إنهم يدقون جدران الخزان!

إنهم يدقون جدران الخزان!
TT

إنهم يدقون جدران الخزان!

إنهم يدقون جدران الخزان!

قبل نصف قرن كان السؤال المدهش: «لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟»، لكي يسمعهم العالم قبل أن يموتوا اختناقًا وهم يفتشون عن أرض تقلهم، وسماء تظلهم، وعن كسرة خبز ليست مغمسة بدم أطفالهم.
اليوم ها هم يدقون بأيديهم جدران الصمت، ويقتحمون الحدود، ويصرخون وترتفع أصواتهم، ويلوحون بأجساد أطفالهم الطرية، وبقبضاتهم المتعبة، وبقَسَمات الذلّ والخوف والجوع على وجوههم، ويشاهدها العالم ولكنه مشغول عنهم!
نتحدث عن مأساة المهاجرين العرب، الذين يتساقطون في شاحنات الموت ويموتون مع أطفالهم غرقى في البحار، واختناقًا في الشاحنات، ويتلاعب بهم تجار البشر، وهي قضية اليوم التي أصبحت عنوانًا خادشًا للإنسانية وما تبقى من أخلاقياتها.
في عام 1963 أصدر الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني روايته الأولى «رجال في الشمس»، لتجسد معنى آخر للنكبة الفلسطينية حيث التيه في عالم اللجوء والمنافي والتشرد. الرواية تحكي قصة ثلاثة لاجئين فلسطينيين يفرون بجلودهم من جحيم المخيمات إلى الفردوس المنشود في أراضي العرب، فيغريهم مهرب يدعى «أبو الخيزران» بالهرب إلى الكويت، حيث الأمن والرخاء، لكنه يحشرهم في خزان مياه مغلق ويسير بهم في لهيب الصيف وسط الصحراء، حتى اختنقوا وماتوا دون أن يجرؤ أحد منهم على أن يدق جدار الخزان حتى لا يسمعه الحراس.
مثلت تلك الرواية في وقتها صدمة في وعي النخبة، بتسليطها الضوء على جانب آخر من معاناة الفلسطينيين، لكن العالم انتظر عشر سنوات، حتى دخلت هذه الرواية البيوت وشاهد الناس المأساة تتجسد أمامهم عبر فيلم سوري حمل الاسم نفسه أنتج عام 1973.
اليوم لا نحتاج إلى عشر سنوات لكي نشاهد الصورة أمامنا دامية تحمل كل تفاصيل المعاناة والألم والفجيعة. اليوم كاميرات التصوير تنقل مآسي اللاجئين الهاربين من الجحيم العربي إلى المنافي الأوروبية وهم يقعون فريسة المهربين والتجار، ويعاملون بالجحود والنكران، إذ يموتون غرقًا واختناقًا، وتتقاذفهم رياح الجوع والخوف والتشرد، وحيث تتقطع أوصال العائلة الواحدة في المنافي والحدود.
في أغسطس (آب) 1990، كنتُ في مستشفى ايلنغ غرب لندن، حين طلبت مني موظفة هناك أن أساعدها في التعامل مع لاجئة قدمت من بلاد العرب. كانت امرأة صومالية نحيلة الجسم، خائرة القوى، منكسرة، تقبض بيديها على طفل صغير.. لتقول إنها ودعت زوجها الذي سلمها للمهربين ليعود إلى الميدان مقاتلاً.. وإنها قطعت الرحلة حاملة جسد طفلها المنهك الصغير حتى استقرّ بها الحال في الجزيرة البريطانية، على أمل أن يجمع الله شملها ذات يوم بزوجها وأهلها. كانت تتحدث وكلماتها تنخر في أسماعنا كوخز الضمير..
كان المفكر اللبناني جرجي زيدان (1861 - 1914) يقول إن «اللغة العربية كائن حي»، اليوم أصبحت الصورة هي الكائن الحي، والصورة التي أمامنا لآلاف اللاجئين وهم يدقون أبواب القارة الأوروبية بحثًا عن ملاذ آمن يقيهم الرعب والخوف والجوع وامتهان الكرامة، هي صورة صادمة للوعي، فكلما ظننا أننا طوينا مرحلة التشرد والمنافي، وجدنا أنفسنا نعود إليها، وكلما ظننا أن ثمة أعرافا وأخلاقا وشمائل إنسانية وعربية وإسلامية تنبت داخلنا وستكبر لتمنع هذا الطغيان وتوقف هذا الجحود، نفاجأ أننا نزداد بعدًا عن أي معيار أخلاقي وإنساني.. أيها السادة: نحن مسؤولون عن هذه المأساة!



إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة
TT

إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة

أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية الروايات المرشّحة للقائمة الطويلة بدورتها عام 2025؛ إذ تتضمّن القائمة 16 رواية. وكانت قد ترشحت للجائزة في هذه الدورة 124 رواية، وجرى اختيار القائمة الطويلة من قِبل لجنة تحكيم مكوّنة من خمسة أعضاء، برئاسة الأكاديمية المصرية منى بيكر، وعضوية كل من بلال الأرفه لي أكاديمي وباحث لبناني، وسامبسا بلتونن مترجم فنلندي، وسعيد بنكراد أكاديمي وناقد مغربي، ومريم الهاشمي ناقدة وأكاديمية إماراتية.

