زيوت الطعام المستعملة فرصة واعدة لإنتاج وقود صديق للبيئة

السيارات الكهربائية أصبحت تمثل تهديداً لمستقبل شركات النفط والوقود التقليدي (رويترز)
السيارات الكهربائية أصبحت تمثل تهديداً لمستقبل شركات النفط والوقود التقليدي (رويترز)
TT

زيوت الطعام المستعملة فرصة واعدة لإنتاج وقود صديق للبيئة

السيارات الكهربائية أصبحت تمثل تهديداً لمستقبل شركات النفط والوقود التقليدي (رويترز)
السيارات الكهربائية أصبحت تمثل تهديداً لمستقبل شركات النفط والوقود التقليدي (رويترز)

بعد أن فرضت السيارات الكهربائية نفسها على صناعة السيارات خلال السنوات الأخيرة، وأصبحت تمثل تهديداً لمستقبل شركات النفط والوقود التقليدي، بدأت شركات عديدة البحث عن سبل لمواجهة الوافد الجديد.
ومن بين هذه الشركات شركة النفط الأميركية العملاقة «شيفرون» التي طورت مزيجاً من البنزين المتجدد واستخدمته مع ثلاث سيارات من إنتاج شركة «تويوتا موتور كورب» اليابانية، أرسلتها في رحلات عبر الولايات المتحدة لكي تثبت أن هذا النوع يعد خياراً أفضل من السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات، بالنسبة للتخلص من الوقود الكربوني في قطاع النقل.
وبحسب شركة «شيفرون»، فإن الوقود الأحفوري يمثل أقل من نصف مكونات المزيج الجديد الذي تقل كثافة الكربون فيه بنسبة 40 في المائة عن البنزين التقليدي.
وقال المحلل الاقتصادي المتخصص في موضوعات الطاقة ديفيد فيكلنج، في تحقيق نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء إن تجربة سيارات تويوتا ليست عرضاً تسويقياً؛ حيث أنفقت «شيفرون»، في العام الماضي، 3.15 مليار دولار للاستحواذ على شركة رينيوبل إنيرجي غروب (آر إي جي) الرائدة في إنتاج الديزل الحيوي.
وتكمن أهمية هذه الصفقة في خبرة شركة «آر إي جي» في تحويل المخلفات إلى وقود؛ حيث تحصل على نحو 70 في المائة من خامات تشغيل مصافي الوقود الحيوي الخاصة بها من مخلفات الزيت ومخلفات الإنتاج الزراعي.
بالطبع الأمر يبدو مغرياً. فمن السهل نسبياً تحويل أنواع السكر والزيوت النباتية الموجودة في خزانة المطبخ إلى وقود حيوي، لكن لا يمكن إنتاج الكثير من الوقود من هذه المواد. فاستخدام فول الصويا وقصب السكر لإنتاج وقود السيارات، يعني عدم استخدامهما في إنتاج الطعام. وفي ظل وجود سوق عالمية للإنتاج الزراعي، فإن استخدام المنتجات الزراعية لإنتاج الوقود الحيوي يعني حرمان أكثر من 10 في المائة من سكان العالم من الطعام.
وحتى التسعينات كانت حصة الوقود الحيوي من الإنتاج الزراعي في الولايات المتحدة صفراً، لكن هذه الحصة زادت خلال السنوات التالية على حساب حصة الصناعات الغذائية.
ومع ذلك يمكن أن تكون المخلفات التي يتم إلقاؤها في مكبات النفايات أو محطات معالجة مياه الصرف، بديلاً جيداً لإنتاج الوقود الحيوي. ويمكن تحويل ملايين اللترات من بقايا زيت الطعام المستعمل في المنازل ومصانع الأغذية والمطاعم إلى مصدر دائم للدخل بتحويلها إلى وقود للسيارات من خلال مصانع الوقود الحيوي. ويمكن من خلال معالجات كيماوية بسيطة تحويل زيت الطعام المستعمل إلى مادة قابلة للمزج مع الوقود الأحفوري لتشغيل السيارات. لكن تظل المشكلة قائمة لأن كميات زيت الطعام المستعمل لا تكفي لتلبية الطلب على الوقود الحيوي.
