الإعلام اللبناني المسموع مدين لـ«بودكاست» بإطالة عمره

بعدما كانت الإذاعات وراء بريق أهم نجوم الشاشة

ماغي فرح
ماغي فرح
TT

الإعلام اللبناني المسموع مدين لـ«بودكاست» بإطالة عمره

ماغي فرح
ماغي فرح

لا يزال الإعلام المسموع في لبنان يحوز اهتمام شريحة لا يُستهان بها من اللبنانيين، فالإذاعات، منذ أيام الحرب (1975 - 1990)، شكّلت صلة التواصل الوحيدة بينهم وبين العالم الخارجي. وجاء الـ«بودكاست»، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ليُحييها من جديد ويطيل عمرها. ومعظم الإذاعات، اليوم، تركن إليها؛ كونها تسمح للشخص بأن يستمع إلى برنامج إذاعي في الوقت والمكان الذي يرغب به، بينما كان الأثير في الماضي القريب يحتاج إلى موجة محددة لا بد من اختيارها، لضمان سماع برامج هذه الإذاعة أو تلك.

عارف العبد

من ناحية ثانية، يتطلب العمل الإذاعي مهارات عدة تنفع أيضاً في عالم الإعلام المرئي. ويكمن أبرز هذه المهارات في حسن القراءة، وإتقان مخارج الحروف وأصول اللغة وقواعدها، إضافة إلى طبقات صوت جيدة، كلها تؤلف مدخلاً للمرئي، وخلفية مهنية لا يستهان بها. ومن هنا يمكن التفريق بين الحضور الذي يتمتع به مذيع ذو خبرة، وآخر يفتقدها، ومن ثم تكون طريق الأول إلى الشاشة الصغيرة أسرع، وتسهم خبراته الإذاعية في نضج أدائه. وهكذا تُعرَف الإذاعة بـ«الرسالة ذات الاتجاه الواحد»؛ كونها تصل مباشرة إلى المتلقي وتؤثر عليه من خلال حاسة السمع، وبناءً عليه يكون تأثير الصوت مضاعفاً، وينفرد في إيصال المعلومة للمستمع، من دون أن يتلهى هذا الأخير بأدوات الانبهار وغيرها في عالم المرئي.

من الشاشة إلى الإذاعات

غير أن اللافت أخيراً في لبنان هو تحوّل عدد كبير من نجوم الشاشة الصغيرة إلى الإعلام المسموع. وهنا نذكر، على سبيل المثال لا الحصر، زافين قيوميجيان، ودنيز رحمة فخري، وميراي مزرعاني، وسنا نصر، ونجاة شرف الدين، وغيرهم. وفي الوقت نفسه شكّلت أسماء معروفة في الإعلام المسموع محطات مضيئة في هذا المجال، فطبعت ذاكرة اللبنانيين، وبقيت، لدى الرعيل الجديد من المذيعين والمذيعات، مثالاً يُحتذى به. وكما ماغي فرح ووردة الزامل، كذلك غابي لطيف، التي وجدت، في هذا المجال، مهنة نهائية لها، بعيداً عن الشاشة الصغيرة.
ومن ناحية ثانية، حفرت أصوات مذيعين كُثر في ذاكرة اللبنانيين، كالراحل حكمت وهبي في راديو «مونتي كارلو»، وكذلك يولا سليمان، وميريلا يزبك، ومذيعو الأخبار سعيد غريب، وجورج ضاهر، وجورج مغامس، وإلياس كرم، في إذاعة «صوت لبنان». ولا يمكن هنا أن نمرّ مرور الكرام على بقية الفريق الإذاعي الذي يكمل هذه الدائرة ويُعدّ لبّ مطبخها. فكما مهندس الصوت، هناك أيضاً المخرج الإذاعي... وهما عنصران أسهما في الإضافة للمذيع والإذاعة معاً.

