أحلام محطمة وهواجس الهجرة تلاحق الشباب الفلسطيني في لبنان

نسرين حزينة لاجئة فلسطينية تمشي وحولها أعلام «فتح» والملصقات بزقاق في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
نسرين حزينة لاجئة فلسطينية تمشي وحولها أعلام «فتح» والملصقات بزقاق في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
TT

أحلام محطمة وهواجس الهجرة تلاحق الشباب الفلسطيني في لبنان

نسرين حزينة لاجئة فلسطينية تمشي وحولها أعلام «فتح» والملصقات بزقاق في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
نسرين حزينة لاجئة فلسطينية تمشي وحولها أعلام «فتح» والملصقات بزقاق في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

في مخيّم شاتيلا على أطراف بيروت، لم يتبقّ للشباب الفلسطينيين إلا أحلام محطمّة، وأمل وحيد بالهجرة من بلد لم يحتضنهم بما فيه الكفاية، حتى قبل أن يفتك به انهيار اقتصادي غير مسبوق.
تقول نسرين حزينة (25 عاماً)، المُجازة في العلوم الاجتماعية، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن «الشباب الفلسطيني يعتريه نوع من اليأس؛ لأنّهم غير قادرين على تحقيق ما يصبون إليه... وثمّة ما يحدّ من قدراتهم».

وتضيف: «باتت الهجرة الحلّ الأساسي لشباب المخيّم، كلّ من تتحدّث إليه يقول إنّه يريد السفر، بطريقة شرعية أو غير شرعية، لا يهمّ».
وتؤكّد أن فكرة السفر إلى بلد «يحترمني ويقدّم لي فرصة وعملاً» تراودها أيضاً، في وقتٍ لا يجد فيه اللبنانيون، في خضمّ الانهيار الاقتصادي، فرصاً، «فكيف الحال بلاجئين في مخيّمات، وسط ظروف صعبة».
لكنّ نبرة اليأس سرعان ما تتغيّر إلى مزيج من الفخر والحماس، حين تتحدّث الشابة عن يافا، وتحديداً حي المنشية؛ مسقط رأس عائلتها، كما لو أنّها عاشت في المدينة التي نزح جدّاها منها، مع مئات آلاف الفلسطينيين، في عام 1948.

لكن بعد 75 عاماً من النكبة، لا تَلوح في الأفق ملامح أيّة تسوية تحفظ حقوق الفلسطينيين، وحلم العودة يتلاشى تدريجياً، حتى وإن كانت «فلسطين موجودة دائماً في القلب والذاكرة»، وفق ما تقول حزينة.
في أزقّة المخيم الضيّقة والمكتظّة، ترتفع صور حديثة لشبّان فلسطينيين قتلتهم القوات الإسرائيلية مؤخراً في الضفّة الغربية المحتلّة، وبجانبها صور قديمة للرئيس الراحل ياسر عرفات، في مؤشر على الرابط العضوي بين فلسطينيّي الداخل وفلسطينيّي «الشتات».
ووفق مديرة وكالة الأمم المتحدة لتشغيل وغوث اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» دوروثي كلاوس، فإنّ 489 ألفاً و292 لاجئاً، مسجّلون لدى الوكالة. ويعيش هؤلاء ظروفاً صعبة، فاقمها الانهيار الاقتصادي المستمرّ منذ خريف 2019، والذي بات معه 80 في المئة منهم تحت خط الفقر.
وتقول كلاوس: «ما من أفق اقتصادي أو سياسي للاجئين الفلسطينيين في لبنان»، موضحة أنّه «بغياب أمل بمستقبل ذي معنى، ومع حرمانهم من حقوقهم الأساسية، يحاولون الهجرة كلما تسنح الفرصة».
ويقول، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، محمّد عبد الحفيظ (29 عاماً)، الذي يجوب أزقّة المخيّم الضيّقة على دراجته النارية: «لا نتمتّع بأبسط حقوقنا، ونعيش كلّ يوم بيومه».

