الصحافة الأفغانية الوليدة في خطر مع اقتراب الانسحاب الأميركي

يوجد معهد تطوير وسائل الإعلام الممول أميركيا في منزل كبير من طابقين خلف بوابة حديدية مدرعة، وفي حراسة جنود مسلحين لا يستطيعون الوصول إلى المبنى إلا من خلال الماسح الحاسوبي الضوئي. ولقد طبقت إجراءات السلامة في ربيع هذا العام عقب اتهامات من حركة طالبان بأن معهد ناي صار «مركزا للغزو الثقافي الأميركي في البلاد».
منذ سقوط النظام الديني المتطرف في عام 2001، أنفقت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 110.7 مليون دولار على تطوير وتعزيز وسائل الإعلام المفتوحة في أفغانستان حيث لم تشهد البلاد مثل تلك الوسائل من قبل، وفقا لتحليل التعاقدات على موقع (USAspending.gov) للإنفاقات الحكومية الأميركية. في ذلك الوقت، تعرض ما لا يقل عن 43 صحافيا محليا وأجنبيا للاغتيال، مع الإصابات التي طالت عشرات آخرين. ومع اقتراب انسحاب القوات الأميركية من البلاد، فهناك حالة الشك العميق تحوم حول مستقبل الصحافة في واحدة من أكثر البيئات عداء للصحافة والصحافيين في العالم.
بعد ظهيرة أحد الأيام في المعهد المذكور - حيث توجد صور جدارية لبعض الصحافيين الأفغان المغتالين - كانت سميرة حمتا (33 عاما) تدرس أساسيات علم الصحافة إلى 17 طالبا، كلهم من الذكور إلا واحدة. وكانوا يناقشون دور الصحافة في المجتمع الأفغاني. حيث أعرب أحد الطلاب عن شكواه للهجمات المتكررة على الصحافيين، حيث قال: «إن غالبية شعبنا من غير المتعلمين. وهم في حاجة إلى الصحافيين كي يزودوهم بالأخبار. وذلك هو السبب وراء رفعة تلك الوظيفة هنا»، فابتسمت حمتا. وهي الصحافية الإذاعية التلفزيونية السابقة التي انخرطت في تلك المهنة لتحقيق فارق يُذكر في حياة الناس هناك، حيث حصلت على درجة جامعية في الصحافة من جامعة كابل، ثم عملت على صقل مهاراتها من خلال ورش العمل الصحافي المدعومة من قبل الحكومة الأميركية.
وتقول عن ذلك «إن البندقية سلاح الجندي. والقلم هو سلاح الصحافي». ومنذ الإطاحة بنظام حكم طالبان من البلاد، انتشرت مراكز الإعلام المستقلة في البلاد التي مزقتها ويلات الحروب، وكانت تلك المراكز تتلقى التمويل والتوجيه الأميركي إلى حد كبير. ولا تزال حرية الإعلام وحرية التعبير من الأهداف الرئيسية للتدخل الأميركي في أفغانستان، ولكن الخوف يكمن في أن البندقية صارت أعلى صوتا من القلم.
حيث يواجه الصحافيون الاعتداءات البدنية والترهيب من جانب حركة طالبان، وأمراء الحرب، والمجرمين، ومن حكومة البلاد ذات الدعم الأميركي، التي اعتقلت وسجنت ما لا يقل عن 60 صحافيا، وفقا لجماعات مراقبة حرية وسائل الإعلام. وكان العام الماضي أكثر الأعوام عنفا على الإطلاق بالنسبة للصحافيين الأفغان منذ عام 2001، وكذلك يتضاءل الآن التمويل الوارد من الولايات المتحدة ومن مختلف الحكومات الغربية الأخرى، والذي كان سببا في عمل المئات من المراكز الإعلامية في البلاد.
ويقول نجيب شريف، العضو المؤسس لاتحاد الصحافيين الأفغان، حول الصحافة «إنها أكبر إنجازات الولايات المتحدة في أفغانستان. وعلينا المحافظة عليها».
وجاء الدافع وراء صعود وسائل الإعلام الأفغانية المستقلة في فترة ما بعد حكم طالبان إثر «العطش» الأفغاني للتعبير عن الذات بعد عقود طويلة من القهر والقمع والجيل الجديد الذي يتعطش للمعلومات، كما أضاف السيد شريف.
يقول لطف الله نجفي زاده، مدير الأخبار والشؤون العامة في محطة تلفزيون تولو: «لقد نشأ ذلك الجيل مع حرية التعبير. إنها تجري في عروقهم. ولقد ترسخت في أذهانهم هناك»، مشيرا إلى أن ثلثي الشعب الأفغاني لا تقل أعمارهم عن 25 سنة.
لقد تغير التدفق الحر للمعلومات في البلاد التي تضم نحو 31 مليون مواطن ويجاوز حجمها حجم ولاية تكساس الأميركية. ولم يكن هناك إعلام مستقل تحت حكم حركة طالبان ولمدة خمسة أعوام كاملة.
واليوم، يشتمل المشهد الإعلامي الأفغاني على قرابة 100 قناة تلفزيونية ونحو 250 محطة إذاعية، وفقا للاستبيان الممول أميركيا حول وسائل الإعلام الأفغانية في هذا العام. كما أن هناك أكثر من 200 صحيفة ومجلة. وأغلب وسائل الإعلام تتبع القطاع الخاص. وهم يوظفون، بشكل إجمالي، نحو 7200 صحافي.