بسام برّاك

التواصل من القلب

لا يختلف اثنان على أن الإعلامية ماغي فرح تركت بصمتها في الإعلام المسموع. وشهرتها على الشاشة الصغيرة، التي كوّنتها بعد مشوار طويل في إذاعة «صوت لبنان»، لم تستطع أن تغلب نجوميتها في المسموع، إذ بمجرد أن يرنّ صوتها في أذن سامعها، تعود به الذكريات إلى الأيام الذهبية للإذاعة، وهي لا تزال حتى اليوم تشكّل مثلاً أعلى للعاملين في الإذاعات يتمنّون، يوماً ما، بلوغه.
في لقاء مع «الشرق الأوسط»، قالت ماغي: «الإعلام المسموع تراجع من دون شك... فكلّ جديد يطرأ على صعيد التكنولوجيا، يسهم بتراجع وسائل الإعلام عامة»، إلا أنها تستدرك فتضيف: «ثمة توجه، اليوم، نحو المسموع عالمياً، حتى الكتب باتت تعتمد السمعي في إصدارها... وأحياناً يفضّل الشخص أن ينفرد مع السمعي؛ كي لا يضيّع وقته ببهرجة البصري».
بالنسبة لماغي، فإنها تعشق الأثير، ولو خُيِّرت، اليوم، بين المرئي والمسموع، لاختارت الأخير، وهي تبرّر ذلك قائلة: «الأثير له خصوصيته ويضعك على تواصل مباشر مع الآخر، ينبع من القلب فيلامس الروح... يحضر فيه العقل والمضمون والقلب والدفء من وراء الميكروفون». ثم تشدد على أنه من الصعب تحقيق النجومية في الإذاعة؛ لأن الشهرة أمر آخر لا يمكن مقارنتها بها، «ففي الماضي، عندما ذكر لي الراحل الشاعر جورج جرداق أنه يوجد نجمان عربيان فقط في عالم الإذاعة؛ أحدهما مذيع مصري، والثاني أنا، لم أستوعب الأمر، لكنني، اليوم، بتُّ أعرف الفارق بين الشهرة والنجومية؛ فالأولى يمكن أن تنتهي بين ليلة وضحاها، بينما الثانية تطبع ذاكرة الناس، ويبقى البحث جارياً عن صاحبها لمتابعته... النجم الإذاعي لا تاريخ انتهاء لمشواره».
من جهة أخرى، توالى على الإعلام المسموع في لبنان مدرّبون إذاعيون كُثر، بينهم الراحل عمر الزين. عمل الزين في الإخراج الإذاعي، وفي التمثيل الدرامي، وتدريب المذيعين على الإلقاء. وتخرّج تحت يديْ عمر الزين غالبية نجوم الشاشة الصغيرة والإذاعة، لقد كان، بأسلوبه اللغوي الأنيق، وإتقانه قواعده المطلوبة، يغري تلامذته بحب العربية، وكان يملك تقنية تدور في «السهل الممتنع»، يستخدمها في تدريس تلامذته؛ من مذيعين ومذيعات في مؤسسات إعلامية مرئية ومسموعة. وبعد رحيله، حمل بعضهم رسالته راغبين في إكمالها. ولعلّ بين أبرزهم، اليوم، مذيع نشرات الأخبار في الـ«إل بي سي آي» يزبك وهبي، والإعلامي بسام برّاك.