ويتابع المتطوع في «الدفاع المدني الفلسطيني»: «كنت أحلم بأن أكون طبيباً أو مهندساً، لكن ليس بمقدوري العمل في هذه المجالات».
ويمنع لبنان اللاجئين الفلسطينيين من العمل في 39 مهنة، بينها المحاماة، والطبّ، والصيدلة، والهندسة، كما يُمنع عليهم التملّك؛ وذلك خشية من أن يشكل ذلك مقدّمة لتوطينهم في لبنان، ويحُول دون حقّ عودتهم إلى أراضيهم.
ولا يخفي عبد الحفيظ رغبته بالهجرة، لكنّ أمله بالحصول على تأشيرة شبه معدوم، بينما خيار الهجرة غير الشرعية محفوف بالمخاطر.
ويروي كيف توفّي ثلاثة شبّان من المخيّم، في سبتمبر (أيلول)، حين غرق مركب كان يُقلّ عشرات المهاجرين، غالبيتهم لاجئون سوريون أو فلسطينيون ضاقت بهم سبل العيش.
ويشرح: «تُوفّوا لأنهم أرادوا أن يؤمِّنوا مستقبلهم».
وداخل مكتب لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، حيث يُمضي أوقات فراغه، لا يرى وليد عثمان (33 عاماً) في الهجرة حلاً، متحدّثاً عن «مشروع يهدف إلى ضرب الشباب الفلسطيني؛ عن طريق تجويعه، وتقليل فرص العمل والحياة».
ويتمنّى عثمان لو تسنّى له إكمال دراسة العلوم السياسية؛ «من أجل العمل في مجال الدفاع عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية»، باعتبار أنّ «فلسطين تحتاج، اليوم، إلى المتعلّمين والمثقفين الذين يمثّلون هذه القضية أمام العالم كلّه».
لكنّ ظروف الحياة دفعته إلى التوقّف عن متابعة تحصيله العلمي في المرحلة الثانوية، لينصرف إلى تعلّم مهنة الحدادة.
وقبل 75 عاماً، فرّ جدّا عثمان، من قرية نحف في قضاء عكا، ثم تهجّر والداه من مخيّم تلّ الزعتر للاجئين الفلسطينيين، في ضاحية بيروت الشمالية، الذي سُوِّي بالأرض في 1976 خلال الحرب الأهلية (1975 - 1990).
خلال جولات من الحرب نفسها، شهد مخيم شاتيلا نصيبه من المآسي مع مجزرة طالته، ومخيّم صبرا المجاور، إبّان الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، ثم خلال حرب المخيّمات في 1985.
كذلك فإنّ المخيمات الفلسطينية في لبنان، وبينها شاتيلا، تؤوي قرابة ثلاثين ألف لاجئ فلسطيني فرّوا من سوريا المجاورة إثر اندلاع النزاع في هذا البلد خلال 2011، خصوصاً من مخيم اليرموك في جنوب دمشق، وفق «وكالة أونروا»، التي تعاني من شح مزمن في التمويل.
ولا يزال هناك قرابة 400 ألف لاجئ فلسطيني مسجّلين لدى الوكالة في سوريا، حيث يتمتّعون بحقّ العمل، مقابل 2.3 مليون مسجّلين في الأردن، حيث يحظون بالحقوق نفسها التي يتمتع بها الأردنيون، بخلاف لبنان الذي يخشى التوطين ويَحرم اللاجئين من هذه الحقوق، بحجة ضمان حقّ عودتهم.
ويقول عثمان: «لا يوجد أيّ فلسطيني، ولو كان مرتاحاً في أيّ بقعة في الأرض، ينسى فلسطين، إنّها وطننا الدائم والأساسي».
ويضيف: «يولَد الناس ولديهم وطن، أما نحن فنولَد ووطننا في قلبنا».


