رئيس «كوب 28» لوضع خطة واقعية للعمل المناخي بهدف التقدم في اتفاق باريس

الجابر أكد أنه لا يمكن التخلي عن منظومة الطاقة الحالية قبل تطوير الآلية المستقبلية

الدكتور سلطان الجابر خلال حوار بيترسبرغ للمناخ في ألمانيا (الشرق الأوسط)
الدكتور سلطان الجابر خلال حوار بيترسبرغ للمناخ في ألمانيا (الشرق الأوسط)
TT

رئيس «كوب 28» لوضع خطة واقعية للعمل المناخي بهدف التقدم في اتفاق باريس

الدكتور سلطان الجابر خلال حوار بيترسبرغ للمناخ في ألمانيا (الشرق الأوسط)
الدكتور سلطان الجابر خلال حوار بيترسبرغ للمناخ في ألمانيا (الشرق الأوسط)

جدد الرئيس المعيّن لمؤتمر الأطراف «كوب28» الدكتور سلطان الجابر، الدعوة إلى تحقيق نقلة نوعية في العمل المناخي، والوصول إلى مخرجات حاسمة عبر برنامج عمل التخفيف، والهدف العالمي للتكيف، ومضاعفة التمويل المناخي، وبرنامج العمل المتعلق بتحقيق الانتقال المنطقي والعملي والتدريجي والعادل في قطاع الطاقة، والهدف الجماعي الكمي الجديد لزيادة التمويل المتعلق بالمناخ، وتفعيل صندوق الخسائر والأضرار، وترتيبات التمويل.
وقال في كلمة خلال «حوار بيترسبرغ للمناخ» المُقام في العاصمة الألمانية برلين: «نسعى لأن تترك استضافة دولة الإمارات لمؤتمر الأطراف (كوب28) إرثاً متميزاً من التقدم في العمل المناخي عبر تضافر الجهود والعمل الفعّال»، مؤكداً أهمية مشاركة الجميع في المفاوضات، خصوصاً الشباب والنساء والشعوب الأصلية والمنظمات غير الحكومية ودول الجنوب العالمي.
وشدد على أهمية عملية التفاوض، لافتاً إلى ضرورة الوصول إلى توافق لتحويل النصوص المتفق عليها في المفاوضات إلى إجراءات واقعية ملموسة، وموضحاً في الوقت نفسه أن هذا يتطلب مشاركة فاعلة من جميع الدول والمدن والمستثمرين ومختلف القطاعات الصناعية والشركات، داعياً الدول والشركات إلى أن تقدم في مؤتمر الأطراف «كوب28» تعهدات طموحة تتسم بالشفافية، وتكون خاضعة للإشراف والمتابعة، وتسهم في صياغة السياسات في البرلمانات، والميزانيات في مجالس الإدارة.

7 سنوات لخفض الانبعاثات
وحث الدكتور الجابر على وضع حد للانتظار والبدء في تحقيق التقدم، وتحويل الحماس إلى حلول واقعية، انطلاقاً من طموح العالم لتحقيق تقدم جذري، واتخاذ خطوات نوعية.
وقال: «لقد مضت 7 سنوات منذ اعتماد اتفاق باريس، ولم يتبقَّ لدينا سوى 7 سنوات حتى عام 2030، وهذا يعني أنه لدينا فقط 7 سنوات لخفض الانبعاثات بنسبة 43 في المائة والحفاظ على طموحات اتفاق باريس».
وأضاف: «أكد أحدث تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بشكل قاطع، أن العالم بعيد عن المسار الصحيح، وأمامنا حقيقة واضحة، وعلينا أن نواجهها بشفافية ومصداقية تامة، والمسؤوليات التي تقع على عاتق كل منّا واضحة، وليس أمامنا خيار سوى أن نكون واقعيين وعمليين، وأن نتكاتف ونغتنم فرصة إجراء الحصيلة العالمية لإعادة العالم إلى المسار الصحيح لتنفيذ أهداف اتفاق باريس».
وقال: «نحن بحاجة إلى تسريع التقدم عبر جميع القطاعات بشأن موضوع (التخفيف)، ويجب أن نتأكد من أن الدول لديها الموارد اللازمة، وخطط قابلة للتنفيذ، للتكيف مع الآثار المناخية. ويجب أن يقوم العالم بزيادة التمويل المناخي، وتوفيره بشروط ميسّرة وبتكلفة مناسبة، وتسهيل طرق الحصول عليه، لتحقيق التقدم عبر مختلف جوانب العمل المناخي. وفيما نعمل على تنفيذ كل ذلك، يجب أن نضمن تحقيق انتقال منصف ومنطقي وعملي وتدريجي وعادل في قطاع الطاقة، على نحو لا يترك أحداً خلف الركب».

