عمليات الإجلاء السعودية... نافذة أمل الفارّين من الموت

مواطن: بلادي أجلتني عن المصير المحتوم مرتين في الجائحة والسودان

أجلت السعودية حتى اللحظة مواطنيها ورعايا 102 دولة حول العالم (أ.ف.ب)
أجلت السعودية حتى اللحظة مواطنيها ورعايا 102 دولة حول العالم (أ.ف.ب)
TT

عمليات الإجلاء السعودية... نافذة أمل الفارّين من الموت

أجلت السعودية حتى اللحظة مواطنيها ورعايا 102 دولة حول العالم (أ.ف.ب)
أجلت السعودية حتى اللحظة مواطنيها ورعايا 102 دولة حول العالم (أ.ف.ب)

للوهلة الأولى بعد اندلاع المواجهات العسكرية في السودان منتصف أبريل (نيسان) الماضي، بين الجانبين العسكريين في البلاد، لم يتوقع مراقبون أن تصل الأمور لأن تصبح عمليات الإجلاء أصعب المهام الدولية والإقليمية وأكثرها محوريّة، وتتركز عليها جهود الدول والمنظمات أكثر، حتى في بعض الأحيان، من البحث عن حلول عاجلة لاحتواء الأزمة والاتفاق على الهدن الإنسانية، ولكن النتيجة أن أصبح الهدف الأساسي من سلسلة الهدن التي تم التوصل إليها هو تأمين طرق الإجلاء للفارّين من مناطق الصراع المحتدم.

عدم يقين دولي بالحاجة لإجلاء الرعايا
وعقب أيام قليلة من اندلاع المعارك، قال مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأميركية، إن الحكومة الأميركية «لا تتوقع تنسيقاً لعمليات إجلاء لمواطنيها من السودان عبر الحكومة الأميركية في هذا الوقت أو في الأيام المقبلة»، في إشارة إلى عدم اليقين بخصوص الأوضاع على الأرض، قبل أن يتدارك المتحدث ليوضّح أن «إجلاء المواطنين الأميركيين سيكون على نفقتهم الخاصة».
وذهب وزير الخارجية البريطاني في اتجاهٍ مشابه قائلاً: «لا يمكننا إجلاء سوى حاملي جواز السفر البريطاني، وأفراد أسرهم المباشرين».

خطوة سبّاقة
وفي الوقت الذي أعلنت فيه نقابة أطباء السودان، أنّ أكثر من 72 في المائة من المستشفيات في المناطق المتاخمة للاشتباكات «توقّفت عن العمل»، سبقت السعودية الجميع بخطوات مصحوبة باستشعار مآلات الأحداث في السودان، فبدأت في 22 أبريل بعمليات إجلاء رعاياها ورعايا أكثر من 100 دولة أخرى بلغ عددهم وفقاً لآخر إحصائية رسمية 5409 أشخاص، بينهم دبلوماسيون ومسؤولون دوليّون، في موقف يشبه «الملحمة التاريخية» كما وصف مراقبون دوليّون، في استمرار للجهود التي تُبذل بتوجيهات من قيادة البلاد، مسجلةً انطلاق واحدة من كبرى عمليات الإجلاء الناجحة عالمياً على مدى أيام متواصلة، ولم تنتهِ حتى اللحظة رغم مرور أكثر من عشرة أيام، ليتبعها بعد ذلك عدد كبير من الدول في إجلاء رعاياها، حتى تلك التي اعتبرت أن الوضع على الأرض لا يستدعي ذلك.

استمرار عمليات إجلاء رعايا الدول من السودان (رويترز)
 

