مقتل 4 بغضون 24 ساعة في المجتمع العربي الإسرائيلي

تقرير لمراقب الدولة: ثلث الشباب العرب بلا تعليم أو عمل

مظاهرة في الناصرة ضد العنف المجتمعي
مظاهرة في الناصرة ضد العنف المجتمعي
TT

مقتل 4 بغضون 24 ساعة في المجتمع العربي الإسرائيلي

مظاهرة في الناصرة ضد العنف المجتمعي
مظاهرة في الناصرة ضد العنف المجتمعي

كان أمس (الأربعاء) يوماً دامياً في المجتمع العربي في إسرائيل؛ إذ قُتل فيه 4 أشخاص في غضون 24 ساعة. وقالت جمعية مبادرات إبراهيم، في بيان، إنه بعد الإعلان عن مقتل الشباب في الناصرة وشفاعمرو وتل السبع، ارتفع عدد القتلى بظروف متعلقة بالعنف والجريمة في المجتمع العربي منذ بداية العام الجاري إلى 69، بينما كان عدد القتلى في الفترة نفسها من العام الماضي 27 قتيلاً، أي أكثر من ضعفي العدد في الفترة نفسها من السنة الماضية. وأشارت مبادرات إبراهيم إلى أن «61 من القتلى لقوا مصرعهم رمياً بالنار، وكان 4 من القتلى من النساء».
ونشر مراقب الدولة متنياهو أنجلمان، تقريراً رسمياً كشف فيه عن أن ثلث الشباب العرب تقريباً (الجيل ما بين 18 و24 عاماً)، ما يعادل 57 ألف شخص، متعطلون بلا عمل ولا تعليم. وأشار إلى أن «قسماً من هؤلاء يتدهور بسهولة إلى عالم الإجرام». وقال المراقب في تقريره السنوي إن نسبة التعطّل بين الشباب العرب بلغت في عام 2021 نحو 29 في المائة، وهي تعادل ضعفي المعدّل القائم في المنتدى الاقتصادي العالمي للدول المتقدمة (OECD).
وأوضح أن هناك 280 ألف شاب في جيل 18 – 24 في إسرائيل، نسبة العرب بينهم تصل إلى 30 في المائة، وأن هناك 22 ألف شاب و35 ألف شابة منهم بلا عمل ولا تعليم. التقرير جاء في وقت بلغ فيه الغضب أوجه لدى الجمهور العربي في إسرائيل، مما يسببه تفاقم الجريمة المجتمعية لهم ولأولادهم، من فقدان تام للأمان في البلاد.
وقال إن مستوى الجريمة بين الشباب العربي يرتفع بشكل مطّرد كلما زاد عدد المتعطلين. فمن نحو 0.1 ملفّ جنائي للفرد بين العرب عام 2015 ارتفعت النسبة إلى نحو 0.15 ملف عام 2021 (ارتفاع بنحو 50 في المائة). وهذا يعني زيادة قدرها نحو 6000 ملفّ جنائي خلال هذه الفترة. ووفقاً لتقديرات مكتب مراقب الدولة، تقدّر الخسائر المحتملة الناجمة عن ظاهرة التعطّل بين الشباب العرب، بنحو مليار شيكل سنوياً أي نحو 5 مليارات شيكل على مدى 5 سنوات. ومع ذلك، من أصل ميزانية قدرها 34.2 مليار شيكل للخطّة الخمسية وخطة التعامل مع الجريمة والعنف في المجتمع العربي، تم تخصيص 436.5 مليون شيكل فقط ميزانية للتعامل مع قضية الشباب المتعطّل في المجتمع العربي (نحو 1 في المائة).
وبموجب القرارات الحكومية في السنوات الأخيرة، تمّ رصد موارد مالية كبيرة للنهوض بالمجتمع العربي وتقليص الفجوات الاجتماعية بينه وبين المجتمع اليهودي. ومع ذلك، يُظهر تحليل للبيانات أجراه مكتب مراقب الدولة، أن جهاز التربية والتعليم، الذي من المفترض أن يزوّد الشباب بالأدوات التي ستساعدهم على الاندماج في سوق العمل بصفتهم بالغين ويتيح تكافؤ الفرص للشباب ومعظمهم من خلفيات اجتماعية واقتصادية منخفضة، لا يوفّر لهم الأدوات والمهارات الضرورية في سوق العمل ومؤسسات التعليم العالي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الهيئات الحكومية ذات الصلة، أي وزارة التربية والتعليم، وفرع العمل، ووزارة المساواة الاجتماعية، ومجلس التعليم العالي، ووزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة المالية، ومكتب العمل، ومكتب رئيس الوزراء، لا تعمل على النحو الأمثل.
وأشار التقرير إلى أنه في كل مجالات الحياة يوجد تمييز وفوارق واضحة ضد العرب بالمقارنة مع اليهود، داعياً الحكومة إلى «تغيير جوهري في نهجها». ولفت النظر إلى أن عدداً كبيراً من الشباب العربي، لا يتقن اللغة العبرية ويصعب عليه اجتياز امتحان الدخول إلى الجامعات بسبب ذلك. وقال إن العلامة الأدنى في امتحان اللغة العبرية (ياعيل) التي حدّدتها الجامعات وبعض الكليات للقبول للدراسة، تمنع العديد من العرب من الالتحاق بالتعليم الأكاديمي الإسرائيلي، بسبب ضعف المستوى في العبرية بين الشباب الذين ينهون دراستهم في جهاز التعليم العربي.
كما أن العديد من هؤلاء الشباب «يصبحون متعطّلين رغماً عنهم»، ويجد آخرون حلولاً في جامعات السلطة الفلسطينية أو يسافرون إلى الخارج للدراسة (15 ألف طالب عربي إسرائيلي درسوا في الخارج عام 2018 نحو 8 آلاف منهم في جامعات السلطة الفلسطينية). ومن لا يملك قدرات مالية للصرف على هذا التعليم، يجد نفسه متعطّلاً، لا يعمل ولا يتعلم ولا يندمج في المجتمع الإسرائيلي. فتكون طريقه قصيرة لعالم الجريمة.



