جهود «مكثفة» لإجلاء طلاب أفارقة عالقين بالسودان عبر مصر

سفارة نيجيريا تسعى لعبور 1400 طالب من معبري «أرقين» و«قسطل»

آخر حفل إفطار للطلاب الوافدين بالخرطوم (منظمة رعاية الطلاب الوافدين بالسودان)
آخر حفل إفطار للطلاب الوافدين بالخرطوم (منظمة رعاية الطلاب الوافدين بالسودان)
TT

جهود «مكثفة» لإجلاء طلاب أفارقة عالقين بالسودان عبر مصر

آخر حفل إفطار للطلاب الوافدين بالخرطوم (منظمة رعاية الطلاب الوافدين بالسودان)
آخر حفل إفطار للطلاب الوافدين بالخرطوم (منظمة رعاية الطلاب الوافدين بالسودان)

تكثف سفارات عربية وأجنبية في القاهرة، جهودها لإجلاء رعاياها من الطلاب العالقين بالسودان؛ إذ ينتظر أعضاء سفارات بعض الدول في مدينة أبو سمبل المصرية للمساهمة في إجلاء الطلاب العالقين بالجانب السوداني في معبري «أرقين» و«أشكيت» السودانيين.
وأكد أحد أعضاء سفارة نيجريا في القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»، وجود نحو ألف طالب نيجيري في مدينة حلفا السودانية، و400 طالب آخر في معبر أرقين، يجري التواصل مع السلطات المصرية بشأن تسهيل عبورهم إلى الأراضي المصرية، كمرحلة أولى قبل نقلهم إلى مدينة أسوان (جنوب مصر) وإجلائهم إلى نيجيريا»، مضيفاً أن «هناك أكثر من 5 آلاف نيجيري كانوا يعيشون في الخرطوم، معظمهم من الطلاب».
ويأمل أعضاء السفارة بتسهيل عبور الطلاب خلال الساعات المقبلة بعد الاتفاق مع الجانب المصري بشأن استثناء الطلاب من ضرورة الحصول على تأشيرة مسبقة من القنصلية المصرية في وادي حلفا، والتي تشهد زحاماً كبيراً من النازحين السودانيين للعبور إلى مصر.
وتطلب مصر من السودانيين الذكور من سن 16 : 50 عاماً الحصول على تأشيرة مسبقة من قنصليتها بالسودان، بينما تسمح لجميع السيدات بالعبور من دون تأشيرة مسبقة.
ويدرس معظم الطلاب الوافدين من دول أفريقيا وقارات أخرى بجامعة أفريقيا الدولية، في حين يدرس طلاب عرب بجامعات أخرى، من بينها جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، وجامعة المستقبل، وجامعة النيلين، وجامعة أم درمان، وجامعة اليرموك الخاصة.
ووفق صفحة منظمة رعاية الطلاب الوافدين بالسودان، على «فيسبوك»، وهي منظمة غير ربحية، فإن أعداد الطلاب الوافدين الذين ترعاهم المنظمة يبلغ أكثر من 24 ألف طالب وطالبة من 91 دولة، وتشكل الصومال أكبر جالية طلابية تليها اليمن، ثم مصر.
واضطر عدد كبير من الطلاب المصريين والعرب إلى مغادرة الخرطوم بسبب تدهور الأوضاع الأمنية بها قبل اندلاع الحرب.
وناشدت منظمة رعاية الطلاب الوافدين بالسودان، قبيل اندلاع الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، جميع الطلاب الوافدين، أخذ الحيطة والحذر وعدم التجوال في وسط العاصمة، خصوصاً في الليل، حيث تكثر حوادث النهب والسرقة وأحياناً تكون تحت تهديد السلاح.
وحوصر عدد كبير من الطلاب الوافدين المصريين داخل أحياء الخرطوم عقب اندلاع الاشتباكات، ولم يستطع عدد منهم، وخصوصاً من الفتيات، الفرار من العاصمة السودانية حتى الآن، بحسب استغاثات بعض الأسر المصرية التي يدرس أبناؤها بالخرطوم على مجموعات «واتساب».
وتمكّن مجموعة من الطلاب المصريين العودة إلى وطنهم، الثلاثاء، من خلال معبر قسطل البري، بحسب شهود عيان قالوا لـ«الشرق الأوسط»، إنه يمر نحو 60 حافلة سودانية إلى مصر بجانب سيارات ملاكي، و20 سيارة ميكروباص، من معبر قسطل البري الذي يستقبل حالياً معظم النازحين من السودان. بحسب مسؤولين مصريين.
وقالت وزارة الخارجية المصرية في أحدث إحصائية لها عن جهود إجلاء مواطنيها من السودان، إنه تم إجلاء نحو 7 آلاف مواطن منذ اندلاع المعارك وحتى نهاية شهر أبريل (نيسان) الماضي.
وبحسب وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج، سها جندي، فإن «الطلاب المصريين الذين كانوا يتمركزون بالعاصمة الخرطوم، كان يبلغ عددهم نحو خمسة آلاف طالب، أي نحو نصف عدد الجالية المصرية هناك»، موضحة في تصريحات سابقة أن «عدد الطلاب المتواجدين بالسودان، هو أقل من العدد الفعلي المسجل بالجامعات هناك؛ نظراً لمغادرة الكثيرين إلى مصر لقضاء شهر رمضان والأعياد التي تعدّ إجازات رسمية بالسودان».
ويدرس المجلس الأعلى للجامعات في مصر، راهناً، توصيات اللجنة الدائمة، فيما يخص تحويل الطلاب المصريين الدارسين في الجامعات السودانية والروسية إلى الجامعات المصرية الخاصة والأهلية؛ حفاظاً على مستقبلهم الجامعي في هذه الظروف الاستثنائية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.