المشهد: بين تورنتو وفينيسياhttps://aawsat.com/home/article/434256/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D9%87%D8%AF-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D9%88%D8%B1%D9%86%D8%AA%D9%88-%D9%88%D9%81%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%B3%D9%8A%D8%A7
* شيء من التنسيق، ولأول مرّة، تم بين مهرجاني تورنتو وفينيسيا.
* سابقًا ما كان المهرجان الكندي يوخز خاصرة المهرجان الإيطالي بتوقيته. ذلك لأن مهرجان فينيسيا كان يفتتح دوراته عادة في الأيام الأخيرة من شهر أغسطس (آب)، في حين ينطلق تورنتو في الرابع من سبتمبر (أيلول) وأحيانًا، فقط، في الخامس منه.
* كان ذلك يعني وجود مهرجانين كبيرين يسيران على سكتي حديد واحدة في وقت واحد تقريبًا. البعض من السينمائيين كان يفضل البقاء في الجوار الأوروبي، والبعض الآخر، من أوروبا وسواها، كان يؤم مهرجان تورنتو حتى لا يضطر لقضاء أيام قليلة في فينيسيا يتكبّد فيها تكاليف الإقامة والترويج إذا ما كان الفيلم سيعرض خارج المسابقة.
* إلى ذلك، فإن الحشد الإعلامي الكبير الذي كان المهرجان الإيطالي عمل طويلاً على استمالته، والذي كان يجد في فينيسيا المجال الرحب لعمله، كون فينيسيا أحد أهم ثلاثة مهرجانات حول العالم، أخذ يستغل الفجوة بين المهرجانين فيحضر فينيسيا لخمسة أو ستة أيام ثم يترك باقي أيام المهرجان ليقضيها في المهرجان الكندي.
* هذا، بالنسبة لإدارة مهرجان فينيسيا، مريع. أنت هنا أو هناك. لذا كان على المهرجان الذي أطلقه موسيلليني سنة 1932 وشهد خلال سنوات حياته الكثير من التعرجات السياسية والفنية قبل أن يستوي على ما هو عليه الآن، أن يجد حلاً. وهذا العام وجده بالفعل: تأخير موعد إطلاق المهرجان من الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين من الشهر الحالي إلى الثاني من سبتمبر (أيلول). هذا التغيير كان سيعني أن من يريد الذهاب إلى تورنتو بعد قضاء أيام قليلة في مهرجان فينيسيا، يستطيع أن يتوجه إلى تورنتو مباشرة لأنه لن يستطيع الربط بين الاثنين.
* لكن شيئًا آخر وقع يستفيد منه فينيسيا استفادة جمّة: تورنتو قرر أن يجدول توقيته بدوره. عوض الرابع أو الخامس من سبتمبر، فليكن العاشر منه. الإفادة هي أن من يحضر فينيسيا صار لزاما عليه تمضية معظم أيام المهرجان فيه وليس خارجه. أولئك الذين سيغادرونه قبل يومين من نهايته لن يشكلوا أي تغيير فعلي، لأن الكثير من رواد المهرجان يغادرون المهرجانات بيومين أو ثلاثة قبل نهايتها.
* أخيرًا، كاتب هذه الكلمات كان اعتاد أن يكون من بين القافزين من فينيسيا إلى تورنتو، وذلك حتى سنوات قريبة مضت. لكنه اكتشف أن المسألة تحتاج إلى التزام وعليه توقف عن مثل هذا الفعل. لكن الآن، وبعد أن آخر تورنتو توقيته فإن الإغراء موجود.. إن لم يكن هذا العام ففي العام المقبل إن شاء الله.
يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.
لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.
الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.
في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟
هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.
* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».
THE WRESTLER ★★
* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).
يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.
هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.
يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.
* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».
ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★
* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).
قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).
نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.
اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.
* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»
★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز