قيادات إخوانية {منشقة} تعد بمفاجأة في مصر مع {متمردي} شباب الإخوان

حالة سخط داخلية.. ونصف أعضاء الجماعة يرفضون دخول الانتخابات الرئاسية وبقوا في بيوتهم بعد سقوط مرسي

مصري يطالب بإعدام قادة الإخوان أمام أكاديمية الشرطة بالقاهرة مقر جلسات محاكمة مرسي

د. كمال الهلباوي

حسين عبد الرحمن

د. إبراهيم الزعفراني

أحمد بان
مصري يطالب بإعدام قادة الإخوان أمام أكاديمية الشرطة بالقاهرة مقر جلسات محاكمة مرسي د. كمال الهلباوي حسين عبد الرحمن د. إبراهيم الزعفراني أحمد بان
TT

قيادات إخوانية {منشقة} تعد بمفاجأة في مصر مع {متمردي} شباب الإخوان

مصري يطالب بإعدام قادة الإخوان أمام أكاديمية الشرطة بالقاهرة مقر جلسات محاكمة مرسي

د. كمال الهلباوي

حسين عبد الرحمن

د. إبراهيم الزعفراني

أحمد بان
مصري يطالب بإعدام قادة الإخوان أمام أكاديمية الشرطة بالقاهرة مقر جلسات محاكمة مرسي د. كمال الهلباوي حسين عبد الرحمن د. إبراهيم الزعفراني أحمد بان

كشفت قيادات إخوانية سابقة في تنظيم الإخوان المسلمين عن وجود تحركات جدية داخل صفوف جماعة الإخوان للتمرد والخروج على أوامر السمع والطاعة لقيادات الجماعة وهو ما تمثل في حدوث تصدعات جديدة وانشقاقات جماعية في صورة أحزاب وحركات أعلنت عن نفسها مؤخرا، منها حركة إخوان بلا عنف التي تكونت عقب أحداث 30 يونيو وحزب التيار المصري تحت التأسيس الذي شكله مجموعة من شباب الإخوان الذين خرجوا خروجا كاملا عن الجماعة وقياداتها.
وعلى الرغم من أنها ليست الحالة الأولى للانشقاق على الجماعة وقياداتها حيث سبقتها محاولات من أبو العلا ماضي وعبد المنعم أبو الفتوح اللذين انشقا على الجماعة بشكل درامي وكونا حزبي الوسط ومصر القوية على الترتيب، على الرغم مما سبق فإن ما كشفته قيادات إخوانية لـ«الشرق الأوسط» من حالة تململ وإحباط وغضب داخل الجماعة يؤكد ما يتردد في الكواليس عن وجود تمرد في صفوف الإخوان سيما في الأوساط الشبابية التي سادت بينها الرغبة في الاستقلالية عن الجماعة والتمرد على أفكارها وهو ما يعتبره المراقبون هدما لمبدأ السمع والطاعة الذي قامت الجماعة على أساسه وضمن لها البقاء طوال الفترة الماضية، الأمر الذي يثير سؤالا ملحا حول ما تمثله تلك التحركات الداخلية للإخوان المتمردين من تهديد للجماعة الأم سيما في ظل تأكيد القيادي الإخواني الدكتور كمال الهلباوي لـ«الشرق الأوسط» عن وجود مفاجأة كبرى يعد لها مع شباب الإخوان والمنشقين على الجماعة.