براك «وريث» الزين

عندما رحل عمر الزين في عام 2007، سلَّم بسام برّاك الأمانة، إذ اعتبره أفضل مَن يكمل مسيرته في تدريب المذيعين، بعدما لاحظ تفوقه اللغوي، عندما كان يدربه كغيره من المذيعين. وفي الجلسة الخامسة لتدريبه، قال له: «انتهى دوري معك، لقد صرت جاهزاً للقاء الميكروفون».
يتذكر برّاك «أستاذه» الزين بحسرة، ولا سيما أنه يحافظ على أغراضه الخاصة، فحقيبته وقلمه وأوراقه وأجندته بمثابة كنز يخبئه برّاك؛ لقيمتها الكبيرة عنده. وراهناً، لبرّاك رأيه بمذيعي اليوم، فيقول: «في رأيي إن المذيعين الرجال (في لبنان) أفضل من المذيعات، بشكل عام، باستثناء قلة قليلة مثل لينا دوغان، وريمي درباس. إن زملائي الشباب تدرّبوا أيضاً على يد عمر الزين، فتزيّنوا بقواعده الثابتة في هذا المجال، وأحدثوا الفارق». وبالنسبة له، فإن المدرسة الأولى، بالنسبة للمذيع، هي الإذاعة، «ومن لم يمرّ فيها، فإن إطلالته التلفزيونية تبقى غير مكتملة... قمة الإبداع تكمن عندما يمرّ المذيع عبر الأثير، ومن بعده على الشاشة».
وعمّا إذا كان لا يزال يتبع قواعد الراحل الزين في تدريباته للآخرين، أم اضطر إلى تطويرها، قال بسام برّاك: «لم أضطرَّ إلى تطويرها، بل إلى التجانس مع هذه المرحلة. الركائز تبقى نفسها؛ من حروف، ولغة، وعملية تقطيع النص، واستخدام الصوت، إلا أن بعض الأدوات تتبدّل؛ خدمةً لبثٍّ مباشر، وحوارات في النشرة، وإطلالات وقوفاً أو جلوساً، وجميعها تتطلب التعديل بنغمة الصوت، لكن المشكلة تكمن بالذين يقدّمونها، إذ ليس الجميع على دراية بهذه الموضوعات والقواعد الأساسية للمهنة».
ووفقاً لبرّاك، فإن «المظاهر الخارجية، اليوم، تغلب على أصول اللغة، وحتى على أبسطها؛ من فاعل ومفعول به». ويعلّق: «هناك أزمة عند عدد كبير من المذيعات، اللاتي لا يعرفن قراءة النص مع الفواصل المطلوبة، ولا حتى كيفية استخدام الضمة والفتحة وأوزان المفاعل. عليهن أن يتدرّبن على طريقتنا ويتطوّرن من دون شك... إلا أن إطلالات الشهرة تبقى السائدة أكثر من غيرها». وعن عُمر الإعلام المسموع يقول برّاك مختتما:ً «لا يزال حاضراً، لكنه يتلاشى تباعاً، وهو يحتاج إلى تركيز أكبر؛ كي لا يندثر. ويا ليت المجال الإذاعي وحقبته الذهبية يعودان؛ لأنه يقدم قدرات إعلامية من نوع آخر».

تراجع الإعلام المسموع

من ناحية أخرى، مَن منا لا يتذكر أهالينا يحملون الترانزيستور ويتنقلون به في أرجاء البيت، كي يتابعوا الأخبار المحلية والعالمية؟
لعل عبارات «هنا لندن» من راديو الـ«بي بي سي»، و«معكم صوت أميركا»، و«إليكم نشرة الأخبار» من «صوت لبنان»، وغيرها، لا تزال ترنّ في آذان بعضنا حتى اليوم، تُذكّرنا بالإعلام المسموع في فترته الذهبية، عندما كان يشكل صلة الوصل الوحيدة مع آخر الأخبار. فأيام الحرب الأهلية اللبنانية، وانقطاع التيار الكهربائي، والتفجيرات الأمنية، وغيرها من فترات قاسية عاشها اللبنانيون، كان الراديو ملاذهم الوحيد.
ولكن ماذا عن وضع هذا الإعلام، اليوم؟ وهل يشهد تراجعاً إلى حد الاندثار؟
الدكتور عارف العبد، الإعلامي والأستاذ الجامعي، الذي يدرس مادة الإذاعة والتلفزيون في كلية الإعلام بالجامعة اللبنانية، يرى تراجعاً ملحوظاً للإذاعة، مقارنة بما كانت عليه في الماضي. ويحمِّل العبد وسائل التواصل الاجتماعي المسؤولية الكبرى في ذلك. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال العبد: «لا أقول إن الإعلام المسموع اندثر، لكنه ما عاد يحقق نجاحات الماضي، فخفَتَ وهجه». واعتبر أن الإذاعة، اليوم، «بالكاد تُسمَع من قِبل الناس، بينما هم يقودون سياراتهم من المكتب إلى المنزل، أو خلال مشوار يستغرق بعض الوقت. وهذا، بعدما كانت الإذاعات، في الماضي القريب، المصدر الإخباري الوحيد الذي يضع مُتابِعها على تماس مع الحدث». ثم أردف موضحاً: «صحيح أن الـ(بودكاست) أعاد للإذاعة بعض اعتبارها، إلا أنه لم يتمكن بعدُ من وضعها من جديد على خريطة الإعلام المؤثر». ثم يشير إلى أن غالبية طلابه يختارون، الآن، قسمي التلفزيون والسوشيال ميديا للتخصّص فيهما، مقابل ابتعاد القسم الأكبر منهم عن التخصص في المجال الإذاعي.


