رئيس وزراء الصومال لـ«الشرق الأوسط»: نأمل في رفع الحظر عن تسليح الجيش

حمزة بري أكد السعي للقضاء على «الإرهاب» والديون بنهاية 2023

رئيس وزراء الصومال حمزة بري في حواره بالقاهرة مع مراسل (الشرق الأوسط)
رئيس وزراء الصومال حمزة بري في حواره بالقاهرة مع مراسل (الشرق الأوسط)
TT

رئيس وزراء الصومال لـ«الشرق الأوسط»: نأمل في رفع الحظر عن تسليح الجيش

رئيس وزراء الصومال حمزة بري في حواره بالقاهرة مع مراسل (الشرق الأوسط)
رئيس وزراء الصومال حمزة بري في حواره بالقاهرة مع مراسل (الشرق الأوسط)

بين مواجهة «إرهاب» غاشم، وجفاف قاحل، وإسقاط ديون متراكمة، تتمحور مشاغل رئيس وزراء الصومال حمزة بري، الذي قال إن حكومته تسعى إلى إنهاء أزمتي الديون و«الإرهاب» بحلول نهاية العام الحالي، معولاً في ذلك على الدعم العربي والدولي لإنقاذ أبناء وطنه من مخاطر المجاعة والجفاف.
«الشرق الأوسط» التقت المسؤول الصومالي الكبير بالقاهرة في طريق عودته من الأراضي المقدسة، بعد أداء مناسك العمرة، للحديث عن تحديات يواجهها الصومال حاضراً، وآمال كبيرة يتطلع إليها مستقبلاً... وإلى نص الحوار.
* ما الموقف ميدانياً على الأرض بشأن مواجهتكم مع «حركة الشباب»؟
- حققنا نجاحاً كبيراً حتى الآن في حربنا ضد هذه الجماعة الإرهابية؛ حيث عملت الحكومة من خلال ثلاثة محاور: الأول يتمثل في المواجهة العسكرية، وقد تم تحرير 80 في المائة من الأراضي الصومالية، فيما يواصل الجيش تكثيف عملياته بمساندة شعبية ضد الحركة لتحرير النسبة الضئيلة المتبقية، في إطار سعيه لتحرير كامل الأراضي الصومالية بنهاية عام 2023. أما المحور الثاني المتعلق بالمواجهة الاقتصادية، فتضمن قرارات حكومية للسيطرة على الجماعة الإرهابية عبر إغلاق نحو 300 حساب مصرفي، و250 خط هاتف، وتجميد عدد من الحسابات البنكية والأرصدة المالية التابعة للحركة، كما نجحت الحكومة في التواصل مع رجال الأعمال الصوماليين لوقف دعمهم لتلك الحركة الإرهابية، وأصبحوا يتعاونون مع الحكومة، وبالتالي تم توجيه ضربة اقتصادية قوية للحركة.
أما المحور الثالث فيتضمن المواجهة الفكرية، إذ استعانت الحكومة بعلماء الصومال لتجديد الخطاب الديني، وتوضيح حقيقة تلك الجماعة الإرهابية، وأنها لا تمت للإسلام بصلة.

* لكن كيف تضمنون عدم تدفق الأموال مرة أخرى للإرهابيين في بلادكم؟
- بالتأكيد نجدد التزام الصومال بمكافحة «الإرهاب»، وإعادة الأمن الاستقرار للبلاد، ونعمل في الحكومة على تجفيف مصادر تمويل الإرهاب، عبر مراجعة السياسات المالية، بما في ذلك إنشاء وكالات حكومية تراقب التدفق المالي لاكتشاف حركة الأموال، وطريقة تهريبها لصالح «حركة الشبابـ» المتطرفة، كما نسعى لإعداد قوانين تسهم في ضبط المتورطين في عملية تهريب الأموال.

* ما المتغيرات التي دفعت الحكومة الصومالية لحشد الجهود مؤخراً بشكل أكبر لإعلان الحرب ضد «الشباب» على هذا النحو؟
- هناك أسباب مختلفة، منها أن «حركة الشباب الإرهابية» كانت تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى الفقراء والنازحين من الشعب الصومالي، فضلاً عن تنفيذ عمليات قتل جماعي للمواطنين العزل. بالإضافة إلى توسعة نشاطها لتهديد دول الجوار الصومالي، كما عرقلت الحركة ورفضت بشكل قاطع خطط تنمية الصومال وعمليات الإعمار. ولذلك، كان لا بد من شن حرب شاملة على هذه الحركة، نظرا للتهديد الكبير الذي تمثله على أمان واستقرار الصومال، ولكونها أقوى جماعة تابعة لـ«القاعدة» في شرق أفريقيا.