تشهد جماعة الإخوان المسلمين، التي حظرت أخيرا وتصنيفها ضمن الجماعات الإرهابية، حالات تصدع وانشقاقات داخلية بعضها انشقاقات هادئة أو صامتة آثرت الانزواء والبعد عن الأضواء بينما أعلن البعض الآخر تمرده صراحة على الجماعة وخروجه خروجا كاملا على تعاليمها وتشكيل كيانات سياسية بديلة.
«أنصار محمد» كانت الخروج الجماعي الكبير الأول على جماعة الإخوان المسلمين في عهد الشيخ حسن البنا وكان ذلك عام 1939 عندما قرر محمد عطية خميس الانشقاق مع مجموعة من الرافضين لأوامر حسن البنا وفضوا بيعتهم له وكان من بينهم الشيخ حافظ سلامة قائد المقاومة الشعبية آنذاك. لتتوالى بعد ذلك الانشقاقات في فترتي الخمسينات والستينات من قبل رموز الإخوان، وكان من أبرزهم الشيخ حسن الباقوري وزير الأوقاف الأسبق ورئيس جامعة الأزهر الأسبق، الذي كان أخطر انفصال لأحد كوادر الجماعة عندما فصل بقرار فردي من المرشد حسن الهضيبي بسبب قبوله وزارة الأوقاف وهو الانشقاق الذي صاحبه خروج عدد كبير من القيادات منهم الشيخ محمد الغزالي والدكتور عبد العزيز كامل، والشيخ عبد المعز عبد الستار. ثم جاءت مرحلة انشقاق أبو العلا ماضي في نهاية الثمانينات من القرن الماضي وقيامه بتشكيل حزب الوسط مع كوادر إخوانية منشقة أعقبه واقعة الخروج الشهير للقيادي ثروت الخرباوي عام 2002 عن الجماعة وكشفه بعض أسرارها التي دعته للانشقاق عليها والتي تواكبت مع قرار تجميد عضوية القيادي مختار نوح المحامي بالجماعة قبل أن يعلن هو استقالته اعتراضا على سيطرة التيار المتشدد على الجماعة بحسب تصريحاته.
وتعد مرحلة ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 وما أعقبها من أحداث هي محطة جديدة للخروج الكبير والتمرد على جماعة الإخوان المسلمين؛ حيث استقال الدكتور محمد حبيب النائب الأول للمرشد آنذاك، تلاه خروج الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ومجموعة من الشباب الذين كونوا معا حزب مصر القوية بعد أن تحدى الإخوان وأصر على الترشح في الانتخابات الرئاسية على غير رغبة الجماعة. ولم تمر سوى شهور قليلة حتى لحق القيادي الإخواني الكبير الدكتور كمال الهلباوي المتحدث باسم التنظيم الدولي للإخوان بقائمة المتمردين على الجماعة بإعلانه استقالته على الهواء احتجاجا على ترشيح خيرت الشاطر في انتخابات الرئاسة.
وإذا كانت تلك الانشقاقات هي محطات مؤثرة في الجماعة، فإن فترة ما بعد سقوط نظام الإخوان وعزل الرئيس مرسي قد شهدت تغيرا نوعيا في الاحتجاجات الداخلية بالجماعة بعد ارتفاع أصوات الغاضبين والساخطين على أداء القيادات مما أدى إلى حالة تمرد مستتر لكن أصداءه آخذه في الظهور العلني في صور مختلفة وبدعم من قيادات إخوانية منشقة رغم محاولات إنكارها أو تجاهلها من قبل الجماعة نفسها.
أحمد نزيلي، ابن عضو مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين ومسؤول المكتب الإداري للجماعة بالجيزة، أحد أبرز شباب الإخوان الذين شاركوا في ثورة 25 يناير منذ اللحظة الأولى، وهو واحد من مجموعة من شباب الإخوان الذين تمردوا على الجماعة وأعلنوا انشقاقهم عنها عام 2011 وكونوا ما يعرف حاليا بحزب التيار المصري. وفي تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، قال: «كنت جزءا من شباب الإخوان المشاركين في ائتلاف شباب ثورة 25 يناير والذين ظلوا بميدان التحرير طيلة 18 يوما وبعدها فكرنا في تكوين حزب يجمع شباب الثورة ويحقق أهدافها في الوقت الذي سعت فيه جماعة الإخوان إلى الضغط علينا للانضمام إلى حزب الحرية والعدالة بينما كانت قناعتنا برفضنا التام لأن يكون للجماعة حزب سياسي إيمانا منا أن دورها هو دعوي فقط لكن مقاليد الإدارة وقتها كانت في يد من يريدون ذراعا سياسية لأفكارهم وهي أولى نقاط الاختلاف بيننا بالإضافة إلى اختلافنا معهم في انحيازاتهم الاجتماعية والاقتصادية وفي برنامجهم الرأسمالي الذي تخلت عنه أميركا بعد ريغان!». وأضاف: «كونا النواة الأولى لحزب التيار المصري من مختلف الشخصيات حيث لا يمثل شباب الإخوان المنشقون فيه سوى نسبة سبعة في المائة تقريبا ورغم مرور ثلاث سنوات فإننا ما زلنا تحت التأسيس لأن عددنا هو ثلاثة آلاف عضو فقط حتى الآن وذلك بسبب مشاكل التمويل، كما أن الحراك لم يهدأ على الأرض خلال الفترة الماضية مما جعلنا في حالة انشغال واشتباك مستمر مع الشأن العام». وأكد نزيلي لـ«الشرق الأوسط» أنهم اتخذوا موقفهم ذلك لتوضيح الصورة لجماعة الإخوان بأن قراراتهم ليست على صواب خاصة ما يتعلق برفضهم للخلط بين الأنشطة السياسية والاجتماعية للجماعة لأنه يكون في غير صالح الجماعة وهو ما حدث بالفعل.
وكشف أحمد نزيلي أن موقفه المتمرد على قيادات الإخوان تسبب في التحقيق معه مرتين حتى فصلوه قبل استكمال التحقيق الثالث. وأفصح لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «حينما تدخل طرف للوساطة مع مكتب الإرشاد بشأننا فإن خيرت الشاطر قال بالحرف: (العيال دي ما تنفعشي تكمل معانا في الجماعة!). والشاطر للعلم يعشق تنفيذ الإبداع لكنه لا يبدع في التنفيذ!».
