تحقيق جديد لديوان أبي تمام يكشف عن 400 قصيدة مجهولة له

محمد أبو شوارب جمعه في 8 أجزاء من 76 مخطوطة بمكتبات العالم

تحقيق جديد لديوان أبي تمام يكشف عن 400 قصيدة مجهولة له
TT

تحقيق جديد لديوان أبي تمام يكشف عن 400 قصيدة مجهولة له

تحقيق جديد لديوان أبي تمام يكشف عن 400 قصيدة مجهولة له

طبعة كاملة لديوان أبي تمام في ثمانية مجلدات جمعها وحققها الدكتور محمد مصطفى أبو شوارب الأستاذ في جامعة الإسكندرية من 76 مخطوطة من كافة مكتبات العالم، ضمت أربعمائة قصيدة لم تنشر من قبل لأبي تمام الطائي. صدرت هذه الطبعة والتي تشكل مفاجأة أدبية مذهلة، عن مؤسسة البابطين للشعر العربي في الكويت، في مفاجأة أدبية.
في مقدمته لها يرى دكتور أبو شوارب أن قارئ شعر أبى تمام يمكن أن يلحظ ظهور ملامح شخصيته الإنسانية بوضوح في قصائده ومقطوعاته، فيبدو ذا نفس طموحة متعجلة، متأرجحة بين الاندفاع حينًا والتعمق حينًا آخر، شغوفًا بالحياة ولذاتها، والنساء منها في الصدارة، كريمًا متلافًا أفاد مالاً وافرًا من ممدوحيه فأفناه في إمتاع نفسه ورفد أصدقائه ومحبيه، جريئًا مقدامًا أحب المعارك والحروب وتعلق بها وأجاد تصوير حوادثها، وكان ذا نزوع واضح إلى استخلاص تجارب الحياة وتكثيفها والخروج بها من حيز الخاص الفردي إلى دائرة العام الإنساني، يدمن النظر في الأشياء ويتعمق جواهرها، ويعمد إلى التقاط متناقضاتها، مجيدًا العزف علي أوتارها المتعارضة في سبيل كشف هذه الجواهر الفريدة، له ميل بارز إلى العصبية العربية. وهو في كل هذا صادق في شعوره راغب في أن يكون مختلفًا في تصوره وتصويره، تعينه على ذلك شاعرية فذة، وعقلية متوهجة، وثقافة فيها من الوافد الأجنبي، بقدر ما فيها من الموروث العربي.
ويذهب الدكتور أبو شوارب إلى أن هذا كله هيأ لأبي تمام أن يقود واحدة من حركات التجديد الكبرى في تاريخ الشعر العربي على مر العصور، وأن يسهم بالقدر الوافر في تأسيس شعرية جديدة كان لها حضور قوي في إبداعات الشعراء العرب على مدى عشرة قرون متصلة، وكان لها النصيب الأوفر من جهد النقاد والدارسين، ربما إلى اليوم، فأثار اندفاع شعر أبي تمام الجارف إلى التجديد - تصورًا وتشكيلاً – حركة نقدية واسعة اجتذبت من الأنصار في حياة الرجل وبعد وفاته بقدر ما اجتذبت من الخصوم.
فلم يقتصر أمر الخصومة حول شعر أبي تمام على جملة الملاحظات التي تحملها روايات النقاد ورواة الشعر في كتب التراث الأدبي والنقدي شأنه شأن كثير من الشعراء القدامى المرموقين، وإن كان أبو تمام يشارك أبا الطيب المتنبي في صدارة الشعراء الذين عني النقاد والبلاغيون في مؤلفاتهم العامة بدرس شعرهم وتحليله.
ولم يقتصر أمر هذه الخصومة كذلك على الانفراد بتخصيص مؤلف أو مؤلفين عن شعره، كما هو الحال مع بعض الشعراء البارزين في أدبنا العربي القديم، بل قامت حول شعر أبي تمام وتجربته الفنية حركة تأليف نقدي وإخباري واسعة المدى منذ القرن الثالث الهجري.
ولا يكاد كتاب من كتب الأدب والنقد والبلاغة منذ القرن الثالث الهجري يخلو من أثر من آثار تلك الخصومة التي اشتجرت حول شعر أبي تمام، ولم تخمد شعلتها رغم اشتغال الحركة النقدية بشعر أبي الطيب المتنبي (301 – 353هـ) الذي يعده كثير من القدماء والمحدثين امتدادًا لشعر أبي تمام.
والخصومة حول شعر أبي تمام في جل تلك المؤلفات صادرة لا ريب عن موقف فني يتعلق في أصله بقضية الخصومة بين القدماء والمحدثين. فالصراع حول شعر أبي تمام في حقيقته صراع بين أنصار التجديد والخروج على النظام الشعري الموروث من جهة، وأنصار المحافظة على مواضعات هذا النظام وتقاليده من جهة أخرى، إذ مثلت تجربة أبي تمام الفنية خروجًا سافرًا على الموروث الشعري، وتهديدًا عنيفًا للشعرية العربية الموروثة بكل طاقاتها الجمالية وطرائقها اللغوية، على نحو لم يقدم عليه شاعر من قبل، بمن فيهم الشعراء الذين انضووا تحت لواء التجديد ورفعوا رايته، ومن ثم فقد واجه شعر أبي تمام موجات متعاقبة من الانتقادات الحادة التي وجهها إليه النقاد المحافظون على سمات البنية الشعرية العربية الموروثة بصورة قاسية لم يتعرض لها غيره من الشعراء المجددين من أمثال بشار ومسلم وأبي نواس الذي جاهر بالخروج على تقاليد القصيدة العربية ورفضها في كثير من السخرية والتهكم، ومع ذلك لم يصبه مثل هذا الهجوم النقدي الشرس الذي أصاب أبا تمام على الرغم من أنه لم يتخذ موقفًا معاديًا من هذه التقاليد مثلما فعل أبو نواس.
