مخاوف من تجدّد «الارتباكات النقدية» في لبنان

احتياطي العملات الصعبة مستقر عند مستوى قريب من 9.5 مليار دولار

متقاعدون من أجهزة الأمن اللبنانية يتواجهون مع جنود لبنانيين خلال احتجاجات في بيروت يوم 18 أبريل الحالي (أ.ب)
متقاعدون من أجهزة الأمن اللبنانية يتواجهون مع جنود لبنانيين خلال احتجاجات في بيروت يوم 18 أبريل الحالي (أ.ب)
TT

مخاوف من تجدّد «الارتباكات النقدية» في لبنان

متقاعدون من أجهزة الأمن اللبنانية يتواجهون مع جنود لبنانيين خلال احتجاجات في بيروت يوم 18 أبريل الحالي (أ.ب)
متقاعدون من أجهزة الأمن اللبنانية يتواجهون مع جنود لبنانيين خلال احتجاجات في بيروت يوم 18 أبريل الحالي (أ.ب)

يخضع الوضع النقدي المأزوم أساساً في لبنان، وبالتالي التهدئة النسبية السائدة في أسواق المال، لامتحان حرج في الأيام والأسابيع المقبلة، بفعل الازدحام الاستثنائي لحزمة من العوامل المؤثرة في مساره وفي إدارة السيولة الشحيحة بالعملات الصعبة، وما تفرضه من إجراءات إضافية للتحكم بتدفقاتها وسد ما تحفل به من ثغرات، ومنع استغلالها من قبل تجار العملات؛ توخياً لاستعادة أجواء المضاربات الساخنة على العملة الوطنية.
وترصد الأوساط المالية والمصرفية باهتمام بالغ تأثير التغييرات الحيوية ذات البعد التقني التي ستطرأ على حركتي العرض والطلب في أسواق العملات، بنتيجة تزامن بدء صرف الزيادات المضاعفة على رواتب القطاع العام واعتماد بدلات النقل الجديدة، مع ترقب الأسواق لترجمة توجّه وزارة المال لإقرار رفع سعر الدولار الجمركي مجدداً ليعادل سعر الصرف المعتمد على منصة «صيرفة».
فيما يتوازن معهما في الخانة الإيجابية عامل ضخ كميات وازنة من الدولار الطازج (الفريش)، والمحقّق بالنشاط السياحي الإيجابي الذي رافق عطلات الأعياد المتتالية خلال الشهر الحالي.
وبالتوازي، يشير مسؤول مالي معني إلى أن حركة العرض والطلب في أسواق القطع تتداخل تلقائياً مع مركزية القرار النقدي وتؤثر مباشرة فيها، بحيث يتقاطع الاهتمام بمتابعة الملف القضائي الأوروبي - وبالتحديد الفرنسي الذي يخص حاكم البنك المركزي رياض سلامة والمقبل على استحقاق موعد المثول أمام قاضية فرنسية - مع ارتفاع وتيرة التداول بضرورة التلافي المبكر للشغور المحتمل في رأس هرم السلطة النقدية بعد انتهاء الولاية القانونية للحاكم بنهاية شهر يوليو (تموز) المقبل.
وفي ظل غياب الإفصاحات الرسمية للكلفة الإجمالية الناجمة عن قرارات الزيادات التي قررها مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة، تتوافق التقديرات على توقع ارتفاع كتلة مخصصات القطاع العام والبدلات بنحو 4 آلاف مليار ليرة، مما سيرفع القيمة التبادلية للرواتب وحدها إلى 75 مليون دولار شهرياً عبر منصة البنك المركزي، ويزيد بالتالي حجم الكتلة النقدية بالليرة، وفقاً لسعر الصرف الساري في الأسواق الموازية.
ووفق معلومات المسؤول المالي، فإن البنك المركزي سيواكب هذه المستجدات بضخ ما تتطلبه من دولارات نقدية لصالح موظفي القطاع العام والمتقاعدين عبر منصته بدءاً من الأسبوع الحالي، بحيث سيكفل تصريف المبالغ الجديدة لصالح نحو 280 ألف موظف في القطاع العام، والناجمة عن زيادات جديدة بمعدل 4 أضعاف على أساس الرواتب للعاملين المدنيين في القطاع العام و3 أضعاف للمنضوين في الأسلاك العسكرية والأمنية، إضافة إلى المستحقات العائدة لآلاف المتقاعدين والمتعاقدين التابعين للإدارات والمؤسسات العامة.
ويستدل من الإحصاءات المحدّثة لميزانية البنك المركزي على أن احتياط العملات الصعبة لا يزال مستقراً عند مستوى قريب من 9.5 مليار دولار، واستقرار موازٍ لكتلة الليرة بحدود 66 تريليوناً، مما يمنح قوة دفع لقرار تنفيذ المبادلات. بل إن المخزون سجل زيادة في النصف الأول من الشهر الحالي بنحو 88 مليون دولار، رغم التدخل المفتوح في عرض بيع الدولار النقدي عبر المنصة، وبإجمالي تداولات تعدت 1.5 مليار دولار منذ 21 مارس (آذار) الماضي.
وهو ما يؤشر إلى أن حجم العمليات المحقق لا يعكس فقط مبيعات العملة الأميركية، إنما هو حصيلة قيود عمليات الشراء والبيع التي ينفذها مدير المنصة، أي المصرف المركزي، وبمشاركة المصارف وشركات الصرافة وتحويل الأموال.
وبمعزل عن مواقف جمعيات ونقابات الإدارات العامة بعدم كفاية هذه الزيادات وترجيح قرارها بالاستمرار في الإضراب العام، تبدو مهمة البنك المركزي غير سهلة لوقت طويل في تأمين استمرارية تصريفها بالدولار بسعر منصة «صيرفة»، والذي يحقق زيادة إضافية بنسبة تقارب 10 في المائة على المبلغ بالليرة، قياساً بالفوارق الحالية بين 87 ألف ليرة للدولار ومتوسط سعر 97 ألف ليرة لكل دولار في الأسواق الموازية.
وبالتوازي، يربط المسؤول المالي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، المدى الزمني لدور البنك المركزي في حماية قيمة الرواتب عبر ربطها بسعر شبه مستقر للدولار، بفاعلية الإجراءات المواكبة التي ستنفذها وزارة المال على مسارين متوازيين، بحيث يقضي الأول بتحسين جباية الضرائب والرسوم والمرتبط حكماً بعودة الموظفين إلى ممارسة مهامهم في الإدارات والمؤسسات العامة، فيما يؤمل أن يحقق الثاني والمرتبط برفع سعر الدولار الجمركي زيادات أكبر في موارد الخزينة، فضلاً عن التوسع أكثر في سحب الكتلة النقدية المحررة بالليرة عبر فرض السداد النقدي بنسب عالية لكُلف الخدمات والضرائب والرسوم الحكومية.
ويصطدم التدبير الخاص بالدولار الجمركي برفض الهيئات الاقتصادية التي بادرت إلى المطالبة، وبإلحاح، بعدم رفعه إلى ما يوازي دولار منصة «صيرفة»، والتوقف عند سقف 60 ألف ليرة، لإعطاء الوقت الكافي لدراسة أثر زيادة الدولار الجمركي من 45 ألف ليرة إلى 60 ألف ليرة، ومن ثم النظر في إمكانية زيادته مرة جديدة بعد أقل من 15 يوماً.
وفي هذا الإطار، أكدت الهيئات تفهمها لحاجات الدولة التمويلية، لكنها في الوقت نفسه حذرت من أن استسهال تأمين الإيرادات عبر زيادة الدولار الجمركي سيكون له تداعيات اجتماعية وحياتية خطرة وإخلالات اقتصادية لا تحمد عقباها، مشيرة إلى أبواب أخرى يمكن اللجوء إليها، ومنها مكافحة الاقتصاد غير الشرعي الذي بات يشكل أكثر من 50 في المائة من حجم الاقتصاد الوطني.
أما بشأن الوضع القانوني لحاكم المصرف «المركزي»، سواء لجهة الملفات المثارة ضده من قبل قضاة في لبنان وخارجه، أو لجهة قرب انتهاء ولايته، فإن تقييم تفاعلات هذا الأمر، وفقاً للمسؤول المالي، سيتناسب حكماً مع المستجدات المرتقبة على المسارين، ولا سيما أن نسب الأرجحية أقرب حالياً إلى التوازي بين كفتي الإيجابية والسلبية، علماً بأن هناك إشارات مبطنة إلى إمكان إقدام الحكومة، وتحت سقف «تفاهمات سياسية»، على الحسم المبكر، وربما خلال الشهر المقبل، لمسألة تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

