معارك طاحنة للسيطرة على قمم الجبال بين مأرب وصنعاء

مصدر عسكري لـ {الشرق الأوسط}: تهيئة مدرج لطائرات التحالف بالقرب من مأرب يثير مخاوف الحوثيين

معارك طاحنة للسيطرة على قمم الجبال بين مأرب وصنعاء
TT

معارك طاحنة للسيطرة على قمم الجبال بين مأرب وصنعاء

معارك طاحنة للسيطرة على قمم الجبال بين مأرب وصنعاء

كشفت معلومات عسكرية لـ«الشرق الأوسط»، أن قوات التحالف العربي التي تشن حربا لتحرير اليمن من قوات الميليشيات المتمردة على الشرعية هناك، دخلت في معارك طاحنة للسيطرة على قمم الجبال في قرية «نهم» الواقعة بين صنعاء ومحافظة مأرب، وذلك بهدف السيطرة على الطرق المؤدية إلى صنعاء ما يشير إلى قرب البدء في عمليات تحرير العاصمة اليمنية، بمشاركة قوات عسكرية مختلفة.
فيما انسحبت مجاميع الميليشيات الحوثية من محافظة شبوة الواقعة في الشطر الجنوبي من اليمن بهدف تعزيز مواقعها في مختلف جبهات محافظة مأرب، والتي تعد البوابة الرئيسية في الوصول إلى العاصمة صنعاء من الجهة الشرقية، حيث تستعد المجاميع العسكرية إلى سلك طرق مختلفة من بينها هذا الطريق في حال البدء في عمليات التحرير العسكرية.
وكثفت الميليشيات الحوثية يوم أمس، عمليات القصف على مقر القيادة العسكرية الموالية للشرعية في صحن الجن الواقع ضمن محافظة مأرب، وذلك بسبب تزايد مخاوف أعداء الشرعية اليمنية من قرب تحرير صنعاء، التي باتت على مرمى حجر من قوات التحالف المتمركز إلى الشرق من عاصمة اليمن، الأمر الذي تبين ظهور حالات من الارتباط في صفوف المتمردين.
وأوضح حمد بن وهيط، أحد شيوخ قبيلة عبيدة اليمنية لـ«الشرق الأوسط»، أن قوات التحالف العربية بقيادة السعودية، تتواجد بر وجو في مأرب منذ خمسة أيام، وأنها تحقق خلال الفترة الحالية، أهداف استراتيجية، الأمر الذي أدى إلى رفع المعنويات لدى المقاومة الشعبية والقبائل والمواطنين الموالين للشرعية في البلاد، وشدد على وجود انسجام واضح وتفاهم بين القوات الشعبية وقوات التحالف البرية.
وقال وهيط، بأن الميليشيات الحوثية تعيش حالة من التخبط، وهو ما يظهر جليا من خلال القصف العشوائي الذي يؤكد اضطرابهم.
فيما أكد مصدر عسكري يمني لـ«الشرق الأوسط»، أن قوات التحالف العربية انتهت أخيرًا، من تهيئة مدرج للطائرات من نوع «الأباتشي»، في مناطق قريبة من محافظة مأرب، الأمر الذي أدى إلى رفع حالة الهلع والتخبط في صفوف الميليشيات الحوثية وأتباع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، الذين يراقبون المشهد من بعيد.
وشدد وهيط، على أن القبائل اليمنية التي تحارب جنبا إلى جنب مع قوات التحالف والمقاومة الشعبية، وأصبحت جزءا مهما من المقاومة الشعبية في مأرب، لا تزال متمسكة في محاولة تحقيق الأمن والاستقرار في اليمن، وطرد المتمردين على الشرعية، حيث إنهم يحكمون قبضة القبائل من مفرق الجوف إلى حريب بيحان في شبوة.
يشار إلى أن أكثر من 30 عربة عسكرية تحركت للمشاركة في معارك مأرب وهي بكامل جاهزيتها.
وكانت مصادر عسكرية أكدت وصول تعزيزات من السعودية إلى منطقة بيحان المحاذية لمحافظة مأرب، تشمل مركبات مصفحة عبرت نقطة وادية الحدودية في محافظة حضرموت، متجهة إلى مأرب.
وفيما أرسلت قوات التحالف ثماني مروحيات أباتشي ستتمركز في حقول السفير النفطية، أكدت المعلومات الميدانية وصول عدد من أسراب الحوامات، وتهيئة مدرج شركة نفطية في منطقة صافر لخدمة طائرات التحالف.
في هذه الأثناء، رجحت تحليلات عسكرية قدرة قوات التحالف على حسم المعارك بالسرعة المطلوبة بعد التأكد من تأمين الجو لحركة الجنود على الأرض، خاصة أن القوات البرية التي تتولى تحرير اليمن حاليا صارت أقرب إلى العاصمة صنعاء أكثر من أي وقت.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.