وسط ظلام الليل، كان عشرات المدنيين يغادرون السفينة التي أقلتهم من السودان إلى مدينة جدة الساحلية في السعودية، وقد بدوا منهكين... وروى بعضهم لوكالة الصحافة الفرنسية، لحظات القلق والتوتر والمخاطر التي مرّوا بها في رحلة إجلائهم من البلاد التي اشتعلت فجأة بحرب دامية قبل أكثر من 10 أيام، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
في قاعدة الملك فيصل على البحر الأحمر، رست السفينة التابعة لسلاح البحرية السعودي ليل الاثنين - الثلاثاء. بين الخارجين منها، نساء مسنات على كراسي متحركة، وأطفال نائمون على أذرع والديهم، وأشخاص حملوا حقائب ممتلئة بما قرّروا أخذه معهم عندما قرّروا الهروب من المعارك والضربات الجويّة وتضاؤل المواد الغذائية والتموينية والسيولة. وبلغ عدد الواصلين نحو مائتين، في ثاني رحلة من نوعها خلال الأيام الأخيرة، ينتمون إلى 14 دولة.
وقال اللبناني سهيب عائشة الذي يدير مصنع بلاستيك في السودان منذ أكثر من 10 سنوات: «الحمد لله ربّ العالمين، خرجنا سالمين بعد أن قطعنا طريقاً طويلة من الخرطوم إلى مدينة بورتسودان استغرق نحو 10 أو 11 ساعة». وروى سهيب وهو يحمل طفلته، لوكالة الصحافة الفرنسية، أن رحلة السفينة «من بورتسودان إلى جدّة استغرقت بحدود 20 ساعة».
وقالت امرأة لبنانية رفضت الكشف عن اسمها: «كان هناك كثير من اللحظات الصعبة، شعرنا خلالها بالخوف والتوتر والقلق». وأضافت: «لم نكن ننام ولا نأكل ولا نشرب. لقد عشنا أياماً صعبة».
واندلعت المعارك في السودان في 15 أبريل (نيسان)، بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، الذي كان حليفاً للبرهان ونائباً لقائد الجيش قبل أن يتحولا إلى خصمين. وأدى القتال إلى مقتل 427 شخصاً على الأقل وإصابة نحو 4 آلاف بجروح، وفق وكالات الأمم المتحدة، ووضع نظام الرعاية الصحية تحت ضغط هائل للتعامل مع حصيلة متزايدة من الضحايا. ويواجه كثرٌ حالياً نقصاً حاداً في المياه والغذاء والأدوية والوقود، إضافة إلى انقطاع الكهرباء والإنترنت.
وفي وقت متأخر الاثنين، أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، موافقة طرفي النزاع على وقف إطلاق النار 3 أيام، بدءاً من الثلاثاء. لكن أصوات إطلاق النار والانفجارات كانت لا تزال تسمع صباح اليوم في الخرطوم وغيرها من المناطق. وعبّر الأشخاص الذين وصلوا إلى الأراضي السعودية الاثنين، عن ارتياحهم لخروجهم من السودان، حيث أعلنت لجنة الأطباء أن المعارك تسبّبت في «انهيار كامل وشامل لنظام الرعاية الصحية» في البلاد، وأدت إلى امتلاء «المشارح والشوارع بالجثث».
وقال السعودي فهد السهيل الذي كان يرتدي الزي التقليدي بعد نزوله من السفينة: «بدأت حرب طاحنة قوية في الحقيقة. انتقلنا من الخرطوم إلى سنجة، وفي طريقنا كانت هناك مناوشات وإطلاق نار، لكننا سلكنا طريقاً صحراوية إلى كسلا ثم إلى بورتسودان». وأعلنت السعودية إنجاز أول عملية إجلاء لمدنيين من السودان إلى جدّة السبت، شملت أكثر من 150 شخصاً، بينهم دبلوماسيون أجانب ومسؤولون. وفي وقت سابق الاثنين، نقلت طائرة عسكرية نحو 30 شخصاً من رعايا كوريا الجنوبية إلى قاعدة الملك عبد الله الجوية في جدّة.