اللحظات الأخيرة قبل اندلاع الحرب... البرهان وحميدتي من محادثات إلى اقتتال

التقيا قبل أسبوع من الاشتباكات ولم يرغب أي منهما في تقديم تنازلات

قائد الجيش الفريق البرهان (أ.ف.ب) - قائد قوات «الدعم السريع» محمد دقلو «حميدتي» (أ.ف.ب)
قائد الجيش الفريق البرهان (أ.ف.ب) - قائد قوات «الدعم السريع» محمد دقلو «حميدتي» (أ.ف.ب)
TT

اللحظات الأخيرة قبل اندلاع الحرب... البرهان وحميدتي من محادثات إلى اقتتال

قائد الجيش الفريق البرهان (أ.ف.ب) - قائد قوات «الدعم السريع» محمد دقلو «حميدتي» (أ.ف.ب)
قائد الجيش الفريق البرهان (أ.ف.ب) - قائد قوات «الدعم السريع» محمد دقلو «حميدتي» (أ.ف.ب)

خشية من أن تتسبب عمليات الحشد التي قام بها الفصيلان العسكريان الغريمان في السودان في سفك الدماء، كانت مجموعة من الوسطاء تدفع باتجاه إجراء محادثات في اللحظات الأخيرة بين القائد العام للجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات «الدعم السريع» شبه العسكرية الفريق أول محمد حمدان دقلو قبل أسبوعين، لكن ثلاثة من الوسطاء السودانيين قالوا إن أقوى رجلين في البلاد لم يشاركا في الاجتماع الذي انعقد في مقر الرئاسة بوسط الخرطوم في الساعة العاشرة من صباح يوم 15 أبريل (نيسان)، وذلك في تفاصيل يُكشف عنها لأول مرة. وبدلاً من ذلك، اندلع القتال في أنحاء البلاد.
ووفقاً لما نقلته «رويترز» عن ثلاثة شهود ومستشار لدقلو، المعروف أيضاً باسم حميدتي، بدأ إطلاق النار في معسكر سوبا العسكري في جنوب الخرطوم في نحو الساعة 8:30 صباحاً بالتوقيت المحلي.
وتصاعد العنف بسرعة في أنحاء البلاد، وهو ما يوضح إلى أي مدى تفرقت السبل بالطرفين في الأسابيع التي سبقت استعدادهما لخوض حرب شاملة.
ومن خلال مقابلات مع نحو 12 مصدراً في الجيش وقوات «الدعم السريع» ومع مسؤولين ودبلوماسيين، أعادت «رويترز» بناء أحداث رئيسية عدة في الفترة التي سبقت أعمال العنف وأودت حتى الآن بحياة ما لا يقل عن 512 شخصاً، ودفعت عشرات الآلاف إلى الفرار وفاقمت من أزمة إنسانية خطيرة تشهدها البلاد بالفعل.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1648273004919672832
ووفقاً لدبلوماسي اطلع على الأمر واثنين من الوسطاء، فإن البرهان وحميدتي التقيا للمرة الأخيرة في الثامن من أبريل (نيسان) في مزرعة على مشارف الخرطوم؛ أي قبل أسبوع من اندلاع القتال.
وطلب البرهان خلال اللقاء انسحاب قوات «الدعم السريع» من مدينة الفاشر، التي تقع في إقليم دارفور بغرب السودان، معقل حميدتي، ووقف تدفقات قوات «الدعم السريع» إلى الخرطوم المستمرة منذ أسابيع.
وذكر الدبلوماسي والوسيطان أن حميدتي طلب بدوره سحب القوات المصرية من قاعدة جوية تسمى مروي خشية استخدام هذه القوات ضده.
وقال الوسيطان إن الرجلين تحدثا أيضاً على انفراد ووافقا على ما يبدو على خفض التصعيد. وكانت هناك نية لعقد لقاء آخر في اليوم التالي، لكنه لم يحدث.
وعلى مدى الأسبوع التالي وخلف الكواليس، كان كل منهما يستعد بقوة للأسوأ، بحسب «رويترز».
وتحدث مصدران عسكريان مع «رويترز» عن خطط لم يكشف عنها من قبل، وقالا إن القوات الجوية بقيادة البرهان كانت تدرس أماكن تجمع قوات «الدعم السريع» اعتماداً على إحداثيات قدمها الجيش.
وأوضح المصدران نفسهما أن قوات «الدعم السريع» كانت في الوقت ذاته تنشر المزيد من المسلحين في سوبا ومعسكرات أخرى في أنحاء الخرطوم.
وذكر المصدران العسكريان أن القوات الجوية، التي تقصف مواقع في العاصمة منذ اندلاع القتال، ظلت تدرس أماكن معسكرات قوات «الدعم السريع» لأكثر من أسبوع قبل بدء المعارك.
وقال المصدران نفسهما إن الجيش شكل أيضاً لجنة صغيرة من كبار قادته للاستعداد لصراع محتمل مع قوات «الدعم السريع».
https://twitter.com/aawsat_News/status/1643953318270496769
وقال موسى خدام محمد مستشار حميدتي في مقابلة عبر الهاتف مع «رويترز»، إن الطلقات الأولى في الحرب يوم السبت 15 أبريل (نيسان) أيقظت قوات «الدعم السريع» المتمركزة في سوبا.
وأضاف أن قوات «الدعم السريع» شاهدت قوات الجيش من خلف أسوار المعسكر وهي تنصب مدافع في المنطقة المحيطة به.
وقال: «شعرنا أن هناك قوة جاءت في نفس الموقع»، مضيفاً أن قوات أخرى تجمعت حول مقر إقامة حميدتي في الخرطوم.
وسرعان ما تبادل الجيش وقوات «الدعم السريع» الاتهامات علناً بإشعال العنف ومحاولة الاستيلاء على السلطة. ولم يتسنَّ لـ«رويترز» التحقق بشكل مستقل من الأحداث التي وصفها مستشار حميدتي.
بالمقابل، ورداً على أسئلة مكتوبة، قال المتحدث باسم القوات المسلحة العميد ركن نبيل عبد الله، إن الجيش كان يستعد للرد وليس لشن حرب بعد مؤشرات عن هجوم لقوات «الدعم السريع».
وأضاف أن قوات «الدعم السريع» هي التي بدأت الهجوم وأسرت عدة جنود، في حين تحرك الجيش لصد الهجوم.
وأشار إلى أن الجيش كان ينفذ حملته بموجب تسلسل قيادي واضح، وأن قوات «الدعم السريع» أصبحت هدفاً مشروعاً للقوات الجوية بعد بدء القتال.
واتفق حميدتي والبرهان على هدنة مؤقتة هذا الأسبوع بضغط من الولايات المتحدة التي تشعر مع الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بالقلق من أن السودان قد يتفتت ويزعزع استقرار منطقة مضطربة بالفعل.
وسمح الهدوء للآلاف من سكان الخرطوم والزوار الأجانب بالفرار من العاصمة. ورغم تمديد الهدنة في ساعة متأخرة من مساء الخميس، هزت الضربات الجوية والقذائف المضادة للطائرات المدينة مرة أخرى.

