهد هذا القصر كل الاستقبالات والحكايات التاريخية التي ترويها سيرة الملك عبد العزيز، وإلى جوار قصر الحكم هذا يوجد حصن تاريخي يطلق عليه قصر «المصمك» كان يستخدم سكنًا للحاكم، يعود بناؤه إلى نهاية القرن التاسع عشر، وتكمن شهرته في أن شرارة استعادة الرياض انطلقت منه عام 1902 ويُوظّف الآن مَعْـلمًا تراثيًّا وسياحيا يحكي قصة استرداد الرياض وقيام الدولة في حقبتها الثالثة المعاصرة، كما سُمي المسجد الرئيسي الكبير المرتبط بالقصر باسم مؤسس الرياض الإمام تركي (الجد الثاني للملك عبد العزيز وحفيد مؤسس الدولة السعودية عام 1775) وقد جُدّدت هذه المنطقة التاريخية عام 1999 بمناسبة الذكرى المئويّة لتأسيس المملكة العربية السعودية.
وبالإضافة إلى كفاياته الذهنية ومواهبه القيادية ومعارفه التاريخية الواسعة، مكَنته المدة الزمنية التي أمضاها حاكمًا إداريًا للمنطقة من أن يعرف تفاصيلها، ويحفظَ تاريخ تطوّرها، ويصبح خازنًا لوثائق نموّها، وهي ميزة تحتسب لمدرسة الاستمرار في الوظيفة عند توافر الكفاية، ذلك أنه كلما فرغ من برنامج تكشّف ما في ذهنه من برامج قادمة، حتى صار مع الأيام محرك التنمية الرئيسي، على أن اختصاصه بهذه المنطقة، ما كان ليحصر معرفته فيها وحدها، فهو المحيط بقدر كبير من المعلومات عن بقية المناطق من جازان ونجران إلى الخفجي وعرعر ووادي السرحان.
لقد مكّنته جاذبية الشخصيّة وعلاقاته الواسعة في الداخل والخارج، من أن يحتفظ بسجل طويل من الصلات مع المواطنين في شرق المملكة وغربها ومن خليج الجزيرة إلى بحرها الأحمر، ناهيك عن صلاته الوثيقة مع العرب والأجانب، وهو أمر لا يحوزه إلا الندرة من الحكام وولاة الأقاليم في العالم، واستطاع طيلة فترة إمارته للرياض - التي أمضى فيها قصة عشق قلّ أن يتكرر مثلها في مدن عالمية شبيهة ومن خلال شخصيّته وأسلوب إدارته ومثابرته على اللقاءات والمواعيد والزيارات والضيافات وعبر معرفة الأُسر والقبائل وفروع البادية، وملازمة الملوك السابقين - استطاع أن يُكرّس كثيرًا من السمات التي كان يتبعها والده وإخوته في ممارسة الحكم، فأصبحت تطبيقات سلمان تُـذكّر بما كان يتمّ في ساحة قصر الحكم من بطولات واستقبالات، حتى لكأن الزائر لهذه المنطقة التاريخية اليوم يشاهد فيلما وثائقيًّا يروي قصصًا تعود إلى قرون مضت، يوم أن كانت ساحة الصفاة تعجّ بركائب الوافدين وبالتبادلات التجارية.
وفي عام 2011 غادر سلمان منصبه الذي أحبّه، ليبدأ بعد وفاة الأمير سلطان التدرّج صعودًا نحو المناصب الأكثر سياديّة، فأصبح وزيرا للدفاع نائبا لرئيس مجلس الوزراء، وقد ترك - كما سلف - وراءه رواية لا تمّحى فصولها مع معشوقته (الرياض) التي جاب بعض الدول والمدن في العالم - ومنها أتلانتا وبوسطن ونيويورك ولوس أنجليس ودالاس وواشنطن - ليعرض فيها تجربتها التنموية.