وحول تعاملهم الحالي مع الجماعة، قال أحمد نزيلي: «إننا لا نهتم بجذب أعضاء من جماعة الإخوان ولكننا كمجموعة تعبر عن شباب الثورة نحاول التواصل مع التيارات السياسية الأخرى وهو أسهل من مهمة الكلام مع الإخوان طالما ظلوا على إغراقهم في المظلومية والكربلائية إذ لا بد أولا أن يعقدوا مصالحة مع النفس ويعيدوا حساباتهم وألا يظل الكلام معهم صعبا وقد حاولنا مرارا إقناعهم بوجوب وقف الدم بعد الثالث من يوليو (تموز) والتعامل مع الدولة كدولة وليس في إطار معركة حربية، وإقناعهم بأن مرسي لن يعود لكنهم لم يقتنعوا ولم يفهموا أن قمة نجاحهم آنذاك قبول الخسائر المحدودة لصالح الاستمرار في المشهد».
أما حسين عبد الرحمن المتحدث الإعلامي لحركة إخوان بلا عنف فقد صرح لـ«الشرق الأوسط» أن الحركة قامت لأن لهم تحفظات على إدارة القيادات للمشهد السياسي منذ اعتصام رابعة العدوية، حيث «تحفظنا على إدارة الاعتصام والتحريض على العنف والمشاركة فيه من قبل القيادات وكانت نقطة التحول حينما أعلنا مع 658 شابا من شباب الإخوان عن تركهم للاعتصام عقب أحداث الحرس الجمهوري التي وقعت قبل ساعات من بدء شهر رمضان الماضي، ومن هنا ترسخت الفكرة لدى شباب الإخوان بتكوين إخوان ضد العنف وهو ليس انشقاقا كاملا عن الإخوان ولكنها دعوة لنبذ العنف على اعتبار أن دور جماعة الإخوان هو دور دعوي بالأساس وقمنا بعمل استمارات على شاكلة استمارات تمرد وجمعنا في البداية 1738 توقيعا ثم ارتفعت إلى 22 ألفا وانتهينا إلى بلوغ عدد الموقعين معنا من أعضاء الإخوان إلى 45 ألف عضو منهم الشباب وكبار السن وإن كانت نسبة النساء محدودة». وأضاف عبد الرحمن: «إننا أردنا أن نكون إيجابيين ولا يكون اعتراضنا على الجماعة بتركها وإنما بإصلاحها من الداخل دون الانسحاب».
وعن أهم تحفظات الحركة على قيادات جماعة الإخوان قال حسين عبد الرحمن: «نطالب بأن يكون وضع المرشد رمزيا وأن يكون القرار التنفيذي بيد مجلس شورى الجماعة وأن يكون مكتب الإرشاد جزءا من شورى الجماعة، كما هو في صميم الشريعة، لأن بعض الأشخاص المحسوبين على أبناء القيادات متحكمون في معظم الشعب والمكاتب الإدارية بنسبة أكبر من 70 في المائة، كما يقومون بإفشال الآخرين تنظيميا ومنع ترقيتهم من أعضاء إلى أمناء شعب وحتى المناصب السياسية التي تتولاها قيادات الجماعة في حزب الحرية والعدالة كانوا من داخل شورى الجماعة، وعلى سبيل المثال كنا معترضين على ترشح الدكتور سعد الكتاتني لأكثر من منصب بداية من رئاسة مجلس الشعب ثم لجنة تأسيسية الدستور وصولا لرئاسة حزب الحرية والعدالة، وكنا نرى أن عصام العريان أفضل من الكتاتني في رئاسة الحزب حتى لا نكرر تجربة تزاوج السلطة وبعض المناصب التي كانت في عهد مبارك».
وعن نشاط الحركة حاليا، يقول المتحدث الإعلامي لحركة إخوان بلا عنف إنه في ظل اتساع حالة السخط العارم داخل الكتلة الصامتة من الجماعة «نعمل على تشكيل لجنة تقصي حقائق لكتابة تقرير رسمي عام عن الفترة منذ بدء اعتصام رابعة وحتى الثلاثين من ديسمبر (كانون الأول) الماضي لتقييم دور القيادات في التحريض على العنف وبمجرد ثبوت تورطهم في ذلك ستجري إحالتهم للجنة التأديب المنصوص عليها في اللائحة الداخلية لجماعة الإخوان والتي تتكون من ستة أعضاء من مجلس شورى الجماعة وثلاثة من مكتب الإرشاد، وذلك تمهيدا لإصدار قرار فوري بفصل من يحرض على العنف أو من يثبت ارتكابه لفساد مالي حيث يوجد سخط عارم بين أعضاء الجماعة بسبب تحويل النفقات المخصصة للعمل الخيري إلى الإنفاق على الحشد والمسيرات وهو ما أدى إلى تضاؤل العمل الخيري الذي قامت الجماعة من أجله بالأساس إلى واحد في المائة بعد أن كان 45 في المائة من حجم إنفاق الجماعة».
وكشف عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» عن سعى الحركة إلى إجراء انتخابات جديدة بالجماعة مع استقطاب الرموز الإخوانية المنشقة وأنهم يحاولون إقناع الدكتور كمال الهلباوي للعودة لعمل مراجعات حقيقية للأفكار بمشاركة منشقين آخرين مثل الدكتور ثروت الخرباوي.
وعن المقاومة التي تلاقيها الحركة من قبل القيادات الكلاسيكية بجماعة الإخوان أكد حسين عبد الرحمن أن هناك مقاومة مما يطلق عليهم الجيل الثاني والثالث من القيادات الرئيسة الذين يعتبرون التخلص من قيادات الصف الأول بمثابة التخلص منهم أيضا ولذلك فهم يصورون الشباب الذي تمرد على الجماعة على أنهم تابعون لجهات أمنية ومخابراتية بهدف شق صف جماعة الإخوان في محاولة لتشويه أي توجه إصلاحي داخل الجماعة.
وأشار إلى أن قيادات جماعة الإخوان ساهموا في انهيار ما بناه حسن البنا خلال السنوات الماضية في سنة حكم الرئيس مرسي، مؤكدا معارضة شباب الحركة لأدائه وانتقادهم له خلال المائة يوم الأولى وطالبوه بالاعتذار للناس واستبدال المائة يوم بخطة سنوية لتفويت الفرصة على الخصوم لكنه لم يستمع لهم.
وفي تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» أكد القيادي الإخواني السابق ثروت الخرباوي تواصله مع حركة إخوان بلا عنف بالفعل هو والدكتور الهلباوي واستعداده للتعاون معهم إيمانا منه بالهدف الإصلاحي الذي قامت الحركة من أجله. ويعد الخرباوي من أشهر القيادات المنشقة عن جماعة الإخوان ووجه لهم نقدا لاذعا في كتاباته وآرائه الساخطة على أدائهم السياسي كما تنبأ بسقوطهم، ففي تصريحات سابقة لـ«الشرق الأوسط» قال «إن جماعة الإخوان تأكل نفسها من الداخل لأنها تقوم على السمع والطاعة ولا تصلح أن تكون مؤسسة تدير دولة وهي بطبيعتها ستضمحل وتنتهي، تجربة الدكتور مرسي كرئيس لمصر ستكون الختام للإخوان وبها يضع تتر النهاية على جماعة الإخوان المسلمين»!