امتنان دولي واسع
وانبرى عدد من الزعماء والمسؤولين الدوليّين حول العالم إلى الإشادة بجهود السعودية في عمليات إجلاء رعاياها ورعايا الدول الصديقة، واعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن أن المساعدة السعودية في إجلاء الدبلوماسيين الأميركان «كانت حاسمة لنجاح عمليتنا»، بينما أعربت الخارجية الإيرانية عن امتنانها للمساعدة السعودية «الإنسانية والحاسمة» في إجلاء المواطنين الإيرانيين من السودان.
من جانبه قال السفير البريطاني لدى السعودية نيل كرومبتون: «إن المواطنين البريطانيين الذين قامت السعودية بإجلائهم من السودان يشعرون بالأمان في المملكة، وممتنون للدعم السخي الذي تقدمه السعودية للبريطانيين وغيرهم ممن تم إجلاؤهم من السودان إلى جدة».
وفي إحدى صور الامتنان للوقفة السعودية الإنسانية، قال السفير الموريتاني لدى السودان، وهو يحط رحاله في محافظة جدة بعد إجلائه مع آخرين على متن الباخرة التجارية «أمانة»، إن هذه اللفتة الكريمة «ليست الأولى للسعودية، فكلما كان هناك داعٍ تجدها سبّاقة لفعل الخير وإيواء المحتاجين».
بدورها، ثمنت سيندي ماكين، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للأغذية، جهود السعودية في إجلاء فريق البرنامج، وقالت عبر حسابها على «تويتر»: «في أوقات الأزمات، يواصل شركاؤنا التقدم بطرق رائعة. شكرًا للمملكة العربية السعودية على دورها الحاسم في مساعدتنا على نقل فريق البرنامج بالسودان، والعديد من الآخرين مؤقتًا إلى بر الأمان خلال هذا الصراع المدمر. نحن ممتنون للغاية».
https://twitter.com/wfpchief/status/1653375744020471810?s=48&t=ALfCyR2_up_LpN4vW8Da0Q

وفي حديثٍ عاطفي، قال المواطن السعودي نهار الملفي لـ«الشرق الأوسط» إنه «ذاق فزعة» بلاده في إنقاذه من المصير المحتوم في مناسبتين، كانت الأولى في أبريل 2020 عندما تم إجلاؤه مع عدد من المواطنين السعوديين بأمر من خادم الحرمين الشريفين إبّان انتشار جائحة «كوفيد - 19»، على متن رحلات جوية من لوس أنجليس الأميركية، والثانية في الشهر ذاته من عام 2023 من السودان، بعدما وصل حد الخشية من النفوق في مكانه في ظل احتدام الصراع العسكري وانعدام الأمن للمواطنين والمقيمين في السودان، حسبما يصف.

4 علامات استثنائية في عمليات الإجلاء السعودية
ووفقاً لمتتبّعين، فإن استثنائية عمليات الإجلاء السعودية تمثّلت في 4 نقاط أساسيّة، أولاها: إجلاء الرعايا من الجنسيات كافة دون تمييز، ودون النظر إلى أن عدداً من الدول التي أجرت عمليّات الإجلاء ركّزت فقط على مواطنيها، وفي أحيان كان ذلك وفقاً لاختيار مشروط. وثانيها: حساسيّة عمليات الإجلاء المتكرّرة بشكل يومي بالأخذ في الاعتبار أن معظم من تم إجلاؤهم يأتون من مناطق بعيدة عبر طرق بريّة تشهد صراعات عسكرية طاحنة وصولاً إلى ميناءي بورتسودان وسواكن. والثالثة: تسخير قدرات البحرية السعودية لخدمة الهدف الإنساني بإنقاذ العالقين من المواطنين السعوديين والرعايا الأجانب في السودان. وأخيراً الاستقبال المباشر وتهيئة الأوضاع للقادمين من أراضي الصراع إلى السعودية.

الطرق التي تسلكها قوافل الفارّين من مختلف مناطق السودان إلى الموانئ ينعدم فيها الأمن (أ.ف.ب)

غياب إحصاءات مؤكّدة لعمليات الإجلاء التاريخية
لا تسجّل الإحصاءات أرقاماً قاطعة حول عمليات الإجلاء خلال الحروب والكوارث الطبيعية التي عصفت بالمنطقة، لكنها تحتفظ، وفقاً لمراقبين، باستثنائية تنظيم عمليات الإجلاء التي جرت في الكويت بعد الغزو العراقي عام 1990، وأفغانستان بعد الانسحاب الأميركي منها في سبتمبر (أيلول) 2021، ووصفها وزيرا الدفاع والخارجية الأميركيّان بـ«أكبر عملية إجلاء في التاريخ الأميركي»، فضلاً عن عمليات الإجلاء الدولية الجماعية بعد انتشار فيروس «كوفيد - 19»، منتصف عام 2020.


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

تعليق جوبالاند التعاون مع الصومال... هل يقود إلى «انفصال»؟

تعزيزات أمنية في وقت سابق بعد مقتل عناصر من حركة «الشباب» الإرهابية خلال عملية عسكرية (أ.ب)
تعزيزات أمنية في وقت سابق بعد مقتل عناصر من حركة «الشباب» الإرهابية خلال عملية عسكرية (أ.ب)
TT

تعليق جوبالاند التعاون مع الصومال... هل يقود إلى «انفصال»؟

تعزيزات أمنية في وقت سابق بعد مقتل عناصر من حركة «الشباب» الإرهابية خلال عملية عسكرية (أ.ب)
تعزيزات أمنية في وقت سابق بعد مقتل عناصر من حركة «الشباب» الإرهابية خلال عملية عسكرية (أ.ب)

محطة جديدة من التوتر بين ولاية جوبالاند، جنوب الصومال، والحكومة الفيدرالية، عقب قرار الإقليم تعليق العلاقات والتعاون مع مقديشو، بعد خلافات زادت وتيرتها عقب إجراء الانتخابات الرئاسية، وفوز أحمد مدوبي بولاية ثالثة، بالمخالفة لتشريع صومالي جديد يدخل حيز التنفيذ العام المقبل بالعودة إلى «الانتخابات المباشرة».

