توقعات بنفاد ذخيرة أوكرانيا مع «اكتمال استعداداتها لهجوم الربيع»

التحدي يتمثل في استمرار الإنتاج الحربي وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين

«قذائف 155» التي يتم تصنيعها في سكرانتون بولاية بنسلفانيا لصالح المجهود الحربي الأوكراني (أ.ب)
«قذائف 155» التي يتم تصنيعها في سكرانتون بولاية بنسلفانيا لصالح المجهود الحربي الأوكراني (أ.ب)
TT

توقعات بنفاد ذخيرة أوكرانيا مع «اكتمال استعداداتها لهجوم الربيع»

«قذائف 155» التي يتم تصنيعها في سكرانتون بولاية بنسلفانيا لصالح المجهود الحربي الأوكراني (أ.ب)
«قذائف 155» التي يتم تصنيعها في سكرانتون بولاية بنسلفانيا لصالح المجهود الحربي الأوكراني (أ.ب)

حذر الأدميرال المتقاعد بالبحرية الأميركية جيمس ستافريديس، من أن الولايات المتحدة وأوكرانيا على السواء تعانيان من نفاد الذخيرة مع استمرار الحرب الروسية. وأنه أيضاً مع احتدام الحرب، واحتمال شن كييف هجوماً واسع النطاق في أي وقت، يعاني طرفا الصراع من نقص في الذخائر، والمكونات الإلكترونية، والأسلحة الموجهة بدقة، وحتى الإسمنت. وفي حين يتمتع الغرب بقدرة شاملة واسعة على توصيل المواد الضرورية للقتال، بدأت تتكشف أزمات في سلاسل التوريد العالمية.
وطالب سفير أوكرانيا لدى ألمانيا أوليكسي ماكييف، بأن ترسل برلين مزيداً من الأسلحة القوية التي يمكن أن تستخدمها كييف ضد روسيا في ظل الاستعدادات الجارية لشن عمل عسكري كبير متوقع لاستعادة الأراضي التي احتلتها موسكو. وقال ماكييف لمجموعة «فونكه» الألمانية، في مقابلة نشرت أمس السبت، إن «هناك حاجة ملحة إلى مزيد من أنظمة الدفاع الجوي مثل (اريس – تي) و(باتريوت) و(جيبارد). من أجل الهجوم المضاد المخطط، نحتاج المزيد من المركبات المدرعة والدبابات وأنظمة المدفعية، وذخيرة طويلة المدى في أقرب وقت ممكن». وأوضح أن أمن أوروبا يعتمد على سرعة وحجم شحنات الأسلحة والذخيرة لمساعدة أوكرانيا في استعادة وحدة أراضيها. وقال السفير الأوكراني إن «هزيمة روسيا ضمانة للحياة الطبيعية في أوروبا». وأشاد ماكييف بالشحنات القادمة من ألمانيا حتى الآن قائلاً: «أنا سعيد بانخراط ألمانيا الكامل مع الشركاء في حلف (شمال الأطلسي) الناتو، في التخطيط لمساعدة أوكرانيا بطريقة استراتيجية للغاية وطويلة المدى. هذا هو النوع من العملية المستمرة التي نحتاجها لتحقيق النجاح على الخطوط الأمامية».
https://twitter.com/aawsat_News/status/1652725607522770945
ويقول ستافريديس، وهو الآن عميد «كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية» في «جامعة تافتس»، في تحليل نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء، إن «هجوم الربيع» لن يكون الدبابات والمدرعات، ولكن الزيادة في إنتاج الأسلحة لدى الدول الديمقراطية التي تدعم أوكرانيا.
ويتساءل ستافريديس: «ماذا يجب على هذه الدول أن تفعل بشكل جماعي لضمان حصول الأوكرانيين على احتياجاتهم لصد الغزو الروسي اللا أخلاقي وغير الشرعي؟ وكيف سيكون التأثير على سلاسل التوريد العالمية على نطاق أوسع؟».
وأوضح ستافريديس أنه عندما كان قائداً للقيادة العليا لحلف شمال الأطلسي (الناتو) قبل أكثر من عقد، كان عادة ما ينظر بعمق للوجستيات وسلاسل التوريد، بالقدر نفسه الذي ينظر به لعمليات الحلف القتالية في أفغانستان، والبلقان، وليبيا، وضد القراصنة. وقال إنهم كانوا يشعرون براحة لأن القاعدة الشاملة للصناعات الدفاعية لدى الغرب - التي تسهم بأكثر من 2.‏1 تريليون دولار في موازنات الدفاع الجماعية لدول الناتو الـ31 تستطيع التعامل مع هذه الصراعات بسهولة نسبية.
ولكن أكثر ما كان يزعجه آنذاك هو احتمال اندلاع صراع قوى في أوروبا - خصوصاً أي تصعيد مع الاتحاد الروسي. وفي حين أن الحلفاء الغربيين يتمتعون بقدرات ساحقة وميزة وجود مخزونات، يمتلك الروس قاعدة صناعية قديرة، ووفرة في المواد الخام، ويستطيعون الاعتماد على العمالة المجندة لتدوير الآلات في المسابك والمصانع. وتقل موازنة الدفاع الروسية عن 70 مليار دولار، أي حوالي 10 في المائة من موازنة «الناتو»، في أفضل الأحوال.