أما القيادي الإخواني الدكتور إبراهيم الزعفراني الذي ظل لعقود طويلة بالجماعة قبل انشقاقه عنها 2011 فقد صرح لـ«الشرق الأوسط» بأنه اعتزل العمل السياسي مؤخرا بعد تحفظه على أداء القيادات داخل الجماعة، واعتراضا على إعمال مبدأ الأبوية والأخوية، مشيرا إلى غياب قيمة العدل التي هي أساس الدعوة التي قامت الجماعة عليها. واستطرد قائلا: «لقد اعترضت على الخلط بين العمل الدعوي والسياسي وكان الدكتور عصام العريان والجزار يرون نفس ما رأيته أنا والدكتور أبو الفتوح لكنهما رأيا الاستمرار في الوجود محاولة للإصلاح الداخلي لكني لم أستطع الصبر فخرجت مستقيلا دون أن أفقد علاقتي بباقي الإخوة ولا احترامي لهم».
وأضاف الزعفراني أن عدد المتمردين على الجماعة محدود، ولكنه عاد يؤكد وجود أفكار تدور بشكل جدي بين شباب الإخوان توجه اللوم بشدة للقيادات الإخوانية، كأفكار شبابية توجه انتقادات حقيقية، «وأنا آمل أن تتاح الفرصة لأفكارهم المتفتحة ويلعبوا دورا كبيرا لمصر لأن هناك كتلة كبيرة من الإخوان تعمل بصدق لوجه الله وإخلاصا لهذا البلد».
أحمد بان هو نموذج ثالث لأحد القيادات الإخوانية الشابة الشهيرة المنشقة عن الإخوان في أعقاب ثورة يناير، تمردا على قياداتها، لكنه فضل الابتعاد عن العمل الحزبي وانخرط في العمل البحثي والكتابة الصحافية. وفي تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، قال بان: «لقد ودعت حياتي القديمة مع الإخوان للأبد وقررت الانشغال بالبحث العلمي للمراجعات الفكرية من واقع تجربتي الحركية وتجربتي مع الإخوان علما بأنني لم يكن لي مشاكل مع التنظيم ولم يحدث معي أي موقف سلبي ولم أكن مهمشا لكني قررت الاستقالة، وبعدها حرصت على أن أكون على مسافة واحدة مع كل من خرجوا من الجماعة».
وعن الخروج أو الانشقاق عن جماعة الإخوان قال بان لـ«الشرق الأوسط»: «هناك من خرج من الجماعة لأسباب شخصية متعلقة بطموحه الشخصي أو لأسباب تتعلق باختلافه مع القيادة في أسلوب إدارتها. وأزعم أنني واحد من هؤلاء ولما خرجت كنت مسؤولا عن شعبة وكنت عضوا بالمكتب السياسي وشاركت معهم في تأسيس حزب الحرية والعدالة والذي اقتصرت عضويته على الأعضاء العاملين محل ثقة التنظيم بالكامل وكان عددهم 70 ألف عضو اختير منهم تسعة آلاف لتأسيس الحزب وكنت واحدا منهم كما جرى اختياري لعضوية المؤتمر العام للحزب وبعد كل ذلك استقلت بكامل إرادتي عام 2012».
وحول أجواء التمرد داخل جماعة الإخوان أكد بان لـ«الشرق الأوسط» أن الانشقاقات تسربت للجماعة منذ السنوات الأولى على تكوينها وأن هناك انشقاقا دوريا كل خمس سنوات تقريبا كان أولها عام 1933 أي بعد خمس سنوات من تأسيسها مشيرا إلى أن مؤرخي الجماعة يطلقون على هذه الانشقاقات لقب «الفتنة الأولى» و«الفتنة الثانية».. وهكذا. وحول وضع الجماعة الآن قال المنشق الإخواني أحمد بان إن تركيبة الجماعة ليست مصمتة وإنما هناك 50 في المائة من أعضائها لم يكونوا مرحبين بفكرة الدخول لمضمار المنافسة على منصب الرئيس ولا بالفوز بالأغلبية في البرلمان السابق وكانوا لا يطمحون في أكثر من 30 أو 40 في المائة من المقاعد ولكن في آخر تصويت بعد صراع خيرت الشاطر والمجموعة إياها كان فارق الأصوات أربعة أصوات فقط وبقي 50 في المائة ضد هذا الترشح.
وهؤلاء الخمسون في المائة جلسوا في بيوتهم بمجرد قيام أحداث 30 يونيو لأنهم شعروا أن الجماعة التي أعطوها أعمارهم وشبابهم قد سقطت وأصبحوا أقرب للاكتئاب والانزواء والانسحاب فخرجوا من المشهد تماما واندمجوا في جموع الشعب وليس لديهم أكثر من التعاطف مع حالة المظلومية التي يستخدمها قيادات الجماعة كأحد ميكانيزمات الدفاع والهروب من المحاسبة، ومن ثم فإن حالة المظلومية تلك سحبت جزءا بسيطا من هؤلاء الصامتين لفكرة الخروج فقط من أجل المناداة بالقصاص للدم وليس من أجل مرسي. وعلى ذلك، ينتهي الباحث أحمد بان إلى أن ما يحدث من تمرد متمثل في صورة انشقاقات هو عبارة عن انشقاق هادئ لأشخاص فضلوا الانزواء يجترون أحزانهم ولا يمارسون أي نشاط ولا ينضمون لأي كيانات أخرى سوى مجرد المشاركة في مظاهرات سلمية محدودة جدا ولذلك لا يمكن تناولها في التحليل.
أما عن التجارب الخاصة بخلق كيانات بديلة كالتي يدعو إليها الدكتور كمال الهلباوي أو جماعات شباب الإخوان المنشقين قال بان لـ«الشرق الأوسط» إن هناك كيانات تحاول استغلال الحالة دون علم ومعرفة كافية بالإخوان وهناك أشخاص انشقوا بالفعل انشقاقا تاما نفسيا وحركيا عن الجماعة وكونوا كيانات أخرى مثل حزب التيار المصري الذي يكونه شباب كانوا من الإخوان قبل انشقاقهم وما زال حزبهم تحت التأسيس وكذلك حزب مصر القوية للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وإن كان هناك اختراق من جماعة الإخوان للحزب من خلال بعض أعضائه الذين لا يزالون على ولائهم للجماعة.