مقالات ذات صلة

السجن 8 سنوات في روسيا لصحافي نشر «معلومات كاذبة» عن الجيش في أوكرانيا

أوروبا جنود مسلحون ينتظرون بالقرب من مركبات للجيش الروسي خارج نقطة حرس الحدود الأوكرانية في مدينة بالاكلافا في شبه جزيرة القرم يوم 1 مارس 2014 (رويترز)

السجن 8 سنوات في روسيا لصحافي نشر «معلومات كاذبة» عن الجيش في أوكرانيا

حكمت محكمة في مدينة غورنو ألتايسك الروسية في ألتاي، اليوم (الجمعة)، على الصحافي المحلي سيرغي ميخائيلوف بالسجن ثماني سنوات لانتقاده الجيش الروسي.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
المشرق العربي صورة تُظهر بكر القاسم الصحافي والمصوّر المتعاون مع وسائل إعلام عدة بينها «وكالة الصحافة الفرنسية» (متداولة)

فصائل موالية لأنقرة تُوقِف صحافياً بشمال سوريا

أوقفت الشرطة المحلية التابعة لفصائل موالية لأنقرة بشمال سوريا، الصحافي والمصوّر المتعاون مع وسائل إعلام عدة، بكر القاسم، في مدينة الباب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق أكاديمية «SRMG» تطلق دورة تدريبية في صحافة التكنولوجيا بدعم من «تيك توك»

أكاديمية «SRMG» تطلق دورة تدريبية في صحافة التكنولوجيا بدعم من «تيك توك»

أعلنت أكاديمية «SRMG» عن نيّتها إطلاق دورة تدريبية في صحافة التكنولوجيا، بدعم من منصّة «تيك توك»، وذلك في الرياض بين 15 و19 سبتمبر 2024.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق أمّهاتٌ قاتلات وأزواجٌ مجرمون... «راوية الجريمة» تعرض أفظع الجرائم الواقعيّة

أمّهاتٌ قاتلات وأزواجٌ مجرمون... «راوية الجريمة» تعرض أفظع الجرائم الواقعيّة

يشهد عالم التلفزيون والإعلام مؤخراً اهتماماً مطّرداً من قبل الجمهور بالجريمة الواقعية. يأتي بودكاست «راوية الجريمة» عبر «الشرق» ليروي هذا العطش المستجدّ.

كريستين حبيب (بيروت)
الولايات المتحدة​ أوبرا وينفري تتحدث في اليوم الثالث من المؤتمر الوطني الديمقراطي (أ.ف.ب)

بعد دعمها هاريس... ماذا نعرف عن تاريخ أوبرا وينفري السياسي وتأييداتها؟

تحدّثت الإعلامية الشهيرة أوبرا وينفري، أمس (الأربعاء)، في المؤتمر الوطني الديمقراطي، حيث أعلنت تأييدها لكامالا هاريس، واستمرّت في دعمها للمرشحين الديمقراطيين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

قنوات إخبارية عربية جديدة تتنافس على حصص الخبر والرأي

دكتور سعد بن طفلة العجمي (إندبندنت عربي)
دكتور سعد بن طفلة العجمي (إندبندنت عربي)
TT

قنوات إخبارية عربية جديدة تتنافس على حصص الخبر والرأي

دكتور سعد بن طفلة العجمي (إندبندنت عربي)
دكتور سعد بن طفلة العجمي (إندبندنت عربي)