وبعد أكثر من عام من انسحاب حلف الأطلسي من أفغانستان، أدت الاحتياجات الواسعة لأوكرانيا إلى ظهور تحديات تتعلق بالمواد اللازمة للعمليات القتالية بمستوى قال ستافريديس إنه هو نفسه لم يتوقعه: فالحاجة للمكونات الإلكترونية، بشكل خاص، تتنامى بشكل هائل - لإنتاج أسلحة ذات توجيه دقيق، ومُسيرات متطورة، وصواريخ كروز مضادة للسفن، وقذائف ذكية للمدفعية.
ورغم تباطؤ الاقتصاد العالمي، تعمل الشركات المدنية مع الجيوش الغربية لإنتاج رقائق أشباه الموصلات، بالغة الأهمية، خصوصاً ذات الجودة الفائقة التي تنتجها تايوان على نطاق واسع. كما ظهرت ندرة في إنتاج الأَسمنت، حيث تزداد احتياجات أوكرانيا منه لإعادة الإعمار، في الوقت الذي تزداد فيه الحاجة إليه لمشروعات البنية التحتية في أميركا.
وأشار ستافريديس إلى تحليلات ومحاكاة للحرب تتكهن بمجالات حدوث الأزمات: وتمثل المدافع، والصواريخ، والذخيرة - خصوصاً قذائف «هاوترز» - مصدر القلق الأكبر. ومن بين مخزونات الأسلحة التي تواجه النفاد، قذائف المدافع عيار155، والتي ظهرت عنصر هجوم رئيسي لدى الأوكرانيين. ويعتقد عدد من المحللين أن أوكرانيا تستهلك شهرياً من هذه القذائف ما يوازي إنتاج أميركا في عام في فترة ما قبل الحرب. ولا يتعلق الأمر بقذائف «هاوتزر» فحسب، بل يمتد الأمر لصواريخ «هيمارس» التي تعاني من النقص هي الأخرى.
وكثفت القاعدة الصناعية العسكرية في أميركا عمليات الإنتاج لديها، كما فعلت البلاد في بداية الحرب العالمية الثانية. واستشهد ستافريديس بكتاب «مهندسو النصر»، للمؤرخ بول كينيدي، الذي تحدث فيه عن التكنولوجيا، والتنظيم، والإنتاج الحربي، كعناصر قلبت الموازين وأدت إلى انتصار الحلفاء على المحور في نهاية المطاف.
ويرى ستافريديس أن الأمر حالياً بعيد عن التعبئة العامة التي تمت في أوائل أربعينات القرن العشرين، ولكن شركات إنتاج الأسلحة الكبرى، والمنتجين الصغار لأنظمة التكنولوجيا العالية (المُسيّرات)، يعملون على ابتكار وتوفير ما يحتاج إليه الأوكرانيون. وفي ظل زيادة الطلبيات، ظهرت مشكلة أخرى، وهي النقص الحاد في العمال المهرة في مجال الذخيرة. وعندما ألقى الرئيس الأميركي الراحل فرانكلين روزفلت، خطبته التي أشار فيها إلى أن مصانع الولايات المتحدة تحولت إلى «ترسانة من الديمقراطية» للحلفاء، فرنسا وبريطانيا وروسيا، كاد الاقتصاد الأميركي أن يصبح آنذاك موجهاً بشكل كامل من أجل الحرب (اقتصاد حرب).
ويقول ستافريديس إن ذلك لن يحدث اليوم، ولكن التحدي سيتمثل في استمرار الإنتاج الحربي، وفي الوقت نفسه توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، في ظل تواصل العدوان الروسي. ويمتلك الكونغرس والبنتاغون أدوات تحقيق ذلك، التي تتمثل في الأموال بالمقام الأول، فالدعم العسكري الذي تقدمه واشنطن لأوكرانيا ضخم (حوالي 40 مليار دولار)، لكنه يظل متواضعاً بالنظر إلى موازنة الدفاع الأميركية التي تصل إلى 850 ملياراً. ويقدم شركاء أميركا الأوروبيون، والحلفاء في آسيا، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، تقريباً القدر نفسه من المساعدات، مع التركيز أكثر على الاحتياجات الإنسانية وإعادة الإعمار الاقتصادي. وسيقدم الطرفان على جانبي الأطلسي أنظمة قتال مختارة (خصوصاً الدبابات والمدرعات الأرضية) وقذائف المدفعية. وسيتعين على الحكومات الغربية ضمان الإنتاج التعاقدي حتى لا تجد شركات الدفاع نفسها في موقف صعب إذا ما انتهت الحرب فجأة (وهو أمر لا يلوح في الأفق، حسب اعتقاد الجميع).
ورغم أنه ستحدث صعوبة في سلاسل إمداد تجارية عالمية بعينها (مثل الإلكترونيات، ومواد التشييد، وبعض المعادن)، تظل القدرة الإجمالية لتجاوز الإنتاج الاقتصادي الروسي المترنح، واضحة. وعلى افتراض أن الصين ستواصل، بحكمة، رفض مد شريان حياة من العتاد الحربي لموسكو، سوف تتراجع روسيا أكثر وأكثر خلف القدرات الإنتاجية لدى الغرب. وفي ختام التحليل، يقول ستافريديس إن هذا «النهج الأميركي في الحرب»، الذي أثبت نجاحه في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وأخيراً في الحرب الباردة، يبقي على الاحتمالات في صالح الأوكرانيين.