كما أن هناك أيضا 34 وكالة إعلامية، فضلا عن 17 مركزا للتدريب الصحافي مسجلة لدى وزارة الإعلام والثقافة الأفغانية. وتضم تلك المراكز معهد ناي، الذي يعمل على تعزيز وسائل الإعلام المستقلة ويتلقى تمويله من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية من خلال شبكة إنترنيوز غير الربحية.
وكانت هناك نجاحات مسجلة: حيث نشرت قصة في ديسمبر (كانون الأول) بواسطة وكالة باجهوك أفغان الإخبارية حول فساد المسؤولين في محافظة فراه التي اشتملت على واردات الوقود غير القانونية والتي أدت إلى إقالة محافظ الإقليم، والقضية مطروحة الآن أمام مكتب المدعي العام الأفغاني. وفي إقليم لغمان، أدى تحقيق أجرته مجلة زاركمار حول ابتزاز موظفي الجمارك للأموال على الطرق السريعة بالإقليم إلى فصل الكثير من المسؤولين هناك.
والسؤال المطروح حاليا في كثير من الأذهان هو ما الذي سوف يحدث عقب إنهاء الولايات المتحدة لمهمتها وانسحاب القوات الأميركية من البلاد، وهو الإجراء المتوقع تنفيذه بحلول عام 2016.
ويمكن لوسائل الإعلام الكبرى في المناطق الحضرية أن تتجاوز ذلك، كما يقول المحللون. ولكن الكثير من المراقبين يخشون أن المحطات الإذاعية والصحف الصغيرة في المناطق النائية والريفية التي تعتمد في جزء كبير على أموال التبرعات سوف تتوقف عن العمل تماما، أو تتحول إلى أدوات في أيدي أمراء الحرب، والشخصيات السياسية، أو المتمردين. يقول السيد شريف «يمكنهم الموت، أو التحول إلى آلات دعائية في خدمة المصالح الإقليمية أو حركة طالبان».
تراجع التمويل الأميركي الذي ساعد في تشكيل سوق وسائل الإعلام الأفغانية يساهم في انهياره: فهناك الكثير من الصحافيين. تقول شارميني بويل من وكالة إنترنيوز «لن يستمر الأمر لذلك العدد الكبير من وسائل الإعلام في تلك الدولة الصغيرة. حيث إن عوائد الإعلانات ضئيلة للغاية».
ساعد التمويل بقيمة 2.8 مليون دولار من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في شراء المعدات التي أدت لقيام قناة تولو التلفزيونية، وهي الشبكة التلفزيونية الأكبر في البلاد حتى الآن. وهي تتمتع بالثقة والمصداقية وبالأخبار العاجلة السريعة، ولكنها تذيع القليل للغاية من التقارير حول المسائلة.
ساعدت وكالة إنترنيوز على تأسيس معظم المحطات الإذاعية الأفغانية، والممولة في جانب كبير منها بمنحة أميركية تقدر بمبلغ 21 مليون دولار. وتستخدم الأموال في بناء المحطات وتركيب أجهزة البث والإرسال في جميع أنحاء البلاد.
وتعتبر محطة سلام واتاندر من أكبر الشبكات الإذاعية المستقلة في البلاد التي أسست عام 2003، وفي ظل وجود 67 محطة إذاعية أخرى، فهي تعمل لمدة 4 ساعات في اليوم، وتتضمن البرامج الأخبار والبرامج التي تتعامل مع قضايا المرأة والشباب والحكومة الجيدة والزراعة. كما استخدم مبلغ 5.2 مليون دولار من أموال المساعدات الأميركية في إنشاء وتشغيل وكالة باجهوك أفغان الإخبارية، وهي أكبر وكالة إخبارية مستقلة في البلاد. وهي تضم طاقم عمل من 120 موظفا موزعين في جميع أنحاء المحافظات الأفغانية البالغ عددها 34 إقليما. ولا تزال وكالة باجهوك تتلقى مبلغا يقدر بـ10 آلاف دولار أميركي من الحكومة الأميركية شهريا.
وعلى خلاف معظم وسائل الإعلام الأفغانية، فإن وكالة باجهوك الإخبارية تجني الأرباح من بعض من 16 خدمة إخبارية مختلفة توفرها للمواطنين. حيث يقول رئيس تحرير الوكالة دانيش كاروخيل «إن هدفنا هذا العام أن نحقق الاعتماد الكلي على الذات».
ولكن أكثر وسائل الإعلام الأفغانية ربحية هي تلك التي تعرض المسلسلات التركية وغيرها من البرامج الترفيهية.
والكثير من البرامج العامة الخدمية الجادة - التي تركز على المرأة، والشباب، والانتخابات - تتلقى تمويلها الحالي من الجهات المانحة الغربية، ومعظمها من الحكومات والمؤسسات. ومع تقلص تلك الأموال، يمكن لرجال الأعمال الأثرياء وأمراء الحرب أن يعملوا على تغيير تلك المعادلة بسبب أنهم غير قلقين من وجود الجمهور المتابع أو السعي وراء أموال الإعلانات. وبالفعل، يمتلك بعض منهم محطات تلفزيونية وبعض الصحف لتعزيز أجنداتهم السياسية الخاصة والمجموعات العرقية التي ينتمون إليها.

* خدمة «نيويورك تايمز»