يوضح المحقق أن موقف النقد القديم لم يكن في ذلك موقفًا عبثيًا، فالنقاد أدركوا بوعيهم الفني أن أبا نواس وإن هاجم الأطلال وهزأ بها واستبدل بها الخمر في مقدمات قصائده – فهو لم يزد على استبدال إطار حديث بإطار قديم دون أن ينال شيئًا ذا بال من جوهر لغة الشعر وتراكيبه وصوره. أما أبو تمام، فهو وإن التزم بهذا الإطار الخارجي الموروث أحيانا، فإنه سعى إلى تحويل بنية اللغة الشعرية ذاتها وتغيير مسارها نتيجة نزوعه الكثيف إلى الانحراف والتجاوز وكسر المواضعات المألوفة، وسبك تراكيب جديدة تدخل المفردات اللغوية من خلالها في علاقات تتسم بالغير وانفتاح أفق الدلالة على مستويات مختلفة. مشيرا إلى أن كثيرًا من النقاد - ومعظمهم من أصحاب المرجعيات اللغوية – اعتبروا أن اتجاه أبي تمام الفني قاصمة أصابت معاييرهم في رصد الظاهرة الشعرية وتقويمها بوجه عام، واللغة الشعرية منها على وجه الخصوص، ولم يكن ذلك بالأمر اليسير، خاصة وأن تلك المعايير شكلتها جهود متراكمة في دراسة التجارب الشعرية المؤسسة قبل الإسلام والنماذج التي سارت علي نهجها بعد ذلك.
ويرجح المحقق أن أكثر الظن أن هواجس هؤلاء النقاد تعدت حدود الخوف على الشعر ولغته إلى الخوف على اللغة ذاتها، بل على عقيدتها الدينية كذلك، فتعاظمت مخاوفهم من انزياحات شعر أبي تمام وخروقاته التي قد تجر اللغة على مستوى التراكيب والدلالات إلى بقاع جديدة تفقد معها الصياغات اللغوية دلالاتها، وتتحول التراكيب الموروثة في مرحلة تأثرت فيها اللغة الأدبية العربية بنزول القرآن إلى بنى لغوية مهجورة غير مستعملة، ومن ثم غير مفهومة، وتحل محلها صياغات جديدة بفعل المجازات والانحرافات التي تبناها شعر أبي تمام ومن ساروا على نهجه.
ولم لا؟ أليست هذه سنة اللغات جميعًا إذا تغيرت التراكيب وترسخت المجازات وثبتت دلالاتها تحولت بفعل الزمن وكثرة الاستعمال إلى معان حقيقية ينسى الناس أصولها اللغوية، وينقلب المجاز حقيقة لا تلبث أن يعدل عنها بفعل شيوع انزياحات جديدة تستهدف معيارية اللغة وتنتهك انتظامها.
ويخلص الدكتور أبو شوارب إلى أن شعر أبي تمام صدر إذن عن تصور مغاير للغة في مشروعه الشعري التجديدي الذي أكسبه عداوة اللغويين ونقاد الأدب المحافظين الذين أشربت نفوسهم طاقات المشروع الشعري الموروث وتشكلت أذواقهم من جمالياته.
ويرى أن هذا المشروع التجديدي الذي ما نسب لغير أبي تمام، هو المدرسة الفنية التي عرفت في العصر العباسي باسم «مذهب البديع»، وليس يخفى أن مصطلح البديع لا يعني ما يفهمه الناس اليوم من دراسة سبل تحسين الكلام لفظيًا ومعنويًا، وإنما انصرف مفهوم المصطلح في ذلك العصر إلى توصيف مذهب شعري جديد إزاء الشعرية المحافظة التي اصطلح على تسميتها «مذهب الأوائل» الذي تجسدت ملامحه الفنية في جملة الخصائص الشعرية التي ينتظمها مفهوم «عمود الشعر»، مشيرا إلى أن الشعرية الجديدة اتخذ النقاد لها مصطلحًا دالاً على توجهها وهو مصطلح «البديع». وهو في أصل دلالته اللغوية يعني: «المخترع على غير مثال» وكأن هذه المدرسة الجديدة تنكر بنوتها للتقاليد الموروثة، أو كان النقاد ينكرون أبوة الشعر القديم لها. وربما نستطيع في ضوء هذا التصور أن نفهم قول ابن الأعرابي (150 – 231هـ)، العالم اللغوي المعروف حينما أنشد شعرًا لأبي تمام: «إن كان هذا شعرًا فما قالته العرب باطل».

