من التاريخ: أحمد عرابي ونموذج الوطنية

من التاريخ: أحمد عرابي ونموذج الوطنية
TT

من التاريخ: أحمد عرابي ونموذج الوطنية

من التاريخ: أحمد عرابي ونموذج الوطنية

تعد شخصية أحمد عرابي من أهم رموز الوطنية المصرية على الإطلاق في التاريخ الحديث، إذ لا يخلو حي سكني في مصر من شارع أو حارة أو زقاق يحمل اسم هذا البطل المصري الذي لو قُدر له النجاح وهو يقود الحركة الوطنية لكان شأن مصر قد تغير ومعها الوطن العربي.
ثورة عرابي كانت أول ثورة مصرية في العصر الحديث بعد ثورة 1805 التي أتت بمحمد علي حاكمًا على البلاد، ولكنها كانت ثورة أكثر تنظيمًا وتسييسًا لمطالب محددة ورؤية واضحة. غير أن القدر لم يستجب فيها للمصريين، فانتهت على أيدي القوة التي أجهضتها وهي الاستعمار البريطاني للبلاد في عام 1882، لكنها مع ذلك ظلت رمزًا هامًا في التاريخ العسكري والسياسي المصري على حد سواء قادها أحد أبناء القوات المسلحة ومعه مجموعة وطنية.
لقد ولد أحمد عرابي في محافظة الشرقية وألحق للدراسة في الأزهر الشريف، وأعقب ذلك إلحاقه ضابطًا في الجيش المصري في عام 1854. وفي الجيش تدرج في بعض الترقيات بسبب تعاطف حاكم مصر الخديوي سعيد لتشجيعه انخراط المصريين كضباط في الجيش الوطني، إلا أنه سرعان ما فصل بسبب ميوله الوطنية واعتراضه على وضع أسقف محددة للتدرج في الترقي لصالح العناصر غير المصرية من الأتراك والجراكسة (الشركس) وغير المصريين، خاصة في المواقع القيادية في الجيش المصري، على الرغم من أن قوامه كان يتألف من جنود مصريين. ولكن فيما بعد عاد مرة أخرى إلى صفوف الضباط المصريين ورقي لرتبة أميرالاي وأصبح قائد لواء المشاة بالعباسية.
وحافظ الأميرالاي أحمد عرابي على مواقفه، وهو ما وضعه في حالة صدام مع وزير الحربية آنذاك عثمان رفقي، الذي كانت له مواقفه المتعنتة تجاه الضباط من أصول مصرية، ولقد ساعد على ذلك موقف الخديوي الجديد توفيق الذي كان ضعيف الشخصية خاصة أمام القناصل الأجانب في مصر. ومعروف أن مصر كانت قد تعرضت لمشكلات متعددة بسبب أزمة الديون الناجمة عن الاستدانة لتغطية نفقات حفر وافتتاح قناة السويس في عام 1869 التي كبلت البلاد بالديون مما أدي لرهن ما يقرب من نصف ميزانية البلاد لصالح الدائنين الأجانب ووضع الميزانية تحت المراقبة الثنائية لبريطانيا وفرنسا. ومن ثم فتحت هاتان الدولتان الباب على مصراعيه من رجال الأعمال الأجانب للاستفادة من الظروف المصرية. وتكالبت العوامل المختلفة لتضع جذور «الثورة العرابية» بسبب انتشار الفقر في البلاد فضلاً عن تدهور حالة القضاء المصري، الذي أصبح في حاجة ماسة لتطوير مؤسساته ونظام التقاضي فيه وضمان الحقوق والحريات القانونية، ناهيك ببزوغ رغبة مصرية لتطوير النظام السياسي في مصر، خصوصا في المجال النيابي، منه إقرار مجلس شورى النواب والذي كان منزوع الصلاحية سياسيًا.
كذلك تفاقمت الأحوال داخل الجيش المصري، خاصة بعد تعدد حالات الاضطهاد ضد الضباط المصريين وقسوة العقوبات ضد بعضهم، فتفجرت الأزمة في عام 1881 عقب حالة متجددة من الظلم. وعندها ثارت ثائرة عرابي ومعه مجموعة من الضباط يتبعهم جنودهم وتظاهروا أمام منزل وزير الحربية مطالبين بعزله، فجاء رد الوزير بالتضامن مع رئيس الوزراء والخديوي ذاته بمحاكمة عسكرية لقيادات الثورة وتم حبسهم. غير أن رفاقهم تحركوا مباشرة لإخلاء سبيلهم وتوسط وزراء آخرون واضطر الخديوي للتراجع عن موقفه على الفور خشية انفلات الأمر، خصوصا وأن الجيش لم يكن على خصومة مباشرة معه، بل كان هناك استعداد للتعاون معه باعتبار أنه يمكن أن يقود حركة الإصلاح.
وأسفرت هذه الجولة عن عزل وزير الحربية وتعيين محمود سامي البارودي، أحد رموز الوطنية والمقرب لحركة الضباط المصريين والمتعاطف معهم في آن واحد، بدلاً منه. غير أن البارودي لم يمكث طويلاً بعدما وقعت أزمة بسبب حادثة في رأس التين بالإسكندرية أدت إلى أحكام قاسية على عدد من الجنود والضباط المصريين، فاستقال وزير الحربية احتجاجًا على ذلك وحلت محله شخصية صلبة رافضة للحركة الإصلاحية في الجيش وأخذ خطوات عملية لنقل القيادات الوطنية وتفريقهم.