ذلك التعليق من جانب ولاية جوبالاند التي تقع على الحدود مع كينيا وإثيوبيا، جاء بعد إصدار سلطات الجانبين مذكرتي اعتقال لقيادة الإقليم والحكومة الفيدرالية، ويراه خبراء تحدّثوا مع «الشرق الأوسط» أنه قد يقود إلى «انفصال» للولاية عن مقديشو، ويفاقم من الصراع الأهلي، ويسمح لحركة «الشباب» الإرهابية التي ستستغل تلك الخلافات لزيادة تمددها.

وتُعد ولاية جوبالاند «سلة غذاء» الصومال، وعاصمتها «كسمايو»، ميناء مهماً من الناحية الاستراتيجية، وتحد ساحلها منطقة بحرية متنازع عليها بشدة، مع وجود مكامن نفط وغاز محتملة، و«يزعم كل من الصومال وكينيا السيادة على هذه المنطقة»، وفق «رويترز».

وجاء القرار في ظل أزمة انتخاب مدوبي الذي ترفضه مقديشو متزامناً مع إصدار محكمة «كسمايو» مذكرة اعتقال بحق الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، متهمة إياه بـ«إشعال حرب أهلية وتقويض الوحدة الوطنية»، وذلك غداة إصدار محكمة بنادر الإقليمية التابعة لمقديشو، الأربعاء، مذكرة اعتقال بحق مدوبي، متهمة إياه بـ«انتهاك الدستور الصومالي».

وجاءت انتخابات جوبالاند، الاثنين، بعد يومين من مصادقة نواب مجلسي البرلمان الفيدرالي (الشعب والشيوخ) في جلسة مشتركة، السبت الماضي، على مشروع قانون الانتخابات الوطنية المَعني بإجراء انتخابات بنظام «الصوت الواحد» في البلاد، وهو القانون الذي يرفضه مدوبي الذي يُعد رئيساً لجوبالاند منذ إنشائها عام 2013، ويُعد الأطول بقاءً في كرسي الرئاسة بالمقارنة مع نظرائه في الولايات الإقليمية.

رئيس ولاية جوبالاند أحمد محمد إسلام مدوبي (وكالة الأنباء الصومالية)

وكان الصومال يعتمد منذ عام 2000 على نظام انتخابات غير مباشرة مبني على المحاصصة القبلية، في ولاياته الخمس، ولتجاوز هذا النظام توصّل «منتدى المجلس التشاوري الوطني» في مايو (أيار) 2023 إلى اتفاق يقضي بإجراء انتخابات مباشرة في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، في عودة إلى آخر انتخابات مباشرة في البلاد عام 1968، لكن لم تُنظم لعدم وجود قوانين للانتخابات، واتفق أعضاؤه على إجراء اقتراع مباشر في سبتمبر (أيلول) 2025، بعد وضع القانون الذي صدر قبل نحو أسبوع.

وباعتقاد المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، فإن «إصدار مذكرات اعتقال وتعليق العلاقات واعتبار انتخاب مدوبي غير قانوني انعكاس لتصاعد التوتر بين الحكومة الفيدرالية وجوبالاند؛ مما قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع السياسية وزيادة الانقسامات».

وسيكون خيار «احتمالية الانفصال» مطروحاً، حسب بري؛ «إذا استمرت التوترات»، موضحاً أن «جوبالاند قد تسعى إلى إعلان انفصال فعلي. لكن هذا يتطلب دعماً محلياً ودولياً، بالإضافة إلى استقرار سياسي داخلي».

و«ربما كانت مذكرتا الاعتقال المتبادلة بين الطرفين ليستا إلا ستاراً داكناً تجري من ورائه الرغبة في تحرير خطاب العداء المتبادل الذي يجتهد طرفاه في التغطية عليه بمفاهيم الشرعية الدستورية لطبيعة الانتخابات»، وفق تقدير الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج.