مقالات ذات صلة

عائلات فلسطينية تطالب بلينكن بعدم إقامة السفارة الأميركية على أراضيها المصادرة في القدس

الولايات المتحدة​ مبنى السفارة الأميركية في القدس (غيتي)

عائلات فلسطينية تطالب بلينكن بعدم إقامة السفارة الأميركية على أراضيها المصادرة في القدس

قدم مركز «عدالة» للشؤون القانونية للمواطنين العرب في إسرائيل، رسالة اعتراض على إقامة سفارة الولايات المتحدة ومجمعها الدبلوماسي في القدس الغربية، على أراض فلسطينية كان يملكها مواطنون تم تهجيرهم وتحويلهم إلى لاجئين وقامت الحكومة الإسرائيلية بمصادرتها بحكم «قانون أملاك الغائبين». ووجهت «عدالة» الرسالة إلى كل من: لجنة «لواء القدس» للتخطيط والبناء في وزارة الداخلية الإسرائيلية، ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي يزور البلاد، وإلى السفير الأميركي لدى إسرائيل، توماس نايدز. وقال المركز، إنه يقدم هذا الاعتراض باسم 12 وريثاً لهذه الأراضي، بينهم مواطنون أميركيون وأردنيون وسكان القدس الشرقية. وال

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي احتجاج سابق لموظفي أونروا في غزة بعد إلغاء عدد من الوظائف (رويترز)

الفلسطينيون يرحبون بالتصويت الأممي على تمديد ولاية أونروا حتى 2026

رحبت منظمة التحرير الفلسطينية بتصويت لجنة أممية في الجمعية العامة للأمم المتحدة على 5 قرارات لمصلحة الفلسطينيين، بينها تمديد ولاية أونروا حتى نهاية يونيو (حزيران) 2026. وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دائرة شؤون اللاجئين أحمد أبو هولي، إن التصويت الساحق بالأغلبية يعكس حجم الدعم لاستمرارية عمل الأونروا إلى حين إيجاد حل سياسي لقضية اللاجئين طبقاً للقرار 194 القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها عام 1948، باعتبار الأونروا الشاهد السياسي على قضية اللاجئين، والشاهد الحي على مأساة ونكبة شعبنا. وكانت لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار (اللجن

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي من آثار المواجهة في نابلس (د.ب.أ)

مقتل فلسطيني في نابلس واستعداد لفترة توتر جديدة

قتل الجيش الإسرائيلي فلسطينياً في محيط «قبر يوسف» في نابلس شمال الضفة الغربية، في ذروة اشتباكات مسلحة عززت المخاوف الإسرائيلية من أن الضفة الغربية على أبواب فترة متوترة ومشحونة، جديدة، على الرغم من الهدوء النسبي الحالي. وقضى مهدي الحشاش (18 عاماً) وهو أحد عناصر مجموعة مسلحة تطلق على نفسها اسم «كتيبة بلاطة» (نسبة إلى مخيم بلاطة للاجئين في نابلس) خلال هجوم شنته على إسرائيليين وصلوا إلى «قبر يوسف» للصلاة. وقالت «كتيبة بلاطة» إن مقاتليها «خاضوا اشتباكاً مسلحاً مع الجيش الإسرائيلي» في محيط «قبر يوسف».

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي الاشتباكات أدت إلى نزوح عدد كبير من الأحياء القريبة في المخيم إلى مناطق أكثر أمانا (أرشيفية-رويترز)

لبنان: جريحان في اشتباكات بمخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين

وقعت اشتباكات مسلحة عنيفة بالقذائف الصاروخية، مساء أمس (الاثنين)، في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا جنوب لبنان، أسفرت عن إصابة شخصين، بحسب وكالة الأنباء الألمانية. وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية باندلاع اشتباكات عنيفة في حي الطوارئ بمخيم عين الحلوة بين عناصر من «جند الشام» و«عصبة الأنصار»، استخدمت فيها الأسلحة الرشاشة وقذائف الـ«أر.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جنود إسرائيليون في بيروت خلال غزو عام 1982 (غيتي)