وعن إمكانية دخوله في تجربة جديدة بديلة للإخوان أكد بان أن «جماعة الإخوان تحدث إنهاكا عاطفيا وعقليا للأعضاء، ولذلك فبعد أن قضيت نحو 20 سنة معهم لم تعد لدى القدرة على خوض أي تجربة جديدة، وللعلم فقد تفاعلت مع تجربة الدكتور كمال الهلباوي في بداية الأمر ولكني اكتشفت حدوث استبدال القفص الكبير بقفص أصغر، وربما يكون أكثر نعومة، لكنه في النهاية قفص، ومن ثم فهي محاولة جديدة لسجن أعضاء جدد في هذا القفص. وعموما فإن المسألة ستستغرق وقتا سواء لتبلور مثل هذه الكيانات الجديدة أو لاختفاء الكيانات الموجودة بالفعل وهو أمر معروف في الظواهر الاجتماعية».
وشدد بان على أن أسلوب شيطنة الإخوان إعلاميا ومطاردتهم أمنيا ثبت فشله، ولا بد من تغيير هذا الأسلوب في تعامل الدولة معهم، مؤكدا أن أفضل تعامل كان في ظل عهد جمال عبد الناصر حينما كان هناك مشروع قومي باعتباره الأداة الرئيسة لكشف ضعف مشروع الإخوان وأن تراجع الدولة الوطنية عن أداء دورها هو الذي سمح للجماعات السلفية والجهادية والإخوان في التمدد بهذا الشكل.
ومن جانبه أكد الدكتور كمال الهلباوي أبرز المنشقين على جماعة الإخوان المسلمين لـ«الشرق الأوسط» صحة وجود اتصالات بينه وبين متمردي الإخوان، وقال: «أنا متواصل مع شباب الإخوان من كل الاتجاهات بمن فيهم من لم يعلن عن نفسه وإذا صدقوا فيما قالوه لي فستكون هناك مفاجآت كبيرة تتعلق برغبة هؤلاء الشباب في تكوين جماعة جديدة مختلفة تماما عن جماعة الإخوان المسلمين وإن كان الأمر يحتاج لصبر وبعض الوقت لإتمام هذا الإنجاز الكبير». وأضاف الهلباوي لـ«الشرق الأوسط» أن عدد هؤلاء الشباب بالآلاف. وحول حقيقة دوره في قيادة هذا التنظيم الجديد، قال الهلباوي: «إن هذا الشباب متحمس ولديه رغبة في نبذ العنف ويحتاج لمن يأخذ بيده ويقوده. أما عن نفسي فأقصى ما أستطيع أن أفعله أن أوجههم كمستشار لهم أو كنقطة مرجعية لدعوة سلمية لكنهم يحتاجون لخبرة في إدارة التنظيمات مثل الدكتور محمد حبيب والمحامي مختار نوح ربما يكونان الأفضل في ذلك». وعن تداعيات تكوين ذلك الكيان من متمردي شباب الإخوان على مستقبل الجماعة، قال الهلباوي: «إن الجماعة لم تعد كما كانت، ولن تعود كما كانت، ولا بد أن يعرف قياداتها المسجونون أو الهاربون أن شباب الإخوان الآن منقسمون إلى ثلاثة أقسام؛ الأول قسم معهم وهم الذين يقومون بالمظاهرات وينفذون ما يقولون. والقسم الثاني توقف حتى يستبين الحقيقة، بينما انشق القسم الثالث بالفعل بل ويستعد لإجراء محاكمات داخلية لقيادات الإخوان التي جاءت بكارثة على الجماعة كلها».
من ناحية أخرى رفض القيادي الإخواني سيف الإسلام حسن البنا التعليق أو إبداء الرأي حول هذا التمرد الداخلي بجماعة الإخوان التي أسسها والده قبل عدة عقود، مؤكدا لـ«الشرق الأوسط» بنبرة يكسوها الحزن والأسى أنه سمع عن هذه التحركات، لكنه يرفض التعليق على مثل هذه الأمور ويؤثر الصمت في الفترة الأخيرة!
وحول تحليل ما يحدث من تمرد داخل جماعة الإخوان في إطار الظاهرة الاجتماعية وتأثيرها على مستقبل الجماعة، قال الدكتور عمار علي حسن الباحث في علم الاجتماع السياسي لـ«الشرق الأوسط»: «إن جماعة الإخوان المسلمين هي دوائر متلاصقة وهناك نواة أصلية هي الأقل عددا والأكثر تمكينا وهم من الأعضاء العاملين، بينما الدوائر الأخرى من الأعضاء المنتسبين وهو الأضخم عددا لكنهم الأقل تمثيلا وهي التي يحدث بها التصدع بينما الدوائر الضيقة تبقى كما هي. ومن ثم فكلما قام فريق من هؤلاء وتحدث عن انشقاق أنكرت الجماعة الأمر؛ فهي اعتادت جذب الناس للتعاطف معها لكن عند المواجهات فإنها تتنصل منهم ولا تعترف إلا بأعضائها العاملين فقط. وبالتالي فإنني أرى هذه الانشقاقات هامشية ويبدو الأمر في إطار توزيع الأدوار!». وأضاف أن «الحديث عن انشقاق بالمعنى العلمي، بأن يتمرد جزء معتبر صراحة، فإنني أعتقد أنه لا يحدث؛ لعدم وجود قائد يتم الانضمام إليه». وأكد عمار علي حسن أن من خرجوا عن الجماعة كان خروجهم على القيادة فقط، أما الخروج على فكر الإخوان تماما فهو لم يحدث إلا في حالات نادرة مثل حالة أحمد بان وسامح عيد وثروت الخرباوي بالإضافة لمجموعة أخرى صغيرة موجودة في محافظة البحيرة (قرب الإسكندرية).
ومن ناحية أخرى أضاف أن هناك حالة تململ من القيادة وإحباطا من أعضاء الجماعة ورغبة لدى البعض للمراجعة، لكنهم يخشون الجهر بذلك حتى لا يتهموا بخيانة الجماعة بعد استهداف التنظيم من قبل السلطة بدليل عدم استجابتهم لكل نداءات التعبئة من قيادات الإخوان. وتعليقا على تجربة الهلباوي والخرباوي التي يعدان لها مع شباب الإخوان المتمردين على الجماعة، قال الدكتور عمار علي حسن لـ«الشرق الأوسط»: «هي فكرة جيدة تشكل نقطة جذب لقادة مختلفين عن التفكير القطبي لتنضم إليهم الأجيال المتلاحقة من الشباب ولو نجحوا فإننا سنكون بالفعل أمام انشقاق حقيقي وتاريخي لجماعة الإخوان. وفي جميع الأحوال فإن الجماعة مآلها إلى زوال بعد أن ظل قياديوها مقتنعين أنها عصية على الفناء نظرا لأنهم عاشوا على المدد الذي تلقوه من السلطات المتعاقبة»، مختتما بقوله: «إن الجماعة اعتمدت على كونها محكمة التنظيم، لكنهم كانوا بلا عقل. واليوم وقد ضرب تنظيمهم في الصميم، فهم إلى نهاية، خاصة مع موت قادتهم الشيوخ في السجون أو المنفى ومن ثم لو خرج انشقاق بالمعنى السابق ولديه رغبة في الإصلاح فإنه سينجح».



