عمال التكنولوجيا في فنلندا يستجمعون قواهم مجددًا بعد انتكاسة «نوكيا»

الشركة كانت تسيطر على سوق الهواتف النقالة في العالم

عمال التكنولوجيا في فنلندا يستجمعون قواهم مجددًا بعد انتكاسة «نوكيا»
TT

عمال التكنولوجيا في فنلندا يستجمعون قواهم مجددًا بعد انتكاسة «نوكيا»

عمال التكنولوجيا في فنلندا يستجمعون قواهم مجددًا بعد انتكاسة «نوكيا»

تلخص قصة كيمو كاليولا جيدًا الشعور الذي يراود آلاف الفنلنديين على مدار العامين الماضيين، حيث قضى أكثر من عقد يعمل لدى شركة «نوكيا»، في وظيفة تقنية متقدمة للغاية، لكن العملاق التكنولوجي الفنلندي عانى من محن اقتصادية شديدة. في أواخر عام 2012، جرى تسريح كاليولا و10 آلاف آخرين من العاملين بالشركة.
وفي تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» يقول كاليولا البالغ 42 عاما الحاصل على درجة الدكتوراه في هندسة الراديو، عن تلك الفترة: «أتذكر تلك الليالي التي عجزت خلالها عن النوم».
الملاحظ أن المشكلات الاقتصادية التي عصفت بـ«نوكيا»، التي كانت يومًا ما مصدر فخر وطني للفنلنديين، تباطأت وتيرتها بالفعل. العام الماضي، باعت الشركة وحدة هواتفها النقالة التي هيمنت على نشاطها التجاري في يوم من الأيام إلى «مايكروسوفت». وأعلنت الأخيرة، من جانبها، عن تسريح 18 ألف عامل بالوحدة، الكثير منهم في فنلندا. ويجري حاليًا اتخاذ مزيد من القرارات بتقليص الوظائف. وأعلنت «مايكروسوفت» أنها ستقلص قوة العمل الفنلندية بما يصل إلى 2.300 موظف، ما يعادل نحو ثلثي قوة العمل المحلية لدى الشركة. والآن، تركز «نوكيا» أنظارها بصورة شبه كاملة على مجال البنية التحتية للاتصالات عن بعد.
وبالتأكيد أثار هذا العدد الكبير من العمال التقنيين غير العاملين أمثال كاليولا داخل الاقتصاد مشكلات بالنسبة لصانعي السياسات - وهو موقف يرحب به الكثير من نظرائهم بمختلف أرجاء العالم.
مع حدوث نمو هائل في الهواتف الذكية وتطبيقاتها وخدمة الإنترنت المرتبطة بالهواتف النقالة، تبذل الحكومات بمختلف دول العالم لتدريب واجتذاب مزيد من المطورين والمهندسين أصحاب المهارات المرتفعة لتلبية احتياجات اقتصاداتها التي تتحول سريعًا إلى الطبيعة الرقمية.
من جانبهم، يستثمر السياسيون البريطانيون بشدة في تدريب المراهقين على علوم الكومبيوتر، بينما يدفع صانعو السياسات الفرنسيون نحو التشفير باعتباره الحل المحتمل للمشكلات الاقتصادية التي تواجه البلاد. في الوقت ذاته، يعمد الكثير من الأميركيين لإعادة تعديل مهنتهم بحيث يستفيدون من الأعداد المتزايدة من الوظائف المرتبطة بمجال التكنولوجيا.
بيد أنه داخل فنلندا - الذي يكافئ عدد سكانها تقريبًا سكان مينيسوتا - تواجه البلاد مشكلة متناقضة تمامًا: ذلك أن البلاد بها فائض من هذه النوعية من العمال، الذين أصبحوا بلا عمل بعد سلسلة من إجراءات التسريح التي اتخذتها «نوكيا» و«مايكروسوفت». ويشعر صانعو السياسات وشركات التقنية بحيرة حيال هذه المشكلة، ويحاولون تحويل مأساة «نوكيا» و«مايكروسوفت» إلى مكسب لفنلندا.
قد يناضل بعض العاملين داخل فنلندا للعثور على وظيفة جيدة، إلا أن الكثيرين منهم قد بدءوا بالفعل مشروعات خاصة بهم أو التحقوا بالعمل بشركات تكنولوجية تنقل عملها إلى فنلندا. على سبيل المثال، أطلق كاليولا شركة باسم «كوبا»، وهي متخصصة في توفير خدمات تحديد المواقع بدقة، ويعتمد فيها على المهارات التي تعلمها خلال فترة عمله في «نوكيا» والاتصالات التي بناها هناك.
ويعد هذا الخروج الهادئ نسبيًا من الأزمة التي عصفت بالعاملين بمجال التكنولوجيا، في جزء منه ثمرة لجهود الحكومة الفنلندية، ففي الوقت الذي بدأت الحكومة الفنلندية في تسريح موظفيها، بدأ سياسيون في توفير منح حكومية، وبرامج ريادة أعمال وبرامج تدريبية أخرى لمعاونة الآلاف من العمال التقنيين الذين تعرضوا للتسريح على إنشاء شركات خاصة بهم. علاوة على ذلك، فتحت مكاتب من خارج فنلندا مكاتب لها هناك، وأغراها في ذلك فائض العاملين التقنيين المتاح. كما أجبر سياسيون فنلنديون «نوكيا» - ويمارسون حاليًا ضغوط مشابهة على «مايكروسوفت» - لدعم إعادة دخول موظفين سابقين إلى سوق العمل. وتتضمن صور المساعدة منح للشركات الجديدة والسماح للموظفين باستغلال بعض من حقوق الملكية الفكرية للشركة، مثل براءات الاختراع غير المرغوب فيها، من دون أي رسوم تقريبًا.
