في الوقت الذي يسارع فيه سودانيون لمغادرة بلادهم، في اتجاه العاصمة المصرية؛ بسبب الظروف الأمنية والمعيشية المتردية، على أثر اندلاع اشتباكات بين الجيش السوداني، وقوات «الدعم السريع»، يغادر عدد من السودانيين مصر قاصدين الخرطوم.
ورغم تباين الأسباب بين أبناء السودان العائدين، فإنهم لم يُظهروا أي قلق أو خوف من العودة، ومن هؤلاء أحمد التيجاني، صاحب الـ45 عاماً، الذي غادر القاهرة، مساء السبت، ووصل إلى أسوان في تمام التاسعة صباحاً، وجلس طويلاً على إحدى كافتيريات موقف حافلات وادي كركر بأسوان (جنوب مصر)، ينتظر عودة بعض الحافلات المتوقفة إلى الخرطوم، لكن انتظاره امتد لنحو 7 ساعات؛ بسبب رفض الشركات المشغِّلة للحافلات العودة خالية الوفاض، من دون تحميل عدد كبير من الركاب، وذلك بعد أن تراجعت حِدة الإقبال الكثيف للسفر إلى مصر، خلال الساعات الماضية، من الخرطوم.
مكث التيجاني في القاهرة مدة طويلة تصل لنحو 3 سنوات، من أجل العلاج، لكنه قرر العودة أخيراً للاطمئنان على أسرته، رغم الأخبار السيئة الواردة من الخرطوم.
حاول قتل الوقت بمتابعة الأوضاع الجارية في بلاده، عبر شاشة إحدى القنوات الإخبارية تارة، والذهاب إلى المسجد تارة أخرى، والتردد على موظفي إحدى شركات النقل؛ للسؤال عن توقيت مغادرة وادي كركر.
في الكافتيريا نفسها، كان يتناول محمود حسام وجبة وزعتها جمعية خيرية بمدينة أسوان، برفقة رجلين آخرين يسعيان أيضاً للعودة إلى الخرطوم في أقرب وقت.
يبرر حسام، الذي يعمل في مجال التجارة، عودته للخرطوم بأنها «ضرورية»: «لا يصح أن أترك أعضاء أسرتي في هذه الظروف بمفردهم، وأبقى في القاهرة بعيداً عنهم». يبتسم عندما يتذكر آخِر اتصال مرئي دار بينه وبين والده، صباح الأحد، عندما سأله عن تطورات الأوضاع الأمنية في الخرطوم، فأجابه الوالد، وهو يمدد قدمه على كنبة داخل حوش بيت العائلة (إحنا كويسين لكن لسه الطيران والضرب شغال فوق مننا)، مضيفاً بنبرة واثقة (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا). ويلفت حسام إلى أن «والده لم يخفْ من المعارك، ويشاهدها من داخل الحوش».
ووفق السائق السوداني منير ضيف الله، فإن حافلتين توجهتا، السبت، إلى الخرطوم تحملان نحو 40 فرداً. ويوضح، لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «بعض السودانيين لديهم ظروف وواجبات أُسرية واجتماعية، مثل العزاء، ولا يخشون الذهاب إلى بيوتهم في الخرطوم»، مضيفاً: «عدت إلى الخرطوم مرتين، خلال أسبوع، لم أتمكن في واحدة منهما من رؤية عائلتي بسبب المخاطر الأمنية وضغط العمل».
يشير ضيف الله إلى أنه تلقّى تعليمات من إدارة شركته في الخرطوم، بعدم العودة إليها، الأحد، والانتظار للاثنين؛ لتحميل الركاب الراغبين في العودة إلى السودان من وادي كركر، لافتاً إلى أن العودة من دون ركاب لن تكبِّد الشركة خسائر؛ لأنها حققت أرباحاً كبيرة من رفع أسعار التذاكر.