ويرى أنه لو أصبح الصومال على هذه الحالة من التنازع فسوف يتحول إلى «بؤرة جاذبة للنشاط الإرهابي»، ومسرح لعمليات عسكرية يكون مداها واسعاً حول عموم منطقة القرن الأفريقي.

البرلمان الفيدرالي في الصومال يصادق على قانون الانتخابات (وكالة الأنباء الصومالية)

وقبل أيام، نشرت الحكومة الصومالية الفيدرالية ما يقرب من 1000 جندي فيدرالي في منطقة رأس كامبوني جنوب البلاد التي تنتشر فيها قوات جوبالاند، بعد انسحاب قوات بعثة الاتحاد الأفريقي، لضمان الاستقرار ومواجهة حركة «الشباب». وعدّ إعلام صومالي محلي تلك الخطوة «تصعيداً كبيراً للخلاف بين الولاية ومقديشو».

بينما عدّت وزارة الأمن الداخلي في جوبالاند تلك الخطوة أنها «محاولة لتدمير النظام الفيدرالي وإثارة القلاقل السياسية والأمنية في الإقليم»، محذرة من «وقوع صدام بين تلك القوات وقوات الولاية الإقليمية».

وأزمة جوبالاند هي الثانية أمام مقديشو، في ظل استمرار توتر علاقاته مع إقليم أرض الصومال الانفصالي منذ بداية العام، مع عقد إثيوبيا مع الإقليم اتفاقاً مبدئياً، تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمّن ميناء تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة، لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة.

ورفضت مقديشو تلك الخطوة وعدّتها مساساً بالسيادة، وأدى الاتفاق إلى توتر في منطقة القرن الأفريقي، وتلا إصرار إثيوبيا على موقفها توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين القاهرة ومقديشو في أغسطس (آب) الماضي، وإعلان وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، استبعاد القوات الإثيوبية من البعثة الأفريقية لحفظ السلام، المقررة بدءاً من 2025 حتى 2029؛ بسبب «انتهاكها الصارخ لسيادة الصومال واستقلاله».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (الرئيس الصومالي على «إكس»)

ويرى الحاج أن الصراع الذي بلغ «حد اللاعودة» بين الحكومة الفيدرالية في الصومال وإقليم جوبالاند، يشير إلى فاعلية التدخلات الحدودية في محيط القرن الأفريقي؛ حيث يتشارك إقليم جوبالاند الحدود مع إثيوبيا، وهي ذات الدولة التي أضحت علاقاتها مع الصومال تسير على نحو مضطرب ومتوتر منذ أن أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مع إقليم أرض الصومال.

ويعتقد أن كل ما جرى من توترات بشأن الانتخابات في جوبالاند وحكومة الصومال ليس إلا بذرة خلاف لزعزعة وحدة الصومال، بعدما أثبتت التجربة الانتخابية في أرض الصومال نجاحها، و«ربما مُضيها في اتجاه الانفصال والاستقلال». ولا يستبعد «وجود أصابع إثيوبية تعمل على توجيه بوصلة مدوبي نحو تبني خيارات الانفصال والمطالبة بالاستقلال بعيداً عن هيمنة السلطة المركزية في مقديشو».

ويتفق معه بري على أن «إثيوبيا تلعب دوراً في دعم بعض المجموعات في جوبالاند؛ مما يعزّز مخاوف إمكانية حدوث انفصال جديد، خصوصاً أن التدخل الإقليمي يُعد عاملاً مهماً في الديناميات المحلية».

عناصر من حركة «الشباب» الإرهابية الصومالية (أ.ب)

وبشأن إمكانية حدوث حل للأزمة، يرى الحاج أن «تخفيف مقديشو حدة الخطاب العدائي بين الصومال وأقاليمه ذات النزعة الانفصالية، يصبح هو الرهان الآن بغية تحييد الدور الإثيوبي ومنع نفوذها الساعي لاستغلال أوضاع المنطقة عموماً؛ لأجل تمرير مصالحها الحيوية دون الاكتراث لمستقبل القرن الأفريقي».

بينما أوضح بري أنه يمكن تدارك الأمور عبر إجراء الحكومة الفيدرالية وجوبالاند حواراً شاملاً لمعالجة القضايا العالقة، وتدخل وساطة دولية لتسهيل ذلك الحوار، مؤكداً أن الوضع في جوبالاند «يتطلّب خطوات عاجلة وفعّالة من جميع الأطراف المعنية، باعتبار أن الحوار والتعاون سيكونان المفتاح لتحقيق الاستقرار في المنطقة وتجنّب تصعيد النزاع».