العراق ولبنان.. عودة الروح

العراق ولبنان.. عودة الروح
TT

العراق ولبنان.. عودة الروح

العراق ولبنان.. عودة الروح

كتبنا مرة أنه لا أمل في العراق إلا بظهور جيل جديد يرمي بالمحاصصة والطائفية إلى مزبلة التاريخ. وقد ظهر هذا الجيل بأسرع مما توقعنا، فها هو يملأ مدن وحارات وشوارع العراق التي كان يحتلها الطائفيون. إنها عودة الوعي، الذي ركد طويلا بسبب ما تراكم فيه من شقاء وحروب وقمع قل نظيره في التاريخ.
لم يكن الشارع العراقي، منذ تأسيس العراق الحديث، طائفيًا. ويمكن اعتبار ما حصل منذ 2003، لعوامل وأسباب كثيرة معروفة، عقدًا استثنائيًا، عقدًا باطلاً لم يمنحه الشرعية أحد. كانت شرعيته زائفة لأنها لم تكن نتاج وضع طبيعي. مقدمات خاطئة قادت بالضرورة إلى نتائج خاطئة. ويبدو أن العراق يستعيد نفسه، مهما كانت النتائج اللاحقة. فخلف شعارات الإصلاح، ومحاربة الفساد، ومحاكمة المسؤولين عن تحويل بلد من أغنى بلدان العالم إلى بلد من العصور الوسطى، تنهض الآن تحت جدارية جواد سليم روح جديدة، أو قل إنها الروح القديمة ذاتها بعد أن نفضت عنها الرماد.. هي روح العراق الشاملة التي تغسل أردانها من وحل الطائفية، وليست الطائفة، بل هي ترتفع بالطائفة إلى مستوى الوطن، لتكبر به كما يكبر بها.
لقد أرادوا لهذه الطائفية الغريبة على التربة العراقية أن تصبح طبيعة ثانية، قافزين فوق التاريخ والواقع بمعانيهما الواقعية والروحية. لا شيء أبغض من محاولة تحويل الإنسان إلى كائن فئوي، وحصره في سرداب ضيق لا يتنفس فيه سوى هواء نتن قادم من عصور تجاوزتها البشرية منذ قرون، وإفراغ روحه من غناها الرحيب، الذي غذاه تاريخ عريق مشترك قبل الطوائف وبعدها، لحشرها في علب السردين الطائفية.
هذا الضرر الدامي الذين ألحقه الطائفيون بالعراق ألحقه الطائفيون بلبنان، فحولوا هذا البلد المتعايش مع نفسه إلى كائن يأكل كل عضو فيه العضو الآخر، وينبذ كل عرق فيه ما لا يشبهه من العروق الأخرى، وكما يحدث في العراق الآن يبدو أن هناك روحًا تتحرك في لبنان، مهما كانت واهنة الآن، لتتحرر من أسرها الطائفي، وتستعيد جسمها الوطني العريض.
شباب ساحة رياض الصلح في بيروت، كما أبناء ساحة التحرير في بغداد، يريدون أيضًا أن يرموا بالمحاصصة والفئوية وحراسهما (الذين حولوا هذا البلد الجميل إلى مزرعة قاذورات تكبر منذ أكثر من ثلاثين سنة)، إلى مزبلة التاريخ. وكما في العراق، لا أحد يستطيع أن يدعي فضلاً وراء هذا المظاهرات سوى القهر والظل والإهانة. مظاهرات العراق ولبنان، على الرغم من اختلافاتها الظاهرية، فإن جوهرها واحد، لأن أس مصائب هذين البلدين واحد: المحاصصة الطائفية، التي تسترت وراء أسماء أحزاب وشخصيات أقل ما يقال عنها إنها لا تنتمي إلا لنفسها، مختصرة الوطن إلى شوارع وحارات ومدن وتجمعات تدور على نفسها، وتعيد إنتاج نفسها بديكورات مختلفة.
استعادة الروح الوطنية عملية كبرى لأنها تتطلب عملية خلخلة هائلة لبنى اجتماعية وثقافية راكمها الطائفيون والطغاة، وتحتاج إلى رافعة اجتماعية وسياسية لا تبدو متوافرة الآن، لكنها تلوح في الأفق. وقد بدأ الناس يدركون أنه من دون هذه الروح، ومن دون أن تتحول إلى قيمة عليا فوق العرق والطائفة، فإنه لا يمكن أن تشرق عليهم الشمس مرة أخرى.



إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة
TT

إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة

أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية الروايات المرشّحة للقائمة الطويلة بدورتها عام 2025؛ إذ تتضمّن القائمة 16 رواية. وكانت قد ترشحت للجائزة في هذه الدورة 124 رواية، وجرى اختيار القائمة الطويلة من قِبل لجنة تحكيم مكوّنة من خمسة أعضاء، برئاسة الأكاديمية المصرية منى بيكر، وعضوية كل من بلال الأرفه لي أكاديمي وباحث لبناني، وسامبسا بلتونن مترجم فنلندي، وسعيد بنكراد أكاديمي وناقد مغربي، ومريم الهاشمي ناقدة وأكاديمية إماراتية.

