كاظم الساهر يبدع في مهرجانات بيت الدين اللبنانية

تحول الجمهور إلى كورسه الشخصي وتابع آخرون الحفل وقوفًا لعدم توفر المقاعد الكافية

كاظم الساهر يبدع في مهرجانات بيت الدين اللبنانية
TT

كاظم الساهر يبدع في مهرجانات بيت الدين اللبنانية

كاظم الساهر يبدع في مهرجانات بيت الدين اللبنانية

حضرت الرومانسية بكل أشكالها في أمسية غنائية أحياها ليل الجمعة الفنان العراقي كاظم الساهر في إطار الدورة الثلاثين لمهرجانات بيت الدين الدولية في جبل لبنان.
وسرعان ما تحولت أمسية قيصر الأغنية العربية إلى تظاهرة جماهيرية أثبت من خلالها الحضور عبر التصفيق والتهليل والتلويح بالأيدي أنهم يعشقون هذا المغني والملحن والشاعر الذي قالت عنه إحدى المعجبات في نهاية الحفل: «لقد قدم لنا أحاسيسه، وجمهوره قدم له شرايين الروح».
وتسببت عشرات السيارات الوافدة من مختلف المناطق اللبنانية إلى معاصر الشوف في جبل لبنان حيث الأمسية الغنائية، في اختناق مروري بالقرى المجاورة لبيت الدين، ما دفع المسؤولين عن المهرجانات إلى تأخير الحفل ساعة ونصف الساعة حتى يتمكن كل من حجز بطاقته من أن يحضر الحفل الأقرب إلى حدث شعبي.
وكان موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» اشتعل قبل حفل الساهر الأول الذي تلاه حفل ثان مساء أمس السبت بعشرات التعليقات المرحبة بالفنان العراقي والمشجعة لإطلالته في عيد مهرجانات بيت الدين الدولية.
وصور الموزع الموسيقي اللبناني الشاب ميشال فاضل الذي شارك قيصر الأغنية العربية في أغنيتين عزفا على البيانو بعض مشاهد من الكواليس بواسطة الهاتف الذكي، وسرعان ما بث الفيلم القصير على صفحة القيصر الخاصة في انتظار أن يصل الجمهور العالق في زحمة السير. كما التقط صورة «سيلفي» مع كاظم الساهر قبل بدء الحفل وبدا الجمهور المتحمس خلفهما.
وما إن أطل الفنان على خشبة المسرح حتى وقف جمهوره الذي انتشر في مختلف زوايا قصر بيت الدين العريق والتاريخي وعلا التصفيق وراح الجميع يردد اسمه فيما بدا الساهر سعيدا بهذا الاستقبال.
ووصف الفنان المتخصص بالرسم على الحيطان وزخرفتها وليد الحسين (34 عاما) لرويترز الحفل بأنه «استقبال عائلي مائة في المائة. هؤلاء الذين احتشدوا في باحة قصر بيت الدين قبل ساعات من الموعد المقرر للحفل تعاملوا مع قيصرنا وكأنه أكثر من نديم. هو ابن البيت».
وعلى مدى أكثر من ساعتين، أطرب كاظم الساهر الجمهور الذي شغل كل مقاعد باحة قصر الإمارة اللبنانية المشيد في مطلع القرن التاسع عشر، بمجموعة من الأغاني القديمة والجديدة، منذ اللحظة الأولى لاعتلائه المسرح، وحتى مغادرته.
وضم برنامج الأمسية العشرات من أعمال الساهر القديمة والجديدة وتحول الجمهور إلى كورسه الشخصي في بعض الأغاني؛ إذ راح يرددها معه فيما ضحك الساهر بسعادة، وعمد في أحد مقاطع الأغاني إلى التصفيق بدوره للمئات الذين تابع عشرات منهم الحفل وقوفا لعدم توفر المقاعد الكافية لهذا العدد الكبير من الحضور.
استهل الساهر الذي كان يرتدي بدلته السوداء الحفل بأغنية «أراضي خدودها»، من ثم توالت قصائد الشاعر السوري نزار قباني التي ساهمت في شهرة الساهر فكانت أغنيات «الحب المستحيل» و«هل عندك شك؟» و«صباحك سكر» و«زيديني عشقا» و«لو لم تكوني».