إسرائيل خططت لترحيل اللاجئين الفلسطينيين من لبنان إلى دول عربية

كشفت بروتوكولات سرية عن الحوار الإسرائيلي الأميركي خلال الأيام الأولى من حرب لبنان الأولى، التي وقعت في يونيو (حزيران) 1982 أن رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه، مناحيم بيغن، تكلم مع الرئيس الأميركي الأسبق، رونالد ريغان، عن إمكانية ترحيل مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى دول عربية أخرى مثل العراق وليبيا وسوريا. وجاء في تقرير نشره عوفر أديرت، في صحيفة «هآرتس» العبرية، أمس الجمعة، أن بيغن سافر إلى واشنطن بعد أسبوعين من بدء الحرب، وذلك في أعقاب الانتقادات التي أسمعتها الولايات المتحدة على هذه الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

«حزب الله» يستعد سياسياً لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار

الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)
الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

«حزب الله» يستعد سياسياً لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار

الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)
الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)

تتعاطى القوى السياسية على اختلافها مع تأكيد أمين عام «حزب الله»، الشيخ نعيم قاسم، بتموضعه مجدداً تحت سقف «اتفاق الطائف»، على أنه أراد أن يستبق الوعود الأميركية بالتوصل إلى وقف إطلاق النار، بتحديد العناوين الرئيسية لخريطة الطريق في مقاربته لمرحلة ما بعد عودة الهدوء إلى جنوب لبنان، بانسحاب إسرائيل من المناطق التي توغلت فيها تمهيداً لتطبيق القرار الدولي «1701»، وتعد بأنها تأتي في سياق استعداد الحزب للعبور من الإقليم -أي الميدان- إلى الداخل اللبناني عبر بوابة الطائف.

فالبنود التي حددها قاسم في مقاربته لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار تنم، كما تقول مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط»، عن رغبته في إضفاء اللبننة على توجهات الحزب وصولاً إلى انخراطه في الحراك السياسي، في مقابل خفض منسوب اهتمامه بما يدور في الإقليم في ضوء تقويمه لردود الفعل المترتبة على تفرُّده في قرار إسناده لغزة الذي أحدث انقساماً بين اللبنانيين.

وتعدّ المصادر أنه ليس في إمكان الحزب أن يتجاهل الوقائع التي فرضها قرار إسناده لغزة، وأبرزها افتقاده لتأييد حلفائه في «محور الممانعة»، وكاد يكون وحيداً في المواجهة، وتؤكد أن تفويضه لرئيس المجلس النيابي، نبيه بري، للتفاوض مع الوسيط الأميركي، آموس هوكستين، وتوصلهما إلى التوافق على مسوّدة لعودة الهدوء إلى الجنوب، يعني حكماً أنه لا مكان في المسوّدة للربط بين جبهتي غزة والجنوب وإسناده لـ«حماس».

انكفاء الحزب

وتلفت المصادر نفسها إلى أن عدم اعتراض الحزب على المسوّدة يعني موافقته الضمنية على إخلاء منطقة الانتشار في جنوب الليطاني والانسحاب منها، إضافة إلى أن قواعد الاشتباك المعمول بها منذ صدور القرار «1701»، في آب (أغسطس) 2006، أصبحت بحكم الملغاة، أسوة بإنهاء مفعول توازن الرعب الذي كان قد أبقى على التراشق بينهما تحت السيطرة.

وتقول المصادر نفسها إنه لا خيار أمام الحزب سوى الانكفاء إلى الداخل، وإن ما تحقق حتى الساعة بقي محصوراً في التوصل إلى وقف إطلاق النار العالق سريان مفعوله على الوعود الأميركية، فيما لم تبقَ الحدود اللبنانية - السورية مشرّعة لإيصال السلاح إلى الحزب، بعدما تقرر ضبطها على غرار النموذج الذي طبقه الجيش على مطار رفيق الحريري الدولي، ومنع كل أشكال التهريب من وإلى لبنان، إضافة إلى أن وحدة الساحات كادت تغيب كلياً عن المواجهة، ولم يكن من حضور فاعل لـ«محور الممانعة» بانكفاء النظام السوري عنه، رغبة منه بتصويب علاقاته بالمجتمع الدولي، وصولاً إلى رفع الحصار المفروض عليه أميركياً بموجب قانون قيصر.