صورة متخيلة لأبي تمام



الثقافة اللبنانية تتوهج بين الانتعاش والفوضى من دون أن تعبأ بالحرب

معرض ضياع العزاوي في «غاليري صالح بركات»
معرض ضياع العزاوي في «غاليري صالح بركات»
TT

الثقافة اللبنانية تتوهج بين الانتعاش والفوضى من دون أن تعبأ بالحرب

معرض ضياع العزاوي في «غاليري صالح بركات»
معرض ضياع العزاوي في «غاليري صالح بركات»

إذا كان من عنوان لهذه السنة فهو «النضال» من أجل استبدال البشاعة بالجمال. فقد أغلق عام 2024 على حرب إسرائيلية ضروس، انحسرت، لكنها لم تنتهِ بعد. كان على اللبنانيين أن يعودوا إلى المسرح وغاليريات الفن، ومهرجانات السينما، والعروض الفنية، والأنشطة الأدبية، كأنما الوطن لا يقصف، والأرض لا تسلب.

الحرب وإن انحسرت فقد بقيت مستمرة، والتهديد بتمددها من جديد يومي، ولا يزال. لكن من يرى بيروت، قد لا يصدق أن هؤلاء الذين لا يكفّون عن الاحتفاء بالمسرح والأدب والمعارض والأفلام والكتب هم على شفير هاوية. فعدا الانهيار الاقتصادي، والاضطرابات السياسية، جاءت الحرب كأنما كي لا تترك مجالاً لهدنة.

قد لا تكون مبالغة القول إن كثافة الأنشطة الثقافية في بلد صغير مثل لبنان، وفي الظرف الصعب الذي يعيشه، ومن دون أي تمويل من الدولة، تكاد تكون ظاهرة يصعب تفسيرها، حتى فهمهما.

كم الأنشطة والدعوات كثيرٌ حدّ الإرباك، وهذا يأتي في أحيان كثيرة على حساب النوعية. خشبات المسارح محجوزة مقدماً، ومواعيد الجمهور تتضارب. لشدة الطلب، ثمة مسرحيات تغيب ثم تعود، مثل «مجدرة حمرا» إخراج يحيى جابر، وتمثيل البديعة أنجو ريحان. وهي من المسرحيات التي راقت كثيراً للجمهور، كذلك أعيد تقديم «مونوبوز» للكاتبة والمخرجة والممثلة بيتي توتل. وفي نهاية العام، أعاد الأخوان صبّاغ مسرحية غنائية كانا قدّماها قبل سنوات طويلة، هي «أنا وغيفارا». وكذلك أخرج الفنان عبد الحليم كركلا من أرشيفه عمله الرائع «ألف ليلة وليلة» وأعاد تقديمه في بيروت، قبل أن يغادر إلى موسكو ليقدم العمل على «مسرح البولشوي»، بنجاح كبير.

وفي نهاية العام، قدّمت المخرجة لينا خوري مسرحيتها الجميلة «أبو الزوس» التي تعكس تعقيدات التركيبة اللبنانية، وهي تجمع بين الفكاهة والعمق، وتغوص في النفس البشرية على طريقتها.

ثمة كثافة يختلط فيها العثّ بالسمين، إن في الفن التشكيلي أو في الأعمال السينمائية، حتى في إصدارات الكتب. قد تكون الظاهرة أكبر من لبنان، بسبب انتشار وسائل التواصل، وهشاشة المعايير. لكن السؤال الذي لن تجد إجابة عليه، هو من يمول كل هذا الكمّ من الأعمال، حتى الهابطة منها؟ وما الذي أدخلنا في هذا الازدحام الثقافي؟ وهل هي ظاهرة صحية، لأنها تجلب الفرح والاجتماع حول التجاريب الإبداعية، أم ثرثرة لا طائل تحت غالبية ما يصدر عنها؟

الإجابات ليست يسيرة، لكن المؤكد أن ثمة الكثير مما يسعد ويبهج. من ذلك، عشرات الحفلات التي أحياها الكونسرفتوار الوطني للموسيقى هذا العام، في مختلف المناطق اللبنانية، بفضل رئيسته النشطة المؤلفة الموسيقية والمغنية هبة القواس، لتصبح الموسيقى الكلاسيكية، بفضل جهد أساتذة المعهد وطلابه، في متناول كل مواطن.

«ألف ليلة وليلة» من لبنان إلى موسكو

المعارض كانت كثيفة بدورها، نذكر منها معرض «ديفا: من أم كلثوم إلى داليدا» في «متحف سرسق»، في بيروت، نظَّمه «معهد العالم العربي» في باريس، حيث انطلق من هناك إلى أمستردام وعمّان، قبل أن يصل العاصمة اللبنانية.

في المعرض فساتين، صور، تسجيلات، أفلام، وثائقيات، قطع أثاث، شنط، دفاتر، أشياء أخرى كثيرة، تخص نجماتنا الأثيرات، مثل هند رستم، فيروز، وردة، أم كلثوم، صباح، وغيرهن كثيرات.

ومن المعارض التشكيلية المهمة، الذي أقامه «غاليري صالح بركات» للتشكيلي العراقي ضياء العزاوي، بعنوان «شهود الزور»، لنكتشف من جديد جداريات العزاوي، التي ترسم خرائط التراجيديات العربية، حيث يتحول الزائر إلى متفرج على المجزرة الكبرى. فالمقتلة عند هذا العراقي الحزين ممتدة من بغداد إلى الموصل فحلب، وبيروت وغزة.

وفي «متحف سرسق»، أقام الفنانان الموهوبان جوانا حاجي توما وخليل جريج، معرض «ذكرى النور» في استعادة لأجمل أعمالهما في السنوات العشر الأخيرة، بعد أن جابت مدناً عدّة، وعادت إلى بيروت لتجد مستقرها، وتحكي لأهل البلاد قصصهم وتاريخهم ومعاناتهم، وما دُفن تحت ترابهم.