كما قدم أغنية «المستبدة» للشاعر كريم العراقي بعدما أشار إلى النساء الحاضرات مازحا: «كم مستبدة بيننا هذا المساء..».
وللمرة الأولى قدم أغنية جديدة بعنوان «لجسمك عطر خطير النوايا» من كلمات نزار قباني بمرافقة عازف البيانو اللبناني فاضل.
وفي حين كان من المقرر أن يستمر الحفل ساعة ونصف الساعة بيد أن الجمهور المتعطش للفنان العراقي راح يطالب بعودته إلى المسرح في كل مرة حاول فيها إلقاء تحية الوداع ولبى الساهر كل طلبات الحضور.
كما نعى الفنان المصري نور الشريف الذي توفي عن 69 عاما بعد صراع مع المرض وصفق الحضور وقوفا للراحل.
وألقى الساهر بعض القصائد على طريقته الشخصية قبل أن يقدمها غناء ما زاد من حماسة الجمهور الذي أمضى أكثر الوقت في تسجيل مقاطع فيديو من الحفل عبر الهواتف الذكية، بالإضافة إلى التقاط عشرات الصور للقيصر في كل تحركاته.
وقوطع الحفل أكثر من مرة بعدما قدم بعض الحاضرين باقات ورد له، فيما عمد أحدهم إلى الصعود على خشبة المسرح والتوجه نحو المغني الذي طلب من عناصر الأمن البقاء بعيدا.
وطالب الجمهور في نهاية الأمسية بأغنية «كثر الحديث»، وهتف بعضهم: «بغداد، بغداد»، ليلبي كاظم الساهر طلبهم ويستبدل عبارة «وهل خلق الله مثلك في الدنيا أجمعها» بعبارة «وهل عذب الله مثلك في الدنيا أجمعها»، قبل أن يختتم الحفل بأغنية «اشهد» التي ظل الجمهور يصفق معها حتى بعيد مغادرة الفنان للمسرح. وتفاعل الفنان مع الموسيقيين والمنشدين الذين تقاسموا معه خشبة المسرح ووصل عددهم إلى الثلاثين وكان ينسق وصلاتهم المنفردة من خلال حركات اليد كما دعمهم من خلال ابتساماته المشجعة.
وبدت رئيسة مهرجانات بيت الدين الدولية نورا جنبلاط متحمسة وحريصة على نجاح الحفل؛ إذ راحت تتنقل من مكان إلى آخر في القصر لتتأكد من أن كل شيء يسير بنظام.
وكانت مهرجانات بيت الدين افتتحت فعالياتها هذا العام في 29 يوليو (تموز) مع أمسية أوبرالية أحياها التينور العالمي خوان دييجو فلوريس وهو من بيرو بمشاركة أوركسترا بودابست السيمفوني والسوبرانو اللبنانية الأصل والكندية الجنسية جويس الخوري.
وكان جمهور موسيقى الروك على موعد مع المغني البريطاني ديفيد جراي في الأول من أغسطس (آب). وفي الخامس من الشهر نفسه مر الفنان اللبناني مارسيل خليفة على الزمن بعد ثلاثين عاما ليحتفل بعيد مهرجانات بيت الدين الثلاثين.
واستضاف قصر بيت الدين الأثري في الثامن من أغسطس أمسية كلاسيكية للمؤلف الأرميني تيجران منسوريان الذي برع في موسيقى الأفلام مع الأوركسترا الوطنية الفلهارمونية الأرمنية.
وفي 12 أغسطس كان محبو الجاز على موعد مع البريطانية ريبيكا فيرجسون التي قدمت أجمل أعمال أسطورة الجاز الأميركية بيلي هوليداي (1915 - 1959).
وفي العشرين والحادي والعشرين من الشهر يقدم المخرج اللبناني هشام جابر مسرحيته الغنائية «بار فاروف» في عرض غنائي موسيقي يحاكي موسيقى المسارح والملاهي الليلية التي كانت منتشرة في بيروت في الثلاثينات من القرن الماضي والتي استمرت إلى ما قبل اندلاع الحرب الأهلية.
وسيكون اللبنانيون على موعد مع صوت السوبرانو الروسية آنا نيتريبكو في 27 من الشهر نفسه على أن تختتم المهرجانات مع المطربة المصرية آمال ماهر التي اشتهرت بتأديتها لأغاني أم كلثوم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».