وشهدت الدورة المذكورة وصول كتّاب للمرّة الأولى إلى القائمة الطويلة، عن رواياتهم: «دانشمند» لأحمد فال الدين من موريتانيا، و«أحلام سعيدة» لأحمد الملواني من مصر، و«المشعلجي» لأيمن رجب طاهر من مصر، و«هوّارية» لإنعام بيوض من الجزائر، و«أُغنيات للعتمة» لإيمان حميدان من لبنان، و«الأسير الفرنسي» لجان دوست من سوريا، و«الرواية المسروقة» لحسن كمال من مصر، و«ميثاق النساء» لحنين الصايغ من لبنان، و«الآن بدأت حياتي» لسومر شحادة من سوريا، و«البكّاؤون» لعقيل الموسوي من البحرين، و«صلاة القلق» لمحمد سمير ندا من مصر، و«ملمس الضوء» لنادية النجار من الإمارات.

كما شهدت ترشيح كتّاب إلى القائمة الطويلة وصلوا إلى المراحل الأخيرة للجائزة سابقاً، وهم: «المسيح الأندلسي» لتيسير خلف (القائمة الطويلة في 2017)، و«وارثة المفاتيح» لسوسن جميل حسن (القائمة الطويلة في 2023)، و«ما رأت زينة وما لم ترَ» لرشيد الضعيف (القائمة الطويلة في 2012 و2024)، و«وادي الفراشات» لأزهر جرجيس (القائمة الطويلة في 2020، والقائمة القصيرة في 2023).

في إطار تعليقها على القائمة الطويلة، قالت رئيسة لجنة التحكيم، منى بيكر: «تتميّز الروايات الستّ عشرة التي اختيرت ضمن القائمة الطويلة هذا العام بتنوّع موضوعاتها وقوالبها الأدبية التي عُولجت بها. هناك روايات تعالج كفاح المرأة لتحقيق شيءٍ من أحلامها في مجتمع ذكوريّ يحرمها بدرجات متفاوتة من ممارسة حياتها، وأخرى تُدخلنا إلى عوالم دينيّة وطائفيّة يتقاطع فيها التطرّف والتعنّت المُغالى به مع جوانب إنسانيّة جميلة ومؤثّرة».

وأضافت: «كما تناولت الكثير من الروايات موضوع السلطة الغاشمة وقدرتها على تحطيم آمال الناس وحيواتهم، وقد استطاع بعض الروائيين معالجة هذا الموضوع بنفَسٍ مأساوي مغرقٍ في السوداوية، وتناوله آخرون بسخرية وفكاهة تَحُدّان من قسوة الواقع وتمكّنان القارئ من التفاعل معه بشكل فاعل».

وتابعت: «أمّا من ناحية القوالب الأدبيّة فتضمّنت القائمة عدّة روايات تاريخيّة، تناول بعضها التاريخ الحديث، في حين عاد بنا البعض الآخر إلى العهد العبّاسيّ أو إلى فترة محاكم التفتيش واضطهاد المسلمين في الأندلس. كما تضمّنت القائمة أعمالاً أقرب إلى السيرة الذاتيّة، وأخرى تشابه القصص البوليسيّة إلى حدّ كبير».

من جانبه، قال رئيس مجلس الأمناء، ياسر سليمان: «يواصل بعض روايات القائمة الطويلة لهذه الدورة توجّهاً عهدناه في الدورات السابقة، يتمثّل بالعودة إلى الماضي للغوص في أعماق الحاضر. لهذا التوجّه دلالاته السوسيولوجية، فهو يحكي عن قساوة الحاضر الذي يدفع الروائي إلى قراءة العالم الذي يحيط به من زاوية تبدو عالمة معرفياً، أو زاوية ترى أن التطور الاجتماعي ليس إلّا مُسمّى لحالة تنضبط بقانون (مكانك سر). ومع ذلك فإنّ الكشف أمل وتفاؤل، على الرغم من الميل الذي يرافقهما أحياناً في النبش عن الهشاشة وعن ضراوة العيش في أزمان تسيطر فيها قوى البشر على البشر غير آبهة بنتائج أفعالها. إن مشاركة أصوات جديدة في فيالق الرواية العربية من خلفيات علمية مختلفة، منها الطبيب والمهندس وغير ذلك، دليل على قوّة الجذب التي تستقطب أهل الثقافة إلى هذا النوع الأدبي، على تباين خلفياتهم العمرية والجندرية والقطرية والإثنية والشتاتية». وسيتم اختيار القائمة القصيرة من قِبل لجنة التحكيم من بين الروايات المدرجة في القائمة الطويلة، وإعلانها من مكتبة الإسكندرية في مصر، وذلك في 19 فبراير (شباط) 2025، وفي 24 أبريل (نيسان) 2025 سيتم إعلان الرواية الفائزة.

ويشهد هذا العام إطلاق ورشة للمحررين الأدبيين تنظّمها الجائزة لأول مرة. تهدف الورشة إلى تطوير مهارات المحررين المحترفين ورفع مستوى تحرير الروايات العربية، وتُعقد في الفترة بين 18 و22 من هذا الشهر في مؤسسة «عبد الحميد شومان» بالأردن.