وفي تقدير الكثيرين في المجتمع، أن من أبرز صفاته التي أحبها الشعب فيه محافظته على طبائع تكاد تذبل في عصرنا الحاضر، ومنها مباشرة أعماله في ساعات الصباح المبكر، والتزامه الدؤوب بلقاء المواطنين والمقيمين مرتين في اليوم، ومرة في داره في الأسبوع، في تطبيق عملي وحَرفي لسياسة «الباب المفتوح» التي طالما افتخرت بها الأنظمة والتكوينات الخليجية كافة، وامتازت على غيرها بها.
وتقليد «الباب المفتوح» هذا، مظهر يلقي بالمسؤولية على الحاكم والمحكوم معًا في تبادل الرأي والمشورة في قضايا المجتمع، ثم أصبح المقياس الأول في تقويم المواطنين للاستعداد النفسي لحاكم المنطقة للتعرّف على أحوال الناس، والاختبار الأبرز لجاهزيته القيادية، فعندما يُطرح اسم أمير إحدى المناطق الإدارية السعودية الثلاث عشرة للتداول بين الناس يكون السؤال الأهم الذي يتصدر النقاش عنه هو عن مدى الأخذ بهذا المبدأ والحفاظ عليه، ويكون تطبيقه هو المعيار الأبرز في الحكم على قدراته ونجاحاته.
على الصعيد الثقافي، يرتبط المثقّفون بصلات وثيقة معه، حيث يجري على ألسنتهم لقب «صديق الإعلاميين» الذين تعوّدوا أن يتلقّوا اتصالات منه، تكون غالبا في ساعات الصباح المبكر بعد أن يكون قد سهر على قراءة كتبهم ليلاً أو اطَلع على مقالاتهم المنشورة صباحًا - فيبدي رأيه بما كتبوا، ثناءً أو نقدًا أو توضيحًا أو تعليقًا.
إن صحائف بالعشرات يمكن أن تضاف إلى سيرة الملك سلمان التي لم تكتب بعدُ ولم يسعَ إلى تدوينها، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو عن المؤثرات التي صاغت فكره وشخصيّته وساعدت في تكوين مفاتيحها، وفي ظني أنها - بالإضافة إلى استعداده الفطري والذهني وإلى قراءاته العميقة في سيرة والده - تمثّلت في المنهج الفكري والسياسي المتقارب لإخوته الذين لازمهم طويلاً واطلع عن قرب على فكرهم السياسي وغرف من أساليبهم في معالجة الأمور الاجتماعية، فهو يجمع بين الفهم التنويري للتديّن، والتناغم المتوازن بين الثابت والمتغيّر، والتدرّج في الإصلاح والانفتاح، وترسيخ التقاليد المحافظة التي قامت عليها البلاد، ولو تأمّلنا فيها مليًّا لوجدنا أنها نبعت من مكوّنات شخصيّة والدهم الراحل، كما يمكن القول إنه بقدر ما كرّس عبر العقود تقاليد والده وقيَم الأسرة المالكة، فإنه أسس لأنماط متجدّدة من «البروتوكولات» الاجتماعية التي تستند إلى مخزون من التراث والأصالة في بيئة الجزيرة العربية.