خلال أقل من سنتين من إطلاق «القاهرة الإخبارية»، كفضائية تبحث عن حصة من الحضور في مخاطبة العالم والرأي العام العربي والدولي، أطلقت الكويت قناتها الإخبارية الخاصة، فبدأت هي الأخرى بحجز موقعها من فضاء عربي يمتلأ بالمحطات الإخبارية، رغم ما يشاع من هجرة محتملة عن التلفزيون لصالح منصات التواصل التي أزاحت ما يوصف بالأشكال التقليدية للإعلام والتواصل.إنه فضاء يزدحم بالقنوات الإخبارية، في ظل تطورات سياسية وتحوّلات اتصالية لا تهدأ، تشهدها المنطقة. ومن ثم، السؤال مطروح عن دلالات هذا الإقبال على إطلاق قنوات إخبارية جديدة، وما إذا كان ذلك يعكس حاجة وتنوّعاً مثرياً أم اختلافاً في توجهات المنطقة ومنصات التعبير عنها؟

وماذا عن مسألة الموضوعية؟ وهل تواجه تحدياً خاصاً، في ظل هذا النمط من الإطلاقات والفضائيات التي تخاطب الرأي العام العربي والعالمي؟

«الشرق الأوسط» استطلعت آراء متخصصين في قطاع الإعلام والدعاية السياسية، عن تطورات المشهد الإعلامي العربي، وهو يستضيف محطات جديدة، تتناول الأخبار والأحداث السياسية، وتضخ برامج إخبارية وثقافية وحوارية جادة.

شعار «آر تي» (رويترز)

إنه تحدٍ كبير

الدكتور سعد بن طفلة، وزير الإعلام الكويتي السابق، قال إن «انتشار الفضائيات الإخبارية في هذا العالم الذي يشهد ثورة منفعلة جداً، وثورة رقمية بركانية في الاتصالات وعالم المعلومات بشكل عام، تحدٍ كبير... والجميع يحاول أن يوجد مكانة له في نشر الخبر. وبالتالي، التأثير على صياغة الأحداث وتوجيه الرأي العام المحلي والعالمي».

وأشار بن طفلة إلى أن «التأثير في المجتمعات المحلية أصبح مستحيلاً، لأن العالم اليوم يشهد قدرة الإنسان العادي على فتح نوافذ يطل منها إلى الأحداث والعالم، ويتابعها حيّة على الهواء»، لافتاً إلى أن «فكرة الفضائيات الإخبارية بشكل عام ستواجه التحدّي نفسه الذي تعرّضت له الصحافة، وكذلك الإعلام الورقي، في ظل ما يتمتع به إنسان اليوم من تقنيات حوّلته من مستهلك صامت، إلى وسيلة إعلام متنقلة، بوزارة إعلام متكاملة يحملها في جيبه، ويقوم من خلال هاتفه بنشر الأخبار وتسجيلها عبر البثّ الحي أو النشر اللاحق، بكل أشكال الوسائط المتاحة».

وزير الإعلام الكويتي السابق رأى أن هذا الواقع سيضطر القائمين على هذه الفضائيات إلى «التركيز على صيغة جديدة من المحتوى، تتجاوز الاعتماد على الخبر إلى الخبر المطوّر، بمعنى أن يركزوا على تقديم برامج تضيف إلى المشاهد الجديد، وتلبي احتياجات وذائقة مختلفة لدى الجمهور المتشبع بالأخبار».

واستبعد الدكتور سعد أن يستقر شكل المشهد الإعلامي العربي والعالمي قريباً، موضحاً: «كثيرة هي التحديات التي لا نستطيع أن نحكم عليها اليوم، لأننا في بدايات هذه الثورة الرقمية، ويتطلب الأمر التمهل حتى يكتمل نمو الجيل الرقمي الحالي... أبناء هذا الجيل هم من يستطيع الإجابة عن تساؤلات راهنة بشأن المشهد الإعلامي وتحولاته، وقد لا نعثر على إجابة إلا بعد عقد أو عقدين من الآن».