* في تقديركم هل تتلقى «الشباب» دعماً مالياً أو عسكرياً من الخارج؟
- هناك بالتأكيد «حركة الإرهاب الدولية» التي لا تخفى على أحد بزعامة تنظيمي «القاعدة» و«داعش» الإرهابيين، والحركة جزء لا يتجزأ من تلك المنظومة، والجميع يعلم أن هناك أطرافاً خفية تدعم هذه الحركة لتحقيق أهدافها بزعزعة أمن واستقرار الصومال، والاستيلاء على ثرواته. لكننا نقف الآن يداً واحدة في مواجهة هذا الإرهاب الغاشم، وصولا إلى إعادة بناء الدولة الصومالية، وتحرير أراضيها كافة من الإرهاب.

* كيف ترون استمرار الحظر المفروض دوليا على تسليح الجيش الصومالي في ظل حربه على الإرهاب؟
- نعتقد أنها مسألة غريبة، لذا طلبنا وما زلنا نطالب برفع الحظر لمواجهة هذا الإرهاب البشع، ونؤيد دعوة الرئيس الصومالي للأمم المتحدة بدعم جهودنا للقضاء على الإرهاب، ورفع حظر السلاح عن الصومال. كما طلبت الحكومة الصومالية من الاتحاد الأفريقي مساعدته في رفع الحظر، الذي يُعد عقبة أمام تسلم القوات الوطنية المسؤولية الأمنية، حتى يتمكن الصومال من استعادة استقراره.

* في خضم مواجهتكم لـ«حركة الشباب» ينتقد البعض مشاركة القبائل في الحرب؟
- «الحرب ضد الإرهاب» حرب لكل أطياف الشعب الصومالي بهدف استعادة وتحرير المناطق، التي كانت تحت سيطرة الحركة الإرهابية... والرئيس الصومالي شيخ محمود لديه خطة واضحة للمواجهة، تقوم على عدة أسس، منها التواصل مع زعماء العشائر الصومالية التي تشكل عاملاً مهماً في مواجهة حركة الشباب، وخلال الفترة الماضية شهدت العلاقات تحسناً كبيراً بين الحكومة والعشائر.

* ما تصوركم المستقبلي لدور المشاركين في الحرب ضد «الشباب»؟
- الصومال كله يدعم جهود الحكومة، وسينتهي دور القبائل بدعم جهود الحكومة وفتح أحزاب سياسية مستقلة، كما أن الحكومة ستعيد ضمن برنامجها تأهيل الشباب الذين غررت بهم الحركة الإرهابية، ودمجهم في القوات المسلحة الصومالية، وتوفير فرص ملائمة لهم، إلى جانب توفير الخدمات الأساسية كافة في كل المناطق المحررة.

* ما الذي يحتاج إليه الصومال حاليا للقضاء على الجماعات الإرهابية وإعادة بناء الدولة؟
- نحرص على إتمام ملفات مهمة خلال عام 2023. تتمثل في تحرير البلاد من الإرهابيين، واستكمال الدستور المؤقت، وتحقيق المصالحة الوطنية، وتقديم الخدمات الاجتماعية، واستكمال عملية الإعفاء من الديون. بالإضافة إلى انضمام الصومال للسوق التجارية لمجموعة شرق أفريقيا. كما تكثف الحكومة جهودها من خلال العمل على ثلاث ركائز أساسية؛ الأولى تحرير الأرض عبر مكافحة الإرهاب، والثانية إنهاء الديون المتراكمة على الصومال في سبتمبر (أيلول) المقبل، والثالثة إتمام دستور الصومال بنهاية العام الحالي، وهناك تقدم كبير تم إحرازه بشأن إعادة صياغة الدستور الانتقالي وإتمامه.

* وأين وصلت مشكلة ديون الصومال؟
- قطعنا شوطاً كبيراً في طريق إسقاطها، ونحن إذ نثمن الدعم العربي الكبير الذي تقدمه الدول الشقيقة والصديقة للصومال في حربه على الإرهاب، وإعادة بناء الدولة، فإننا ندعو الدول العربية للمساهمة في الإعفاء من الديون الخارجية الصومالية المستحقة للدول وللصناديق العربية، وذلك انطلاقاً من المسؤولية العربية الجماعية لدعم الاستقرار والتنمية والجهود الصومالية، الرامية لإعادة بناء الدولة، ويمكنني القول إنه بنهاية عام 2023 ستنتهي مشكلة الديون المتراكمة على الصومال.