محاور العالم... بين صديق مؤقت وعدو دائم

صاروخ باليستي لحظة إطلاقه من مكان غير معلوم في كوريا الشمالية يوم 20 فبراير 2023 (أ.ب)
صاروخ باليستي لحظة إطلاقه من مكان غير معلوم في كوريا الشمالية يوم 20 فبراير 2023 (أ.ب)
TT

محاور العالم... بين صديق مؤقت وعدو دائم

صاروخ باليستي لحظة إطلاقه من مكان غير معلوم في كوريا الشمالية يوم 20 فبراير 2023 (أ.ب)
صاروخ باليستي لحظة إطلاقه من مكان غير معلوم في كوريا الشمالية يوم 20 فبراير 2023 (أ.ب)

توجد اليوم في النظام العالميّ على الساحة الكونيّة قوى متعدّدة؛ منها ما يُصنّف من القوى العظمى، كالولايات المتحدة الأميركيّة والصين، ومنها ما هو على مستوى «القوّة العظمى»، مثل فرنسا وبريطانيا وروسيا والهند... وغيرها. أما الجديد اليوم في اللعبة الجيوسياسية الكبرى، فهو تلك الدول المُصنّفة قوى إقليميّة عظمى، مثل تركيا وإسرائيل وإيران والسعوديّة والبرازيل. والجديد في دور هذه القوى الإقليميّة هو أنها قادرة على التأثير في مجريات الصراع العالميّ، وليس كما كانت عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، فهي أصبحت بيضة القبان في الصراع الكونيّ على التحالفات (Swing States)، كما أصبح لديها كثير من المرونة وحريّة القرار والخيارات في سياساتها الخارجيّة.

