تتكاثف الضغوط الدولية والإقليمية على طرفي القتال في السودان، الجيش وقوات «الدعم السريع» لتثبيت وقف دائم لإطلاق النار، والالتزام بتنفيذ الهدنة على الأرض، لمنع انزلاق الأوضاع في البلاد إلى الأسوأ، لكن طرفي النزاع صعّدا من المواجهات العسكرية على الأرض، إذ شوهد الطيران الحربي للجيش يحلق في مناطق واسعة من العاصمة الخرطوم، فيما تصدت له قوات «الدعم السريع» بالمضادات الأرضية.
وأجرى رؤساء أفارقة وعدد من المسؤولين رفيعي المستوى بدول عربية اتصالات هاتفية برئيس مجلس السيادة قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، وشددوا على ضرورة عودة الأوضاع في السودان إلى طبيعتها. وعلى الرغم من إعلان الجيش و«الدعم السريع» استجابتهما للمبادرات الدولية والإقليمية لتمديد الهدنة الخامسة للأغراض الإنسانية في مناطق الاشتباكات وإجلاء المقيمين الأجانب، فإن كل طرف يتهم الآخر بخرقها.
وجاءت هذه الهدنة بمبادرة أميركية – سعودية، ضمن مساعٍ لوقف الاشتباكات منذ اندلاع الحرب بين الجيش و«الدعم السريع» في العاصمة الخرطوم وضواحيها الطرفية، والتي سقط خلالها المئات من القتلى وآلاف الجرحى من المدنيين، وفرار عشرات آلاف المواطنين من سكان الخرطوم إلى الولايات المجاورة وخارج البلاد.
- اتصالات مع البرهان
ومن جانبها، قالت وزارة الخارجية السودانية، إن رئيس مجلس السيادة تلقى أمس اتصالات هاتفية من رئيس حكومة جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، ورئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، ونائب رئيس دولة الإمارات، الشيخ منصور بن زايد، ووزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، تؤكد أهمية عودة الأوضاع إلى طبيعتها. وأشار بيان الخارجية السودانية إلى اتصالات مماثلة من الآليتين الثلاثية والرباعية بذات الخصوص.
وتضم الآلية الثلاثية، الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة التنمية الحكومية الأفريقية (إيقاد)، فيما تتكون الآلية الرباعية من السعودية وأميركا وبريطانيا والإمارات. وأسهم أعضاء المجموعتين في العملية السياسية لحل الأزمة في السودان بين الجيش و«الدعم السريع».
وتسعى الجهود الدولية إلى حمل الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» على وقف إطلاق النار الدائم، والعودة إلى المحادثات السياسية لتجاوز الاقتتال.
- قصف بالطيران
وقالت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» إن منطقة الصالحة بمدينة أم درمان، تعرضت منذ صباح الجمعة إلى قصف بالطيران وبالمدافع الثقيلة، بالإضافة إلى تبادل إطلاق الرصاص الكثيف وسط الحي السكني. وأفادت مصادر أخرى بسماع أصوات متقطعة للطائرات وللمضادات الأرضية في ضواحي حي أمبدة بذات المدينة، واشتباكات أخرى في أحياء متفرقة من الخرطوم. وشاهد مواطنون تحدثوا للصحيفة انتشاراً كبيراً لقوات «الدعم السريع» في الكثير من المناطق السكنية المتاخمة لمقر قيادة الجيش الرئيسي في قلب الخرطوم، وفي أحياء أخرى. كما رصد شهود اشتباكات مباشرة ومحدودة بالأسلحة الخفيفة في عدد من الأحياء السكنية وسط المدنيين.
ومن جانبه، اتهم المتحدث الرسمي باسم الجيش السوداني، نبيل عبد الله، قوات «الدعم السريع» بإطلاق النار على طائرة إجلاء تركية في أثناء هبوطها بمطار «وادي سيدنا» العسكري شمال أم درمان. وأضاف في بيان: «تصدت قواتنا لهجوم فاشل من (الدعم السريع) في منطقة جبل أولياء جنوب الخرطوم، وكبدته خسائر كبيرة». وقال المتحدث باسم الجيش إن «قواتنا تمكنت من صد وتدمير هجوم (الدعم السريع) على قوات الدفاع الجوي بالمنطقة، وجرى تدمير 9 سيارات قتالية، وتسلُم مدفعين مضادين للطائرات وأسلحة ومعدات مختلفة.
- منطقة «وادي سيدنا»
بدورها، قالت قوات «الدعم السريع» إنه «لا صحة لاستهدافنا لأي طائرة»، مشيرة إلى أن منطقة «وادي سيدنا» لا تقع تحت سيطرتها، وليست لديها في محيطها أي قوات. وأكدت قوات «الدعم السريع» في بيان التزامها بشكل صارم بالهدنة الإنسانية، بناءً على المبادرة الأميركية السعودية لوقف إطلاق النار في البلاد، لكنها اتهمت قادة الجيش بخرق الهدنة.
وذكر البيان أن طيران الجيش هاجم تمركز لقوات «الدعم السريع» بالطائرات والمدافع في قواعدها بمنطقة جبل أولياء ومناطق أخرى في مدينة أم درمان، وأضاف: «نود أن نلفت نظر أطراف المبادرة إلى أن هذه الخروقات تثبت بشكل واضح تعدد مراكز اتخاذ القرار داخل قيادة الجيش منذ اندلاع الأزمة».
ويكرر قائد «الدعم السريع»، الفريق محمد حمدان دقلو الشهير بـ«حميدتي» الاتهامات لرموز الإسلاميين وقادة نظام الرئيس المعزول عمر البشير، بالوقوف وراء إثارة الحرب الحالية.
ورحب أعضاء الآليتين «الثلاثية» و«الرباعية» في بيان أمس الجمعة، بإعلان الجيش و«الدعم السريع» على تمديد وقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة إضافية بدأت مساء الخميس، ويدعون إلى تنفيذه بالكامل. وأضاف البيان: «نرحب أيضاً باستعداد الطرفين للدخول في حوار من أجل التوصل إلى وقف دائم للأعمال العدائية، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق. وأشار البيان إلى أن هذه الخطوات ستسهم في المرحلة الأولية من الدبلوماسية في إنشاء عملية للتوصل إلى تحقيق وقف دائم للأعمال العدائية، ووضع ترتيبات إنسانية، والعمل على تطوير خطة لوقف التصعيد الميداني».
- «الجبهة المدنية»
سياسياً وقّعت الأحزاب السياسية الرئيسية، والفصائل المسلحة، ولجان المقاومة الشعبية على بيان تأسيس «الجبهة المدنية» لإيقاف الحرب، واستعادة المسار المدني الديمقراطي في البلاد، ويدعو البيان إلى إيقاف فوري للحرب، وإسكات صوت البنادق، والسعي لتوفير الاحتياجات الإنسانية والصحية والخدمية للمواطنين في المناطق المتأثرة بالحرب. وشدد البيان التأسيسي على استعادة الانتقال المدني الشامل، والخروج الكامل للمؤسسة العسكرية من الحياة السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى الإصلاح الأمني والعسكري لتأسيس جيش مهني واحد عبر الحوار السلمي.
واندلعت الاشتباكات في منتصف أبريل (نيسان) الحالي عقب خلافات حادة بين الجيش و«الدعم السريع» بشأن عملية الإصلاح الأمني والعسكري، ودمج قوات الأخيرة في جيش واحد، وعرقلة الحرب الدائرة في الخرطوم وولايات أخرى إكمال العملية السياسية التي وصلت إلى مراحل متقدمة لعودة الجيش للثكنات، وتشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية في البلاد.