رد عرابي وأتباعه على الفور برفض الانصياع للأوامر وحركوا ألويتهم قي 9 سبتمبر (أيلول) 1881 صوب سراي عابدين ومعهم مجموعة من المطالب على رأسها: إقامة حياة نيابية سليمة وتأليف مجلس نيابي منتخب انتخابًا حرًا، وزيادة عدد الجيش وتحسين إدارته وإدخال الإصلاحات السياسية والاقتصادية في البلاد.
رفض الخديوي في بداية الأمر هذه المطالب ودخل السراي وبجواره القنصلان الفرنسي والبريطاني، لكنه اضطر في النهاية للرضوخ لمطالب الجيش المصري، فأقال الوزارة وعين شريف باشا رئيسًا للوزراء وكان رجلاً وطنيًا مستقلاً في رأيه ويتمتع برباطة جأش، وهو ما تسبب في بعض التوتر النسبي مع الزعيم أحمد عرابي والقيادات الوطنية بالجيش حيث أصر على أن يكون مستقلاً ويمنع تدخل الجيش في عمل الوزارة الجديدة، وهو ما وافق عليه عرابي في النهاية بعد حصوله على الضمانات الكافية. وبذلك تشكلت وزارة الإصلاح التي أطلق عليها عن حق «وزارة الأمة»، وبدأ بسن القوانين المختلفة من أجل تحقيق هذه الغاية. وتقرر أيضًا نقل زعماء الحركة الوطنية حتى لا يبدو وكأنهم مراقبون على أداء الحكومة، وهو ما قبله عرابي ورجال الحركة الوطنية، وكانت لحظات خروجهم من القاهرة ملحمة في التظاهر والمحبة والود من قبل الشعب إلى الحد الذي قام الكثير برش الورود والملح أمامهم.
وحقيقة الأمر أن «وزارة الأمة» استحقت هذا اللقب على الرغم من أنها لم تبق كثيرًا في إدارة شؤون البلاد، ففي عهد هذه الوزارة تم إدخال إصلاحات موسعة على النظام القضائي في البلاد، لا سيما إقرار المحاكم الابتدائية والنقض ودوائر التقاضي بالإضافة إلى بعض الإصلاحات الإدارية في الجيش والبلاد. ولكن أهم إنجازات هذه الوزارة بلا خلاف كان إجراء الانتخابات البرلمانية النزيهة وتشكيل أول مجلس نواب على أساس الانتخابات الحرة النزيهة وليس بالتعيين، كما كان الحال بالنسبة لمجلس شوري النواب، فضلاً عن توسيع صلاحيات هذا المجلس ليصبح برلمانًا وليس جهة استشارية وأخضع الحكومة لسلطاته.
تم افتتاح هذا البرلمان في ديسمبر (كانون الأول) 1881، وأقرت هذه الحكومة الدستور أيضًا والذي ضمن صيغة توزيع السلطات، بما في ذلك إشراف البرلمان على الميزانية، وهذه كانت بداية الصدام الحقيقي مع بريطانيا وفرنسا. إذ رفضت الدولتان هذا المقترح تمامًا لأنه أصبح يقلص من سلطاتهما في مراقبة المالية المصرية وهو ما يعني بداية الاستقلال المالي المصري، وهو ما دفعهما لتقديم مذكرة مشتركة للضغط على الحركة القومية ودعم سلطات الخديوي أمام البرلمان الجديد وحركة الإصلاحيين في الجيش المصري. وبدأ القنصلان الفرنسي والبريطاني يمارسان الضغوط على رئيس الوزراء الذي آثر أن يمرر الأزمة بهدوء منعًا للتدخل الأجنبي، لكن أحمد عرابي كانت له رؤيته بضرورة عدم السماح بأي تراجع للمكتسبات السياسية والشعبية، وهو ما أدى إلى استقالة رئيس الوزراء وتعيين البارودي بدلاً منه ولقد أصر بدوره على ضرورة مراجعة البرلمان المصري للميزانية رغم التهديدات الأجنبية. لكن الأحداث لم تمهله كثيرًا فسرعان ما بدأت البلاد تتعرض للقلاقل خاصة بعدما أصدرت إحدى المحاكم العسكرية أحكامًا صارمة على بعض الضباط الإصلاحيين.
وعندما خفف الخديوي الحكم احتج الجيش وأصر على أن يقر البرلمان الأحكام ولكن الخديوي رفض دعوته للانعقاد، وهو ما أدخل الوزارة في حالة صدام مباشر مع الخديوي، ولم تستطع الوزارة فرض دعوة البرلمان مما دفع فرنسا وبريطانيا لإرسال قطع الأسطول مرة أخرى صوب الإسكندرية للضغط على الوزارة والتي لم تجد بدًا من الاستقالة احتجاجًا على الأوضاع فاضطر الخديوي إلى تولى هذه المسؤولية، وإزاء ضغط الجيش المصري تم تعيين أحمد عرابي وزيرًا للحربية وهو ما لم تكن بريطانيا، على وجه الخصوص، على استعداد لقبوله فبدأت عمليات التحرش السياسي بالجيش المصري استعدادًا للاحتلال كما سنرى.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.