هناك دول تريد الحفاظ على النظام العالميّ (Status Quo Powers) القديم. وهناك دول تريد تغيير هذا النظام؛ لأن التغيير قد يُحسّن وضعها الجيوسياسيّ وموقعها على الرقعة الكبرى. وعليه؛ تتظّهر هشاشة المؤسسات الدوليّة، التي يفترض أن تتعهدّ الحفاظ على الأمن والسلام العالميين، وفي طليعتها مجلس الأمن. لكن هذه المؤسسات هي التي صنعت المهيمنين على النظام العالميّ. وهي من إنتاجهم، وهم من يموّل عملها. وهي تعكس موازين القوى في تركيبة النظام العالميّ. وإذا ما اختل التوازن بين القوى المهيمنة، تصدّعت هذه المؤسسات.

أحد اجتماعات مجلس الأمن (أرشيفية - إ.ب.أ)

الصديق المؤقت والعدو الدائم

تندرج بريطانيا في علاقتها بالعم سام على أنها «الصديق الدائم والعدو المؤقّت». وتندرج كل من روسيا والصين على أنهما «العدوان الدائمان للغرب»، وقد يكونان «صديقين مؤقّتين» في بعض الأحيان. تعدّ إيران العدو الدائم لروسيا، لكنها الصديق المؤقت، فهما تقاتلتا في المساحة الجغرافيّة الفاصلة بينهما في القوقاز. ويجب ألا ننسى كيف قسّم الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين إيران، بالتعاون مع الإنجليز. حالياً، تمدّ إيران روسيا بالمسيّرات والصواريخ الباليستية في حربها على أوكرانيا. ويعيدنا هذا الأمر إلى أهميّة الدور العالمي الذي تلعبه حالياً القوى الكبرى الإقليمية. إذن لدى إيران مشروع إقليمي، وهي تلعب دوراً دولياً عقب تورطها في الحرب الأوكرانية. ألا يمكن القول هنا إن إيران تلعب لعبة الكبار؛ بوسائل محدودة؟ لكن العدو المشترك لها حالياً مع روسيا هو العم سام.

تعدّ الصين العدو الدائم لفيتنام، لكنها قد تكون الصديق المؤقت. في عام 1979، اجتاح الزعيم الصيني، دينغ تشاو بينغ، شمال فيتنام بعملية محدودة. كان هدف هذه العملية تأديب فيتنام، وإفهام الاتحاد السوفياتي أنه لا يمكن احتواء الصين. بعدها، انفتحت الصين على أميركا وتغيّر العالم إلى غير رجعة. حالياً، يدور صراع بين فيتنام والصين على الحدود البحريّة في جنوب بحر الصين.

صورة جماعية للقادة المشاركين بقمة «منظمة شنغهاي» في آستانة (أرشيفية - د.ب.أ)

تعدّ كوريا التاريخيّة عدو الصين الدائم، لكنها الصديق المؤقت حالياً، خصوصاً كوريا الشمالية. فخريطة كوريا التاريخيّة تمتد إلى عمق أراضي الصين الحالية. وعندما تدخّلت الصين في الحرب الكورية عام 1950 ضدّ القوات الأميركية، كانت فقط لرسم حدود القوّة الأميركية، حتى ولو كانت أميركا قوّة نوويّة آنذاك عكس الصين. ويقول بعض المحلّلين إن السلاح النووي لكوريا الشمالية يهدف إلى ردع كل من أميركا والصين معاً؟

تساعد كوريا الشمالية روسيا اليوم عبر مدّها بالذخيرة؛ من صواريخ وغيرها، كأنها تردّ الجميل لروسيا لأنها ساعدتها إبان الحرب الباردة. فهناك حدود مشتركة بينهما بطول 19 كيلومتراً. والعدو المشترك حالياً هو العم سام.