وأما المقوّم الثاني، فهو رئاسته لمجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، المركز التوثيقي والبحثي الأول لحفظ تاريخ الجزيرة العربية والمملكة العربية السعودية وسيرة مؤسسها والأسرة المالكة، فلقد يسّر له الاقتراب المباشر مع الدارة أن يمارس هوايته في ألا يترك كتابًا تطرّق كليًّا أو جزئيًّا إلى سيرة الملك المؤسس والدولة السعودية إلا وأحاط به أو علّق على ما فيه، حتى صار يحفظ تراث البلاد حفظًا علميًّا، يتتبع من خلاله ما كتب عنه، ويُفنّد أي التباسات تحيط بسيرة رجالاتها، ويُوجّه بإجراء البحوث حول أي غموض يحتاج إلى استقصاء، وأتاح له ولعه بالقراءة السريعة فرصة الإحاطة بما يرغب الاطلاع عليه سواءً من الكتب أو من المقالات، مشيرًا في هذا السياق إلى مكتبته الخاصة الثريّة بالكتب والوثائق، يتناوب موظفوها بين تنظيم محتوياتها والتنقّل بالقرب منه لتلبية متطلباته وكل أبنائه للقراءة أو للتنقيب عن معلومة.
هذه بضع إضاءات على سيرته أميرا، فماذا عسى أن يُقال عن بضعة أشهُر أمضاها ملكًا، وقد فاجأ المجتمع منذ يومه الأول بقرارات حاسمة تُعزّز الحزم، وتجسّد خبراته التراكمية، وتنبئ عن وعي بمحيطه وفهم لمجتمعه واستيعاب لواقعه العربي، وتفجّرت قريحته عن إصرار على تجديد كيان الدولة بدماء شابة، وعلى تحديث بيئة القضاء والتعليم ومفاصل الإدارة والخدمات بروح وثّابة وطاقات غير متثائبة، وعلى توجّه نحو تغيير المعادلة التقليدية وموازين القوة في الشرق الأوسط، وهو ما يبشر بأن السعودية أمام عهد جديد يرتكز على مبادئ الماضي وتباشير المستقبل.
ولا تكتمل هذه اللمحات دون الإشارة إلى سمات البعد الإنساني في شخصيّته، وهو شأن جدير بمقال مستقل، أستدعي منها ثلاث سِمَات ؛ أولها حجم الشفاعات الخفيّة والظاهرة التي يتوسّط بها لحل النزاعات بين الفرقاء، مما قد يُفضي نجاح الصلح فيها إلى درء القصاص فيما لو وصلت إلى منابر القضاء، وما كان المجتمع ليستجيب لمثل هذه الشفاعات لولا «الكاريزما» الرزينة التي اعتمرها في القلوب منذ أن تبوأ منصّة العاصمة في خمسينات القرن الماضي.
الثانية: سمة الوفاء وهي من أكثر المناقب الواضحة فيه، فمن طبعه أن يستذكر ما كان لأسرة من يقابله من دور في بناء البلاد، وقد أفادته قراءاته ومعرفته بالتاريخ في إنزال الناس منازلهم وفي تقدير جهودهم، وبخاصة فيما يتصل بتأسيس الدولة.
وأما الثالثة؛ فهي ما يتحلّى به من حب الدعابات المرحة التي يشعّ بها مُحيّاه حينما يستقبل عارفيه، وأحسب أن تلك الابتسامات الحميمة لم تكن لتُخفي حزنه الأبوي الدفين بفقد نجليه؛ فهد وأحمد في عامين متتاليين (2001 و2002).