* إذا تحدثنا عن التحدي الداخلي لمنظومة الحكم في الصومال... فكيف ترى العلاقة بين رئيس الحكومة ورئيس البلاد بعد فترة من التوتر خلال سنوات سابقة؟
- لقد انتهى عهد الخلافات في الصومال، والآن نبدأ عهداً جديداً عنوانه التكاتف والتلاحم بين كل أجهزة الدولة للقضاء على الإرهاب، وإعادة بناء مؤسسات الدولة وإعمار ما دمرته الحرب.

* وأين وصلت جهودكم لتحقيق «المصالحة الوطنية»؟
- تجري على قدم وساق، وهناك حرص كبير لدى الرئيس والحكومة على تحقيق المصالحة، بما في ذلك تعيين مبعوث رئاسي خاص لشؤون تحقيق الاستقرار وحماية المدنيين في مناطق الحرب، لتلافي معاناة الشعب الصومالي خلال الحروب، والعمل على تحقيق الأمن والاستقرار لإيصال الخدمات الاجتماعية للمناطق المحررة من قبضة الإرهاب.

* وكيف تصف العلاقة بالحكومات المحلية؟
هي علاقة جيدة في إطار النظام الفيدرالي الحاكم في الصومال، وهناك تنسيق على هدف واحد هو القضاء على الإرهاب، وتحقيق التنمية الشاملة في ربوع الصومال كافة، وأعتقد أن تحسين العلاقات بين الحكومة الفيدرالية وحكام الولايات الصومالية سيعزز عملية مكافحة الإرهاب، والتعاون بين مقديشو والولايات الصومالية في التبادل الأمني والاستخباراتي، بما ينعكس على دعم خطة الرئيس الصومالي في مواجهة الإرهاب.

* ما مشكلات الصومال الملحة الآن؟
- إلى جانب مكافحة الإرهاب، لا نزال نواجه أزمة إنسانية طاحنة في الصومال جراء تفاقم مشكلة الجفاف التي تشهدها البلاد، والتي تعد الأسوأ منذ أربعين عاما، ونناشد الأشقاء في الدول العربية سرعة تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة لإغاثة نحو 7.8 مليون صومالي من شبح المجاعة، بعد نفوق المواشي وتلف المحاصيل الزراعية، ونزوح مليون شخص من المناطق الريفية إلى مخيمات اللاجئين والمدن الكبيرة، بحثاً عن الاحتياجات الإنسانية بعد أن فقدوا سبل عيشهم، وقدرتهم على تلبية احتياجاتهم الغذائية اليومية.
قد تكون التكلفة كارثية إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فما يقرب من نصف سكان الصومال، بمن فيهم الأطفال والنساء، معرضون للخطر جراء تفاقم الوضع الإنساني بعد أن ضرب الجفاف جميع أنحاء البلاد. ومن المتوقع ارتفاع عدد الأشخاص الذين يواجهون نقصاً حاداً في الأمن الغذائي، إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة ومساعدات إنسانية لدعم المتضررين، والحيلولة دون تكرار الأزمة التي شهدتها الصومال سابقا.


مقالات ذات صلة

الجيش الصومالي يعلن مقتل 60 عنصراً من «الشباب» في عملية عسكرية

العالم العربي الجيش الصومالي يعلن مقتل 60 عنصراً من «الشباب» في عملية عسكرية

الجيش الصومالي يعلن مقتل 60 عنصراً من «الشباب» في عملية عسكرية

أعلن الجيش الصومالي نجاح قواته في «تصفية 60 من عناصر حركة (الشباب) المتطرفة»، في عملية عسكرية مخططة، جرت صباح الثلاثاء، بمنطقة علي قبوبي، على مسافة 30 كيلومتراً جنوب منطقة حررطيري في محافظة مذغ وسط البلاد. وأكد محمد كلمي رئيس المنطقة، وفقاً لوكالة الأنباء الصومالية، أن «الجيش نفذ هذه العملية بعد تلقيه معلومات عن سيارة تحمل عناصر من (ميليشيات الخوارج) (التسمية المتعارف عليها حكومياً لحركة الشباب المرتبطة بالقاعدة) وأسلحة»، مشيراً إلى أنها أسفرت عن «مقتل 60 من العناصر الإرهابية والاستيلاء على الأسلحة التي كانت بحوزتهم وسيارتين عسكريتين». ويشن الجيش الصومالي عمليات عسكرية ضد «الشباب» بدعم من مقات