لاريجاني

وفي هذا السياق، تتوقف المصادر أمام ما قاله كبير مستشاري المرشد الإيراني، علي لاريجاني، لوفد من «محور الممانعة» كان التقاه خلال زيارته إلى بيروت: «إيران ترغب في إيصال المساعدات إلى لبنان لكن الحصار المفروض علينا براً وبحراً وجواً يمنعنا من إرسالها، ولم يعد أمامنا سوى التأكيد بأننا شركاء في إعادة الإعمار».

وتسأل ما إذا كان التحاق الحزب بركب «اتفاق الطائف»، الذي هو بمثابة ملاذ آمن للجميع للعبور بلبنان إلى بر الأمان، يأتي في سياق إجراء مراجعة نقدية تحت عنوان تصويبه للعلاقات اللبنانية - العربية التي تصدّعت بسبب انحيازه إلى «محور الممانعة»، وجعل من لبنان منصة لتوجيه الرسائل بدلاً من تحييده عن الصراعات المشتعلة في المنطقة؟ وهل بات على قناعة بأنه لا خيار أمامه سوى التوصل إلى وقف إطلاق النار، رغم أن إسرائيل تتمهل في الموافقة عليه ريثما تواصل تدميرها لمناطق واسعة، وهذا ما يفتح الباب للسؤال عن مصير الوعود الأميركية، وهل توكل لتل أبيب اختيار الوقت المناسب للإعلان عن انتهاء الحرب؟

تموضع تحت سقف «الطائف»

ولم تستبعد الدور الذي يعود لبري في إسداء نصيحته للحزب بضرورة الالتفات إلى الداخل، والتموضع تحت سقف «اتفاق الطائف»، خصوصاً أن المجتمع الدولي بكل مكوناته ينصح المعارضة بمد اليد للتعاون معه لإخراج لبنان من أزماته المتراكمة.

وتقول إن الحزب يتهيب التطورات التي تلازمت مع إسناده لغزة، وتسأل هل قرر إعادة النظر في حساباته في ضوء أن رهانه على تدخل إيران لم يكن في محله؛ لأن ما يهمها الحفاظ على النظام وتوفير الحماية له، آخذة بعين الاعتبار احتمال ضعف موقفها في الإقليم؟

لذلك فإن قرار الحزب بأن يعيد الاعتبار للطائف، يعني أنه يبدي استعداداً للانخراط في الحراك السياسي بحثاً عن حلول لإنقاذ لبنان بعد أن أيقن، بحسب المصادر، بأن فائض القوة الذي يتمتع به لن يُصرف في المعادلة السياسية، وأن هناك ضرورة للبحث عن القنوات المؤدية للتواصل مع شركائه في البلد، وأولهم المعارضة، مع استعداد البلد للدخول في مرحلة سياسية جديدة فور التوصل إلى وقف إطلاق النار الذي من شأنه أن يعطي الأولوية لانتخاب الرئيس، ليأخذ على عاتقه تنفيذ ما اتُّفق عليه لتطبيق الـ«1701».

وعليه لا بد من التريث إفساحاً في المجال أمام ردود الفعل، أكانت من المعارضة أو الوسطيين، على خريطة الطريق التي رسمها قاسم استعداداً للانتقال بالحزب إلى مرحلة سياسية جديدة، وهذا يتطلب منه عدم الاستقواء على خصومه والانفتاح والتعاطي بمرونة وواقعية لإخراج انتخاب الرئيس من المراوحة، واستكمال تطبيق «الطائف»، في مقابل معاملته بالمثل وعدم التصرف على نحو يوحي بأنهم يريدون إضعافه في إعادة مؤسسات البلد، بذريعة أن قوته اليوم لم تعد كما كانت في السابق، قبل تفرده في إسناده لغزة، وما ترتب عليها من تراجع للنفوذ الإيراني، بالتلازم مع عدم فاعلية وحدة الساحات التي تتشكل منها القوة الضاربة لـ«محور الممانعة» الذي لم يكن له دور، ولو بحدود متواضعة، بتوفير الدعم للحزب كونه أقوى أذرعته في الإقليم، وبالتالي هناك ضرورة لاحتضانه لاسترداده إلى مشروع الدولة.