الحقيقة بين حَربَيْن: يوليو 2006 - أكتوبر 2023

رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
TT

الحقيقة بين حَربَيْن: يوليو 2006 - أكتوبر 2023

رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)

المحنة الخطيرة التي تعرّض لها لبنان في عام 2006، بالمقارنة مع المحنة التي لا يزال يتعرّض لها منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وحتى الآن، تبينان أن هناك أوجه شبه متعددة في جذورهما، كما أن هناك فروقات شاسعة بينهما، لا سيما بسبب تغير الظروف والأحوال.

منذ اللحظة التي قام بها العدو الإسرائيلي بعدوانه على لبنان في شهر يوليو (تموز) 2006، بحجة العملية العسكرية لـ«حزب الله» واختطافه عنصرين من الجيش الإسرائيلي، دعوتُ مجلس الوزراء للانعقاد والبحث في مخاطر هذا العدوان وتداعياته، واتخاذ التدابير، لحماية الأمن الوطني وحماية أمن اللبنانيين وسلامتهم، في المناطق التي أصبح يستهدفها، وللحؤول دون إفراغ الجنوب اللبناني من أهله.

لقد طرحتُ الأمر على مجلس الوزراء، وقلتُ بوضوح، إننا كحكومة فوجئنا ولم نكن على علم مسبّق بهذه العملية، وإننا لا نتبناها، ونستنكر عدوان إسرائيل على لبنان، وعلى سيادته وعلى الشعب اللبناني، وعلينا تقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن، والمطالبة بوقف إطلاق النار.

المسافة بين الدولة و«الحزب»

بذلك نجحت الحكومة آنذاك في إيجاد مسافة واضحة بين الدولة اللبنانية و«حزب الله»، وهو ما أفسح المجال أمامها في مخاطبة المجتمعين العربي والدولي، والتواصل معهما من أجل مساعدة لبنان وتعزيز صموده. وهذا أيضاً ما أهّلها ومكّنها بعد ذلك، وفي ظل عنف الجرائم التي باتت ترتكبها إسرائيل إلى أن تكتسب دور الضحية الذي حاولت إسرائيل أن تلبس رداءه منذ صباح الثاني عشر من يوليو (تموز).

حرصت منذ ذلك الوقت على أن تكون الدولة اللبنانية بكل مكوناتها وإمكاناتها هي المسؤولة عن كل ما يجري، وعن معالجة نتائج ما حصل وما سيحصل، وأنها ستتحمل مسؤولياتها باتخاذ كل القرارات والإجراءات التي تحمي لبنان واللبنانيين، وتوفير مقومات صمودهم والاهتمام بالنازحين اللبنانيين.