من المواعيد التي أثارت إعجاباً كبيراً معارض «وي ديزين بيروت» أو «نحن نصمم بيروت» في نسخته الثانية، حيث أعيد رسم ملامح مواقع في العاصمة بأنامل مبدعين تفننوا في تقديم رؤى، أضافت إلى روح الأمكنة معاني أخرى، في بحث عن الهوية، والانتماء، والذاكرة. توزعت المشاريع الفنية في عدد من المواقع، من بينها عمارة «برج المر» و«فيلا عودة» و«الحمامات الرومانية» و«بناية الاتحاد» ومصنع «أبرويان».

وفي الصيف، وبسبب استمرار التهديدات، ترددت لجان المهرجانات طويلاً، قبل أن تعلن برامجها، لكنها في النهاية قررت ألا تغيب، وفضّلت أن تعتمد بشكل كبير على الفنانين اللبنانيين، دون توسيع الطموح والتورط مع فرق كبيرة. ومن أبرز ما قدّم في مهرجانات بيت الدين: ميوزيكال «كلو مسموح» الذي لعبت الدور الرئيسي فيه الفنانة كارول سماحة، وأخرجه وشارك في تمثيله روي الخوري، كما كان الافتتاح بـ«ديوانية حبّ» المستوحاة من مجالس الطرب القديمة. جمع الحدث ثلاثاً من أبرز المطربات العربيات: جاهدة وهبة (لبنان) التي أدارت بمهارة الجلسة الغنائية، وريهام عبد الحكيم (مصر)، ولبانة القنطار (سوريا)، مع نخبة من العازفين بقيادة المايسترو أحمد طه.

وتوالت المهرجانات السينمائية على مدار العام، واختير فيلم «أرزة» لتمثيل لبنان في الأوسكار، من إخراج ميرا شايب، بطولة دياموند أبو عبود، تدور أحداثه حول أم تكافح في بيروت وتواجه تحديات لاسترداد دراجتها النارية. وفاز فيلم «ثريا حبي» بجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، للمخرج نيكولا خوري، يستكشف حياة الفنانة الراقصة ثريا بغدادي، وعلاقتها بزوجها الراحل المخرج السينمائي مارون بغدادي. كما صدر فيلم «مشقلب» عن 4 حكايات لبنانية في مرآة الكوميديا السوداء، أخرجها كل من لوسيان بورجيلي، وبان فقيه، ووسام شرف، وأريج محمود. وكذلك فيلم «صوت آب» لمارسيل غصن، يستحضر ألم مدينة تقطّعت أوصالها، وفيلم «نجوم الأمل والألم» لسيريل عريس، الذي شارك في «مهرجان البندقية»، وفيلم «إلى عالم مجهول» للمخرج مهدي فليفل.

هبة طوجي في حفلها ضمن مهرجانات بعلبك الدولية

وخلال هذه السنة، تم إحياء الذكرى الـ135 لميلاد ميخائيل النعيمة، التي تعذر الاحتفاء بها العام الماضي، وأقيم مؤتمر تميز بدراسات وشهادات في ناسك الشخروب. كما اجتمع محبّو الروائي إلياس خوري وعائلته في المكتبة الوطنية لإحياء الذكرى الأولى لرحيله، بمشاركة وزير الثقافة غسان سلامة، الذي قلده وساماً بهذه المناسبة. كما تم تكريم الممثل القدير الراحل أنطوان كرباج في «مسرح المدينة». ومن ضمن التكريمات للراحلين، العودة إلى إرث منصور الرحباني بمناسبة مئويته، حيث أحيت نشاطات عدة، لعل أبرزها الحفل الموسيقي الخلاب، الذي قدمته هبة طوجي بمعية الموسيقي أسامة الرحباني على أدراج قلعة بعلبك ضمن «مهرجانات بعلبك الدولية» خلال الصيف.

وقد رحل عنا هذا العام الشاعر والمترجم والصحافي إسكندر حبش بعد معركة مع السرطان، وكذلك الإعلامي العاشق للغة العربية، الذي عرفه بعنايته الاستثنائية بلغة الضاد، بسّام برّاك. كما رحلت مها بيرقدار الخال زوجة الشاعر الراحل يوسف الخال، وبقيت لوحاتها وجرأتها. أما الفقيد الذي اهتزّ لوداعه لبنان فكان زياد الرحباني، بما له من مكانة في نفوس الناس.

كانت المفاجأة في «اليوم الوطني للتراث» الذي سمح طوال 3 أيام من 14 مايو (أيار) إلى 16 منه، بإعفاء الزوار من رسم دخول المتاحف والمواقع الأثرية التابعة لوزارة الثقافة، وخصصت لهم وسائل نقل، فكان المقبلون بالآلاف، ما وضع الوزارة أمام مأزق غير متوقع، ومفاجأة سعيدة غير محسوبة.

واحتفلت مؤسسة «المورد الثقافي» بعيدها العشرين في سينما «متروبوليس» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، التي هي أشبه بـ«وزارة ثقافة عربية». هكذا وصفتها إحدى المشاركات في الملتقى الذي جمع شبكة واسعة من المبدعين في المنطقة العربية، وهم في غالبيتهم من الذين تعاونوا مع «المورد»، ومنهم من أصبحوا نجوماً بفضل تمويلاتها، ومشاريعها المختلفة.

