مقديشو تستضيف معرضًا دوليًا للكتاب لأول مرة منذ أكثر من عشرين عامًا

يحضره كتاب ومثقفون وروائيون وشعراء صوماليون

جانب من معرض الكتاب في مقديشو، طفلة تعرض كتابًا من داخل المعرض
جانب من معرض الكتاب في مقديشو، طفلة تعرض كتابًا من داخل المعرض
TT

مقديشو تستضيف معرضًا دوليًا للكتاب لأول مرة منذ أكثر من عشرين عامًا

جانب من معرض الكتاب في مقديشو، طفلة تعرض كتابًا من داخل المعرض
جانب من معرض الكتاب في مقديشو، طفلة تعرض كتابًا من داخل المعرض

كان سكان العاصمة الصومالية على موعد مع أكبر حدث ثقافي يقام في المدينة منذ أكثر من عشرين عامًا، ذلك هو معرض مقديشو الدولي للكتاب الذي سبقته ورافقته حملة إعلانية ترويجية ضخمة على مدى أكثر من شهر ويستضيف المعرض عشرات من الكتاب والمثقفين والروائيين والشعراء الصوماليين من الداخل والخارج، حيث تعرض أعمالهم الأدبية ويوقعون على مؤلفاتهم.
ويقول محمد ديني رئيس اللجنة المنظمة للمعرض لـ«الشرق الأوسط»، إن «عدد زوار المعرض فاق المتوقع في الأيام الأولي، وتزيد العناوين المعروضة عن ألفي عنوان، وهذا عدد معقول بالنسبة لهذا الحدث الذي يقام لأول مرة منذ سنوات طويلة».
وتهيمن المؤلفات المكتوبة باللغة الصومالية على المعرض، مع حضور أقل للكتب المكتوبة باللغة الإنجليزية والعربية، ويقول رئيس اللجنة المنظمة للمعرض إن «الدورات القادمة ستشهد تنوعًا في اللغات كما سيتم استضافة دور نشر عربية وأجنبية لجعل معرض مقديشو للكتاب مناسبة منتظرة في كل عام وفي صدارة الأجندة الثقافية في البلاد».
وتحظى القاعات الذي يتحدث فيها كبار الكتاب الصوماليين بحضور شبابي كبير، فهناك عدد من الكتاب المرموقين المقيمين في المهجر الذين يزور بعضهم العاصمة منذ وقت طويل، ومن بين الأسماء الكبيرة التي حضرت المعرض الكاتب الصومالي أحمد فارح علي المعروف بـ«إذا جاء» والبروفسور عبد الله عمر منصور، والدكتور عمر شيغو، وسعيد صالح أحمد وزهرة كوشن، وآخرون.
ويعزو خالد حسن وهو شاب جامعي التقته «الشرق الأوسط» في المعرض كثافة الحضور الشبابي إلى زيادة عدد الجامعات في مقديشو التي تزيد على الخمسين جامعة، ويدرس فيها آلاف الطلبة الذين لم تتح لهم الفرصة لزيارة معرض واحد للكتاب خلال سنوات دراستهم. وكان المعرض أيضًا فرصة مهمة لدور النشر المحلية الناشئة لعرض إنتاجها خلال السنوات الماضية، حيث احتلت الروايات الأدبية للشباب صدارة العناوين المعروضة.
وتواكب معرض مقديشو الدولي للكتاب، فعاليات عدة من بينها معرض للصور والأفلام القصيرة، وأمسيات للشعر والفنون الشعبية وكذلك العروض الموسيقية. وتصدرت أعمال المصورة والمدونة الصومالية زهرة قرني معرض الصور الفوتوغرافية المقام على هامش معرض مقديشو الدولي للكتاب. وقد أطلقت هذه المصورة منذ ثلاث سنوات مشروعًا تسميه «الوجه الآخر لمقديشو» تحاول فيه تغيير الصورة النمطية للمدينة في وسائل الإعلام الدولية كمكان للحرب والدمار والاقتتال.
وتقول زهرة في حديث إلى «الشرق الأوسط»، إنها التقطت أربعة آلاف صورة خلال السنوات الثلاث الماضية، ونشرت كثيرًا منها في مواقعها على وسائل التواصل الاجتماعي وتداولتها صحف دولية شهيرة، لكن المعروض منها في معرض مقديشو للكتاب هو نماذج مختارة من هذه الصور التي تعكس الحياة العادية لسكان مقديشو، وتضيف أنها تريد من خلال هذه الصور إيصال رسالة إلى العالم الخارجي بأن الحياة في مقديشو جميلة وطبيعية كغيرها من العواصم العالمية، وأن الصورة السلبية النمطية عنها لا تمثل إلا جانبًا صغيرًا من الحياة هنا. وتحظي مواقع زهرة قرني على «فيسبوك» و«إنستغرام» على نسبة متابعة تداول عالية للصور التي تنشرها عن الحياة في مقديشو.
وقد اجتذب الطفل أبو بكر عبد الله (16 عامًا)، أنظار زوار المعرض كونه أصغر كاتب يشارك في معرض مقديشو الدولي للكتاب بأربعة مؤلفات، وعمره لَمْ يتجاوز السادسة عشرة. وأظهر أبو بكر الذي يعيش مع أسرته في مقديشو شغفًا بالقراءة والكتابة وهو في المرحلة الابتدائية ويحلم بأن يصبح كاتبًا مرموقًا في المستقبل. ويقول أبو بكر عن نفسه إنه ألف ستة كتب، أربعة منها في المعرض، تتناول قضايا مختلفة منها الأمل، والمرأة، والأطفال المشردين، ويعبر عن سعادته بالمشاركة في المعرض لأنه يتيح له فرصة ليتعرف القراء الصوماليون على إنتاجه.
ويمثل معرض مقديشو الدولي للكتاب لكثير من المهتمين بالقضايا الثقافية فرصة للتعرف على الاتجاهات الأدبية في البلاد خلال سنوات الحرب في الصومال، وأيضًا فرصة للتعارف بين أجيال المثقفين الذين باعدت بينهم الأوضاع السياسية المتقلبة في البلاد خلال السنوات الماضية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».