تعدّ روسيا الصديق المؤقت للصين، لكنها العدو الدائم، فقد تقاتلتا مرات عدّة، ووقّعتا كثيراً من المعاهدات كانت كلها تصب في مصلحة روسيا القيصريّة (معاهدة «آيغون» عام 1858). وفي بنود بعض هذه المعاهدات تخلّت الصين عن بعض الأراضي لروسيا. ألَم يتحدَّ مؤخراً رئيس تايوان الصين بأن تسترد أراضيها من روسيا إذا كانت تريد استرداد جزيرة تايوان؟ في مكان آخر، قد يمكن القول إن الصراع على مناطق النفوذ في آسيا الوسطى بين الصين وروسيا قد يأخذ منحى آخر في المستقبل القريب، فهذه المناطق تعدّ من المُسلّمات الجيوسياسية الحيويّة لروسيا عبر التاريخ. لكنها تحوّلت ومنذ صعود الصين إلى مُسلّمات جيوسياسيّة حيويّة أيضاً للصين. فكيف ستكون ديناميكيّة الصراع مستقبلاً؟ هذا مع التذكير بأن الصراع بين الكبار يفتح للاعبين الصغار خيارات استراتيجيّة متعدّدة. تساعد الصين روسيا سراً في حربها على أوكرانيا، وفق ما يقول الغرب، لكن الهمّ الصيني الأساسي ليس في مستوى العلاقة مع روسيا، لكن في نوعيّة العلاقة بالغرب، خصوصاً أميركا. فروسيا بالنسبة إلى الصين وسيلة لأهداف أكبر بكثير. وهي، أي الصين، تعي تماماً أن خيارات روسيا في علاقاتها بالغرب أصبحت جدّ محدودة، أو حتى معدومة. فلا ضير إذن في أخذ الدب الروسي تحت عباءة التنين الصيني لاستغلاله والاستفادة منه جيوسياسياً في ظلّ التحولات الكبرى.

ترتيب المحور

تبدو مؤشرات تشكّل محاور جيوسياسيّة متعدّدة واضحة وجليّة على المسرح الدوليّ، وأغلبها لضرب هيمنة الغرب؛ وبالتحديد العم سام. لكن هذا لا يعني أن العم سام بدوره لا يؤسس لمحاور جديدة تتأقلم مع المستجدّات. لذلك، وبعد نظرة من فوق على الكتلة الأوراسيّة، قد يمكن القول ما يلي:

هناك تشكّل واضح لمحور أساسي يضمّ كلاً من الصين وروسيا وكوريا الشماليّة وإيران. لهذا المحور دور جيوسياسيّ، يتظّهر أكثر ما يتظّهر في «منظّمة شنغهاي» للتعاون على المستوى المؤسساتيّ، لكنها تتعاون بطرق سريّة مختلفة؛ أهمها في الحرب الأوكرانية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يتبادلان الوثائق خلال حفل توقيع الشراكة الجديدة في بيونغ يانغ بكوريا الشمالية يوم 19 يونيو 2024 (أ.ب)

ما يجمع هذا المحور هو العداء المشترك للولايات المتحدة الأميركية. أما ما يفرّق دول المحور بعضها عن بعض فيتمحور حول البُعد الجغرافيّ؛ إنْ كان في القرب أو الترابط، خصوصاً مناطق النفوذ وتوزّع الثروات في السهل الأوراسيّ.

لهذا المحور ترتيب هرميّ لا يمكن الهروب منه، خصوصاً أن الترتيب يعتمد على قدرات دول المحور؛ العسكريّة منها والاقتصاديّة، وذلك دون إهمال البُعد الديموغرافي. في هذا المجال، قد يمكن القول إن الاقتصاد الصيني يساوي 8 مرات الاقتصاد الروسيّ، ويساوى 43 مرة الاقتصاد الإيراني، ويساوي 560 مرّة الاقتصاد الكوري الشماليّ. يُضاف إلى ذلك أن الصين هي المنافس الوحيد والأهم للولايات المتحدة الأميركية في مجال «تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين».

وإذا قلنا إن ثلاث دول من هذه المجموعة دول نوويّة، بينما تسعى إيران إلى «النوويّ»، فهل حمى السلاح النوويّ روسيا من الهجوم على مقاطعة كورسك من قبل أوكرانيا؟ ألا يمكن القول إن فائض القوّة في بعض الأحيان قد يتحوّل إلى عبء؟