في هذا الصدد، أعرب أولي رهن، وزير الشؤون الاقتصادية الفنلندي، عن اعتقاده بأن: «كلا من (نوكيا) و(مايكروسوفت) أظهرت شعورا كبيرا بالمسؤولية تجاه محاولة تقليل تأثير إجراءات التسريح. ولا تزال فنلندا معقلاً قويًا للصناعة التكنولوجية العالمية».
وبفضل هذه الجهود، تراجع معدل البطالة بين العاملين التقنيين بالبلاد عدة درجات مئوية عن معدل البطالة العام حاليًا بالبلاد والبالغ 10 في المائة، تبعًا لما ذكره مسؤولون حكوميون وإحصاءات وطنية.
من بين الأشخاص الذين ساعدوا في تقليص هذا العدد ريستو كيفيبورو، الذي كان في الـ58 من عمره وعمل طيلة حياته في «نوكيا» عندما جرى تسريح فريق عمله عام 2012.
وقد أقنعته مجموعة من أصدقائه السابقين بالانضمام لشركة ناشئة تحت اسم «بيسيا سوفت»، التي تعتمد في عملها على تكنولوجيا نقل بيانات الهاتف النقال التي ابتكروها داخل «نوكيا».
عبر برنامج يخضع لرعاية حكومية، نجح فريق العمل الصغير في استصدار ترخيص للبرنامج - مجانًا تقريبًا - من «نوكيا» وحصلوا على عشرات الآلاف من الدولارات من الشركة لتمويل شركتهم الناشئة.
وعبر الاستعانة بعدد من العناصر الكثير من مسؤولي المبيعات السابقين لدى «نوكيا» - والذين خسر الكثيرون منهم وظائفهم مؤخرًا أيضًا - تمكنوا من اجتذاب بعض شركات تشغيل الهواتف النقالة من ألمانيا ووسط أوروبا، بل وروسيا كعملاء لهم.
وعلق كيفيبورو على الأمر بقوله للصحيفة: «في سن الـ58، لم يكن أحد ليقوم بتوظيفي. لو كنت أعلم أن إدارة شركة خاصة بي يحمل هذا القدر الكبير من المتعة، لكنت رحلت عن (نوكيا) قبل ذلك بكثير».
من ناحية أخرى، عملت الكثير من المدن الفنلندية التي تضررت بشدة من إجراءات تسريح العمالة بأعداد كبيرة، على اجتذاب شركات تكنولوجية أخرى، بالاعتماد على المهارات التكنولوجية المحلية المتاحة باعتبارها عامل جذب قويا.
يذكر أن شركتي «آرم هولدينغز» البريطانية المعنية بتصميم المنتجات الرقمية، و«ميديا تيك» التايوانية المنتجة لأشباه الموصلات، أنشأتا مؤخرًا منشآت بحث وتطوير في أولو - في أقصى شمال فنلندا - واستعانتا بفريق عمل من مهندسين سابقين في «نوكيا».
وقال جوها ألا مورسولا، مدير شؤون التنمية الاقتصادية بمدينة أولو، حيث تعرضت فرق التصنيع والتصميم التابعة لـ«نوكيا» لأزمة شديدة بسبب إجراءات تسريح العمالة التي اتخذتها الشركة.
وأضاف: «من المحزن رؤية ما ألم بـ(نوكيا)، لكن عندما تسقط شجرة كبيرة، تحتاج الكثير من الأشجار الصغيرة لتحل محلها».
ومع ذلك، أعرب بعض المستثمرين ورواد الأعمال الفنلنديين عن شكوكهم إزاء المهارات التجارية لموظفي «نوكيا» السابقين، مشيرين إلى أن تأسيس شركة جديدة يختلف كل الاختلاف عن كون الإنسان عضو قيم في مؤسسة كبرى.
يذكر أن جيلاً جديدًا من رواد الأعمال الفنلنديين نجحوا بالفعل في إنشاء بعض الشركات الصاعدة، خاصة بمجال ألعاب الهاتف النقال - مثل «روفيو»، الشركة القائمة وراء لعبة «أنغري بيردز»، والتي تتخذ من إسبو في فنلندا مقرًا لها. إلا أن هذه الشركات غالبًا ما فضلت الاستعانة بخريجين جدد من الجامعات المحلية على تعيين موظفين سابقين لدى «نوكيا».
وأشار آخرون إلى أن عمال سابقين من «نوكيا» يناضلون في مواجهة عدد قليل من الموارد المتاحة لديهم بعد تركهم الشركة الدولية الكبرى. من جهته، قال أنتي سارينيو، رئيس «جولا»، وهي شركة فنلندية تولت تطوير نظام تشغيل هواتف «نوكيا» السابق لمنافسة «أندرويد» التابع لـ«غوغل» - إنه يحاول كبح جماح المطورين الـ100 العاملين لديه في هيلسنكي (ومعظمهم موظفين سابقين في نوكيا) عندما يطلبون أشياءً خارج نطاق ما هو متاح لدى شركة ناشئة.



الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
TT

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة، فقد أثقلت هذه الأزمة كاهل المواطن اللبناني، وأغرقت البلاد في دوامة من انهيار شامل للنظامين المالي والاقتصادي، بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المائة من قيمتها. ونتيجة لذلك، تفشى التضخم بشكل غير مسبوق مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية، في حين قفزت معدلات الفقر والبطالة بشكل دراماتيكي.

وفي خضم هذا الواقع المأساوي، شلّت الصراعات السياسية الحادة مؤسسات الدولة، فقد تعمقت الانقسامات إلى حد أن الحكومة أصبحت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة جذرياً. ومع تفاقم الأوضاع، أضافت الحرب الأخيرة مع إسرائيل عبئاً جديداً على لبنان، مخلّفة خسائر بشرية ومادية هائلة قدّرها «البنك الدولي» بنحو 8.5 مليار دولار، وزادت من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الصعب تصور أي إمكانية لاحتواء أعبائها في غياب انتخاب رئيس للجمهورية.

المنصب الرئاسي والمأزق الاقتصادي

المنصب الرئاسي، الذي لا يزال شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يحمل للفائز به قائمة طويلة من التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة، التي باتت تهدد بنية الدولة وكيانها. فقد أدى غياب هذا المنصب إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة، مما جعل الدولة غير قادرة على التفاوض بجدية مع الجهات الدولية المانحة التي يحتاج إليها لبنان بقوة لإعادة إحياء اقتصاده، مثل «صندوق النقد الدولي» الذي يشترط إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية مقابل أي دعم مالي يمكن أن يوفره.

وعليه؛ فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل أولوية ملحة ليس فقط لاستعادة الثقة المحلية والدولية، بل أيضاً ليكون مدخلاً أساسياً لبدء مسار الإصلاحات التي طال انتظارها.

ومن بين أبرز هذه التحديات، ملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 6 مليارات دولار، وفق موقع «الدولية للمعلومات»، وهو عبء مالي ضخم يتطلب موارد هائلة وجهوداً استثنائية لتأمين التمويل اللازم.