* إعلامي وباحث سعودي



إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
TT

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)

قال مصدران في دولتين من أعضاء اتحاد البث الأوروبي، لوكالة «رويترز»، إن إسرائيل ستتمكن من المشاركة في مسابقة «يوروفيجن» 2026، بعد أن قرر أعضاء الاتحاد، اليوم (الخميس)، عدم الدعوة إلى التصويت بشأن مشاركتها، رغم تهديدات بمقاطعة المسابقة من بعض الدول.

وذكر المصدران أن الأعضاء صوتوا بأغلبية ساحقة لدعم القواعد الجديدة التي تهدف إلى ثني الحكومات والجهات الخارجية عن الترويج بشكل غير متكافئ للأغاني للتأثير على الأصوات، بعد اتهامات بأن إسرائيل عززت مشاركتها هذا العام بشكل غير عادل.

انسحاب 4 دول

وأفادت هيئة البث الهولندية (أفروتروس)، اليوم (الخميس)، بأن هولندا ستقاطع مسابقة «يوروفيجن» 2026؛ احتجاجاً على مشاركة إسرائيل.

وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن إسبانيا انسحبت من مسابقة «يوروفيجن» للأغنية لعام 2026، بعدما أدت مشاركة إسرائيل إلى حدوث اضطراب في المسابقة.

كما ذكرت شبكة «آر تي إي» الآيرلندية أن آيرلندا لن تشارك في المسابقة العام المقبل أو تبثها، بعد أن قرر أعضاء اتحاد البث الأوروبي عدم الدعوة إلى تصويت على مشاركة إسرائيل.

وقال تلفزيون سلوفينيا الرسمي «آر تي في» إن البلاد لن تشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2026، بعد أن رفض أعضاء اتحاد البث الأوروبي اليوم (الخميس) دعوة للتصويت على مشاركة إسرائيل.

وكانت سلوفينيا من بين الدول التي حذرت من أنها لن تشارك في المسابقة إذا شاركت إسرائيل، وفقاً لوكالة «رويترز».

وقالت رئيسة تلفزيون سلوفينيا الرسمي ناتاليا غورشاك: «رسالتنا هي: لن نشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) إذا شاركت إسرائيل. نيابة عن 20 ألف طفل سقطوا ضحايا في غزة».

وكانت هولندا وسلوفينيا وآيسلندا وآيرلندا وإسبانيا طالبت باستبعاد إسرائيل من المسابقة؛ بسبب الهجوم الذي تشنّه على المدنيين الفلسطينيين في غزة.

وتنفي إسرائيل استهداف المدنيين خلال هجومها، وتقول إنها تتعرض لتشويه صورتها في الخارج على نحو تعسفي.


صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب
TT

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم والموسيقيين إلى معزوفاتهم، والعشاق إلى براري صباباتهم النائية. والأدل على تعلق البشرفي عصورهم القديمة بالجمال، هو أنهم جعلوا له آلهة خاصة به، ربطوها بالشهوة تارة وبالخصب تارة أخرى، وأقاموا لها النصُب والمعابد والتماثيل، وتوزعت أسماؤها بين أفروديت وفينوس وعشتروت وعشتار وغير ذلك.

وحيث كان الجمال ولا يزال، محلّ شغف الشعراء والمبدعين واهتمامهم الدائم، فقد انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع، وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغاني. كما تلمّسته النظرات الذاهلة للواقعين في أشراكه، بأسئلة ومقاربات ظلت معلقة أبداً على حبال الحيرة والقلق وانعدام اليقين. وقد بدا ذلك القلق واضحاً لدى الشاعر الروماني أوفيد الذي لم يكد يُظهر شيئاً من الحكمة والنضج، حين دعا في ديوانه «الغزليات» الشبان الوسيمين إلى أن «يبدعوا لأنفسهم روحاً مشرقة صيانةً لجمالهم»، حتى أوقعه الجمال المغوي بنماذجه المتعددة في بلبلة لم يعرف الخروج منها، فكتب يقول: «لا يوجد جمال محدد يثير عاطفتي، هنالك آلاف الأسباب تجعلني أعيش دائماً في الحب، سواء كنت أذوب حباً في تلك الفتاة الجميلة ذات العينين الخجولتين، أو تلك الفتاة اللعوب الأنيقة التي أولعتُ بها لأنها ليست ساذجة. إحداهن تخطو بخفة وأنا أقع في الحب مع خطوتها، والأخرى قاسية ولكنها تغدو رقيقة بلمسة حب».

على أن الجمال الذي يكون صاعقاً وبالغ السطوة على نفوس العاجزين عن امتلاكه، يفقد الكثيرمن تأثيراته ومفاعيله في حالة الامتلاك. ذلك أن امتناع المتخيل عن تأليف صورة الآخر المعشوق، تحرم هذا الأخير من بريقه الخلاب المتحالف مع «العمى»، وتتركه مساوياً لصورته المرئية على أرض الواقع. وفضلاً عن أن للجمال طابعه النسبي الذي يعتمد على طبيعة الرائي وثقافته وذائقته، فإن البعض يعملون على مراوغة مفاعيله المدمرة عن طريق ما يعرف بالهجوم الوقائي، كما هو شأن الشعراء الإباحيين، وصيادي العبث والمتع العابرة، فيما يدرب آخرون أنفسهم على الإشاحة بوجوههم عنه، تجنباً لمزالقه وأهواله. وهو ما عبر عنه الشاعر الإنجليزي جورج ويذر المعاصر لشكسبير، بقوله:

«هل عليّ أن أغرق في اليأس

أو أموت بسبب جمال امرأة

لتكن أجمل من النهار ومن براعم أيار المزهرة

فما عساني أبالي بجمالها إن لم تبدُ كذلك بالنسبة لي».

وإذ يعلن روجر سكروتون في كتابه «الجمال» أن على كل جمال طبيعي أن يحمل البصمة البصرية لجماعة من الجماعات، فإن الشاعر الإنجليزي الرومانسي وردسوورث يعلن من جهته أن علينا «التطلع إلى الطبيعة ليس كما في ساعة الشباب الطائشة، بل كي نستمع ملياً للصوت الساكن الحزين للإنسانية».

والأرجح أن هذا الصوت الساكن والحزين للجمال يعثر على ضالته في الملامح «الخريفية» الصامتة للأنوثة المهددة بالتلاشي، حيث النساء المعشوقات أقرب إلى النحول المرضي منهن إلى العافية والامتلاء. وقد بدوْن في الصور النمطية التي عكستها القصائد واللوحات الرومانسية، مشيحات بوجوههن الشاحبة عن ضجيج العصر الصناعي ودخانه السام، فيما نظراتهن الزائغة تحدق باتجاه المجهول. وإذا كان بعض الشعراء والفنانين قد رأوا في الجمال الساهم والشريد ما يتصادى مع تبرمه الشديد بالقيم المادية للعصر، وأشاد بعضهم الآخر بالجمال الغافي، الذي يشبه «سكون الحسن» عند المتنبي، فقد ذهب آخرون إلى التغني بالجمال الغارب للحبيبة المحتضرة أو الميتة، بوصفه رمزاً للسعادة الآفلة ولألق الحياة المتواري. وهو ما جسده إدغار آلان بو في وصفه لحبيبته المسجاة بالقول: «لا الملائكة في الجنة ولا الشياطين أسفل البحر، بمقدورهم أن يفرقوا بين روحي وروح الجميلة أنابيل لي، والقمر لا يشع أبداً دون أن يهيئ لي أحلاماً مناسبة عن الجميلة أنابيل لي، والنجوم لا ترتفع أبداً، دون أن أشعر بالعيون المتلألئة للجميلة أنابيل لي».

لكن المفهوم الرومانسي للجمال سرعان ما أخلى مكانه لمفاهيم أكثر تعقيداً، تمكنت من إزالة الحدود الفاصلة بينه وبين القبح، ورأت في هذا الأخير نوعاً من الجمال الذي يشع من وراء السطوح الظاهرة للأشياء والكائنات. إنه القبح الذي وصفه الفيلسوف الألماني فريدريك شليغل بقوله «القبح هو الغلبة التامة لما هو مميز ومتفرد ومثير للاهتمام. إنه غلبة البحث الذي لا يكتفي، ولا يرتوي من الجديد والمثير والمدهش». وقد انعكس هذا المفهوم على نحو واضح في أعمال بودلير وكتاباته، وبخاصة مجموعته «أزهار الشر» التي رأى فيها الكثيرون المنعطف الأهم باتجاه الحداثة. فالشاعر الذي صرح في تقديمه لديوانه بأن لديه أعصابه وأبخرته، وأنه ليس ظامئاً إلا إلى «مشروب مجهول لا يحتوي على الحيوية أو الإثارة أو الموت أو العدم»، لم يكن معنياً بالجمال الذي يؤلفه الوجود بمعزل عنه، بل بالجمال الذي يتشكل في عتمة نفسه، والمتأرجح أبداً بين حدي النشوة والسأم، كما بين التوله بالعالم والزهد به.