وبعض ما جاء في المداخلات عن التمويلات الأجنبية للثقافة في لبنان والمنطقة، ربما يجيب على جانب من أسئلتنا، حول سرّ انتعاش الأنشطة الثقافية، رغم الأزمة الاقتصادية.


فرنسا الثقافية 2025... صدمة التراث المنهوب وتحديات «السيادة الرقمية»

معرض "أرتميسيا، بطلة الفن"
معرض "أرتميسيا، بطلة الفن"
TT

فرنسا الثقافية 2025... صدمة التراث المنهوب وتحديات «السيادة الرقمية»

معرض "أرتميسيا، بطلة الفن"
معرض "أرتميسيا، بطلة الفن"

شهد عام 2025 تحولات كبرى، أعادت رسم ملامح المشهد الثقافي والفكري في فرنسا، فبين أسوار المتاحف العريقة وطاولات لجان التحكيم الأدبية، عاشت باريس مخاضاً فكرياً وتقنياً، وضع الهوية الفرنسية على محك التحديث والرقمنة، وسط صخب سياسي لم يغب عن ردهات الثقافة.

استهلت باريس عامها على وقع زلزال أمني وتراثي، تجاوزت ارتداداته الحدود الفرنسية، حين استيقظ العالم على نبأ السطو الصادم على «كنوز التاج» من قلب متحف اللوفر. إذ استهدفت السرقة «تاج لويس الخامس عشر» المرصع بنوادر الأحجار الكريمة التي تختزل تاريخ السيادة الفرنسية منذ مطلع القرن الثامن عشر. هذا التراث المنهوب يمثل حقباً سياسية متعاقبة، من الملكية المطلقة إلى الإمبراطورية النابليونية، ما جعل ضياعها خسارة لا تُقدر بثمن مادي. وقد أثارت الواقعة موجة عارمة من التغطية الإعلامية الدولية، حيث سارعت كبريات الصحف والوكالات العالمية إلى وضع فرنسا تحت مجهر المساءلة، وسط تساؤلات حادة حول «هشاشة» المنظومة الأمنية في الصروح الثقافية الكبرى. وانصبت الانتقادات على وزارة الثقافة وإدارة المتحف، متهمة إياها بالتقصير في حماية «أمانة التاريخ» التي لا تخص فرنسا وحدها، بل البشرية جمعاء.

في قلب هذا المناخ المشحون، انفتح ملف «الرقمنة والذكاء الاصطناعي» في القطاع الثقافي، ليشكل أكبر معركة آيديولوجية شهدها العام. ولم يكن هذا الجدل محصوراً في الأدوات التقنية، بل امتد ليشمل «أخلاقيات الإبداع». حيث دافعت وزارة الثقافة تحت إشراف رشيدة داتي عن استراتيجية «السيادة الرقمية»، الهادفة إلى رقمنة الأرشيف الوطني الفرنسي لحمايته من الاندثار وتسهيل وصول الأجيال الجديدة إليه عبر تقنيات الواقع المعزز. إلا أن هذا التوجه قوبل بمعارضة شرسة من نخب فكرية رأت في «خوارزميات الإبداع» تهديداً لـ«الاستثناء الثقافي الفرنسي». واحتدم النقاش حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيعيد إنتاج المعرفة أم سيعمل على «تنميطها»، وسط مخاوف من أن تتحول المتاحف والمكتبات من فضاءات للتأمل الحي إلى منصات رقمية باردة تفقد العمل الفني روحه التاريخية. كما شكّلت المعارض الكبرى التي احتضنتها المتاحف الباريسية خلال عام 2025 علامة فارقة في المشهد الثقافي الفرنسي، ليس من حيث الإقبال الجماهيري فقط، بل أيضاً من حيث الرهانات الفكرية والتاريخية والجمالية التي حملتها. وقد تصدّرت 3 معارض تحديداً قوائم «الأكثر انتظاراً» و«الأكثر زيارة»، وفرضت نفسها كأحداث ثقافية جامعة بين الفن والتاريخ والسياسة والذاكرة الإنسانية. منها معرض «الفن المُنحط»: محاكمة الفن الحديث في ظل النازية في متحف بيكاسو، وهو من بين أبرز معارض عام 2025، حيث وصف بالحدث الثقافي الاستثنائي لأنه أعاد فتح واحدة من أكثر الصفحات قتامة في تاريخ الفن الأوروبي، لأنه تناول سياسة النظام النازي في ثلاثينات القرن الماضي، حين جرى تصنيف أعمال فنية كبرى – لكاندينسكي، وبول كلي، وشاغال، وبيكاسو نفسه – على أنها «فن منحط»، وتمّ مصادرتها أو تدميرها أو استخدامها في حملات تشهير آيديولوجية. نجاح المعرض لم يكن جمالياً فحسب، بل معرفياً وسياسياً أيضاً. فقد استطاع أن يقدّم قراءة عميقة لعلاقة السلطة الشمولية بالإبداع، مظهراً كيف يتحول الفن في الأنظمة القمعية إلى ساحة صراع رمزي. وقد حظي المعرض بتغطية إعلامية واسعة، واستقبل أكثر من 240 ألف زائر، حسب أرقام المتحف، كما تصدّر قوائم «أهم 10 معارض التي لا تُفوّت في باريس عام 2025». وعلى نقيض الطابع السياسي الحادّ لمعرض بيكاسو، جاء معرض «ماتيس ومارغريت: نظرة أب» في متحف الفن الحديث بباريس ليقدّم تجربة شديدة الخصوصية والحميمية، مسلطاً الضوء على العلاقة بين الرسام هنري ماتيس وابنته مارغريت، التي كانت حاضرة في أعماله كملهمة وموضوع ونقطة ارتكاز إنسانية.