الصراع على السلطة

كان حميدتي، وهو قائد ميليشيا سابق في دارفور، تابعاً للرئيس السابق عمر البشير ومنفذاً لأوامره، وتنعم بالثراء من تجارة الذهب.
ولم يكن على خلاف دائم مع البرهان ضابط الجيش المحترف. وقاد كلاهما رجالاً في دارفور حيث تسبب صراع تصاعد في عام 2003 ومستمر حتى الآن، رغم العديد من اتفاقيات السلام، في مقتل ما يصل إلى 300 ألف شخص وتشريد 2.7 مليون.
وشكل الرجلان، اللذان تقلدا أكبر منصبين في مجلس السيادة الحاكم بعدما أطاحت حركة احتجاجية بالبشير في عام 2019، جبهة موحدة في الغالب في اتفاق لتقاسم السلطة مع قوى «الحرية والتغيير»، وهو تحالف سياسي خرج من رحم الانتفاضة.
وخلال ذلك الوقت زادت قدرات قوات «الدعم السريع» وأصبحت قوة يقدر قوامها بنحو 100 ألف فرد. واكتسبت هذه القوة شبه العسكرية صفة رسمية في الدولة بموجب قانون أقره البرلمان في عهد البشير.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2021، نفذ الرجلان انقلاباً، لكن حميدتي سرعان ما رأى أن الاستيلاء على السلطة كان خطأ مكن الموالين للبشير من استعادة بعض النفوذ، وذلك حسبما قال في خطابات ومقابلات تلفزيونية.
وأدى الاستيلاء على السلطة لخروج احتجاجات حاشدة كل أسبوع في الشوارع، وأوقف الانفتاح المؤقت لاقتصاد السودان المتعثر.
وبينما راهن حميدتي على اتفاق إطاري مدعوم دولياً لتشكيل حكومة مدنية كان من الواضح أنه يتطلع من خلاله إلى لعب دور سياسي في المستقبل، توترت العلاقات بسبب تسلسل القيادة في المرحلة الانتقالية الجديدة وخطط دمج قوات «الدعم السريع» في الجيش النظامي.
وفي إطار الاستعداد للقتال، أصر حميدتي على أن دمج قوات «الدعم السريع» يجب أن يجري على مدى يتجاوز عشر سنوات، بما يتماشى مع بنود الاتفاق الإطاري للخطة الانتقالية الموقع في ديسمبر (كانون الأول)، حسبما ذكرت عدة مصادر سودانية ودبلوماسية مطلعة على المحادثات لـ«رويترز»، لكن الجيش كان يضغط من أجل مدى زمني أقل. وضغط الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي، النائب الصارم للبرهان داخل الجيش، من أجل تنفيذ الدمج على مدى عامين فقط.
وقال دبلوماسي كبير شارك في جهود الوساطة في الأسابيع الأخيرة قبل اندلاع القتال، إن «فرصة كانت سانحة على ما يبدو للتوصل إلى اتفاق بين البرهان وحميدتي، لكن قائد قوات (الدعم السريع) كان ساخطاً»، وأضاف: «كان هناك الكثير من الغضب والإحباط والحديث عن أنه: أنا الشخص الوحيد الذي يحمي التحول الديمقراطي».
وأشار إلى أن قائد الجيش كان يصر على ضرورة أن يرفع حميدتي إليه التقارير، في حين كان حميدتي يقول إن البرلمان المنتخب وحده هو الذي يملك سلطة تحديد تسلسل القيادة. وذكر الدبلوماسي البارز أن أياً منهما لم يرغب في تقديم تنازلات.