وليس من المستغرب تبعاً لذلك أن تتساوى في عالم الشاعر الليلي أشد وجوه الحياة فتنة وأكثرها قبحاً، أو أن يعبر عن ازدرائه لمعايير الجمال الأنثوي الشائع، من خلال علاقته بجان دوفال، الغانية السوداء ذات الدمامة الفاقعة، حيث لم يكن ينتظره بصحبتها سوى الشقاء المتواصل والنزق المرَضي وآلام الروح والجسد. وليس أدل على تصور بودلير للجمال من قوله في قصيدة تحمل الاسم نفسه:

«أنا جميلة، أيها الفانون، مثل حلمٍ من الحجر

وصدري الذي أصاب الجميع بجراح عميقة

مصنوعٌ لكي يوحي للشاعر بحب أبدي وصامت كالمادة

أنا لا أبكي أبداً وأبداً لا أضحك».

وكما فعل آلان بو في رثائه لجمال أنابيل لي المسجى في عتمة القبر، استعار رامبو من شكسبير في مسرحيته «هاملت» صورة أوفيليا الميتة والطافية بجمالها البريء فوق مياه المأساة، فكتب قائلاً: «على الموج الأسود الهادئ، حيث ترقد النجوم، تعوم أوفيليا البيضاء كمثل زنبقة كبيرة. بطيئاً تعوم فوق برقعها الطويل، الصفصاف الراجف يبكي على كتفيها، وعلى جبينها الحالم الكبير ينحني القصب». وإذا كان موقف رامبو من الجمال قد بدا في بعض نصوصه حذراً وسلبياً، كما في قوله «لقد أجلست الجمال على ركبتيّ ذات مساء، فوجدت طعمه مراً» فهو يعود ليكتب في وقت لاحق «لقد انقضى هذا، وأنا أعرف اليوم كيف أحيّي الجمال».

ورغم أن فروقاً عدة تفصل بين تجربتي بودلير ورامبو من جهة، وتجربة الشاعر الألماني ريلكه من جهة أخرى، فإن صاحب «مراثي دوينو» يذهب بدوره إلى عدّ الجمال نوعاً من السلطة التي يصعب الإفلات من قبضتها القاهرة، بما دفعه إلى استهلال مراثيه بالقول:

«حتى لو ضمني أحدهم فجأة إلى قلبه

فإني أموت من وجوده الأقوى

لأن الجمال بمثابة لا شيء سوى بداية الرعب

وكلُّ ملاكٍ مرعب».

انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغانيrnولا يزال الشغف به مشتعلاً

وفي قصيدته «كلمات تصلح شاهدة قبر للسيدة الجميلة ب»، يربط ريلكه بين الجمال والموت، مؤثراً التماهي من خلال ضمير المتكلم، مع المرأة الراحلة التي لم يحل جمالها الباهر دون وقوعها في براثن العدم، فيكتب على لسانها قائلاً: «كم كنتُ جميلة، وما أراه سيدي يجعلني أفكر بجمالي. هذه السماء وملائكتك، كانتا أنا نفسي».