نقاشات عالمية
وعن نقاشاته العالمية مع مختلف المسؤولين في دول العالم والمنظمات، قال: «لقد استمعت إلى الكثير من الآراء التي أشارت بوضوح إلى أن تحقيق الأهداف المنشودة للعمل المناخي، يرتبط بمعالجة موضوع الثقة. فالطموحات عالية، والثقة منخفضة. ولا تزال الدول النامية تنتظر تنفيذ التزام الدول المتقدمة تعهدها قبل 14 عاماً بتوفير مبلغ 100 مليار دولار، وهذا التأخير يعرقل التقدم المطلوب... وضمن جهود التواصل التي أقوم بها، أدعو الدول المانحة لتقديم تقرير استثنائي نهائي حول تنفيذ هذا الالتزام بحلول مؤتمر الأطراف (كوب28). ولضمان المصداقية السياسية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، لا بد أن تقوم الجهات المانحة بالوفاء بهذا الالتزام الذي تأخر تنفيذه كثيراً، وذلك قبل انطلاق مؤتمر الأطراف (كوب28)، خصوصاً أن القيمة الفعلية لهذا الالتزام تراجعت مع مرور الوقت».
وأضاف: «لقد أكد وزراء المناخ والمالية والتنمية في دول الجنوب العالمي، خلال لقاءاتي معهم، أن التمويل المناخي ليس متوفراً بشكل مُيسَّر وبتكلفة مناسبة، ولا يمكن الحصول عليه بسهولة. كما أن مؤسسات التمويل الدولية وبنوك التنمية متعددة الأطراف لا تواكب تحديات القرن الحادي والعشرين. لذا، نحتاج إلى تحقيق تقدم ملموس خلال العام الحالي لتطوير أداء مؤسسات التمويل الدولية، بما يسهم في توفير المزيد من التمويل الميسَّر، وتخفيف المخاطر، وجذب مزيد من رأس المال من القطاع الخاص».

دور الحكومات
وأوضح أنه سيكون على الحكومات التي تعهدت بدعم الدول الأكثر عُرضة لتداعيات تغير المناخ والدول النامية أن تفي بالتزاماتها، وأنه ما لم يتوصل العالم إلى آليات جديدة فعّالة لتوفير التمويل المناخي للاقتصادات النامية والناشئة، لن يكون أمامها سوى اختيار مسارات التنمية كثيفة الانبعاثات، مشيراً إلى «أننا نسعى إلى تفادي ذلك لأنه سيؤثر سلباً على الجميع».
وقال: «إن تحقيق انتقال منطقي وعملي وتدريجي وعادل في قطاع الطاقة، يتطلب التركيز على خفض انبعاثات الوقود التقليدي، بالتزامن مع زيادة الاعتماد على الطاقة الخالية من الانبعاثات والقابلة للتطبيق وبتكلفة مناسبة. وكما نعلم جميعاً، فإن منظومة الطاقة المستخدمة حالياً، ستظل جزءاً من مزيج الطاقة العالمي في المستقبل القريب. وسنحرص على التعاون مع مختلف دول العالم لخفض الانبعاثات من منظومة الطاقة الحالية، بالتزامن مع إنشاء منظومة جديدة قادرة على تحقيق انتقال شامل في قطاع الطاقة يشمل الصناعات كثيفة الانبعاثات».
وشدد الدكتور الجابر على أن مؤتمر الأطراف «كوب28» سيركز على توفير حلول ملموسة لمساعدة المجتمعات على التكيف مع تداعيات تغير المناخ وإدارة الآثار المناخية المتزايدة، وأنه سيكون أول مؤتمر للأطراف يخصِّص يوماً للصحة، وأول من يستضيف مؤتمراً وزارياً للصحة والمناخ.
يُذكر أن «حوار بيترسبرغ للمناخ» هو اجتماع سنوي تستضيفه الحكومة الألمانية لتعزيز الثقافة في كلٍّ من المفاوضات متعددة الأطراف وبين الدول المختلفة، كما يوفر هذا الاجتماع منصة تجمع بين مخرجات ونتائج مؤتمر «كوب27» وأجندة أعمال مؤتمر الأطراف «كوب28» المقبلة، وذلك من أجل تبادل وجهات النظر والأفكار والرؤى بشأن أولويات مؤتمر الأمم المتحدة المقبل للمناخ الذي يُعرف باسم مؤتمر الأطراف.



وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 
TT

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

قبل أكثر من مائة عام، بدأت رحلة السعودية ذات المناخ الصحراوي والجاف مع تحلية المياه بآلة «الكنداسة» على شواطئ جدة (غرب المملكة)، قبل أن تصبح اليوم أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، وحاصلة على 9 شهادات قياسية من «غينيس».

وسميت «الكنداسة» اشتقاقاً من اسمها اللاتيني (Condenser) والتي تعني المكثف، هذه الآلة كانت تعمل بالفحم الحجري لتكثيف وتقطير مياه البحر لتنتج المياه العذبة.

وفي عام 1926، وبسبب معاناة الحجاج والمعتمرين من قلة المياه العذبة عند وصولهم إلى جدة، إذ كانت بالكاد تكفي السكان، أمر الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود باستيراد آلتين كبيرتين لتقطير مياه البحر لتأمين احتياجهم من الماء.

أما نقطة التحول فكانت في 1974، العام الذي أنشئت فيه المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية (الهيئة السعودية للمياه حالياً). وتدير حالياً 33 محطة تحلية، من بينها 8 محطات على ساحل الخليج العربي و25 محطة على ساحل البحر الأحمر.

وتنتج هذه المحطات 5.6 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً، ما يعادل نحو 70 في المائة من إنتاج المياه المحلاة في المملكة، ما يجعلها أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

وقد سجّلت في فبراير (شباط) الماضي المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تسعة أرقام قياسية سعودية جديدة في موسوعة «غينيس» العالمية، وذلك لإنتاجها ما يزيد على 11.5 مليون متر مكعب يومياً.

استثمارات ضخمة

أصبحت السعودية من كبرى الدول في العالم من حيث حجم الاستثمارات في تحلية المياه، إذ ضخت استثمارات كبيرة في بناء محطات التحلية، بحسب وكيل الرئيس للشراكات الاستراتيجية والمحتوى المحلي في الهيئة السعودية للمياه المهندس محمد آل الشيخ، خلال حديثه في مؤتمر الأطراف (كوب 16) المقام حالياً في الرياض.

وأوضح آل الشيخ أن العاصمة الرياض على سبيل المثال تحصل على المياه المحلاة من بحر الخليج العربي عبر خط أنابيب يمتد لمسافة 500 كيلومتر، وهو نظام نقل مياه متطور لنقل المياه المحلاة، مضيفاً أن هناك استثمارات في البنية التحتية قد تمت على مدار أكثر من أربعة عقود.

ووفقاً لآخر الأرقام المعلنة، فقد رصدت البلاد ميزانية تجاوزت 80 مليار دولار لتنفيذ مئات المشاريع المائية خلال السنوات المقبلة.

تعميم التجربة

ولم تدخر السعودية الخبرات التي جمعتها منذ أن تحولت تحلية المياه من «الكنداسة» إلى أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

فقد وقّعت في يوليو (تموز) 2024 اتفاقية مع البنك الدولي تهدف في أحد بنودها إلى تعميم تجربة المملكة الناجحة في قطاع المياه إلى الدول الأقل نمواً.