لبنان يتقدم بشكوى إلى مجلس الأمن بعد «الاستهداف الإسرائيلي المتعمّد» للجيش

عناصر من الجيش اللبناني على متن آليات عسكرية (أرشيفية - رويترز)
عناصر من الجيش اللبناني على متن آليات عسكرية (أرشيفية - رويترز)
TT

لبنان يتقدم بشكوى إلى مجلس الأمن بعد «الاستهداف الإسرائيلي المتعمّد» للجيش

عناصر من الجيش اللبناني على متن آليات عسكرية (أرشيفية - رويترز)
عناصر من الجيش اللبناني على متن آليات عسكرية (أرشيفية - رويترز)

قالت وزارة الخارجية اللبنانية، اليوم (الثلاثاء)، إن بيروت ستتقدم بشكوى جديدة ضد إسرائيل لمجلس الأمن، لمواجهة الاستهداف المتصاعد والمتعمد لقوات الجيش اللبناني.

وأضافت في بيان نشرته على منصة «إكس»، أن الاستهداف الإسرائيلي المتعمد لقوات الجيش اللبناني تصاعد بشكل ملحوظ في نوفمبر (تشرين الثاني)، وأن الهجمات الإسرائيلية المتعمدة على قوات الجيش اللبناني قتلت في أسبوع 10 أفراد وأصابت 35 بينهم حالات حرجة.

وأشارت «الخارجية» اللبنانية إلى أنها أوعزت لبعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، تقديم شكوى جديدة أمام مجلس الأمن الدولي، وفنّدت الشكوى «الاعتداءات الخطيرة على الجيش ومراكزه وآلياته التي سُجّلت في الفترة من 17 ولغاية 24 نوفمبر 2024 في قرية الماري، والصرفند، وطريق برج الملوك - القليعة، والعامرية في جنوب لبنان».

ودعا لبنان في شكواه، الدول الأعضاء في مجلس الأمن، إلى إدانة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الجيش، وعدّها خرقاً فاضحاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والقرارات الدولية، لا سيما القرار 1701.

وأوضح أن استهداف إسرائيل للجيش اللبناني «يُعدّ رسالة واضحة من إسرائيل برفضها أي مبادرات للحل، وإصرارها على التصعيد العسكري بدلاً من الدبلوماسية».