مقهى «كابنشي» بالقاهرة يكافح دخان الشيشة بالـ{كتببلطية}

يحتوي على 4 مكتبات صغيرة.. ويرفع شعار «معًا لنرتقي»

مقهى «كابنشي» بالقاهرة يكافح دخان الشيشة بالـ{كتببلطية}
TT

مقهى «كابنشي» بالقاهرة يكافح دخان الشيشة بالـ{كتببلطية}

مقهى «كابنشي» بالقاهرة يكافح دخان الشيشة بالـ{كتببلطية}

على غرار مقهى «ريش» القاهري، الذي كان يعد أكبر تجمع للمثقفين والسياسيين في المنطقة العربية منذ عام 1908، وفي موقع متميز بحي مصر الجديدة الراقي بالقاهرة، قام مجموعة من الشباب بتأسيس مقهى «كابنشي» الذي طغى رقي وأصالة موقعه عليه ليميزه عن باقي المقاهي، وذلك في تقديم خدمة متميزة ومختلفة لزبائنه، وهي تشجيعهم على القراءة وتوسيع مداركهم.
فعند دخولك مقهى «كابنشي»، الذي يعني باللغة اليابانية: «الحمد» أو «الشكر»، يمكنك الاستمتاع بمشروبك المفضل أثناء قراءتك كتابا تقوم باستعارته بالمجان من المكتبة الموجودة بالمكان نفسه، وذلك في غياب رائحة الدخان، حيث قام المقهى بمنع تدخين الشيشة، ليستبدل برائحة الدخان رائحة الكتب.
وبالتأمل في جدران المقهى، تجد لوحات متنوعة لشخصيات عربية وعالمية، تظهر مقدار التنوع والاختلاف في محتوى مكتبات المقهى، من روايات وكتب باللغة العربية والإنجليزية أيضا، والمكان يسوده جو من الحميمية والألفة، ويتكون من عدة طاولات ومقاعد مريحة، ويشعرك بالراحة والهدوء.
وعن فكرة المقهى، قال أحمد محمد، أحد مؤسسيه، لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت الفكرة منذ 3 سنوات عندما قررت أنا واثنان من أصدقائي بعد تخرجنا، إقامة مشروع ذي قيمة يسمو بعقول الناس ويقوم بتغيير مجتمعنا إلى الأفضل، أكثر من كونه مشروعا تجاريا، فاقترح صديقنا أحمد مصطفى فتح مقهى يحفز الناس على القراءة، ويكون خاليا من الشيشة وأضرارها، فتحمسنا للفكرة بشكل كبير وقررنا تنفيذها، رافعين شعار (معًا لنرتقي)، وأطلقنا على المقهى اسم (كابنشي)، لما له من معان مبهجة لطيفة في العلوم الإنسانية، وهي صفات نفتقدها في حياتنا اليومية السريعة».
ويضيف محمد: «قمنا بادخار كثير من المال، وبالفعل نجحنا في تحقيق حلمنا في فتح المقهى، إلا أن المشروع لم يلقَ نجاحا كبيرا في البداية، وتعرضنا لخسارة كبيرة نتيجة قلة عدد الزبائن، فقررنا أن نغلق المقهى».
وأشار محمد إلى أنه بعد إغلاقه قام أحد الأشخاص بنشر صورة للمكان بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، ودعا الجميع إلى تشجيع المشروع والتكاتف لإحيائه مرة أخرى، فوجد استجابة كبيرة من الكثيرين، وقام بعض الأشخاص بالاتصال بمؤسسي المقهى وطالبوهم بفتح المقهى والتمسك بمشروعهم الراقي، مما دفعهم إلى إعادة فتح المقهى مرة أخرى، مؤكدا أن عدد الزبائن الآن زاد بشكل ملحوظ.
وتحتوي قائمة مشروبات المقهى على المشروبات التقليدية من قهوة وشاي وعصائر، وتقدم بأسعار بسيطة؛ حيث إن أغلى مشروب بالقائمة يبلغ سعره 18 جنيها مصريا، وينبع هذا من رغبة مؤسسيه في العودة إلى الطبيعية المصرية العادية، حيث كانت تقدم المشروبات المحلية وتتنوع بين القهوة والشاي والعصائر الطازجة، ولأن الهدف الرئيسي، هو حث الرواد على الاستمتاع بكوب من الشاي المتقن عمله، برفقة كتاب لمن يحبون، ليقضوا في المقهى وقتا طيبا، يعيدهم إلى إيقاع الحياة الهادئة مرة أخرى، ويعيد التنوير إلى ليالي القاهرة، حيث كانت لا تخلو كل ليلة من أمسية ثقافية، يغرد فيها الشعراء بأبياتهم، ويتلقاها المستمع كما يتلقى هواء النسيم القاهري الجميل.
ويحتوي «كابنشي» على 4 مكتبات صغيرة بها عشرات الكتب العربية والإنجليزية، وتضم أرفف المكتبات روايات متنوعة لكبار الكتاب الذين أثروا الحياة الأدبية والثقافية في مصر بكثير من الإصدارات التي ما زالت تحافظ على مكانتها في مجريات الثقافة في مصر، مثل روايات الأديب العالمي نجيب محفوظ، وأشهرها «الحرافيش» و«أولاد حارتنا» و«بين القصرين» و«السراب» و«خان الخليلي» و«قصر الشوق».
كما تضم المكتبة، أحدث الإصدارات الحالية، من روايات ودواوين شعر وإنتاجات أدب، وذلك من باب تشجيع الرواد على القراءة لجيل جديد من شباب الأدباء.
وقد طلب بعض الأشخاص من أصحاب المقهى التبرع ببعض الكتب كنوع من المشاركة منهم في المشروع، فوافق أصحاب المقهى، مؤكدين أن أي شخص سيضيف كتابا إلى «كابنشي» سيتم وضع شكر باسمه بجوار الكتاب.
وبالإضافة إلى الارتقاء بثقافة وفكر الأشخاص، يحاول «كابنشي» أيضا الارتقاء بروح وسمع الأشخاص، حيث يقوم عازف العود الفنان شادي جمال في يوم الخميس من كل أسبوع بالعزف لمدة ساعتين بالمقهى، ليضفي جوا متكاملا من الرقي العقلي والسمعي والثقافي.
«لازم نعتز بالأماكن اللي بتحيي الثقافة، أنا شخصيا سعيدة بالفكرة جدا، وعايزة أقول لمنفذيها اوعوا تزهقوا أو تقفلوا.. أنا شخصيا هاجي اقرا (كتاب) وأجدد إيماني بالأمل. انتوا بتثبتوا لينا إنه لسه في أمل».
من جهته، وجه محمد بلطية، رسالة لمؤسسي المقهى، قائلا «أحييكم فعلا، وأنا من زمان الفكرة دي تجول في خاطري، وكان نفسي أنفذها لأني كنت بحلم يكون عندي مكان وفيه مكتبه عامة تنشر العلم والثقافة والقراءة، وفعلا نفس فكرتكم بالضبط كافيه ومكتبه للمتعلمين والمثقفين ومقدري العلم والقراءة.. أحييكم، ويا ريت الفكرة ماتنتهيش».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».