أما لويس أراغون، أخيراً، فيذهب بعيداً في التأويل، حيث في اللحظة الأكثر مأساوية من التاريخ يتحول الجمال مقروناً بالحب، إلى خشبة أخيرة للنجاة من هلاك البشر الحتمي. وإذا كان صاحب «مجنون إلسا» قد جعل من سقوط غرناطة في قبضة الإسبان، اللحظة النموذجية للتماهي مع المجنون، والتبشير بفتاته التي سيتأخر ظهورها المحسوس أربعة عقود كاملة، فلأنه رأى في جمال امرأته المعشوقة، مستقبل الكوكب برمته، والمكافأة المناسبة التي يستحقها العالم، الغارق في يأسه وعنفه الجحيمي. ولذلك فهو يهتف بإلسا من أعماق تلهفه الحائر:

« يا من لا شبيه لها ويا دائمة التحول

كلُّ تشبيه موسوم بالفقر إذا رغب أن يصف قرارك

وإذا كان حراماً وصفُ الجمال الحي

فأين نجد مرآة مناسبة لجمال النسيان».


فخار مليحة

فخار مليحة
TT

فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة. بدأ استكشاف هذا الموقع في أوائل السبعينات من القرن الماضي، في إشراف بعثة عراقية، وتوسّع في السنوات اللاحقة، حيث تولت إدارة الآثار في الشارقة بمشاركة بعثة أثرية فرنسية مهمة إجراء أعمال المسح والتنقيب في هذا الحقل الواسع، وكشفت هذه الحملات عن مدينة تضم أبنية إدارية وحارات سكنية ومدافن تذكارية. دخلت بعثة بلجيكية تابعة لمؤسسة «المتاحف الملكية للفن والتاريخ» هذا الميدان في عام 2009، وسعت إلى تحديد أدوار الاستيطان المبكرة في هذه المدينة التي ازدهرت خلال فترة طويلة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الرابع للميلاد، وشكّلت مركزاً تجارياً وسيطاً ربط بين أقطار البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي ووادي الرافدين.

خرجت من هذا الموقع مجموعات متعدّدة من اللقى تشهد لهذه التعدّدية الثقافية المثيرة، منها مجموعة من القطع الفخارية صيغت بأساليب مختلفة، فمنها أوانٍ دخلت من العالم اليوناني، ومنها أوانٍ من جنوب بلاد ما بين النهرين، ومنها أوانٍ من حواضر تنتمي إلى العالم الإيراني القديم، غير أن العدد الأكبر من هذه القطع يبدو من النتاج المحلّي، ويتبنّى طرازاً أطلق أهل الاختصاص عليه اسم «فخار مليحة». يتمثّل هذا الفخار المحلّي بقطع متعدّدة الأشكال، منها جرار متوسطة الحجم، وجرار صغيرة، وصحون وأكواب متعدّدة الأشكال، وصل جزء كبير منها على شكل قطع مكسورة، أُعيد جمع بعض منها بشكل علمي رصين. تعود هذه الأواني المتعدّدة الوظائف إلى الطور الأخير من تاريخ مليحة، الذي امتدّ من مطلع القرن الثاني إلى منتصف القرن الثالث للميلاد، وتتميّز بزينة بسيطة ومتقشّفة، قوامها بضعة حزوز ناتئة، وشبكات من الزخارف المطلية بلون أحمر قانٍ يميل إلى السواد. تبدو هذه الزينة مألوفة، وتشكّل من حيث الصناعة والأسلوب المتبع امتداداً لتقليد عابر للأقاليم والحواضر، ازدهر في نواحٍ عدة من الجزيرة العربية منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد.

تختزل هذا الطراز جرة جنائزية مخروطية ذات عنق مدبب، يبلغ طولها 30.8 سنتيمتر، وقطرها 22 سنتيمتراً. عنق هذه الجرة مزين بأربع دوائر ناتئة تنعقد حول فوهتها، تقابلها شبكة من الخطوط الأفقية الغائرة تلتف حول وسطها، وبين هذه الدوائر الناتئة وهذه الخطوط الغائرة، تحلّ الزينة المطلية باللون الأحمر القاتم، وقوامها شبكة من المثلثات المعكوسة، تزين كلاً منها سلسلة من الخطوط الأفقية المتوازية. تشهد هذه الجرة لأسلوب متبع في التزيين يتباين في الدقّة والإتقان، تتغيّر زخارفه وتتحوّل بشكل مستمرّ.