معرض "ماتيس ومارغريت: نظرة أب" في متحف الفن الحديث بباريس

تميّز هذا المعرض بنجاحه في إعادة قراءة أعمال ماتيس من زاوية جديدة، لا تركز على الابتكار التشكيلي أو اللون والخط فقط، بل على البعد العاطفي والنظرة الأبوية التي شكّلت جزءاً من مسيرته الفنية. وقد وجد النقاد في هذا المعرض مثالاً على قدرة المتاحف على تجديد السرديات الكلاسيكية، والانتقال من القراءة الأكاديمية البحتة إلى مقاربة إنسانية تُقرب الفن من الجمهور.

الإقبال الجماهيري اللافت (250 ألف زائر) خاصة من العائلات والمهتمين بتاريخ الفن الحديث، جعل المعرض واحداً من أكثر المعارض تداولاً في الصحافة الثقافية الفرنسية. أما معرض «أرتميسيا، بطلة الفن» في متحف جاكمار - أندريه، فقد شكّل بدوره حدثاً مفصلياً في سياق إعادة الاعتبار للفنانات النساء في تاريخ الفن، حيث أعاد المعرض تسليط الضوء على أرتميسيا جنتيليشّي، إحدى أبرز الرسامات في القرن السابع عشر، التي ظُلم اسمها طويلاً داخل سردية فنية هيمن عليها الرجال. ولم يكن الاهتمام بأرتميسيا محصوراً في كونها «امرأة فنانة»، بل بوصفها مبدعة ذات لغة بصرية قوية، عالجت في أعمالها موضوعات القوة، والعنف، والبطولة النسوية، في زمن كان الإبداع فيه امتيازاً ذكورياً. وقد ساهمت جودة الأعمال المعروضة، والسياق التاريخي الدقيق، في جعل المعرض من أنجح معارض الموسم (180 ألف زائر) وجذب جمهوراً متنوعاً، من طلبة الفنون إلى الباحثين والمهتمين بتاريخ أوروبا الثقافي.

أما في الأروقة الأدبية، فقد ظل إعلان الجوائز الكبرى الحدث الأكثر أهمية، حيث عكست خيارات هذا العام رغبة في العودة إلى السرديات الكبرى والقضايا الوجودية. في هذا السياق، حاز الكاتب لوران موفينييه على جائزة «غونكور» عن روايته «المنزل الفارغ»، وهي رواية سيكولوجية معقدة تفكك مفهوم الغياب والذاكرة في المجتمع المعاصر، وقد أشادت اللجنة ببراعته في تطويع اللغة الفرنسية لخدمة المشاعر الدفينة. وفي المقابل، نالت الكاتبة أديلايد دي كليرمون - تونير جائزة «رينودو» عن عملها «أردت أن أعيش!»، الذي مزج بين التأريخ والدراما الإنسانية، متناولاً صراعات الهوية في أوروبا الوسطى. ولم يغب الجدل السياسي عن الموسم الأدبي، إذ تصدر كتاب الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي «يوميات سجين» قوائم الأكثر مبيعاً، مثيراً عاصفة من الردود؛ حيث لم يكتفِ ساركوزي بعرض تجربته القانونية، بل خاض في نقاشات فلسفية حول العدالة والمصير، ما دفع النقاد إلى اعتباره «بياناً سياسياً» بصبغة أدبية تهدف إلى استعادة مكانته في التاريخ الفرنسي المعاصر.

وعلى صعيد المنشآت الثقافية، دخلت فرنسا مرحلة «الترميم الكبير» مع انطلاق الأشغال الضخمة في مركز جورج بومبيدو. هذا الصرح الذي أحدث ثورة معمارية عند افتتاحه في عام 1977 بتصميمه الذي يظهر أحشاء المبنى من أنابيب وسلالم كهربائية، أغلق أبوابه كلياً في سبتمبر (أيلول) 2025 لبدء عمليات تحديث شاملة تستمر لمدة 5 سنوات. وتهدف الأشغال إلى معالجة تآكل الهياكل المعدنية وتحديث أنظمة الطاقة لتتوافق مع المعايير البيئية الحديثة، بتكلفة تجاوزت 260 مليون يورو، تساهم فيها المملكة العربية السعودية بأكثر من 50 مليون يورو، في إطار إبرام اتفاقيات ثقافية بين البلدين.


المشهد الثقافي المصري... نفض أحزان الفقد ومواصلة الأنشطة المعتادة

جانب من مؤتمر الخط العربي
جانب من مؤتمر الخط العربي
TT

المشهد الثقافي المصري... نفض أحزان الفقد ومواصلة الأنشطة المعتادة

جانب من مؤتمر الخط العربي
جانب من مؤتمر الخط العربي

عام مثقل بالفقد والأحزان عاشته الثقافة المصرية خلال 2025، فقد غيَّب الموت كوكبة من المبدعين والشعراء والنقاد، جميعهم لعبوا أدواراً متنوعة في شد هموم الثقافة والمثقفين نحو آفاق أرقى حافلة بالمغامرة والتجريب. من بينهم الروائيان، صنع الله إبراهيم، صاحب رواية «تلك الرائحة»، ورءوف مسعد، صاخب رواية: «بيضة النعامة»، والشاعر أحمد عنتر مصطفى صاحب ديوان «مأساة الوجه الثالث»، والناقد دكتور محمد السيد إسماعيل صاحب كتاب «الرواية والسلطة»، والناقد دكتور محمد عبد المطلب، والذي يعد من أبرز النقاد المؤسسين في النقد الأدب العربي، بانفتاحه على تيارات الحداثة في الشعر وقدم كتاباً مهماً عن قصيدة النثر بعنوان «النص المشكل».