مقالات ذات صلة

أوستن يطالب حلفاء أوكرانيا بـ«ألّا يضعفوا»

أوروبا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (أ.ب)

أوستن يطالب حلفاء أوكرانيا بـ«ألّا يضعفوا»

طالب وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الخميس التحالف الدولي الذي يقدّم دعماً عسكرياً لأوكرانيا بـ«ألّا يضعف»، في وقت تخشى فيه كييف من أن تفقد دعم بلاده الأساسي.

أوروبا جندي أوكراني يقود مركبة أرضية مسيرة إلكترونياً خلال معرض للمعدات العسكرية والأسلحة (رويترز)

بريطانيا: تحالف دولي سيرسل 30 ألف مسيّرة لأوكرانيا

أعلنت وزارة الدفاع البريطانية، الخميس، أن تحالفاً دولياً تقوده بريطانيا ولاتفيا لإمداد أوكرانيا بمسيّرات سيرسل 30 ألف مسيّرة جديدة إلى كييف.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا رجال الإطفاء يعملون في موقع مبنى إداري تضرر جراء الغارات الجوية والصاروخية الروسية في زابوريجيا (رويترز) play-circle 00:36

13 قتيلاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 13 شخصاً اليوم (الأربعاء) في ضربة روسية على مدينة زابوريجيا الأوكرانية، وفق ما أعلن حاكم المنطقة، في حصيلة تعد من الأعلى منذ أسابيع لضربة جوية واحدة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الخليج الأمير محمد بن سلمان والرئيس فولوديمير زيلينسكي (الخارجية السعودية)

محمد بن سلمان وزيلينسكي يبحثان جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية

بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية- رويترز)

ترمب عن الـ«ناتو»: يدفعون أقل مما ينبغي لكي تحميهم الولايات المتحدة

حضّ ترمب أعضاء حلف «الناتو» على زيادة إنفاقهم الدفاعي إلى 5 % من إجمالي ناتجهم المحلي، مقابل «حماية الولايات المتحدة».