شعار قناة «القاهرة الإخبارية» (قناة القاهرة الإخبارية)

التلفزيون يتطوّر والمحتوى يتمدّد

من جهته، يستبعد الدكتور غازي العمري، الباحث في الإعلام السياسي ومؤلف كتاب «الدعاية السياسية»، أن يهجر الجمهور التلفزيون، ويشرح: «التلفزيون اختراع قديم يتطور، وصحيح أنه لم يعد ذلك المنتَج الحصري الذي يملي علينا خيارات الوقت والمادة المعروضة، لكن كل من يملك شاشة أياً كان حجمها، ولو كان بحجم بوصة واحدة في ساعة اليد الذكية، سيصله محتوى القناة الجديدة، ما دامت تتمدد في وسائل التواصل كناشر... وكل هذا على صعيد الأحداث الساخنة والتنوع والإثراء، ولا يمكن أن يهجر الجمهور وسائل الإعلام الناطقة باسم أرضه وسمائه، فالجمهور يستبدل الأجهزة فقط».

وعمّا إذا كانت هذه الفضائيات تعكس تنوّعاً أم هي تعبير عن اختلاف التوجهات السياسية التي تشكل المنطقة، يقول الدكتور العمري: «ثمة اختلاف جليّ للتوجهات في المنطقة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، ومحاولات الهيمنة باتت أكثر وضوحاً، فالكل يقفز وينوّع التحالفات، والسياسة تجلّت كمسألة متغيرة بلا مواربة».

ويضيف أن الإعلام المموّل حكومياً «يثبت يوماً بعد آخر أنه المغذّي الرئيس للجمهور المتابع للأخبار والإثراء المعرفي والآيديولوجي والترفيهي واتجاهات العالم وساكنيه في التسلية والرياضة والطبخ، عبر تغذية منصات وسائل التواصل». ويتابع: «لو أغلقنا هذه القنوات كلها، لما بقي في وسائل التواصل إلا تناحر فئوي وجماعاتي وردّي، وبعض فيديوهات متناثرة هنا وهناك، وتبعاً لذلك فالقنوات الفضائية الجديدة تأتي في توقيت مناسب جداً، ما دام الحال كذلك».

الدعاية السياسية... وتضرر الموضوعية

أما ماجد الجريوي، الأكاديمي المتخصص في الإعلام، فيرى أن الاستمرار في إطلاق قنوات إخبارية جديدة «يؤكد، بل يجدد أهمية الإعلام ودوره المؤثر كقوة ناعمة في تكوين وتشكيل الاتجاهات والآراء، والحرص على السيطرة على منابع الأخبار وطرح الدعايات السياسية لكل كيان، ولا سيما أن معظم الكيانات الإخبارية ممولة من حكومات، والبعض الآخر تؤول ملكيته إلى القطاع الخاص، إلا أن ملّاكها لا تنقصهم الأهداف السياسية التي يسعون إلى تحقيقها».

ووفق الجريوي: «الاختلاف في التوجهات وتباين الدعايات السياسية من أهم الدوافع إلى تكوين أذرع إعلامية لكل مشروع أو توجه، يبني له منافذ إعلامية تضمن وصول أهدافه»، مستشهداً بحالة التباين في التغطية التي تبثها محطتا «سي إن إن» و«روسيا اليوم» للأحداث الشرق أوسطية، والاختلاف الذي يظهر بينهما، ليس على مستوى الرأي فحسب، بل في إيراد المعلومة والتعاطي معها. ومن ثم، يعتقد الجريوي أن «الموضوعية تشهد تناقصاً ملحوظاً... وخصوصاً بعدما أصبح معظم تلك القنوات ليست أكثر من كيانات ومشاريع وأذرع دعاية، الأمر الذي يجعل مساحة الحيادية والموضوعية تتناقص في فضاء الإعلام». ويستطرد: «تضرر الموضوعية يعجّل من هجرة الجمهور عن التلفزيون، ومحاولة البحث عن مصادر تلقٍ مختلفة ومنفصلة عن تأثير ملّاك المؤسسات... لكن هذا لا يعني أن التلفزيون بمحطاته الإخبارية الجديدة خسر الرهان في المنافسة الإعلامية». ويختتم موضحاً: «حتى مع ضعف الإقبال على التلفزيون، فإن حجم الشبكات الاجتماعية التابعة لتلك القنوات، والأعداد المليونية التابعة لها، علاوة على كثافة الآراء المطروحة والمعلومات التي تمرر فيها، كل هذا يوفّر لأي جهة تمتلك مشروعاً دعائياً الفرصة لأن تجد في القنوات الإخبارية أهم أدواته».