كما غيَّب الموت دكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة الأسبق الذي تولى حقيبة الثقافة في ثلاث حكومات متتالية عقب ثورة يناير (كانون الثاني)، وحافظ على استقلاليتها في فترة اتسمت بالاضطراب السياسي، وله مؤلفات قيمة في التاريخ الأدبي، وفوجئت الحياة الثقافية برحيل اثنين من أهم الناشرين، الناشر حسني سليمان، مؤسس دار «شرقيات» ومحمد هاشم، مؤسس دار «ميريت» وكلاهما لعب دوراً مهماً في دفع أجيال جديدة من الكتاب في شتى مناحي الإبداع، وفي غمرة الأحزان رحلت الفنانة سميحة أيوب، الملقبة بـ«سيدة المسرح العربي» بعد مسيرة حافلة بالفن، قدمت خلالها أكثر من 170 عملاً مسرحياً، منها «السلطان الحائر» و«سكة السلامة»، ولحقت بها الفنانة سمية الألفي عن عمر يناهز 72 عاماً، بعد صراع مع المرض، ورحلة عطاء متميزة بخاصة في المسلسلات التليفزيونية.

كما غيّب الموت المخرج داوود عبد السيد، أحد ابرز مخرجي موجة الواقعية الجديدة في السينما المصرية.

برغم هذا الجو واصلت الحياة الثقافية أنشطتها وفعالياتها المعتادة، وتصدر نجيب محفوظ المشهد، حيث يحتفل معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته المقبلة بمرور عشرين عاماً على رحيله. وبهذه المناسبة أطلقت وزارة الثقافة جائزة «نجيب محفوظ للرواية العربية» بقيمة 500 ألف جنيه مصري (نحو 10 آلاف دولار أميركي)، وأعلنت الوزارة أن الجائزة سيمنحها معرض القاهرة الدولي للكتاب سنوياً بداية من هذا العام، الذى يحتفل فيه المعرض بذكرى مرور عشرين سنة على وفاة «أديب نوبل» نجيب محفوظ.

ومن جانبه، قال الدكتور أحمد مجاهد المدير التنفيذي للمعرض: «إن أديباً بقامة نجيب محفوظ يليق به أن تمنح وزارة الثقافة المصرية جائزة كبرى باسمه، بوصفه الأديب العربي الوحيد الفائز بجائزة نوبل، حيث تبلغ قيمة الجائزة 500 ألف جنيه، وميدالية ذهبية أسوة بجائزة النيل، وهي ممولة بالكامل من البنك الأهلي المصري». وبدأ تقدم الروائيين المصرين والعرب للجائزة صباح الخميس 4 ديسمبر (كانون الثاني) 2025، ويستمر حتى الأحد 4 يناير 2026، ويكون التقديم بإرسال ثلاث نسخ من الرواية المتقدمة للمسابقة، بشرط أن تكون منشورة بتاريخ عام 2025.

أثارت الجائزة حالة من الجدل في الأوساط الثقافية، فبرغم الاحتفاء بها فإن البعض رأي أنها تشكل انعكاساً لتخبط سياسات وزارة الثقافة، فمن غير المعقول أن يكون لدينا ثلاث جوائز باسم نجيب محفوظ، منها جائزة يمنحها المجلس الأعلى للثقافة وهو تابع لوزارة الثقافة. كما رأى البعض أن أطلاق هذه الجائزة يمثل تحدياً ضمنياً لجائزة نجيب محفوظ الراسخة التي دشنتها الجامعة الأميركية بالقاهرة وتم إنشاؤها بواسطة قسم النشر بها، وانطلقت في عام 1996، ووصلت قيمتها المادية إلى خمسة آلاف دولار أميركي، ويتم ترجمة الرواية الفائزة إلى اللغة الإنجليزية 1996، وتمنح في حفل يقام كل عام في 11 ديسمبر الموافق لمولد نجيب محفوظ. ومن الأنشطة المهمة التي شهدها الواقع الثقافي خلال هذا العام، ملتقى ذاكرة القصة المصرية في دورته الرابعة والتي حملت اسم «دورة الكاتب محسن يونس». نظم الملتقى موقع صدى برئاسة الكاتب والناقد سيد الوكيل، واستضافه بيت السناري الأثري بالقاهرة التابع لمكتبة الإسكندرية، جاءت فعاليات الملتقى تحت عنوان: «تجليات المكان في القصة القصيرة»، في محاولة لإحياء الذاكرة السردية المصرية، وتسليط الضوء على تطور فن القصة القصيرة، ودور المكان في تشكيل البنية السردية، بالإضافة إلى خلق مساحة للحوار وتبادل الخبرات بين الكتّاب والباحثين المهتمين بهذا الفن.