إن العالم ينتج أكثر من 200 مليون طن من الزيوت النباتية سنوياً. لكن إنتاج النفط يصل إلى نحو 5 مليارات طن سنوياً، لذلك فإن كل إنتاج العالم من الزيوت النباتية لا يكفي احتياجات السيارات في العالم لأكثر من أسابيع عدة. كما أن الأغلبية الساحقة من الزيوت النباتية لا تتحول بالطبع إلى مخلفات وإنما يستهلكها البشر أو الحيوانات وتتحول إلى أنسجة حية.
ووفق أكثر التقديرات تفاؤلاً فإن إمدادات زيت الطعام المستعمل في العالم ستصل إلى أكثر من 28 مليون طن سنوياً في عام 2030، تكفي لتحل محل نحو 0.5 في المائة من إنتاج الوقود الأحفوري في العالم. ويمكن إضافة نحو 10 ملايين طن إلى هذه الكمية من خلال معالجة الدهون الحيوانية. معنى هذا أن استخدام زيت الطعام المستعمل لن يؤثر كثيراً في جهود خفض الانبعاثات الكربونية كما يقال.
لكن هل توجد لدينا طرق لجمع المزيد من بقايا زيوت الطعام؟
بحسب فيكلنج، فإنها ليست كثيرة، فأحد التحديات التي تواجه إمدادات الزيوت المستعملة هي أنه يمكن الحصول عليها من المطاعم ومصانع الأغذية والمنازل التي لا تعد ولا تحصى، وبالتالي من الصعب تجميعها على نطاق صناعي. ورغم ذلك فإن السعر المرتفع لمزيج وقود زيت الطعام المستعمل، يمكن أن يمثل حافزاً اقتصادياً إضافياً بالنسبة لجامعي المخلفات لتوفير هذه الإمدادات، لكن الأمر ينطوي أيضاً على عواقب غير مقصودة.
ففي الولايات المتحدة، انتشرت خلال السنوات الأخيرة موجة جرائم صغيرة لسرقة زيت الطعام المستعمل الذي يطلق عليه غالباً اسم «الذهب السائل».
وفي أوروبا، يقول نشطاء ومنتجو الوقود الحيوي إن الزيوت المستوردة من آسيا باعتبارها مخلفات هي غالباً زيوت غير مستعملة مثل زيت النخيل، ويتم غشها لكي تبدو زيوتاً مستعملة. هذه الممارسات ليست مفاجأة إذا علمنا أن سعر زيت الطعام المستعمل في الصين مثلاً يزيد على سعر العقود الآجلة لزيت النخيل في ماليزيا بنسبة 29 في المائة في المتوسط، وهو ما يعني أن هذه الممارسات غير القانونية تتيح للمتعاملين ربحاً بنحو 300 دولار في كل طن زيت نخيل يتم تصديره باعتباره زيوتاً مستعملة.
بالطبع ليس سيئاً أن يؤدي التوسع في استخدام وقود المخلفات إلى تشجيع سلاسل الإمداد على تحويل المخلفات إلى ثروة. وإذا كنا جادين في بناء اقتصاد دائري مستدام، يعيد استخدام المنتجات والمخلفات بدلاً من إلقائها في مكبات النفايات، يجب توفير البنية التحتية اللازمة لدعم هذا التحول.
أخيراً يقول فيكلنج، إنه من الخطأ تصور أن استخدام زيت الطعام المستعمل لإنتاج الوقود سيؤدي إلى تراجع كبير في الطلب على النفط. كما أن شركة «شيفرون» ترغب في الترويج لهذا الوقود المتجدد، ليس لأنه سيقلل استهلاك النفط الخام، وإنما لأنها تأمل في أن يساعد ذلك في التصدي للخطر الذي تمثله السيارات الكهربائية على شركات النفط والوقود التقليدي. فعلى مدى عقود اعتدنا استخدام بقايا الدهون في صناعة سلع استهلاكية مثل الصابون ومستحضرات التجميل ومرطبات البشرة. ومثل كل تلك المنتجات، فإن تأثير استخدام زيوت الطعام المستعملة على الطلب على النفط سيكون مجرد تأثير تجميلي.



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.