وتشمل أيضاً نقل المعرفة وتبادل الخبرات في إدارة الموارد المائية وتقليل التكاليف التشغيلية للمرافق.

وتسعى البلاد إلى مساعدة الدول الأخرى في تحسين كفاءة قطاع المياه وتطوير حلول مستدامة، ما يحقق الهدف السادس لهيئة الأمم المتحدة: «المياه النظيفة والنظافة الصحية»، وفق البيان.

تقنيات الطاقة

وفيما يخص التقنيات المتطورة في تحلية المياه، تحدث آل الشيخ عن التوجهات المستقبلية لتحسين تقنيات التحلية، إذ انتقلت المملكة من استخدام تقنيات التحلية الحرارية إلى تقنيات أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة بنسب تصل في توفير الطاقة لأكثر من 80 في المائة، وتهدف إلى أن تصبح 83 في المائة من مياه البحر المحلاة، وتعتمد على تقنية التناضح العكسي، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة.

وتُستخدم تقنية التناضح العكسي بشكل واسع في تحلية مياه البحر للحصول على مياه صالحة للشرب، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك في العديد من التطبيقات الصناعية التي تحتاج إلى مياه نقية وخالية من الشوائب.

آل الشيخ متحدثاً للحضور خلال إحدى الجلسات على هامش مؤتمر (كوب 16) بالرياض (الشرق الأوسط)

وأشار آل الشيخ إلى أن المملكة قامت بتنفيذ تجارب مبتكرة، مثل المشروع التجريبي في مدينة حقل (شمال غربي السعودية)، من خلال إنشاء محطة هجينة تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح والطاقة التقليدية.

و«قد أثبت المشروع أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تساهم في تقليل استهلاك الطاقة في تشغيل محطات التحلية، حيث يمكن للطاقة المتجددة أن تساهم في تشغيل المحطات بنسبة تصل إلى 60 في المائة في بعض الفصول».

انخفاض تكلفة الإنتاج

وفيما يتعلق بتكاليف الإنتاج، أكد آل الشيخ أن تكلفة تحلية المياه قد انخفضت بشكل ملحوظ، إذ كانت تكاليف إنتاج متر مكعب واحد من الماء تتجاوز 4 ريالات (1.06 دولار) في الماضي، بينما الآن لا تتجاوز التكلفة 2.5 ريال (نحو 0.67 دولار)، مع توقعات بتحقيق انخفاض أكبر في المستقبل.

وخلال الجلسة الحوارية على هامش «كوب 16»، قال المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار جاه إن الدول التي تعاني من ندرة المياه يجب أن تسعى إلى إعادة استخدام كل قطرة مياه في البلاد عدة مرات.

وأشار إلى أن سنغافورة تعد نموذجاً في هذا المجال، حيث تعيد استخدام كل قطرة مياه 2.7 مرة. وفيما يتعلق بالسعودية، ذكر أن المملكة تستخدم المياه مرتين تقريباً، مع إمكانية تحسين هذه النسبة بشكل أكبر في المستقبل.

المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار خلال الجلسة الحوارية (الشرق الأوسط)

وفيما يخص تكلفة تحلية المياه، قال إنها انخفضت بنسبة 80 في المائة تقريباً عالمياً، بفضل استخدام الطاقة الشمسية وتطور التقنيات المستخدمة في التحلية، مما يجعل هذه الطريقة أكثر جدوى في البلدان مثل السعودية التي تقل فيها معدلات هطول الأمطار.

ولفت كومار جاه إلى زيارته الأخيرة منطقة أنتوفاغاستا في تشيلي، وهي الأشد جفافاً في العالم، إذ لا تسقط فيها الأمطار على الإطلاق.

ورغم ذلك، تُعد هذه المنطقة من أكثر المناطق الاقتصادية ازدهاراً في العالم، بفضل تبني تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدامها، مما يعكس إمكانية بناء المرونة المائية في المناطق الجافة مثل السعودية، بحسب كومار جاه.