منذ ذلك اليوم، تحوّل السراي الحكومي إلى ورشة عمل وطنية لا تهدأ، كما تحول أعضاء الحكومة إلى فريق عمل واحد للدفاع عن لبنان، والعمل على استنهاض الجهود في كل إدارات الدولة ومرافقها وإمكاناتها من أجل توفير مقومات الحياة للبنانيين، كما استنهاض المجتمع المدني للقيام بدورهم بواجب الدفاع عن لبنان.

على المستوى الخارجي، تكثّفت الاتصالات اليومية وبالتعاون مع وزير الخارجية اللبناني بكبار المسؤولين في العالم، من الأمين العام للأمم المتحدة، ومروراً برؤساء الدول العربية الشقيقة، وكذلك الدول الصديقة ممن يملكون القرار، ولهم القوة والنفوذ والتأثير الدولي، وكان مطلبنا الأساسي والأول من مجلس الأمن الدولي وقف إطلاق النار.

في ذلك الوقت، استمرّ العدو الإسرائيلي في شن الحرب على لبنان، وفي استهداف المنشآت والمرافق، وتدمير الجسور والطرقات والمدارس والأبنية في القرى والبلدات، بينما جهدت الحكومة من أجل استنهاض العالم والمنظمات الدولية لإدانة ووقف ما يعانيه لبنان، وما يتعرّض له من مخاطر.

مهجرون في حرب تموز 2006 يعودون إلى مناطقهم بعد وقف إطلاق النار (غيتي)

خطة النقاط السبع

في ذلك الوقت، بادرت مع مجلس الوزراء، وبحضور رئيس الجمهورية ومشاركته الفعالة إلى بلورة صيغ الحلول للبنان، ووضعها بمتناول رؤساء دول العالم ومجلس الأمن من أجل وقف الحرب على لبنان ولإنهاء العدوان الإسرائيلي، حيث أقرت الحكومة خطة النقاط السبع التي عرضْتُها في مؤتمر روما، والتي اعتمدها مجلس الأمن من ضمن بناءاته في إصدار القرار الدولي بوقف إطلاق النار.

صدر القرار رقم 1701 عن مجلس الأمن، وتوقفت الحرب، وعاد النازحون إلى ديارهم وقراهم ابتداء من يوم 14 أغسطس (آب) 2006، وأنجزت ورشة البناء والإعمار للبنى التحتية وللأبنية المدمرة والمتضررة على أعلى درجات الكفاءة والصدقية والفاعلية والسرعة، وبفضل المساعدات الكريمة التي قدمتها الدول العربية، لا سيما دول الخليج، والدول الصديقة، والتي استند لبنان في الحصول عليها على الثقة التي رسختها الحكومة اللبنانية في علاقاتها مع جميع الأشقاء والأصدقاء. وبناء على ذلك، فقد عاد لبنان من جديد إلى نهوضه وازدهاره، ولممارسة دوره الطبيعي عربياً وعالمياً، وحيث استطاع لبنان خلال السنوات من 2007 إلى 2010 أن يحقق أعلى نسبة نمو في تاريخه الحديث لـ4 سنوات متوالية، وأن يحقق فائضاً سنوياً كبيراً في ميزان المدفوعات، وكذلك فائضاً إيجابياً كبيراً في مجموع الاحتياط من العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي، وخفضاً نسبياً كبيراً في نسبة الدين العام اللبناني إلى ناتجه المحلي.

لقاء رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للاتفاق على مشاركة ألمانيا في قوات "يونيفيل" في 2006 (غيتي)

وحدة ساحات بلا مقوّمات

بالمقارنة، فإنَّ ما حصل في 8 أكتوبر عام 2023، نتيجة مبادرة «حزب الله» مستنداً إلى نظريته بوحدة الساحات، وهو قد قام بذلك منفرداً وعلى مسؤوليته، ومن دون اطلاع أو معرفة السلطات الشرعية في لبنان إلى إشعال الجبهة على حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وأيضاً دون الأخذ بالحسبان الظروف شديدة الصعوبة التي بات يعاني منها لبنان آنذاك، ولا يزال.

صباح اليوم التالي، في 8 أكتوبر 2023، أصدرتُ بياناً شدّدت فيه على أن لبنان لا يستطيع، ولا يمكن أن يُزجَّ به في هذه المعركة العسكرية، وعددت 5 أسباب أساسية فحواها الأزمة الوطنية والسياسية لعدم انتخاب رئيس للجمهورية، وعدم تأليف حكومة مسؤولة، والضائقة الاقتصادية الخانقة، وأزمة النازحين السوريين، وانحسار الصلات الوثيقة مع دول الاحتضان العربي، وعدم توفر شبكة الأمان العربية والدولية التي حمته في عام 2006، وكذلك عدم وجود عطف أو تأييد لدى غالبية اللبنانيين لدعم مثل هذا التدخل العسكري.

الآن، ولأنّ القرار 1701 لم يطبق كما يجب، ولأنَّ الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لم يلعبا دورهما في السهر على تطبيق جميع القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان وبالقضية الفلسطينية كما يجب، وحيث أثبتت إسرائيل أنها لا تسعى لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة، ولا تعترف بالقانون الدولي، ولا بالشرعية الدولية، ولا بالحقوق الإنسانية، وتمعن في جرائم الإبادة والقتل والتدمير في غزة والضفة الغربية، وترتد اليوم على لبنان لتعود وتقتل المدنيين وتهجر الآمنين وتدمر المنازل والمنشآت، وتَستعْمِل وسائل التكنولوجيا الحديثة واصطياد الناس الآمنين.