تظهر هذه التحوّلات الزخرفية في قطعتين تتشابهان من حيث التكوين، وهما جرتان مخروطيتان من الحجم الصغير، طول أكبرهما حجماً 9.8 سنتيمتر، وقطرها 8.5 سنتيمتر. تتمثّل زينة هذه الشبكة بثلاث شبكات مطليّة، أولاها شبكة من الخطوط الدائرية الأفقية تلتف حول القسم الأسفل من عنقها، وتشكّل قاعدة له، ثمّ شبكة من المثلثات المعكوسة تنعقد حول الجزء الأعلى من حوض هذا الإناء، وتتميّز بالدقة في الصوغ والتخطيط. تنعقد الشبكة الثالثة حول وسط الجرّة، وهي أكبر هذه الشبكات من حيث الحجم، وتتكوّن من كتل هرمية تعلو كلاً منها أربعة خطوط أفقية متوازية. في المقابل، يبلغ طول الجرة المشابهة 9 سنتيمترات، وقطرها 7.5 سنتيمتر، وتُزيّن وسطها شبكة عريضة تتكون من أنجم متوازية ومتداخلة، تعلو أطراف كلّ منها سلسلة من الخطوط الأفقية، صيغت بشكل هرمي. تكتمل هذه الزينة مع شبكة أخرى تلتفّ حول القسم الأعلى من الجرة، وتشكّل عقداً يتدلى من حول عنقها. ويتكوّن هذا العقد من سلسلة من الخطوط العمودية المتجانسة، مرصوفة على شكل أسنان المشط.

تأخذ هذه الزينة المطلية طابعاً متطوّراً في بعض القطع، أبرزها جرة من مكتشفات البعثة البلجيكية في عام 2009، وهي من الحجم المتوسط، وتعلوها عروتان عريضتان تحيطان بعنقها. تزين هذا العنق شبكة عريضة من الزخارف، تتشكل من مثلثات متراصة، تكسوها خطوط أفقية متوازية. يحد أعلى هذه الشبكة شريط يتكوّن من سلسلة من المثلثات المجردة، ويحدّ أسفلها شريط يتكوّن من سلسلة من الدوائر اللولبية. تمتد هذه الزينة إلى العروتين، وقوامها شبكة من الخطوط الأفقية المتوازية.

من جانب آخر، تبدو بعض قطع «فخار مليحة» متقشّفة للغاية، ويغلب عليها طابع يفتقر إلى الدقّة والرهافة في التزيين. ومن هذه القطع على سبيل المثال، قارورة كبيرة الحجم، صيغت على شكل مطرة عدسية الشكل، تعلوها عروتان دائريتان واسعتان. يبلغ طول هذه المطرة 33.5 سنتيمتر، وعرضها 28 سنتيمتراً، وتزيّن القسم الأعلى منها شبكة من الخطوط المتقاطعة في الوسط على شكل حرف «إكس»، تقابلها دائرة تستقر في وسط الجزء الأسفل، تحوي كذلك خطين متقاطعين على شكل صليب.

يُمثل «فخار مليحة» طرازاً من أطرزة متعددة تتجلّى أساليبها المختلفة في مجموعات متنوّعة من اللقى، عمد أهل الاختصاص إلى تصنيفها وتحليلها خلال السنوات الأخيرة. تتشابه هذه اللقى من حيث التكوين في الظاهر، وتختلف اختلافاً كبيراً من حيث الصوغ. يشهد هذا الاختلاف لحضور أطرزة مختلفة حضرت في حقب زمنية واحدة، ويحتاج كل طراز من هذه الأطرزة إلى وقفة مستقلّة، تكشف عن خصائصه الأسلوبية ومصادر تكوينها.