ناقش الملتقى في جلسته الأولى، السمات الفنية المميزة لفن القصة القصيرة لدى الكاتب محسن يونس، وهو يعيش في مدينة دمياط الساحلية، وذلك تحت عنوان «محسن يونس... رحلة إبداع»، أما الجلسة الثانية فناقشت «المكان في القصة القصير... رؤية منهجية»، بينما تناولت الجلستان الثالثة والرابعة محاور متعددة حول فن القصة القصيرة، من خلال قراءات ونقاشات نقدية شارك فيها عددٌ من الكتّاب والمهتمين بالأدب.

وخلال الفترة من 26 إلى 29 ديسمبر الحالي سوف تشهد مدينة العريش بشمال سيناء انطلاق فعاليات المؤتمر العام لأدباء مصر في دورته السابعة والثلاثين، دورة الأديب الراحل محمد جبريل.

وكان وزير الثقافة قد أعلن اختيار محافظة شمال سيناء عاصمة للثقافة المصرية لعام 2026 وذلك عقب موافقة محافظ شمال سيناء على مقترح استضافة العريش للدورة الحالية من المؤتمر، تقديراً للمكانة الرمزية والثقافية للمحافظة.

ينظم المؤتمر الهيئة العامة لقصور الثقافة تحت عنوان: «الأدب والدراما... الخصوصية الثقافية والمستقبل»، ويعقد برئاسة السيناريست مدحت العدل. ويشارك في فعالياته نخبة من الأدباء والباحثين والأكاديميين من مختلف المحافظات، بهدف رصد وتوثيق المشهد الأدبي في ربوع الوطن، وتقديم رؤى نقدية وفكرية تسهم في مناقشة قضايا الثقافة المصرية المعاصرة، ودورها في تعزيز الوعي والإبداع، وذلك من خلال ستة محاور رئيسية تشمل جلسات بحثية وحلقات نقاشية متنوعة؛ منها «النص الشعري ومفردات الخصوصية الثقافية»، من خلال قراءة تطور الشعر المصري فصيحاً وعامياً عبر مراحله المختلفة، و«الرواية وصراع الهويات في المجتمع المصري»، عبر تحليل كيفية تناول الرواية المصرية لقضايا المجتمع وتنوعاته والقيم الوافدة إليه.

وعلى مستوى الفن أطلق «صندوق التنمية الثقافية» بوزارة الثقافة الدورة العاشرة من ملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي، بمشاركة نخبة من كبار الخطاطين والفنانين والباحثين من مصر وعدد من الدول العربية والأجنبية، وتخللتها ورش عمل لفهم جماليات الخط العربي، واختير شيخ الخطاطين المصريين خضير البور سعيدي قوميسيراً عاماً للدورة.

تحمل الدورة اسم الخطاط الراحل الحاج سيد عبد القادر «الحاج زايد» وذلك في إطار حرص وزارة الثقافة على تكريم رموز هذا الفن. وتستمر فعالياتها بقصر الفنون بدار الأوبرا من 18 إلى 28 ديسمبر الحالي، وأبدى المشاركون في الملتقى حرصهم على تعزيز مكانة الحرف العربي كأحد ركائز الهوية الثقافية في كل المجالات العلمية والفنية والزخرفية ومناقشة قضاياه المتنوعة، بخاصة ما بين الأصالة والتجديد. كما شهد الملتقى تكريم نخبة من كبار الخطاطين تقديراً لإسهاماتهم البارزة في خدمة فن الخط العربي، حيث يتم منح شهادات تقدير للمكرمين والفائزين من مصر وخارجها وضيوف الشرف، كما كرم الملتقى الفنان محمد بغدادي، تقديراً لدوره البارز في دعم الملتقى وفن الخط العربي.

الكاتبة سلوى بكر

ومن الأخبار المفرحة في هذا العام حصول الكاتبة الروائية سلوى بكر على جائزة «بريكس» الأدبية في دورتها الأولى، لتكون بذلك أول فائزة في تاريخ الجائزة.

تدعم الجائزة المؤلفين المعاصرين الذين تعكس أعمالهم القيم الثقافية والروحية لشعوب دول بريكس. وأعلنت نتائج التصويت من قبل لجنة تحكيم دولية خلال مهرجان الفنون لدول بريكس، الذي أُقيم في مدينة خاباروفسك الروسية بين 26 و30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وحضر الحفل ممثلون من حكومة إقليم خاباروفسك، ودبلوماسيون، وكتّاب، وناشرون، وأفراد من المجتمع المدني من دول بريكس وشركائها.

وفي هذا السياق، قال السفير الرسمي لجائزة بريكس الأدبية والمدير العام للمجموعة الإعلامية الأوراسية، سيرغي ديمينسكي، إن «اختيار سلوى بكر كأول فائزة بجائزة بريكس الأدبية يعد إشارة إلى الناشرين والمؤسسات الثقافية في دولنا. وأنا واثق من أن أعمالها ستُترجم إلى اللغة الروسية، وسيصبح اسمها معروفاً في دول بريكس ليس فقط لأعضاء الدائرة الضيقة من المتخصصين في الأدب المعاصر، بل أيضاً لجمهور أوسع من القراء».

واحتفاء بفوزها استقبلها وزير الثقافة الدكتور أحمد هنو بمكتبه وسلمها درع الوزارة... تنتمي سلوى بكر لجيل السبعينيات في مصر، وصدر لها سبع مجموعات قصصية وسبع روايات ومسرحية، وترجمت أعمالها إلى عدد من اللغات الأوروبية.