دور وطني يبحث عن أبطال

الآن، وقد أصبحنا على ما نحن عليه، من إرغامات ومن عوائق، وكذلك من نوافد يمكن الولوج منها نحو إخراج لبنان من نير هذا العدوان الإسرائيلي، فإنّه باعتقادي أن في لبنان الآن دوراً وطنياً كبيراً، يبحث عن أبطاله وفي غياب رئيس للجمهورية، وهما بنظري الرئيس نبيه بري بكونه رئيس السلطة التشريعية، والرئيس نجيب ميقاتي بكونه رئيس حكومة تصريف الأعمال، وعليهما أن يكتسبا بجهودهما وتفانيهما، شرف وأجر هذا الدور وهذه البطولة، وعلى جميع المسؤولين والحريصين على إنقاذ لبنان، أن يبادروا إلى مساعدتهما عبر تبني النقاط الست الآتية:

أولاً: إنَّ الواجب الوطني يقتضي من جميع اللبنانيين التضامن والتماسك والتصرف على قاعدة الوحدة والأخوة الوطنية الواحدة، وأن الشعب اللبناني بِرُمَّته يشجب ويدين هذا العدوان الإسرائيلي الغاشم الذي يستهدف لبنان كله والصيغة اللبنانية، بتآلف عناصرها وتفاعلها، والتي لا تحتمل غالباً أو مغلوباً.

بري متوسطاً ميقاتي وجنبلاط في لقاء عين التينة الأربعاء (إ.ب.أ)

ثانياً: إنَّ الحلول للبنان لن تكون ويجب ألا تكون إلا عبر الحلول الوطنية الجامعة، التي تركّز على التمسك بحسن واستكمال تطبيق اتفاق الطائف والدستور اللبناني، وبالدولة اللبنانية وسلطتها الواحدة والحصرية، وبقرارها الحر ودورها المسؤول في حماية الوطن والسيادة الوطنية، ومسؤوليتها الكاملة تُجاه شعبها وأمنه واستقراره.

ثالثاً: بما أنّ العدوان يطال كل لبنان ويصيب كل اللبنانيين، وليس من أحد منهم يتوسَّل العدوان الإسرائيلي، لكي يستفيد أو يدعم موقفه السياسي، فإنّ التفكير والبحث يجب أن ينصبَّ على ضرورة أن تعود الدولة اللبنانية لتأخذ على عاتقها زمام الأمور والمسؤولية، وما يقتضيه ذلك من موقف وطني جامع، بحيث يحتضن اللبنانيون بعضهم بعضاً ويكون همهم الوحيد إنقاذ لبنان وإخراجه من أتون هذه الأزْمة المستفحلة والخطيرة، التي تهدّد كيان الوطن ووحدة اللبنانيين وتماسكهم ومصيرهم.

رابعاً: مطالبة مجلس الأمن الدولي بإصدار قرارٍ بوقفٍ فوري لإطلاق النار في لبنان، وتَحَمُّلِ مسؤولياته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، عبر التزام جميع الأطراف بالتطبيق الكامل والفوري للقرار الدولي 1701 بمندرجاته كافة، واحترام جميع القرارات الدولية ذات الصلة.

خامساً: مبادرة رئيس المجلس النيابي بدعوة المجلس إلى الانعقاد لمناقشة المخاطر التي تتربص بالدولة اللبنانية وبالشعب اللبناني بما يحفظ الكيان اللبناني، ويحترم الدستور اللبناني، ويحافظ على وحدة لبنان وسلامة أراضيه. كما الدعوة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية دون أي إبطاء. رئيس يستطيع أن يجمع اللبنانيين، وبالتالي لتشكيل حكومة مسؤولة تتولى التنفيذ الكامل للقرار 1701، وتعمل لاستعادة العافية والسيادة اللبنانية وتعزيز دور الدولة اللبنانية الكامل في الحفاظ على استقلال وسيادة، وحرية لبنان، واستعادة نهوضه، واستقراره.

سادساً: السعي مع جميع الأشقاء العرب وجامعة الدول العربية بكونهم أشقاء الدم والهوية، وكذلك مع جميع الدول الصديقة والمؤسسات الدولية الإنسانية لتقديم كلّ المساعدات اللازمة والعاجلة لصيانة كرامة النازحين المنتزعين من بلداتهم وقراهم والحفاظ على كرامة اللبنانيين، وكذلك لتأمين العودة العاجلة والفورية لعودة النازحين إلى بلداتهم وقراهم ووضع الآليات ورصد المبالغ اللازمة لإعادة إعمار ما تهدم وما تضرر.

لقد أثبتت هذه المحنة الجديدة أن لبنان لم يستفِد من تجربة ودروس عام 2006، وأنه بات مكشوفاً بتفاصيله أمام العدو الإسرائيلي الذي استثمر تفوقه الناري والجوي والتكنولوجي والاستخباراتي والدعم الدولي اللامحدود له بالترخيص بالقتل والتدمير، وهو الذي لا يزال يُراهن على التسبب بالانقسام، والفتنة بين اللبنانيين، التي لا ولن تحصل بإذن الله، وهو لذلك لم يتورع عن ارتكاب المجازر والاغتيالات، التي كان آخرها اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله.

اليوم لبنان والعالم كله أمام الامتحان، فهل تقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن لمناصرة الحق، وهل يبادر اللبنانيون بكل قواهم، للدفاع عن حق لبنان واللبنانيين في الوجود الكريم والآمن، وتلقين إسرائيل درساً في معنى الحق والإنسانية واحترام حقوق الإنسان؟!