لكن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية لإصلاح البنية التحتية أو ترميم الأضرار، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى رئيس يتمتع برؤية استراتيجية وشبكة واسعة من العلاقات الدولية، وقادر على استخدام مفاتيح التواصل الفعّال مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الكبرى. فمن دون قيادة سياسية موحدة تتمتع بالصدقية، فستبقى فرص استقطاب الدعم الخارجي محدودة، خصوصاً أن الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية تعرضت لاهتزاز كبير في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة وغياب الإصلاحات الهيكلية.

مواطنون وسط جانب من الدمار الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية بمنطقة الشويفات (رويترز)

فرصة محورية لإحداث التغيير

كما يأتي انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس بوصفه فرصة محورية لإحداث تغيير في مسار الأزمات المتراكمة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بشكل حاد خلال عام 2024؛ بسبب الصراعات المتصاعدة والأزمة الاقتصادية الممتدة.

ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة -5.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2024، انعكست التداعيات السلبية بوضوح على الاقتصاد، فقد تراجعت معدلات النمو بشكل كبير منذ عام 2019، ليصل الانخفاض التراكمي إلى أكثر من 38 في المائة عام 2024، مقارنة بـ34 في المائة خلال العام السابق عليه. وتزامن هذا التدهور مع تصعيد الصراع في الربع الأخير من 2024، مما أضاف آثاراً إنسانية مدمرة، مثل النزوح الجماعي والدمار واسع النطاق، وبالتالي أدى إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وكان قطاع السياحة، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، من بين الأشد تضرراً، فقد تراجعت عائداته لتتحول من فائض إلى عجز بنسبة -1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

منصب حاكم «المصرف المركزي»

كذلك يمثل هذا الحدث محطة مهمة لإصلاح المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك معالجة الشغور في المناصب القيادية التي تُعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ومن بين هذه المناصب، حاكم «مصرف لبنان» الذي بقي شاغراً منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو (تموز) 2023، على الرغم من تعيين وسيم منصوري حاكماً بالإنابة. لذا، فإن تعيين خَلَفٍ أصيل لحاكم «المصرف المركزي» يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استقرار النظامين المالي والنقدي، خصوصاً أن «مصرف لبنان» يشكل محوراً رئيسياً في استعادة الثقة بالنظامين المصرفي والمالي للبلاد.

مقر «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز)

علاوة على ذلك، سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدي إصلاح «القطاع المصرفي» الذي يُعدّ جوهر الأزمة الاقتصادية. فملف المصارف والمودعين يتطلب رؤية شاملة لإعادة هيكلة القطاع بطريقة شفافة وعادلة، تُعيد ثقة المودعين وتوزع الخسائر بشكل منصف بين المصارف والحكومة والمودعين. ومع إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وتخلفه عن سداد ديونه السيادية، تصبح هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة العلاقات بالمؤسسات المالية الدولية، واستقطاب التمويل اللازم، ومنع إدراج لبنان على «اللائحة السوداء». ناهيك بورشة إصلاح القطاع العام وترشيده وتفعيله، فتكلفة مرتَّبات القطاع العام مرتفعة جداً نسبةً إلى المعايير الدولية. فعلى مرّ السنين، شكّل مجموع رواتب وتعويضات القطاع العام لموظفي الخدمة الفعلية والمتقاعدين (وعددهم نحو 340 ألفاً) نحو 40 في المائة من إجمالي نفقات الموازنة، الأمر الذي شكّل عبئاً فادحاً على مالية الدولة والاقتصاد عموماً.

آمال اللبنانيين في قيادة جديدة

وسط هذه الأزمات المتشابكة، يعوّل اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لفتح نافذة أمل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فمن المأمول أن يسعى الرئيس المقبل، بدعم من حكومة فاعلة، إلى إعادة بناء الثقة الدولية والمحلية، واستعادة الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لوقف التدهور الاقتصادي وتحفيز النمو. فاستعادة قطاع السياحة؛ الرافعة الأساسية للاقتصاد اللبناني، على سبيل المثال، تتطلب تحسين الأوضاع الأمنية وتعزيز الثقة بلبنان بوصفه وجهة آمنة وجاذبة للاستثمارات. وهذه الأمور لن تتحقق إلا بوجود قيادة سياسية قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى العجز المستمر في الحساب الجاري والانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، يصبح نجاح الرئيس الجديد في معالجة هذه الملفات عاملاً حاسماً لإنقاذ لبنان من أزمته العميقة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التعافي والنمو المستدام.