«الشرق الأوسط» (مارالاغو (الولايات المتحدة))

«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
TT

«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

قدّم مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان للرئيس جو بايدن خيارات لـ«هجوم أميركي محتمل» على المنشآت النووية الإيرانية، إذا «تحرك الإيرانيون نحو امتلاك سلاح نووي» قبل موعد تنصيب دونالد ترمب في 20 يناير (كانون الثاني).

وقالت ثلاثة مصادر مطّلعة لموقع «أكسيوس» إن سوليفان عرض تفاصيل الهجوم على بايدن في اجتماع - قبل عدة أسابيع - ظلت تفاصيله سرية حتى الآن.

وقالت المصادر إن بايدن لم يمنح «الضوء الأخضر» لتوجيه الضربة خلال الاجتماع، و«لم يفعل ذلك منذ ذلك الحين». وناقش بايدن وفريقه للأمن القومي مختلف الخيارات والسيناريوهات خلال الاجتماع الذي جرى قبل شهر تقريباً، لكن الرئيس لم يتخذ أي قرار نهائي، بحسب المصادر.

وقال مسؤول أميركي مطّلع على الأمر إن اجتماع البيت الأبيض «لم يكن مدفوعاً بمعلومات مخابراتية جديدة ولم يكن المقصود منه أن ينتهي بقرار بنعم أو لا من جانب بايدن».

وكشف المسؤول عن أن ذلك كان جزءاً من مناقشة حول «تخطيط السيناريو الحكيم» لكيفية رد الولايات المتحدة إذا اتخذت إيران خطوات مثل تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء 90 في المائة قبل 20 يناير (كانون الثاني).

وقال مصدر آخر إنه لا توجد حالياً مناقشات نشطة داخل البيت الأبيض بشأن العمل العسكري المحتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية.

وأشار سوليفان مؤخراً إلى أن إدارة بايدن تشعر بالقلق من أن تسعى إيران، التي اعتراها الضعف، إلى امتلاك سلاح نووي، مضيفاً أنه يُطلع فريق ترمب على هذا الخطر.

وتعرض نفوذ إيران في الشرق الأوسط لانتكاسات بعد الهجمات الإسرائيلية على حليفتيها حركة «حماس» الفلسطينية وجماعة «حزب الله» اللبنانية، وما أعقب ذلك من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا.

وقال سوليفان لشبكة «سي إن إن» الأميركية: «القدرات التقليدية» لطهران تراجعت؛ في إشارة إلى ضربات إسرائيلية في الآونة الأخيرة لمنشآت إيرانية، منها مصانع لإنتاج الصواريخ ودفاعات جوية. وأضاف: «ليس من المستغرب أن تكون هناك أصوات (في إيران) تقول: (ربما يتعين علينا أن نسعى الآن لامتلاك سلاح نووي... ربما يتعين علينا إعادة النظر في عقيدتنا النووية)».

وقالت مصادر لـ«أكسيوس»، اليوم، إن بعض مساعدي بايدن، بمن في ذلك سوليفان، يعتقدون أن ضعف الدفاعات الجوية والقدرات الصاروخية الإيرانية، إلى جانب تقليص قدرات وكلاء طهران الإقليميين، من شأنه أن يدعم احتمالات توجيه ضربة ناجحة، ويقلل من خطر الانتقام الإيراني.

وقال مسؤول أميركي إن سوليفان لم يقدّم أي توصية لبايدن بشأن هذا الموضوع، لكنه ناقش فقط تخطيط السيناريو. ورفض البيت الأبيض التعليق.