وشهدت الدورة المذكورة وصول كتّاب للمرّة الأولى إلى القائمة الطويلة، عن رواياتهم: «دانشمند» لأحمد فال الدين من موريتانيا، و«أحلام سعيدة» لأحمد الملواني من مصر، و«المشعلجي» لأيمن رجب طاهر من مصر، و«هوّارية» لإنعام بيوض من الجزائر، و«أُغنيات للعتمة» لإيمان حميدان من لبنان، و«الأسير الفرنسي» لجان دوست من سوريا، و«الرواية المسروقة» لحسن كمال من مصر، و«ميثاق النساء» لحنين الصايغ من لبنان، و«الآن بدأت حياتي» لسومر شحادة من سوريا، و«البكّاؤون» لعقيل الموسوي من البحرين، و«صلاة القلق» لمحمد سمير ندا من مصر، و«ملمس الضوء» لنادية النجار من الإمارات.

كما شهدت ترشيح كتّاب إلى القائمة الطويلة وصلوا إلى المراحل الأخيرة للجائزة سابقاً، وهم: «المسيح الأندلسي» لتيسير خلف (القائمة الطويلة في 2017)، و«وارثة المفاتيح» لسوسن جميل حسن (القائمة الطويلة في 2023)، و«ما رأت زينة وما لم ترَ» لرشيد الضعيف (القائمة الطويلة في 2012 و2024)، و«وادي الفراشات» لأزهر جرجيس (القائمة الطويلة في 2020، والقائمة القصيرة في 2023).

في إطار تعليقها على القائمة الطويلة، قالت رئيسة لجنة التحكيم، منى بيكر: «تتميّز الروايات الستّ عشرة التي اختيرت ضمن القائمة الطويلة هذا العام بتنوّع موضوعاتها وقوالبها الأدبية التي عُولجت بها. هناك روايات تعالج كفاح المرأة لتحقيق شيءٍ من أحلامها في مجتمع ذكوريّ يحرمها بدرجات متفاوتة من ممارسة حياتها، وأخرى تُدخلنا إلى عوالم دينيّة وطائفيّة يتقاطع فيها التطرّف والتعنّت المُغالى به مع جوانب إنسانيّة جميلة ومؤثّرة».

وأضافت: «كما تناولت الكثير من الروايات موضوع السلطة الغاشمة وقدرتها على تحطيم آمال الناس وحيواتهم، وقد استطاع بعض الروائيين معالجة هذا الموضوع بنفَسٍ مأساوي مغرقٍ في السوداوية، وتناوله آخرون بسخرية وفكاهة تَحُدّان من قسوة الواقع وتمكّنان القارئ من التفاعل معه بشكل فاعل».

وتابعت: «أمّا من ناحية القوالب الأدبيّة فتضمّنت القائمة عدّة روايات تاريخيّة، تناول بعضها التاريخ الحديث، في حين عاد بنا البعض الآخر إلى العهد العبّاسيّ أو إلى فترة محاكم التفتيش واضطهاد المسلمين في الأندلس. كما تضمّنت القائمة أعمالاً أقرب إلى السيرة الذاتيّة، وأخرى تشابه القصص البوليسيّة إلى حدّ كبير».

من جانبه، قال رئيس مجلس الأمناء، ياسر سليمان: «يواصل بعض روايات القائمة الطويلة لهذه الدورة توجّهاً عهدناه في الدورات السابقة، يتمثّل بالعودة إلى الماضي للغوص في أعماق الحاضر. لهذا التوجّه دلالاته السوسيولوجية، فهو يحكي عن قساوة الحاضر الذي يدفع الروائي إلى قراءة العالم الذي يحيط به من زاوية تبدو عالمة معرفياً، أو زاوية ترى أن التطور الاجتماعي ليس إلّا مُسمّى لحالة تنضبط بقانون (مكانك سر). ومع ذلك فإنّ الكشف أمل وتفاؤل، على الرغم من الميل الذي يرافقهما أحياناً في النبش عن الهشاشة وعن ضراوة العيش في أزمان تسيطر فيها قوى البشر على البشر غير آبهة بنتائج أفعالها. إن مشاركة أصوات جديدة في فيالق الرواية العربية من خلفيات علمية مختلفة، منها الطبيب والمهندس وغير ذلك، دليل على قوّة الجذب التي تستقطب أهل الثقافة إلى هذا النوع الأدبي، على تباين خلفياتهم العمرية والجندرية والقطرية والإثنية والشتاتية». وسيتم اختيار القائمة القصيرة من قِبل لجنة التحكيم من بين الروايات المدرجة في القائمة الطويلة، وإعلانها من مكتبة الإسكندرية في مصر، وذلك في 19 فبراير (شباط) 2025، وفي 24 أبريل (نيسان) 2025 سيتم إعلان الرواية الفائزة.

ويشهد هذا العام إطلاق ورشة للمحررين الأدبيين تنظّمها الجائزة لأول مرة. تهدف الورشة إلى تطوير مهارات المحررين المحترفين ورفع مستوى تحرير الروايات العربية، وتُعقد في الفترة بين 18 و22 من هذا الشهر في مؤسسة «عبد الحميد شومان» بالأردن.