خالد محمود (القاهرة)
العالم العربي رئيس وزراء الصومال: نأمل في رفع الحظر عن تسليح الجيش لاستعادة الاستقرار

رئيس وزراء الصومال: نأمل في رفع الحظر عن تسليح الجيش

(حوار سياسي) بين مواجهة «إرهاب» غاشم، وجفاف قاحل، وإسقاط ديون متراكمة، تتمحور مشاغل رئيس وزراء الصومال حمزة بري، الذي قال إن حكومته تسعى إلى إنهاء أزمتي الديون و«الإرهاب» بحلول نهاية العام الحالي، معولاً في ذلك على الدعم العربي والدولي لإنقاذ أبناء وطنه من مخاطر المجاعة والجفاف. «الشرق الأوسط» التقت المسؤول الصومالي الكبير بالقاهرة في طريق عودته من الأراضي المقدسة، بعد أداء مناسك العمرة، للحديث عن تحديات يواجهها الصومال حاضراً، وآمال كبيرة يتطلع إليها مستقبلاً...

خالد محمود (القاهرة)
العالم العربي واشنطن: مجلس النواب يرفض مشروعاً لسحب القوات الأميركية من الصومال

واشنطن: مجلس النواب يرفض مشروعاً لسحب القوات الأميركية من الصومال

رفض مجلس النواب الأميركي مشروع قانون، قدمه أحد النواب اليمينيين المتشددين، يدعو الرئيس جو بايدن إلى سحب جميع القوات الأميركية من الصومال في غضون عام واحد. ورغم هيمنة الجمهوريين على المجلس، فإن المشروع الذي تقدم به النائب مات غايتس، الذي لعب دوراً كبيراً في فرض شروط الكتلة اليمينية المتشددة، قبل الموافقة على انتخاب كيفن مكارثي رئيساً للمجلس، رفضه غالبية 321 نائباً، مقابل موافقة 102 عليه. وعلى الرغم من أن عدد القوات الأميركية التي تنتشر في الصومال، قد تراجع كثيراً، عما كان عليه في فترات سابقة، خصوصاً منذ عام 2014، فإن البنتاغون لا يزال يحتفظ بوجود مهم، في الصومال وفي قواعد قريبة.

إيلي يوسف (واشنطن)
العالم العربي الصومال يستعد لرحيل «قوات أتميس» الأفريقية

الصومال يستعد لرحيل «قوات أتميس» الأفريقية

عقدت الدول المشاركة في بعثة قوات الاتحاد الأفريقي العاملة في الصومال (أتميس)، اجتماعاً (الثلاثاء)، بالعاصمة الأوغندية كمبالا، لبحث «سبل تعزيز العمليات العسكرية الرامية إلى القضاء على (حركة الشباب) المتطرفة». ويأتي الاجتماع تمهيداً للقمة التي ستعقد في أوغندا خلال الأيام المقبلة بمشاركة رؤساء الدول المنضوية تحت بعثة «أتميس»، وهي (جيبوتي، وأوغندا، وبوروندي، وكينيا، وإثيوبيا)، وفقاً لوكالة الأنباء الصومالية الرسمية. وناقش الاجتماع «سبل مشاركة قوات الاتحاد الأفريقي في العمليات العسكرية الجارية للقضاء على فلول (حركة الشباب)، كما تم الاستماع إلى تقرير من الدول الأعضاء حول ذلك»، مشيدين بـ«سير العمليات

خالد محمود (القاهرة)
العالم العربي مقتل ضابط صومالي في مواجهات بين الجيش و«الشباب»

مقتل ضابط صومالي في مواجهات بين الجيش و«الشباب»

أعلنت السلطات الصومالية، مقتل ضابط في الجيش، قضى نحبه في مواجهات عسكرية جرت أخيراً ضد حركة «الشباب» المتطرفة المرتبطة بتنظيم «القاعدة». وطبقاً لوكالة الأنباء الصومالية الرسمية، «شارك وزير الدفاع الصومالي عبد القادر نور، الاثنين، في صلاة الجنازة التي أُقيمت بمقر وزارة الدفاع على جثمان المرحوم الملازم أول عبد العزيز محمد محمود نائب قائد العمليات للجيش الصومالي، بحضور نائب قائد الجيش اللواء عباس أمين، وضباط آخرين». ونعت الوكالة عبد العزيز، مشيرة إلى أنه كان من الضباط الأكثر نشاطاً في صفوف الجيش وتلقى تدريبات مختلفة في الخارج، ولعب ما وصفته بـ«دور كبير في العمليات العسكرية الجارية في البلاد للقضاء

خالد محمود (القاهرة)

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».