من دارفور إلى السلطة

ردد موسى خدام محمد مستشار حميدتي، تصريحات أدلى بها علناً كل من قائد قوات «الدعم السريع» وقوى «الحرية والتغيير»، بأن هناك طرفاً ثالثاً يلعب على الأرض، مما أدى إلى توتر العلاقات بين الجيش والقوات شبه العسكرية.
وقال المستشار: «هناك قوة داخل الجيش رافضة لمسألة التحول الديمقراطي». وأضاف أن مخابرات قوات «الدعم السريع» راقبت اجتماعات حلفاء للبشير يعارضون عملية الانتقال.
وذكر المستشار وقوى «الحرية والتغيير»، أن هذه الكتلة تتألف من أنصار للبشير ومن بينهم إسلاميون. وعادت القوات الموالية للبشير للظهور مرة أخرى بعد انقلاب 2021. وعارضت علناً الاتفاق الإطاري المبرم في ديسمبر، وهو الاتفاق الذي كان يهدف إلى التمهيد لإجراء انتخابات والتحول للحكم المدني.
وقال خالد عمر يوسف الوزير السابق والعضو البارز في قوى «الحرية والتغيير»، لـ«رويترز»: «هدد الاتفاق المساحة التي وجدها عناصر النظام البائد بعد انقلاب 25 أكتوبر؛ لذا فقد أججوا الصراع بين القوات المسلحة و(الدعم السريع)، ويعملون الآن على استمراره بعد اندلاع الحرب».
واتهم أعضاء في قوى «الحرية والتغيير»، المجموعة الموالية للبشير بنشر الشائعات وممارسة ضغوط داخل الجيش.
والبشير مسجون منذ الإطاحة به، لكنه يقضي بعض الأوقات في المستشفى. وأدين بتهم فساد ويحاكم الآن بتهم قيادة انقلاب عام 1989 أوصله إلى السلطة.
وقال الجيش يوم الأربعاء، إن البشير نُقل قبل اندلاع أعمال العنف من سجن «كوبر» مترامي الأطراف إلى مستشفى عسكري مع خمسة من كبار الموالين له، من بينهم مسؤول سابق تتهمه المحكمة الجنائية الدولية مثل البشير بارتكاب جرائم حرب.
وهاجم أنصار للبشير قبل أيام من اندلاع القتال مجموعات مؤيدة للديمقراطية بالقرب من السجن. وفي مطلع الأسبوع الحالي، خرج آلاف النزلاء من السجون في ظروف غامضة.
وكان من بينهم وزير سابق في حكومة البشير مطلوب أيضاً لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب، وكذلك أعضاء كبار آخرون في حزبه.
وعاد محمد طاهر إيلا، الذي كان رئيساً للوزراء وقت سقوط البشير ووُصف من قبل بأنه رئيس مستقبلي محتمل، للظهور علناً في الآونة الأخيرة بعد أن ظل بعيداً عن الأنظار لعدة سنوات.
وفي تجمع مع أنصاره قبل أيام قليلة من بدء القتال، بعث برسالة ملتهبة وتعهد بتقديم «الشهيد تلو الشهيد» للدفاع عن أرض السودان ودينه.
وقال إيلا في لقطات مصورة للاجتماع: «لا مكان فيه (السودان) للإطارية ولا لغيرها». وأضاف: «نحن أقدر من الأمس أن نحمل السلاح وأن نأخذ حقنا بأيدينا».


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

مدعي «الجنائية الدولية»: غالبية الأدلة تثبت التهم ضد «كوشيب»

علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم دارفور (موقع الجنائية الدولية)
علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم دارفور (موقع الجنائية الدولية)
TT

مدعي «الجنائية الدولية»: غالبية الأدلة تثبت التهم ضد «كوشيب»

علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم دارفور (موقع الجنائية الدولية)
علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم دارفور (موقع الجنائية الدولية)

مع بدء المرافعات الختامية ضد المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية في إقليم دارفور(غرب السودان)، علي عبد الرحمن، الشهير باسم «علي كوشيب»، أبلغ مدعي المحكمة الجنائية الدولية قضاة أن «غالبية الأدلة تظهر أن سلوك المتهم وأفعاله تثبت ارتكابه الجرائم المنصوص عليها».

وقال إن علي عبد الرحمن، المشتبه به في أول محاكمة تنظر جرائم الحرب في إقليم دارفور بالسودان قبل عقدين، كان زعيم ميليشيا مرهوب الجانب وأمر بارتكاب فظائع منها القتل والاغتصاب والنهب.

ودفع عبد الرحمن ببراءته من تهمة الإشراف على آلاف من مقاتلي «الجنجويد» الموالين للحكومة خلال ذروة القتال في عامي 2003 و2004. وقال دفاعه إنه ليس زعيم الميليشيا، المعروف أيضاً باسمه الحركي «علي كوشيب». ووصف الدفاع المتهم «كوشيب» في وقت سابق بأنه «كبش فداء» قدّمته الحكومة السودانية للتغطية على المتهمين الرئيسيين، منهم الرئيس المخلوع عمر البشير، ووزيرا الدفاع وقتها عبد الرحيم محمد حسين، والداخلية أحمد هارون.

الادعاء أثبت قضيته

وقال المدعي العام للمحكمة كريم خان، في بيانه الختامي، الأربعاء، إنه خلال المحاكمة التي استمرت عامين، قدّم شهود الادعاء «روايات مفصلة عن القتل الجماعي والتعذيب والاغتصاب واستهداف المدنيين وحرق ونهب قرى بأكملها»، وإن الادعاء أثبت قضيته بما لا يدع مجالاً للشك.

المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (رويترز)

وتمثل المرافعات الختامية نهاية المحاكمة الأولى والوحيدة التي تجريها المحكمة الجنائية الدولية بشأن الجرائم المرتكبة في السودان منذ إحالة مجلس الأمن الدولي القضية إلى المحكمة في 2005، ولا تزال هناك أوامر اعتقال معلقة بحق مسؤولين سودانيين كبار في عهد الرئيس السابق عمر البشير.

واندلع الصراع في دارفور لأول مرة عندما حمل متمردون غير عرب السلاح في وجه حكومة السودان، متهمين إياها بتهميش المنطقة النائية الواقعة في غرب البلاد. وحشدت حكومة السودان آنذاك ميليشيات عربية في الأغلب تعرف باسم «الجنجويد» لقمع التمرد، ما أثار موجة من العنف وصفتها الولايات المتحدة وجماعات حقوق الإنسان بأنها تصل إلى حد الإبادة الجماعية.

ومنذ بدء المحاكمة التي تجريها المحكمة الجنائية الدولية، اندلع الصراع مرة أخرى في دارفور، وتحول الصراع الحالي المستمر منذ 20 شهراً بين الجيش و«قوات الدعم السريع» شبه العسكرية إلى صراع يزداد دموية مع تعثر جهود وقف إطلاق النار. وأعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في يونيو (حزيران) من هذا العام أنه يجري أيضاً تحقيقات عاجلة في مزاعم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية حالياً في دارفور.

ومن المقرر أن تستمر المرافعات الختامية إلى 13 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بمقر المحكمة في مدينة لاهاي الهولندية.

حكومة السودان سلّحت «الجنجويد»

وذكر خان أن حكومة السودان وآخرين كانوا يقومون بتسليح ميليشيا «الجنجويد» من أجل مقاومة «التمرد»، إلا أن الضحايا في هذه القضية «لم يكونوا ثواراً، بل هم مدنيون. وقال في مرافعته إن المحكمة استمعت، في وقت سابق، إلى روايات 81 شاهداً «تحدثوا عن القتل الجماعي والاغتصاب والحرق والتدمير لقرى كاملة وتهجير أهاليها من شعب الفور الذين حتى لا يستطيعون العودة إلى مناطقهم حتى اليوم».

وأضاف أن مئات الرجال من قبيلة الفور تعرضوا للاعتقال والتعذيب في مكجر ودليج بوسط دارفور، وتم هذا على يد المتهم في هذه القضية «علي كوشيب». وتابع: «قدمنا للمحكمة أدلة على جرائم الاغتصاب التي ارتكبها (الجنجويد)، والتي كانت جزءاً من سياسة استراتيجية لـ(الجنجويد) وحكومة السودان ضد شعب الفور».

صورة من الدمار الذي خلّفه القتال في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أرشيفية - أ.ف.ب)

وقال المدعي العام إن كل التهم المسؤول عنها جنائياً المتهم علي كوشيب «تم إثباتها أمام المحكمة، ونأمل أن تأخذ المحكمة بالأدلة الموثوقة من خلال محاكمة نزيهة». وأكد أن المتهم «مسؤول عن جرائم ارتكبت في مناطق كتم وبندسي ومكجر ودريج في أثناء الصراع بإقليم دارفور».

ووصف خان هذه المحاكمة بأنها تمثل بارقة أمل للذين فقدوا أقاربهم وممتلكاتهم، والذين ينتظرون العدالة لمدة 20 عاماً. ويواجه علي كوشيب 31 تهمة تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يُزعم أنها ارتُكبت في إقليم دارفور بالسودان، خلال الفترة بين أغسطس (آب) 2003 وأبريل (نيسان) 2004 بمناطق مكجر وبندسي ودليج وكدوم بوسط دارفور.

وبدأت محاكمة كوشيب أمام الدائرة الابتدائية الأولى، في 5 أبريل 2022، على أثر تسليم نفسه للمحكمة في يونيو 2020، واستجوبت المحكمة، خلال التقاضي، 56 شاهداً، وأغلقت قضية الادعاء في 5 يونيو 2023.